جور نار
ورقات يتيم … الورقة 65
نشرت
قبل 3 أشهرفي
عبد الكريم قطاطة:
في 4 افريل من سنة 1980 كتبت في دفتري الخاص بحكايتي مع كوكتيل من البريد الى الاثير الفقرة التالية {ان العمل الاعلامي الذي لا يرمي صاحبه من ورائه الى تحريك ذهنه وذهن المستهلك … الى اسعاد هذا المستهلك بالاخذ والعطاء، هو عمل محنّط وفاقد لكلّ جدوى… وانا رفضت وسأبقى رافضا كلّ ما من شأنه ان يضعني في بوتقة اولئك الذين يعيشون خارج التاريخ … اولئك الصراصير التي تُزعج ولا تُجدي …انا رفضت وسأبقى رافضا ان اكون صرصارا …}
نعم كان ذلك بعد ثلاثة اشهر فقط من ولوج دنيا التنشيط الاذاعي عبر بوابة من البريد الى الاثير والذي اضفت له كلمة كوكتيل حتى اجسد التنوّع فيه… ولسائل ان يسأل… لماذا تلك التدوينة ..؟؟ ما الاسباب …؟؟؟ في اية مؤسسة هنالك ثلاثة اصناف تقريبا من الزملاء ..هنالك الزميل العياش …الذي لم يهمه يوما ما يحدث لا في مؤسسته ولا في مدينته ولا في بلده …يعيش يومه خالي الذهن من كل ما يحدث وفلسفته في ذلك (لا تدخّل يدك لمغاور لا تلسعك عقارب) … وهؤلاء داخلون في الربح خارجون من الخسارة… هم ينتفعون بكل ما هو ايجابي،خاصة ماديا، ولا خوف عليهم ولا هم يتظاهرون او يعتصمون او يرفعون اصواتهم هاتفين مطالبين مندّدين … هم من نوع (ياكلو البصل بافواه غيرهم)…وللامانة هم ليسوا كلّهم خبثاء او (محاسبية) بل هناك العديد منهم بسطاء الى حد الغباء …
الصنف الثاني من الزملاء وهم قلّة، هم اولئك الذي يشاركونك اشياء عديدة فكرا وقناعات … عندما تلتقيهم ترى في اعينهم البهجة الحقيقية ..تشتمّ فيهم رائحة الحبق والنعناع ..تسمع في اصواتهم الحب وللحب اصواته الجميلة ايضا والعذبة والشهية … وهنالك الصنف (المُريع) وكأنهم خُلقوا ليكون الواحد منهم (عُبّيثة) وهي كلمة يخوّفوننا بها ونحن اطفال وتعني جنّية مختفية ترانا ولا نراها ..وهؤلاء فعلا عُبّيثات لأنهم يروننا دون ان نراهم… عيونهم وراءنا… انوفهم وراءنا ..كالقدر المحتوم كالقضاء …هم غير قادرين على الحب امّا لأن الكفاءة تعوزهم او لأنّهم يريدونك مثلهم او (ومللخّر) مايحبوكش تكون كيف ما انت، يلزم تكون كيف ما يحبو هوما…
ولأنني خُلقت ومنذ طفولتي من فصيلة (اخيب منها ما ثمّاش): الرفض القاطع للتسليم بالامر الواقع او ما يعبّر عليه البعض بـ” التأقلم مع الاوضاع حتى ولو كانت مخالفة لقناعاتك” … عندي انا يعياو وهوما يقبضوا… والا ما فائدة ما تعلمته في دراستي منذ (اقرأ باسم ربّك الذي خلق) وفي “اقرأ” تكمن الدعوة الى الغوص في بحار من المعرفة الى آخر جوهرة طالعتها منذ ايام والتي تقول (يُرمى الحجر في بئر ثمّ ينتظر ليسمع صوت ارتطامه بالماء كذلك من لا يحبك يشتمك وينتظر ردّك فدعه يدرك ان بئرك اعمق) .. والشتيمة انواع منها الصريحة والعلنية (اي وجها لوجه) وقلّ من تجد في تلك الفترة من له الجرأة ليفعلها… او من وراء ظهرك امّا سخرية واستهزاء وتعود تلك الاغنية (اش يحسايب روحو) او بنصب الفخاخ …
للامانة وجدت في المدير انذاك الزميل قاسم المسدّي تشجيعا مطلقا ودون اي تدخّل في عملي ..من جهة هو يعرفني عن قرب ويثق في قدراتي، ومن جهة ثانية الكوكتيل اصبح برنامجا جماهيريا ومنذ الشهر الاول لانطلاقه ..يكفي هنا ان اذكر بعض الارقام للتوثيق ..الكوكتيل تصله شهريا قرابة الاربعة آلاف رسالة رغم اني حددت المراسلة لكل مستمع برسالة واحدة في الاسبوع… وهذا اصبح رقما قياسيا في اذاعة صفاقس ويليه انذاك برنامج ابوسهيل (دبّر عليّ)… ثم الكوكتيل اصبح قبلة الحوارات والتعاليق في الصحافة… كل هذا يُحسب ضمنيا للمسؤول الاول عن اذاعة صفاقس اي مديرها ..لذلك خصّص لي المدير تقنيين اثنين على ذمّتي (الزميلين عبدالحميد سلّام ونورالدين بن حميدة) للقيام بكل عمليات التسجيل والمونتاج لمواد الحصّة يوميا… علاوة على سنّ عادة ما يسمّى بالحصص الخاصة كاعيادنا الدينية وراس السنة وعيد ميلاد اذاعة صفاقس ..والاحداث الثقافية الهامة كريبورتاجات عن مسرحيات مهمة (غسالة النوادر مثلا) وحفلة مارسيل خليفة بصفاقس حيث اعددت اول حصة اذاعية في تونس على امتداد ساعة لمارسيل .. الذي كان لا يذاع الا في اذاعة تونس الدولية (ار تي سي اي)… مارسيل كان يمثل الاغنية الملتزمة وذاك يعني الخطر في الاعلام …وقامرت به وبالعاشقين ويفرقة البحث الموسيقي بقابس ونجحت …كنت من نوع (اللي نطلب نلقى)…
ولكن في المقابل كنت اعمل يوميا للكوكتيل 16 ساعة دون مقابل مادي ..كنت اكتفي بمرتبي الشهري فقط ..لان هنالك قناعة في داخلي تقول: “متى قبضت اجرا على انتاجك ستصبح اجيرا عند العرف” …انذاك من حقّه ان يُدخلك شيئا فشيئا في اجندته .. اي تصبح بيدقا اعلاميا يحركك كما يشاء و (اطعم الفم تستحي العين)… ولهذا السبب كنت انتج دون مقابل مادّي باستثناء سنة واحدة وسآتي لتفاصيلها في ورقات قادمة ….. كانت ثقته عمياء فيّ وحتى ان حدثت هزة ما، كان يقول لي (اللي شبكها يخلّصها، دبر راسك)…
في هذا الباب اتذكّر جيدا حادثة وقعت لي مع تلميذة في الثانوي باحد معاهد المحرس ..كنت ذهبت لتسجيل ركن (مع احباء البرنامج على عين المكان) مع مستمعي بالمحرس… ووقع ان تدخلت تلميذة لتعبّر عن غضبها من احد المدرسين بمعهدها باسلوب فيه خدش لكرامة ذلك الاستاذ… وكان عليّ ان احذف بعض عباراتها المنافية لقواعد المهنة في المونتاج وسهوت عن ذلك… وما ان انتهيت من بث البرنامج يومها حتى وجدت سي قاسم ينتظرني مكفهرّ الوجه وعيناه جاحظتان …دون مقدمات قال (اش عملتلك يا وخيّ علاش احنا ناقصين ؟؟؟)… سالت: اش ثمة؟ ..قال: هاكة الريبورتاج متاع المحرس وهاكي التلميذة واللي قالتو في استاذها… الدنيا شعلت والنقابة صعّدت والاساتذة مڨرّفين على التدريس … والوالي كلمني وما لقيت اش نقللو… دبّر راسك حلّلي هالمشكلة في اقرب وقت يبارك فيك …
نظرت اليه مليا وقلت له (ساعة ونصف ويوفى المشكل) ..نظر اليّ باستغراب وقال لي (كيفاش هذي؟ انا نقللك الدنيا خايضة وانت تقللي ساعة ونصف؟) ..قلتلو: عندك ثيقة فيّ؟… قللي: بيان سير… قلتلو “انا راجعلك”… حملت اشرطة تسجيل عذراء …لم يطمثها انس ولا جان .. وهذي في العموم لا توجد الا في الجنة … وركبت سيارتي وماهي الا نصف ساعة وكنت بالمحرس ..استقبلني المدير وللامانة بترحاب وطلبت منه ان التقي الاساتذة المضربين ونقابتهم ..وكان لي ذلك في الحين … طرح الاشكال عندي كان يجب ان يكون بكل نزاهة وشفافية مطلقة ..اولا برّأت التلميذة من المسؤولية لأنها صغيرة السن وحمّلت نفسي المسؤولية الكاملة بل ورجوتهم عدم معاقبة تلك التلميذة ثم اضفت: (من حقكم ان تسجلوا ما شئتم في ردّكم… انا هنا لاعطيكم حقكم المشروع حق الرد ثم ساسجّل امامك بصوتي اعتذاري دون ايّ اشكال وبكل صدق… ولعلّ من يعرفني منكم يعرف اني صادق مؤمن وواع بما اقول) ..
تقدّم احد الاساتذة ليتحدّث باسمهم وقال: (يا سي عبدالكريم، المؤلم انّ ما حدث وقع في برنامجك انت بالذات …ولم نتصور لحظة واحدة ان تسمح لنفسك بتمرير تلك العبارات…) لم اتركه يُكمل وقلت: انا جئتكم من صفاقس لاعتذر لكم جميعا… العملية لا تعدو ان تكون سهوا غير مقصود البتة، ولكن في نفس الوقت وانتم تعرفون ذلك جيدا، انا لست هنا لاستجديكم ومن حقكم رفض اعتذاري واعود من حيث اتيت ولكم الخيار… عاد نفس الاستاذ ليقول: (التقطيعة جات في الحجر )… والله جات معاك انت والا الدنيا نقلبوها… وفعلا سجلت لهم حقهم في الردّ ولم اغادر المعهد الا بعد ان رجع الجميع لتلاميذهم ولواجباتهم …
عندما وصلت الى الاذاعة راجعا من المحرس وجدت سي قاسم ينتظرني وهو مستبشر سعيد… نظرت اليه وقلت له: اشنوة الماس ضرب وقالولك المشكلة اتحلّت؟ ردّ ضاحكا: (والله السيد الوالي هو اللي كلمني بالتلفون وهنّاني) … هل فهمتم كيف تعمل المخابرات في كل الازمنة؟ المؤكد انها يومها تبعتني منذ خروجي من الاذاعة الى المحرس .. ذهابا وايابا …والمؤكد ان كل الخلايا اشتغلت من العمدة الى المعتمد الى الوالي في برنامج اسمه (عيونهم لا تنام)…
دعوني افضفض معكم على هاجوج وماجوج المخابرات … انا على يقين ان المخابرات عندنا وفي الوطن العربي اجمالا تعرف اكثر من الفرد نفسه كم دخّن اليوم من سيجارة وعدد الخطوات الذي يقطعها المواطن باش ياخذ كيلو سردينة ويرجع… وعدد الضحكات والتكشيرات .. وعدد طروح البولات في القهوة وعدد البيييييييييسات لتلك او تلك …ان لم تكن باللسان والصوت فبالعينين الملتهمتين يا لطيف محرش عيونّا عاش من اعترف بالعيون الحرش …وعدد النشرات الاخبارية والقنوات التي تابعها يومها وعدد السبات التي سبّها في صدره وهو يتوّج زوجته كل يوم بتلك الآهة التي عجز عن قولها امام اطفاله (اووووف مخيبو النهار اللي عرفتك فيه تي اشبيك موش كيف جارتك اشلعزاء ؟؟؟)…
ويعرفون ايضا رد فعل الزوجات السعيدات جدا الى حد الشقاء بازواجهن وهن يرددن ودائما في الصدور (تي اشبيك موش كيف حروز جارنا قداش ما عنديش زهر لا يبلّ لا يعلّ يممة عليّ قعدت انا وحدي من دون صحيباتي بكلّهم شايخين كان انا مللي عرّست لا شفت نهار خير من خوه ربّي بلاني براجل لا يصلح لا للسوق ولا للصندوق) …وهذي حسب ما اظنّ و ان بعض الظن حقيقة …السوق تعني امام الناس والصندوق تعني راس راس وخاصة هنالك …على فكرة جلّ النساء نسخة مطابقة للاصل من بعضهن البعض ومطبوعة في البلدية زادة … تتشكّين من سعدهن المكبوب وتتصورن ان الاخريات اقضل منهن بينما الحقيقة جلّهن في “الهواء” سواء في غياب الهوى ..وتلقاها عاد في الفيسبوك (زوجي خذ بيدي الى الجنة) وهي لو كان تلقاه في الجنة تهرب لجهنم ..
اذن وحتى اغلق هذا القوس _ ونعرف اللي برشة ما يحبونيش نغقلو… جلّ النساء اللي من نوع (زوجي هو او لا احد … زوجي طيارة) …وهو حتى كريطة ماجاش .. (زوجي اممممممممممممممممممه عسل يقطّر) …وهي راس راس غادي ما خصّها كان تقللو راك بصل بصل بصل … ويختموها كيف ما قلنا بـ(زوجي خذ بيدي الى الجنة )… تهييب وتفشليم وكذب ما ياخذكمش الهلس راهم اتعس منكنّ الف مرّة… مسّطناها زعمة برشة ..؟؟؟ باهي انا ماشي نسكت وكان ظهرلكم باهي الشيء استناوني في الورقة 66 .. فقط اقراوها 66 ..اكاهو عاد مادام طحت للمصروف وسعوا بالكم معايا …
ـ يتبع ـ
تصفح أيضا
عبد الكريم قطاطة:
فترة التسعينات كانت حبلى بالاحداث والتغييرات في مسيرتي المهنية منها المنتظر والمبرمج له ومنها غير المنتظر بتاتا …
وانا قلت ومازلت مؤمنا بما قلته… انا راض بأقداري… بحلوها وبمرّها… ولو عادت عجلة الزمن لفعلت كلّ ما فعلته بما في ذلك حماقاتي واخطائي… لانني تعلمت في القليل الذي تعلمته، انّ الانسان من جهة هو ابن بيئته والبيئة ومهما بلغت درجة وعينا تؤثّر على سلوكياتنا… ومن جهة اخرى وحده الذي لا يعمل لا يخطئ… للتذكير… اعيد القول انّه وبعد ما فعله سحر المصدح فيّ واخذني من دنيا العمل التلفزي وهو مجال تكويني الاكاديمي، لم انس يوما انّني لابدّ ان اعود يوما ما الى اختصاصي الاصلي وهو العمل في التلفزيون سواء كمخرج او كمنتج او كلاهما معا… وحددت لذلك انقضاء عشر سنوات اولى مع المصدح ثمّ الانكباب على دنيا التلفزيون بعدها ولمدّة عشر سنوات، ثمّ اختتام ما تبقّى من عمري في ارقى احلامي وهو الاخراج السينمائي…
وعند بلوغ السنة العاشرة من حياتي كمنشط اذاعي حلّت سنة 1990 لتدفعني للولوج عمليا في عشريّة العمل التلفزي… ولانني احد ضحايا سحر المصدح لم استطع القطع مع هذا الكائن الغريب والجميل الذي سكنني بكلّ هوس… الم اقل آلاف المرات انّ للعشق جنونه الجميل ؟؟ ارتايت وقتها ان اترك حبل الوصل مع المصدح قائما ولكن بشكل مختلف تماما عما كنت عليه ..ارتايت ان يكون وجودي امام المصدح بمعدّل مرّة في الاسبوع ..بل وذهبت بنرجسيتي المعهودة الى اختيار توقيت لم اعتد عليه بتاتا ..نعم اخترت الفضاء في سهرة اسبوعية تحمل عنوان (اصدقاء الليل) من التاسعة ليلا الى منتصف الليل …هل فهمتم لماذا وصفت ذلك الاختيار بالنرجسي ؟؟ ها انا افسّر ..
قبل سنة تسعين عملت في فترتين: البداية كانت فترة الظهيرة من العاشرة صباحا حتى منتصف النهار (والتي كانت وفي الاذاعات الثلاث قبل مجيئي فترة خاصة ببرامج الاهداءات الغنائية)… عندما اقتحمت تلك الفترة كنت مدركا انيّ مقدم على حقل ترابه خصب ولكنّ محصوله بائس ومتخلّف ..لذلك اقدمت على الزرع فيه … وكان الحصاد غير متوقع تماما ..وتبعتني الاذاعة الوطنية واذاعة المنستير وقامت بتغييرات جذرية هي ايضا في برامجها في فترة الضحى .. بل واصبح التنافس عليها شديدا بين المنشطين ..كيف لا وقد اصبحت فترة الضحى فترة ذروة في الاستماع … بعد تلك الفترة عملت ايضا لمدة في فترة المساء ضمن برنامج مساء السبت … ولم يفقد انتاجي توهجه ..وعادت نفس اغنية البعض والتي قالوا فيها (طبيعي برنامجو ينجح تي حتى هو واخذ اعزّ فترة متاع بثّ) …
لذلك وعندما فكّرت في توجيه اهتمامي لدنيا التلفزيون فكرت في اختيار فترة السهرة لضرب عصفورين بحجر واحد… الاول الاهتمام بما ساحاول انتاجه تلفزيا كامل ايام الاسبوع وان اخصص يوما واحدا لسحر المصدح ..ومن جهة اخرى وبشيء مرة اخرى من النرجسية والتحدّي، اردت ان اثبت للمناوئين انّ المنشّط هو من يقدر على خلق الفترة وليست الفترة هي القادرة على خلق المنشط ..وانطلقت في تجربتي مع هذا البرنامج الاسبوعي الليلي وجاءت استفتاءات (البيان) في خاتمة 1990 لتبوئه و منشطه المكانة الاولى في برامج اذاعة صفاقس .. انا اؤكّد اني هنا اوثّق وليس افتخارا …
وفي نفس السياق تقريبا وعندما احدثت مؤسسة الاذاعة برنامج (فجر حتى مطلع الفجر) وهو الذي ينطلق يوميا من منتصف الليل حتى الخامسة صباحا، و يتداول عليه منشطون من الاذاعات الثلاث… طبعا بقسمة غير عادلة بينها يوم لاذاعة صفاقس ويوم لاذاعة المنستير وبقية الايام لمنشطي الاذاعة الوطنية (اي نعم العدل يمشي على كرعيه) لا علينا … سررت باختياري كمنشط ليوم صفاقس ..اولا لانّي ساقارع العديد من الزملاء دون خوف بل بكلّ ثقة ونرجسية وغرور… وثانيا للتاكيد مرة اخرى انّ المنشط هو من يصنع الفترة ..والحمد لله ربحت الرهان وبشهادة اقلام بعض الزملاء في الصحافة المكتوبة (لطفي العماري في جريدة الاعلان كان واحدا منهم لكنّ الشهادة الاهمّ هي التي جاءتني من الزميل الكبير سي الحبيب اللمسي رحمه الله الزميل الذي يعمل في غرفة الهاتف بمؤسسة الاذاعة والتلفزة) …
سي الحبيب كان يكلمني هاتفيا بعد كل حصة انشطها ليقول لي ما معناه (انا نعرفك مركّب افلام باهي وقت كنت تخدم في التلفزة اما ما عرفتك منشط باهي كان في فجر حتى مطلع الفجر .. اما راك اتعبتني بالتليفونات متاع المستمعين متاعك، اما مايسالش تعرفني نحبك توة زدت حبيتك ربي يعينك يا ولد) … في بداية التسعينات ايضا وبعد انهاء اشرافي على “اذاعة الشباب” باذاعة صفاقس وكما كان متفقا عليه، فكرت ايضا في اختيار بعض العناصر الشابة من اذاعة الشباب لاوليها مزيدا من العناية والتاطير حتى تاخذ المشعل يوما ما… اطلقت عليها اسم مجموعة شمس، واوليت عناصرها عناية خاصة والحمد لله انّ جلّهم نجحوا فيما بعد في هذا الاختصاص واصبحوا منشطين متميّزين… بل تالّق البعض منهم وطنيا ليتقلّد عديد المناصب الاعلامية الهامة… احد هؤلاء زميلي واخي الاصغر عماد قطاطة (رغم انه لا قرابة عائلية بيننا)…
عماد يوم بعث لي رسالة كمستمع لبرامجي تنسمت فيه من خلال صياغة الرسالة انه يمكن ان يكون منشطا …دعوته الى مكتبي فوجدته شعلة من النشاط والحيوية والروح المرحة ..كان انذاك في سنة الباكالوريا فعرضت عليه ان يقوم بتجربة بعض الريبورتاجات في برامجي .. قبل بفرح طفولي كبير لكن اشترطت عليه انو يولي الاولوية القصوى لدراسته … وعدني بذلك وسالته سؤالا يومها قائلا ماذا تريد ان تدرس بعد الباكالوريا، قال دون تفكير اريد ان ادرس بكلية الاداب مادة العربية وحلمي ان اصبح يوما استاذ عربية ..ضحكت ضحكة خبيثة وقلت له (تي هات انجح وبعد يعمل الله)… وواصلت تاطيره وتكوينه في العمل الاذاعي ونجح في الباكالوريا ويوم ان اختار دراسته العليا جاءني ليقول وبكلّ سعادة …لقد اخترت معهد الصحافة وعلوم الاخبار… اعدت نفس الضحكة الخبيثة وقلت له (حتّى تقللي يخخي؟) واجاب بحضور بديهته: (تقول انت شميتني جايها جايها ؟؟)… هنأته وقلت له انا على ذمتك متى دعتك الحاجة لي ..
وانطلق عماد في دراسته واعنته مع زملائي في الاذاعة الوطنية ليصبح منشطا فيها (طبعا ايمانا منّي بجدراته وكفاءته)… ثم استنجد هو بكلّ ما يملك من طاقات مهنية ليصبح واحدا من ابرز مقدمي شريط الانباء… ثم ليصل على مرتبة رئيس تحرير شريط الانباء بتونس 7 ..ويوما ما عندما فكّر البعض في اذاعة خاصة عُرضت على عماد رئاسة تحريرها وهو من اختار اسمها ..ولانّه لم ينس ماعاشه في مجموعة شمس التي اطرتها واشرفت عليها، لم ينس ان يسمّي هذه الاذاعة شمس اف ام … اي نعم .عماد قطاطة هو من كان وراء اسم شمس اف ام …
ثمة ناس وثمة ناس ..ثمة ناس ذهب وثمة ناس ماجاوش حتى نحاس ..ولانّي عبدالكريم ابن الكريم ..انا عاهدت نفسي ان اغفر للذهب والنحاس وحتى القصدير ..وارجو ايضا ان يغفر لي كل من اسأت اليه ..ولكن وربّ الوجود لم اقصد يوما الاساءة ..انه سوء تقدير فقط …
ـ يتبع ـ
عبد الكريم قطاطة:
المهمة الصحفية الثانية التي كلفتني بها جريدة الاعلان في نهاية الثمانينات تمثّلت في تغطية مشاركة النادي الصفاقسي في البطولة الافريقية للكرة الطائرة بالقاهرة …
وهنا لابدّ من الاشارة انها كانت المرّة الوحيدة التي حضرت فيها تظاهرة رياضية كان فيها السي اس اس طرفا خارج تونس .. نعم وُجّهت اليّ دعوات من الهيئات المديرة للسفر مع النادي وعلى حساب النادي ..لكن موقفي كان دائما الشكر والاعتذار ..واعتذاري لمثل تلك الدعوات سببه مبدئي جدا ..هاجسي انذاك تمثّل في خوفي من (اطعم الفم تستحي العين)… خفت على قلمي ومواقفي ان تدخل تحت خانة الصنصرة الذاتية… اذ عندما تكون ضيفا على احد قد تخجل من الكتابة حول اخطائه وعثراته… لهذا السبب وطيلة حياتي الاعلامية لم اكن ضيفا على ايّة هيئة في تنقلات النادي خارج تونس ..
في رحلتي للقاهرة لتغطية فعاليات مشاركة السي اس اس في تلك المسابقة الافريقية، لم يكن النادي في افضل حالاته… لكن ارتأت ادارة الاعلان ان تكلّفني بمهمّة التغطية حتى اكتب بعدها عن ملاحظاتي وانطباعاتي حول القاهرة في شكل مقالات صحفية… وكان ذلك… وهذه عينات مما شاهدته وسمعته وعشته في القاهرة. وهو ما ساوجزه في هذه الورقة…
اوّل ما استرعى انتباهي في القاهرة انّها مدينة لا تنام… وهي مدينة الضجيج الدائم… وما شدّ انتباهي ودهشتي منذ الساعة الاولى التي نزلت فيها لشوارعها ضجيج منبهات السيارات… نعم هواية سائقي السيارات وحتى الدراجات النارية والهوائية كانت بامتياز استخدام المنبهات… ثاني الملاحظات كانت نسبة التلوّث الكثيف… كنت والزملاء نخرج صباحا بملابس انيقة وتنتهي صلوحية اناقتها ونظافتها في اخر النهار…
اهتماماتي في القاهرة في تلك السفرة لم تكن موجّهة بالاساس لمشاركة السي اس اس في البطولة الافريقية للكرة الطائرة… كنا جميعا ندرك انّ مشاركته في تلك الدورة ستكون عادية… لذلك وجهت اشرعة اهتمامي للجانب الاجتماعي والجانب الفنّي دون نسيان زيارة معالم مصر الكبيرة… اذ كيف لي ان ازور القاهرة دون زيارة خان الخليلي والسيدة زينب وسيدنا الحسين والاهرام… اثناء وجودي بالقاهرة اغتنمت الفرصة لاحاور بعض الفنانين بقديمهم وجديدهم… وكان اوّل اتصال لي بالكبير موسيقار الاجيال محمد عبد الوهاب رحمه الله… هاتفته ورجوت منه امكانية تسجيل حوار معه فاجابني بصوته الخشن والناعم في ذات الوقت معتذرا بسبب حالته الصحية التي ليست على ما يرام…
لكن في مقابل ذلك التقيت بالكبير محمد الموجي بمنزله وقمت بتسجيل حوار معه ..كان الموجي رحمه الله غاية في التواضع والبساطة… لكن ما طُبع في ذهني نظرته العميقة وهو يستمع اليك مدخّنا سيجارته بنهم كبير… نظرة اكاد اصفها بالرهيبة… رهبة الرجل مسكونا بالفنّ كما جاء في اغنية رسالة من تحت الماء التي لحنها للعندليب… نظرة المفتون بالفن من راسه حتى قدميه…
في تلك الفترة من اواخر الثمانينات كانت هنالك مجموعة من الاصوات الشابة التي بدات تشق طريقها في عالم الغناء ..ولم اترك الفرصة تمرّ دون ان انزل ضيفا عليهم واسجّل لهم حوارات… هنا اذكر بانّ كلّ التسجيلات وقع بثها في برامجي باذاعة صفاقس… من ضمن تلك الاصوات الشابة كان لي لقاءات مع محمد فؤاد، حميد الشاعري وعلاء عبدالخالق… المفاجأة السارة كانت مع لطيفة العرفاوي… في البداية وقبل سفرة القاهرة لابدّ من التذكير بانّ لطيفة كانت احدى مستمعاتي… وعند ظهورها قمت بواجبي لتشجيعها وهي تؤدّي انذاك وباناقة اغنية صليحة (يا لايمي عالزين)…
عندما سمعت لطيفة بوجودي في القاهرة تنقلت لحيّ العجوزة حيث اقطن ودعتني مع بعض الزملاء للغداء ببيتها… وكان ذلك… ولم تكتف بذلك بل سالت عن احوالنا المادية ورجتنا ان نتصل بها متى احتجنا لدعم مادي… شكرا يا بنت بلادي على هذه الحركة…
اختم بالقول قل ما شئت عن القاهرة.. لكنها تبقى من اعظم واجمل عواصم الدنيا… القاهرة تختزل عبق تاريخ كلّ الشعوب التي مرّت على اديمها… نعم انها قاهرة المعزّ…
ـ يتبع ـ
محمد الزمزاري:
انطلقت الحملة الوطنية المتعلقة هذه المرة بالتقصي حول الأمراض المزمنة وكان مرض السكري وأيضا مرض ضغط الدم هما المدرجان في هذه الحملة.
يشار إلى أن نسب مرضى السكري و ضغط الدم قد عرفت ارتفاعا ملفتا لدى المواطنين و بالتحديد لدى شريحة كبار السن مما يكسي اهمية لهذه الحملات التي تنظمها وزارة الصحة العمومية بالتعاون المباشر مع هيئة الهلال الأحمر التونسي.. وقد سنحت لنا الفرصة لحضور جزء مهم من الحملة في بهو محطة القطارات الرئيسية بساحة برشلونة، لنقف على تفاعل عديد المواطنين المصطفّين قصد الخضوع لعملية التقصي بكل انضباط وكان جل الوافدين طبعا من كبار السن، كما لوحظ تواجد عدد كبير من ممثلي الهلال الأحمر ومن الأطباء بمكتبين ويساعدهم بعض الممرضين.
الغريب انه لدى تغطيتى العارضة لهذه الحملة المتميزة التي تهدف اساسا إلى توعية المواطنين وحثهم على تقصي الأمراض بكل انواعها بصور مبكرة، بالاعتماد على كافة قنوات الاتصال وأهمها الإعلام الذي لن يكون الا داعما لهذا الهدف الإنساني لكن احد اعوان الهلال الأحمر فتح معي بحثا ان كنت من التلفزة الوطنية ملاحظا ان القناة المذكورة هي الوحيدة المسموح لها بالقيام بالتغطية ولم يكتف بهذا بل أكد ان الأطباء لا يحبون التصوير.
طبيعي اني لم اتفاعل مع هذا الجهل وضحالة المعرفة باهداف الحملة بالإضافة إلى عمليات التقصي الفعلي ..ولما تجاوز في الإلحاح طلبت منه الاستظهار بصفته هل هو منسق الحملة حتى يمكنني أن امر إلى المسؤول عنها بصفتي صحفيا ..وواصلت عملى أمام انكماش هذا العون التابع للهلال الأحمر حسبما يدل عليه زيه.
وبعيدا عن هذا، لا يفوت التنويه بالجهود الكبيرة التي يتحلى بها طاقم الاطباء و الممرضين و متطوعي الهلال الاحمر، الذين يجهدون انفسهم لانجاح هذه الحملة سواء داخل بهو محطة السكك الحديدية او عبر بعض الفرق التي تعمل على التعريف بجدوى التقصي حتى خارج البهو الكبير.
صن نار
- ثقافياقبل 7 دقائق
قريبا وفي تجربة مسرحية جديدة: “الجولة الاخيرة”في دار الثقافة “بشير خريّف”
- جور نارقبل 17 دقيقة
ورقات يتيم … الورقة 89
- ثقافياقبل 11 ساعة
زغوان… الأيام الثقافية الطلابية
- جلـ ... منارقبل 21 ساعة
الصوت المضيء
- جور نارقبل يومين
ورقات يتيم ..الورقة 88
- ثقافياقبل 3 أيام
نحو آفاق جديدة للسينما التونسية
- صن نارقبل 3 أيام
الولايات المتحدة… إطلاق نار في “نيو أوليانز” وقتلى وإصابات
- صن نارقبل 3 أيام
في المفاوضات الأخيرة… هل يتخلى “حزب الله” عن جنوب لبنان؟