تابعنا على

جور نار

ورقات يتيم… الورقة 73

نشرت

في

عبد الكريم قطاطة:

سنة 1984 شهدت احداثا عديدة …اوّلها سنّ عادة الاحتفال بعيد ميلاد اذاعة صفاقس بسهرات خاصة بالحدث بشكل مباشر وفي جلّها دون انقطاع … وكان عليّ ان ابحث في كلّ مرّة وانا المشرف عليها اعدادا وتنشيطا عن اطباق مختلفة فانا لا اميل الى الدجاج عموما فما بالكم بدجاج الحاكم…

عبد الكريم قطاطة

ومن هذه الزاوية كانت سهرة 8 ديسمبر 84 مثلا تحمل عنوان (ضحك ولعب وجدّ وحبّ) وكما يشير العنوان اردتها متنوعة ضيوفا ومحتويات … علّق عليها بعض الزملاء في الصحافة المكتوبة (جريدة الايام وبتاريخ 17 ديسمبر 84) بالآتي: “هي سهرة شدّت سمّارها الى السادسة صباحا وخطأ عبدالكريم فيها انّه رفض ان يسير على دروب عبّدتها آلاف الاصوات قبله، ثمّ انّه اراد ان تكون سهرة للجميع في اذاعة الجميع فجمع في الاستوديو عيّنات مختلفة من الناس الذين يؤلفون المجتمع، وجعل من الاستوديو الضيّق بيتا لسهرة عائلية فيها حرارة وعذوبة وتلقائية وابتسامات تخرج من الاعماق”…

سنة 84 كذلك شهدت تغييرا في سدّة الحكم في ادارة اذاعة صفاقس حيث انتهت مهمّة السيّد التيجاني مقني على راس ادارتها وعُيّن السيّد محمد عبد الكافي مكانه … زميلي محمد عبدالكافي رحمه الله اعرفه منذ كنت اعمل بالتلفزة التونسية… كان مراقبا للبث التلفزي وكنت التقي به كلّما عملت بشريط الانباء بالقاعة التقنية للبثّ المباشر… حيث اعمل من جانبي على متابعة الاشرطة الاخبارية التي اقوم بمونتاجها ويعمل هو بشكل دوري مع عدد اخر من مراقبي البث، للسهر على حسن بث البرامج في مرحلة اولى وتقديم تقرير لرؤسائه حول فترته تلك في مراقبة البث …

بالكاد تنحصر هنالك معرفتي به … لكن وعند اشرافه على اذاعة المنستير كمدير لها، كان وكما اسلفت يحث المنشطين في تلك الاذاعة على الاستماع لعبدالكريم ومحاولة القيام بانجاز برامج تنتهج منهجه … وللامانة وهذا ما اسرّ لي به شخصيا عند فترة صفائنا التي جاءت بعد زوابع، كان يفعل ذلك لا لسواد عينيّ بل لحثّهم على التجديد والخروج من خانة ما يطلبه المستمعون … خاصّة والصحف بمختلف خطوطها التحريرية كانت تشيد بتجربة الكوكتيل ممّا اهّله واهّل منشّطه لاحتلال المرتبة الاولى في الاستفتاءات التي تُجرى نهاية كل سنة … والذي اعتبرت من زاويتي وبكلّ صدق انّه بالاساس تتويج لمستمع جديد تفاعل وفعل وكسّر قيد الخمول والسلبية … قد اكون ساهمت بقسط ولو يسير بجهدي وبثوابتي …ولكن كنت ومازلت اؤمن بأنّ ايّ انتاج لا يكون فيه رجع صدى من المتلقّي هو انتاج فاشل ولا دوام له …

سنة 1984 شهدت ايضا حدثا اعتبره من اهمّ محطّات حياتي … كنت منذ صغري مولعا لحدّ الوله بالكتابة …انا ابن شعبة الآداب وانا تلميذ لقامات في مادة العربية بدءا بمعلّمي في الابتدائي المرحوم علي الشعري وصولا الى استاذي في المرحلة الثانية من التعليم الثانوي شعبة آداب الكبير سي محسن الحبيّب اطال الله عمره … كنت مشروع جدول صغير وكان اساتذتي روافد لهذا الجدول… ولم افوّت ايّة فرصة لافكّ قيود قلمي من الاسر … لذلك كانت لي محاولات لا تعدو ان تكون خربشات مراهق في بدايتها ثمّ تطوّرت مع تقدّم السنوات الى مقالات صحفية بداتها مع الزميل محمد مصمولي في مجلّة الهدف ثمّ مع عديد العناوين الصحفية …لم تكن كتاباتي منتظمة وكانت كوكتيلا هي ايضا من المواضيع لعلّ اهمّها النقد التلفزي وباسماء مستعارة، اذ انّ القانون الاساسي يمنع منعا باتا ذلك… وحتى الكتابة في مواضيع اخرى تتطلّب ترخيصا خاصا من رئاسة المؤسسة … الاّ انّي تعاملت مع الكتابة على طريقة يوسف شاهين وهو يتحدث عن الرقابة … هو يقول: على الواحد منّا ان يكون اذكى من الرقابة واذا اوقعته الرقابة يوما في شراكها فالعيب فيه وليس فيها …

في اكتوبر 84 هاتفني الزميل نجيب الخويلدي الذي كانت تربطني به زمالة وصداقة ليقول لي (نحب نشوفك في اقرب وقت في تونس)… وكان ذلك … كلّ ما اعرف عنه انذاك انّ علاقته كرئيس تحرير لجريدة البيان انتهت .. يوم اللقاء كان ثالثنا رجل بدين اسمر بشوش قدّمه لي بالاسم واللقب فقط ثم طفق يحكي عن مشروع صحفي جديد يحمل كعنوان “الايام” … للامانة قال فيّ يومها وامام هذا الرجل البدين الاسمر برشة كلام سمح ….فعلّقت عليه فقط بالقول (ما يغركش يا سي محمد ـ مدير الجريدة ـ راني خايب برشة ومشاكلي زادة) … قهقه رئيس التحرير نجيب الخويلدي والمدير محمد زين العابدين، وشرعنا في الجدّيات …اسرّ لي يومها خويا نجيب بالاسماء التي ينوي التعامل معها في هذا المولود الجديد والتي اعرف البعض منها واجهل اغلبيتها واتفقنا على ان اقوم بتامين صفحة اسبوعية متعددة الاغراض تحمل عنوان (ملاحظات مواطن عادي جدا)… للامانة ايضا لم يتقدم ايّ منهما بأيّ شرط لا في نوعيّة الكتابة ولا في شكلها … وللامانة ايضا لم نتناول الجانب المادي اطلاقا … ولمعلوماتكم لم اقبض مليما واحدا عن كلّ ما كتبته في جريدة الايام …

وجاء يوم 5 ديسمبر 1984 ليصدر اوّل عدد من جريدة الايام عندما فتحت الجريدة كأي قارئ فوجئت اوّلا باسماء عديدة نكرة ولكن فوجئت بنوعية جديدة في التعاطي الصحفي … يمكن حوصلة انطباعي الاوّلي في (هو جيل جديد من الاقلام) لعلّ اهمّ ما يميّزها اختلافها الكلّي في طرح المواضيع …كانت هنالك بصمة خاصة بكلّ قلم …فاذا كنت اعرف اقلاما كالهادي السنوسي ويوسف رزوقة والمنذر القلعي علاوة على نجيب طبعا، فانا اكتشف ولاوّل مرة اسماء من فصيلة عبدالقادر المقري والزمزاري والبديري والواد واصغرنا وليد التليلي وهو طالب انذاك وغيرهم … يومها كانت تحية التقديم والتعريف بالمولود الجديد كما يلي: (قراءنا الاعزاء مرحبا بكم هذا هو العدد الاوّل لجريدتكم ° الايام ° وسواء اقتنيتموها يوم الاثنين او يوم السبت فالامر سيّان، لانّ ما تحتويه بين طيّاتها يبقى صالحا للمطالعة والاستفادة كامل الاسبوع… وكما يقول المثل وراء كل عظيم امراة فانّ وراء كلّ عمل جيّد رجالا ارهقوا انفسهم وتصبّب عرقهم طويلا حتّى يقدموا لكم باقة يانعة واطباقا شهية من الغذاء الفكري المفيد، ترفل جميعها في حلّة قشيبة كأنّها عروس في ليلة زفافها وقد راينا في هذا العدد الاوّل ان نقدّم اسرة التحرير حتى يتواصل الترابط الروحي بينكم وبين كل فرد فيها) …

الزميل محمد الهادي البديري هو من تكفّل بتقديم الاسرة وهذا ما كتبه عنّي: (عبدالكريم قطاطة اشهر من نار على علم في مناطق الوسط والجنوب… له مؤهلات اذاعية حملته الى راس قائمة المنشطين وعندما يتحدث اليك تشعر بحرارة الكلمة وصدقها اما كتاباته فسوف تكتشفونها في جريدتنا) … في جريدة الايام وبعد ما عشناه معا من حلو الايام ومرّها رغم اننا لا نعادي ولا نجامل .. اكبر كسب كان بالنسبة اليّ التعرّف على اسماء اعتبرتها وما زلت اعتبرها قامات في العمل الصحفي الناضج الواعي والممتع ….ودون ادنى شك يتصدّر هذه القائمة الكبير عبدالقادر المقري … يومها في العدد الاول كان تقديمه كالآتي (له خاصيات جرير والحطيئة مجتمعين قلمه لا يرحم خصوصا اذا تعلّق الامر بنقد البرامج التلفزية والاذاعية وهو يطمح للزجّ بجميع المذيعين والمذيعات في غياهب النسيان حتى يستريح من اخطائهم وتخلويضهم)…. وصدقوني عندما اقول لكم انّ صديقي الغالي جدا عندي هو اعمق واجمل وارقى من ذلك بكثير …قدّور هو ضمير حيّ وقلم ينبض بعشق الجمال والحق والانسان …اما عن اسلوبه فيكفي ان اقول انه اسلوب مقري لا شبيه له…

في جريدة الايام كانت لنا اجتماعت دورية … تحتدّ فيها النقاشات … نختلف … ولكن كانت هنالك تجربة ديموقراطية حيث يخضع اي فرد منها الى منطق الاغلبية بمن في ذلك رئيس التحرير والمدير … كنّا حقّا انموذجا لاعلام صحفي مكتوب بديل … اذكر مرة اني ارسلت مقالا فوقعت صنصرته فكان المقال الذي يليه بعنوان (طز في نجيب الخويلدي) … اقرؤا ردّه على مهاجمتي له (الايام غرة جانفي 1985): “انا حزين متعب من الاتهام الذي وجّهته لي يا عبدالكريم… كنت قاضيا ومدّعيا عاما ومستشارا واصدرت الحكم ورفعت الجلسة… انا اعرف عبدالكريم واعرف افكاره وجرأته واحببت فيه الثورة والغضب وكتب لي يوما بعد ان ظلموه في اذاعة صفاقس وكنت بجريدة كذا … كتب بعنف وجمال وسخط وقوة ولم اجد الا الركوع امام كتابة رائعة فيها فن كثير والغام كثيرة ايضا… وقامرت بالكرسي الذي كنت اجلس عليه وظهر المقال وانتهت تجربتي مع تلك الجريدة…

ولما قدمنا طلبا للحصول على تاشيرة الايام كان عبدالكريم اوّل من فكّرت فيه ليكون واحدا من الذين” سيعلنونها حربا في عمر حرب البسوس ضدّ الشرّ ضد الظلم ضد الامتيازات ضد الوصوليين واشباه الرجال… ولاني اعرف ان الكتابة هي فلذات كبد، اقول دائما لزملائي ليست لي الجرأة لحذف ولو كلمة واحدة فانا لست جزارا واعرف ان الكلمات تولد في الروح … كلّ ما في الامر انّ مقالك حوّلته لزميلك الهادي السنوسي باعتباره المشرف على الصفحات الرياضية الا انه رفضه … وامام تمسكي به تحوّل الى صفحة اخرى بها اركان اخرى وهنا تصرّف احد الزملاء فيه حتى يحافظ على كل اركان الصفحة… هذا كل ما حدث وادّعي انّي صادق والله يشهد على ما قلت”…

ويختم نجيب بالقول: “عبدالكريم اريدك ان تفهم شيئا واحدا لعن الله رئاسة التحرير فالعنها معي … تبّا لهذا المركز فادعُ معي عليه بالهلاك… انا لم اطمع ولو يوما واحدا ان اكون مسؤولا لاني عاجز ان اسيّر نفسي فمن اين لي القدرة على تسيير الاخرين… انا اكفر بالكراسي وسي فلان وبالسكريتيرة والحاجب وبكل اشكال المرضى بالدعوة والنفخة والاريفيزم فهل تراني قادرا ان اكون مسهولا ناجحا … ربي يسامحك يا عبدالكريم”…

كان الحبّ اقوى خاصة والايام تتألّق بتعلّق متابعيها الذين اعتبروها حدثا اعلاميا فريدا من نوعه … ولي مع الورقات والايام القادمة عودة لجريدة الايام …

ـ يتبع ـ

أكمل القراءة
انقر للتعليق

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جور نار

ورقات يتيم … الورقة 97

نشرت

في

عبد الكريم قطاطة:

من ضمن ما تعلمته في دراستي بالمعهد الوطني للعلوم السمعية البصرية بباريس، قاعدة اعتبرتها ذهبية في الانتاج السمعي البصري الا وهي نجاح اي برنامج يعتمد اساسا وبدرجة 80 بالـ 100 على الاعداد الجيّد… نعم والاعتناء بتفاصيل التفاصيل… وهذا ما حرصت عليه منذ وجدت نفسي امام المصدح فما بالكم ببرنامج يمتدّ على مساحة زمنية بـ24 ساعة دون توقف…

عبد الكريم قطاطة

اذن وجب الاعداد الجيّد شكلا ومحتوى لهذا البرنامج… لذلك حرصت قبل تنفيذ البرنامج على تكوين فرق للاعداد معي لهذا الغرض: فريق خصصته لآراء المستمعين بمدينة صفاقس وضواحيها حول مسيرة اذاعة صفاقس ومدى تجاوب المتلقّي معها طيلة 35 سنة… فريق آخر كلّفته بآراء المستمعين الشباب الذين لم يواكبوا الاذاعة الا في سنواتها العشر الاخيرة وخاصة نقاط ضعف الاذاعة التي علينا تلافيها ونقاط قوتها التي وجب تعزيزها… وكلا العملين كان ضمن ريبورتاجات … فريقان اثنان يواكبان السهرة مباشرة مع مستمعينا خارج ولاية صفاقس بداية من الساعة العاشرة صباحا ليوم 7 ديسمبر، حيث ينطلق الفريق الاول في رحلة ماراثونية من بنزرت حتى صفاقس طيلة البرنامج، ليلتقي بعديد المستمعين في منازلهم وفي مدن مختلفة وليفسح لهم المجال للتعبير عن آرائهم سلبا او ايجابا حول ما تقدمه اذاعة صفاقس من برامج…

وفريق ثان يقوم بنفس المهمة انطلاقا من بن قردان الى صفاقس… على ان يكون وصول أفراده الى صفاقس وبالتحديد الى مقرّ الاذاعة يوم 8 ديسمبر على الساعة الثامنة صباحا… حيث يكون اللقاء مع هذين الفريقين مباشرة من الاستوديو للتعبير عن رحلتهما كيف كانتا، وعن انطباعاتهما حول كلّ ما عاشاه في تلك الرحلة… لم انس كذلك مستمعينا عبر الهاتف حيث خصصت طيلة السهرة نصيبا من الوقت لمداخلاتهم… ودعوت صديقي وزميلي عبدالجليل بن عبد الله لمشاركتي في التنشيط الذي حرصنا فيه معا على اضفاء روح الدعابة فيه… وتداول على الكونسولات العديد من التقنيين الذين هبوا وبكل طواعية لياخذ كل واحد منهم نصيبه من الحدث… وقبل 24 ساعة من انطلاق البرنامج كان دليل البرنامج مُعدّا بكل تفاصيل البرنامج وبتوقيت المداخلات وبكلّ اغانيه…

ودليل البرنامج عندي من الاشياء المقدسة رغم انّ ظاهره عمل عسكريّ قاس لانّه مفصّل بالدقائق والثواني وهو ما يعتبره البعض عملا شاقا ثم هو لا يفسح المجال للارتجال… وحجة هؤلاء في مفصل الارتجال انهم يعتبرونه هامشا هاما من الحرية لا استغناء عنه… بينما ارى الارتجال في تقديري هروبا من مسؤولية تنظيم العمل بدقّة اي هو تعلّة كاذبة… لانّ العمل المنظم لا يتعارض مع الارتجال ان لزم الامر… امّا ان يدخل المنتج الى الاستوديو دون اعداد جيد تاركا الحبل على الغارب للفنّي الذي يتولّى اختيار وتمرير الاغاني التي تروق له، فذلك عندي (تخلويض وكسل)… اذ كيف لمنتج ومنشط لا يقوم هو باختيار اغانيه التي تتلاءم والمواضيع المقترحة في برنامجه ؟؟ وفي رواية اخرى نعم للحرية والارتجال اذا كان ذلك يخدم مصلحة المنتوج ولا للعبث والتهاون..

عندما قدمت دليل البرنامج للسيد عبدالقادر عقير للاطلاع عليه وامضائه.. اندهش من دقة التفاصيل وللامانة امضى عليه دون ايّ اطلاع… واضاف مرّة اخرى: (يخخي انا نعرف خير منك؟)… اخذت دليل البرنامج بعد ان امضاه واغتنمت الفرصة لتذكيره بالجائزة… تلفزة من الحجم الصغير… طمأنني بالقول (صاحبك راجل)… اتفقنا وتمنى لي النجاح والتوفيق… ارتأيت ان تكون الجائزة لافضل مداخلة في البرنامج سواء كان ذلك من الريبورتاجات المسجلة او من مستمعينا في مداخلاتهم من خطّي بنزرت وبن قردان او من مستمعينا عبر الخطوط الهاتفية واعلنت عن ذلك منذ بداية البرنامج …

وانطلق قطار البرنامج كما هو محدّد له يوم 7 ديسمبر 1996 على الساعة التاسعة صباحا لينتهي يوم 8 ديسمبر 1996 على الساعة التاسعة صباحا… واقسم بالله انّ دليل البرنامج وقع تنفيذه بنسبة 99 في الـ100 دون ايّ خطأ او خلل .. اذن لماذا 99 في الـ 100 ؟ اين ذهب الواحد في الـ100 ؟؟ على الساعة الخامسة صباحا من يوم 8 ديسمبر فوجئنا جميعا بالسيّد عبدالقادر عقير يحلّ بيننا بالاستوديو… كان في قمّة السعادة والفرح… هنّأني وهنّأ الجميع بنجاح التجربة وطلب منّي دون ازعاج ان يقول كلمة ليعبّر فيها عن شكره وامتنانه لفريق البرنامج على نجاح المهمّة… لبّيت طلبه ولمدّة لم تتجاوز الثلاث دقائق اردفت كلمته باغنية من الاغاني الاحتياطية التي ابرمجها في كل انتاج اقدّمه لمثل هذه المفاجآت…

عنصران اخيران اختم بهما هذه الورقة الخاصة بالحدث… عيد ميلاد اذاعة صفاقس الخامس والثلاثين: العنصر الاوّل مآل جائزة البرنامج … للامانة كنت مركّزا جدّا على تدخلات المستمعين في الريبورتاجات المسجّلة وفي خطّي بنزرت وبن قردان مع اهالينا هنالك وفي المكالمات الهاتفية… وللامانة ايضا، عديد المداخلات كانت متميّزة جدا من هنا وهناك…و كان عليّ ان اجتهد وان اكون عادلا في اختياري للفائز… ثمّ هلّت مكالمة هاتفية وبالتحديد من مساكن ومن مستمعة اذاعة صفاقس السيّدة فاطمة بيّة والتي يعرفها الجميع باسم امّ غسّان… وهل يُعقل ان لا تكون (فطّوم) كما يحلو لي تسميتها غير حاضرة في مثل هذه المواعيد ؟؟ فطّوم هي بنت اذاعة صفاقس بل هي صنيعة اذاعة صفاقس…

فطوم وهذا يعرفه جلّ الناس نشأت من رحم اذاعة صفاقس… القدر جعل من اذاعة صفاقس لها المدرسة التي لم تدخل قبلها ايّة مدرسة… نعم وبإرادتها وعزمها نحتت الصخر… صخر الجهل والظلام… وخرجت الى نور العلم وهي تخطّ اوّل حروف الابجديّة لتكتب اوّل رسالة في حياتها الى (سِيدها) كما يحلو لها ان تسميني دائما… وكان لزاما عليّ وهو من واجباتي مهنيا وانسانيا ان آخذ بيدها وان اعينها على كسر حواجز كهف الجهل… وبفضل ارادتها وعزيمتها وبشيء قليل من تشجيعي تعلّمَت وشقّت طريقها لمزيد المعرفة والنور… واقسم لكم باصدق الايمان انّ فطوم حاليا تكتب شكلا ومحتوى افضل من الكثيرين الذين يحملون شهائد عليا وهي التي لم تدخل المدرسة يوما… هنيئا لي ولنا جميعا بك…

ليلتها تدخلت فطوم كعادتها عبر الهاتف لتدلي بدلوها في البرنامج الحدث وفي مدرستها اذاعة صفاقس… ولولا حرصي الشديد على تمكين كلّ المستمعين من نفس الحجم الزمني في مداخلاتهم لما توقفت شهرزاد الفطومية عن الكلام المباح حتى الصباح… في نهاية المكالمة دغدغني صوت وليدها انذاك مهران… وما اجمل دغدغة صوت الاطفال… في تلك اللحظة قفز لذهني من هو صاحب افضل تدخل ولمن ستؤول الجائزة… ستكون لمهران ولا لغيره لاني اعتبرت تدخله افضل تدخل من حيث الصدق والبراءة… هكذا اجتهدت… هكذا قررت… وهكذا اعلنت عن حصول مهران على الجائزة في نهاية البرنامج… وهكذا تسلمت فطوم وزوجها ومهران الجائزة في احتفال خاص بالحدث جانفي 1997 …

خاتمة البرنامج كان ايضا مسرحا للقرار… نعم قرار فاجأ الجميع… لم اعلنه لاحد قبل يوم 8 ديسمبر 1996 … لا احد على الاطلاق … حتى عائلتي التي كانت حاضرة بالفضاء الخاص بالتقني صباح 8 ديسمبر فوجئت به… قلت امام المصدح وللجميع: (هذا اخر عيد ميلاد اقدم فيه برنامجا خاصا بالحدث)… وتحول الفرح بالنسبة للبعض إلى دموع … فوجئوا جدا بقراري… فكيف لمنشط مثلي في (طمبك) نجاحه ونجاح الحصص الخاصة باعياد ميلاد اذاعة صفاقس التي قدمتها، أن يعلن الانسحاب ؟؟ خاصة وهم يدركون جيّدا انّي عنيد في قراراتي وندُر جدا ان تراجعت فيها.. وها انا اجيب عن (لماذا كان ذلك القرار)…

انا وبعد انتاج هذا البرنامج الحدث محليا ووطنيا وعربيا وعالميا اكون حلّقت في اعلى درجات السُلّم انتاجا… اذن على الانسان ان يعرف موعد مغادرة السُلّم… ثمّ ما ذنب ذلك الكمّ الهائل من الشباب الذي ينتظر فرصته ليتسلّم المشعل؟… اليس من واجبي ان اتنحّى لاتيح الفرصة لهم ؟؟… وتاكدت من واقعيّة قراري خاصة بعد ان دُعيت للعودة للمصدح بعد جانفي 2011 … نعم دُعيت للعودة ولم اجر وراءها… وساعود لذلك الزمن الارعن في ورقات قادمة… عندما لبيت دعوة الواجب وعدت لمصدح اذاعة صفاقس قال بعضهم (تي يخخي هالسيد يحب ياخذ زمانو وزمان غيرو ؟؟ تي يمشي يشدّ دارو ويشدّ سبحة خيرلو) … سامحهم الله …

ـ يتبع ـ

أكمل القراءة

جور نار

ورقات يتيم ..الورقة 96

نشرت

في

عبد الكريم قطاطة:

توضيح: العمر يجري .. وها انا احاول السباق مع الزمن حتى اختم هذه السلسلة والتي في تقديري ستكون قفلتها سنة 2022* … أرجو من الله ان يمدّ لي في العمر حتى اختتمها …

عبد الكريم قطاطة

الورقة 96 ستكون خاصة بما عشته وعاصرته في اذاعة صفاقس في اواخر سنة 1996 … تلك السنة عشت فيها حدثين اولهما تعيين السيد عبدالقادر عقير مديرا لاذاعة صفاقس خلفا للسيد النوري العفاس رحمهما الله… والحدث الثاني هو الاحتفال بعيد ميلاد اذاعة صفاقس الخامس والثلاثين وذلك نظرا الى خصوصيات ذلك الحدث… دعوني اوضّح فيما تعلّق وسيتعلّق بايّ زميل غادرنا، لن اسمح لنفسي بذكر بعض التفاصيل عنهم احتراما لـ(اذكروا موتاكم بخير)… لكن وللتوثيق وهي القاعدة الاساسية في الورقات هنالك احداث لابدّ من ذكرها ولو بشيء من الاقتضاب…

عندما عُين الزميل عبدالقادر عقير مديرا لاذاعة صفاقس كان الامر غير منتظر بالمرّة… اذ انّ تعيين مدير لاذاعة صفاقس غير منتسب للجهة أمر يحدث لاوّل مرّة… وفهمت بعدها انّ ماكينة عبدالوهاب عبد الله اصيل المنستير وامبراطور الاعلام انذاك بدات تشتغل… فعيّنت العديد من اصيلي اما المنستير او الساحل في عديد المراكز الاعلامية الحساسة… والزميل عبدالقادر عقير مسيرته الاعلامية كانت متواضعة جدا ..اذ هو عمل باذاعة المنستير كمنتج ومنشط لمدّة قصيرة للغاية ..وبعدها دخل سلك المعتمدين حيث اشتغل كمعتمد بقرقنة ثم بعقارب… دون ذلك وقبل ذلك اشتغل كمعلّم في المدارس الابتدائية في تونس وفي ليبيا كواحد من المتعاونين انذاك…

يوم تعيينه وبعد انتهاء المراسم الرسمية فوجئت بحاجب الادارة يبحث عنّي ليقول لي (سي عبدالقادر يحب عليك) فاستجبت لدعوته … وكلّ ما اتذكره عن سي عبدالقادر انه يوما ما كان هنالك برنامج مشترك بين اذاعتي صفاقس والمنستير كنت انا امام مصدح اذاعة صفاقس وكان هو امام مصدح اذاعة المنستير… وقبل بداية البرنامج بنصف ساعة هاتفني ليقول لي انّ تجربته متواضعة في التنشيط ورجاني ان امدّ له اليد ووعدته بذلك… وتعدّى البرنامج لاباس… دون ذلك لم يكن لديّ عنه ايّة فكرة لا سلبا ولا ايجابا … وتلبية لدعوته وجدتني بمكتبه كمدير .. كان استقباله لي على غاية من الحرارة والصدق… هنأته بمنصبه وتمنيت له النجاح … ودون مقدمات قال لي: (انا لا اعرف ايّ احد في اذاعة صفاقس باستثنائك… اريدك ان تقف معي فهل اعوّل عليك ؟)… اجبته دون تردّد وبكلّ شفافية وصدق: (يشرّفني ذلك متى عملت من اجل مصلحة اذاعة صفاقس… ولكن سأكون اوّل من يقف ضدّك ان عملت من اجل مصلحتك وعلى حساب مصلحة اذاعتي)… واضفت (هذا هو انا ولك الاختيار)… فاجاب دون تردّد او حتى لحظة تفكير: (وانا اخترتك انت بالذات لاني عرفتك من خلال مسيرتك وكلّي ثقة في آرائك ومواقفك ولن تجد منّي الّا ما يرضيك ويرضي المجموعة…

ولم تدم جلستنا طويلا حيث دعاني للخروج معه في نزهة على سيارته وليته ما فعل… مدير جديد يهزّ عبدالكريم معاه في كرهبتو نصف ساعة بعد مراسم التعيين ؟؟؟ والف لسان يتساءل: (تي من اوّل نهار عبدالكريم كلالو عقلو ؟؟)… وهذا كالعادة لا يعجب الملأ … ساعود في ورقات قادمة لما فعله هذا الملأ والذي انتصر في معارك عديدة ولكنه خسر الحرب… هذا الملأ حوّل علاقتي بالزميل عبدالقادر عقير من علاقة ودّ وانسجام لما فيه خير للدار واهل الدار (والله شاهد على ما اقول)… الى علاقة حرب بدأت خفية واصبحت مع مرور الوقت معلنة بيني وبينه وانتهت باقالته من منصبه وبتعويضه بالسيد رمضان العليمي… وستأتي اهم التفاصيل كما اسلفت في ورقة قادمة. ..

الحدث الثاني الذي عشته سنة 96 كان عيد ميلاد اذاعة صفاقس الخامس والثلاثين… مما عودت عليه المستمع اني طيلة السنوات التي انتجت فيها حصصا خاصة بعيد ميلاد اذاعتي كنت دائما ابحث عن بصمة خاصة لكلّ عيد ميلاد… وعندما بدات في التفكير في عيد الميلاد الخامس والثلاثين ومنذ بداية شهر سبتمبر 96 كان هاجسي ان يكون البرنامج مختلفا تماما شكلا ومضمونا عن كلّ ما سبق محليا ووطنيا وعربيا ولم لا عالميا… ولم تطل مدّة التفكير والبحث طويلا… نعم قلت في نفسي لم لا يكون البرنامج على امتداد 24 ساعة تنشيطا دون انقطاع… وامتلأت بهذه الفكرة صدقا بكثير من النرجسية ايضا ..اذ انّي سانجز ما لم يقع انجازه على الاطلاق ..شكلا وحجما … ثمّ اعتكفت لمدة اسبوع ابحث عن محتوى لهذا البرنامج اذ لا يكفي ان يكون الشكل مبهرا فذلك يذهب مع او نسمة رياح… المحتوى يجب ان يكون مقنعا ومدروسا بعناية وبفريق كامل يؤمن معك بالمشروع… واخترت مكوّنات هذا الفريق وكنت واضحا مع الجميع ..من يقبل بالمشاركة عليه ان يقبل بالعمل تطوّعا كاهداء لاذاعتنا في عيد ميلادها الخامس والثلاثين… وللامانة قبل الجميع بالفكرة وبكلّ سعادة…

وبدات اعقد اجتماعات دورية مع الفريق بعضها في صفاقس واخرى في تونس مع البعض الذي كان يزاول دراسته الجامعية هنالك… ومع نهاية شهر اكتوبر اصبح كل شيء جاهزا وحتى دليل البرنامج جاهزا بالدقيقة والثانية… وانا المعروف عني اني لا اترك للحظ او للصدفة او لايّ عائق ان يقف ضدّ اعدادي لتفاصيل التفاصيل… وعندما عرضت المشروع جاهزا للسيد عبدالقادر عقير كان في قمة السعادة والرضاء ..كيف لا واذاعة صفاقس وفي عهد ولايته عليها ستحقق رقما قياسيا عالميا ..وكيف لا والمشروع لن يكلّف حزينة الاذاعة ايّ مليم باعتبار تطوّع كامل الفريق… وعندها اغتنمت الفرصة لاقترح عليه ان تخصص اذاعة صفاقس جائزة في حجم الحدث… ودون ايّ تردد اجابني: (الغالي طلب على الرخيص؟)… قلت له جهاز تلفزة من حجم صغير … ضحك بقهقهة سي عبدالقادر وقال لي: (جهاز تلفزة ضربة وحدة يا خويا عبدالكريم ؟؟) قلت له نعم ..وتأتي على قدر الكرام المكارم… مدّ يده لي بحرارة وقال: اطمان ستكون الجائزة كما اردت… وللامانة لم يطلب منّي السيّد عبدالقادر عقير ايّ شيء عن تفاصيل البرنامج بل اضاف: (عندي فيك ثقة عمياء، هو انا نعرف خير منّك ؟) حييته واجبت: لن اخذلك…

وجاء يوم 7 ديسمبر 1996 وجاءت الساعة التاسعة صباحا وانطلق قطار البرنامج الذي لم يتوقف الا على الساعة التاسعة صباحا ليوم 8 ديسمبر 1996 … يااااااااااه وعلى طريقة سعيد صالح، المسافة طوييييلة قوي … ولكنها ممتعة للغاية عشتها وعاشها الفريق بكل سعادة وجدية وعاشها معنا المستمع من بنزرت لبن قردان كذلك بكثير من الذكريات… اذن دعوني استرح لاعود اليكم في الورقة 97 بعديد تفاصيلها اعذادا وتنفيذا…

ـ يتبع ـ

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*ونحن الآن في نهاية 2024 وما زال النيل يجري والورقات تتوالى وتتوالد… حفظك الله مبدعنا الدائم (التحرير)

أكمل القراءة

جور نار

أسعار تنخفض ومواد تعود إلى السوق… ولكن أين الإعلام؟

نشرت

في

محمد الزمزاري:

لماذا يتردد الإعلام الوطني في الإشارة إلى تراجع الغلاء الذي شهدته الأسواق ومنها خاصة الأسبوعية؟ بالإضافة إلى كل ذلك نلاحظ صمتا مطبقا عن بداية توفير المواد المعروضة بنسبة كبيرة (مثل الكسكسي وخاصة الفارينة والسميد وبقية أصناف العجين الغذائي) فيما مواد اخرى في طريقها إلى العودة مجددا مثل القهوة والسكر بصفة تدريجية كما ان بعض المساحات التجارية والدكاكين تعرض القهوة والسكر رغم بعض التهافت …

محمد الزمزاري Mohamed Zemzari

إن النقص في مادة القهوة قد شجع بارونات هذه المادة والمساحات التجارية على عرض النوعيات الباهظة الثمن فوق طاقة المواطن لتحرير بيعها في غياب عرض القهوة المعتادة المطلوبة… كما تم تسجيل انخفاض نسبي في أسعار جل الخضروات وشهدت الأسواق أيضا أسعارا معقولة في البرتقال بأنواعه والتمور بصورة اقل كما لاحظ المستهلكون عرض كميات وافرة من الموز بصنفين بين اسعار تصل إلى 7 دنانير للكيلو للصنف الكبير و 5 دنانير للصنف الاقل…

وعلى مستوى بيع زيت الزيتون يبدو أن الأسعار شهدت انخفاضا بسيطا لا يشجع المستهلك على اقتناء كميات هامة للعولة التقليدية… ذلك ان القوارير سعة لتر واحد من المعروضة بالمغازات الكبرى، حافظت على سعرها (15د) ولم تعرف اقبالا كبيرا من المستهلكين أملا في تنزيل مفترض لسعر اللتر… خاصة أن رئيس الجمهورية قد أكد اول امس على ضرورة تمكين المواطنين من اقتناء الزيت بأسعار معقولة، تتماشى مع الطاقة الشرائية… فهل سينزل السعر إلى 10 او 12 د؟ هذا ما سنراه قريبا لانه سيكون في النهاية لمصلحة الفلاح والمستهلك معا…

من ناحية أخرى هناك مؤشرات على اعتزام شركة الكهرباء والغاز إجراء تخفيض مشروط على الفواتير الاقل استهلاكا للطاقة (اقل من 300 كيلوواط في الشهر) مما يعطي سعرا إجماليا منخفضا نسبيا نهاية الشهرين لمن استهلاكهم اقل من 600 ك.و… ويعد ذلك طريقة ذكية قد تأتي بنتائج محفزة وجهود عامة للتحكم في استهلاك الكهرباء والغاز…

ونتمنى أن يقع تطبيق هذا القرار دون أية تعطيلات محلية او جهوية او مركزية باعتبار بناء على تركيز منظومة متطابقة مع هذا الهدف.

أكمل القراءة

صن نار