جور نار
ورقات يتيم… الورقة 77
نشرت
قبل شهر واحدفي
عبد الكريم قطاطة:
سنة 1986 كانت سنة التحدّيات والتحوّلات… تذكرون جيّدا سنة 82 والزوبعة التي حدثت بعد ايقاف الكوكتيل… زوبعة 85 كانت اعمق واكثر توهجا
لأبدأ اوّلا بالمستمع… منذ غيابي عن المصدح ماي 85 والمستمع لم يهدأ له بال وهذه المرّة بشكل عملي …لم تنقطع رسائل استنكاره وتنديده بالقرار سواء كان ذلك عبر الصحف او برسائل مباشرة للادارة… مما جعل جلسات الادارة الاسبوعية تُخصّص في جلّها للتباحث في كيفية معالجة ابواب النار التي فُتحت عليها… وللامانة فانّ العناوين الصحفيّة استغلّت الإشكال لتجعل منه خبزها الاسبوعي… مادام الامر يضمن لها مزيدا من المبيعات، او ما يعبّر عنه اليوم بالبوز …رغم ايماني ايضا بأنّ بعض الزملاء تعاطفوا مع الامر بفكر واع ودفاعا عن مسار اقتنعوا به، بعيدا عن الجانب التجاري…
في هذا الباب انا فخور جدا بهدف ادرجته ضمن قناعاتي والمتمثل في أنني آمنت ومازلت بانّ المنشّط الاذاعي هو صوت لكلّ الناس… وأعني هنا مهما اختلفت مستوياتهم التعليمية والسنّية… لا شروط لديّ في الترحيب بأيّ كان باستثناء اولئك الذين لا يحترمون الوطن والانسان… هؤلاء كانوا ومازالوا خارج حظيرة برامجي… اذ لا حياد معهم… زد على ذلك وفي ما يقولون عنه حيادا، فانا كرّرت آلاف المرّات انّ الحياد في العمل الاعلامي اكبر كذبة تُدرّس في معهد الصحافة وجلّ اصدقائي من اساتذة هذا المعهد يعرفون موقفي هذا… اذ الانسان بطبيعة خلقه هو مزيج من القلب والفكر ودون أي منهما لن يكون انسانا… واجب الاعلامي فقط ان لا يغلّب احدهما على الاخر وان يتوق للموضوعية في طرحه للمسائل …
كنت دوما اُعطي مثالا بسيطا لذلك واقول تتذكرون انّه في مباراة كرة قدم جرت بين الافريقي والترجي ذات ماي 85 وانتصر فيها الافريقي انذاك يوم 5 _ 5 _ 85 _ بخماسية …ماذا عن العناوين التي تتصدّر غدا الصحف حول المباراة ؟…دعونا نأخذ ابسطها …عنوان يقول الافريقي انتصر بـ5 اهداف مقابل هدف … وعنوان ثان يقول الترجّي انهزم بـ 5 اهداف مقابل هدف …ظاهريا يبدو الامر عاديا ولكن ان نستعمل كلمة انتصر لا يمكن ان تكون بنفس حجم وثقل ووجع كلمة انهزم …اين الحيادية اذن ؟؟ انا هنا تكلمت فقط عن صدر تلك القاعدة الشهيرة (وهي اكذوبة) والتي تقول الخبر مقدّس والتعليق حر …ما صدر كعنوانين في الجريدتين وهو الخبر المقدّس، هل يؤكّد انّ الخبر مفدّس اي محايد ؟ …الم اقل لكم انّها اكذوبة …
هذا الامر يُحيلني الى موقف لا مفرّ منه وانا اتفاعل مع ما يكتبه المستمع… هنالك كتابات تزلزلني جمالا ورونقا… اصحابها وهبهم الله نعمة (النقشان) وعبر مسيرتي حظيت بشرف وسعادة اكتشاف العديدين منهم… وعبداللطيف الحداد هو أحدهم… تابعته منذ كان تلميذا في جربة ثم طالبا في سوسة ثم مربّيا واتابعه لحدّ هذا اليوم محبّا متيّما بالافريقي… ومرّة اخرى وبكلّ امانة ايضا انا لي عشق يبدو انّه جيني للجنوب… الجنوب حقا وأعني هنا غمراسن وقبلّي ودوز ومدنين وجربة وتطاوين وتوزر وقفصة… قد اكون غير محايد في تقديري ولكن كانت لي قناعة ومازالت بانهم في جلّهم الاذكى والالطف والاصدق…
من ضمن ما كتب عبداللطيف الحداد في اواخر 85 حول الكوكتيل هذه النقشة “حتّى يكون الحبّ في بلدي بمرتبة الهواء” (جريدة السور بتاريخ 21 نوفمبر 85): “الى كلّ من يهمّه امر كوكتيلنا وامرنا .. اليكم جميعا ولا استثني احدا …1. الذين اقصوا عبدالكريم قطاطة لم ينفذوا قرارهم في قطاطة فحسب … بل نفّذوا ذلك في الآلاف من مستمعيهم ومؤتمنيهم على مصدح ورسالة وتراث … فالكوكتيل كان ملكا لاحبائه قبل ان يكون لقطاطة … 2 احيلوني على تجربة مصدحية واحدة في عمق وتوهّج تجربة الكوكتيل ولكم بعد ذلك ان تشنقوا كلماتي ..3 اية اخلاق اعلامية كانت تسمح بجزاء سنمّاري لكلّ من يجتهد ويتعب ويبذل عرقه ووقته لأجل سعادة المستمع ؟؟ وايّ عرف اعلامي كان يُبيح هذه النهاية الجنائزية لمن نفخ في المصدح بصدق وعمق وجنون؟ الا تخجلون من جحودهم ؟؟… 4 انّ ارتحال تقدير ضنى عبدالكريم ومتاعبه الجمة هو في النهاية ارتحال لنا …لمستمعي الكوكتيل اينما كانوا فأن يهون الكوكتيل هو أن يهون المستمع الذي يطلبه بعنف هل تفهمون هذا؟… 5 اذا كان الغرور عند بعضهم يعني التشبّث بالمبدإ والكرامة فنعم الغرور غرورنا لأنّ المساومة ما كانت يوما منّا وما كنّا منها…
6 هذا الوجه الجاحد الذي يواجهون به عبدالكريم قطاطة ليس جديدا عليه و لا علينا ولا على الجمهور طالما ان الحزن والاغتصاب هو قدر المبدعين والموهوبين دوما… 7 ان نكن قد خسرنا وبايدينا كانت الخسارة، فاننا تعلمنا انّ الذي يعرف كيف يخسر يعرف ايضا كيف يربح على حدّ قول نجيب محفوظ .. احتفظوا بهذه المعلومة في كنّشاتكم فلعلّها تكون ذات بال في يوم من الايام…8 غدا نعود ونستعيد مصدحنا واشياءنا وتاريخنا تاريخ الجمال والحب والجنون … امّا اذا لم نعد فانّ عزاءنا انّه ما من صادق الاّ وسيقول بأنّه كان حبّ هنا وكانت ارادة صميمة وكان امل… وانّه كان صوت نشاز اسمه عبدالكريم قطاطة وليس عبدالكريم فتيات كما يردّد المعقّدون… شنقوا انفاسه وصلبوه على عتبة قرار بذات قرار 21 ماي…تاريخ ايقاف الكوكتيل” …
عبداللطيف يقول دائما عنّي اشياء كثيرة فيها وفاء وامتنان …ولو تدري يا صديقي كما انا سعيد بانّك تجاوز جدولي الصّغيّر لتصبح محيطا عميقا من الجمال والابداع … عبد اللطيف والآخرون لم يهدأ لهم بال وكان الاستفتاء السنوي الذي تنظمه جريدة “البيان” فرصة ليعبّروا بشكل آخر عن تشبثهم بالكوكتيل وبمنشّطه … وهنا لم يكن التتويج بالمرتبة الاولى الذي اعنيه بل خاصة بالفارق الكبير بين المرتبة الاولى والثانية في عدد الاصوات… المرتبة الأولى تجاوز المصوّتون لها المائة والثانية لم تتجاوز العشرة اصوات… وهذا يعني انّ الحملة كانت كبيرة و الضربة القاصمة كانت موجّهة للادارة اساسا وليست لزملائي …
ما حدث في اواخر 86 كان توقّف جريدة الايام عن الصدور …كنّا ننتظر مثل هذا الامر ولكن ليس بتلك السرعة …كنّا نشتمّ رائحة الحريق …لأنّنا وبكلّ غرور مرّة اخرى كنّا مختلفين عن السائد …كنّا كفريق رياضي يبدا التعاقد لأوّل مرّة في تاريخه مع جامعة كرة قدم (طبعا موش مع الجريء لأنّو وقتها مازال يلعب في الزرابط مع اقرانو ويهرتكو عليه وهاكة علاش توة يردّ في الفعل ويحبّ يهرتك على برشة … اما يا مهرتك يجي نهار وتتهرتك)… اذن فريق في بداية خطواته الكروية فاذا به في المنصّة لتسلّم الكأس والبطولة معا … الايام انذاك كانت الجريدة الاقرب الى عقول وقلوب القرّاء …لذلك حتما سيشتعل الحريق …وما لبثت ان عادت في جانفي 86 وكُلّفت وقتها بادارة مكتبها بالجنوب حرصا منّا على الاقتراب من قرّائنا بالجنوب عامة …
من الاشياء التي عملنا كذلك على سنّها في تعامل الجريدة مع قرائها اجتماعات دورية في مكتبها بتونس مع مجموعة من القراء الاصدقاء للتدارس معهم وبشكل مباشر في ما للجريدة وما عليها… وكانت تجربة رائدة ومثمرة جدا في الاستماع اليهم وخاصّة في التاكيد الفعلي انّ للقارئ نصيبا في دنيا الجريدة اي شراكة فعلية مع الحريف ان صحّت العبارة …
من الذكريات التي لم انسها ايضا في شهر جانفي 86 موقف الجمهور الرياضي في قاعة محمد علي عقيد والنادي الصفاقسي منظم للبطولة الافريقية للكرة الطائرة والتي فاز بها مع اروع جيل للكرة الطائرة انذاك (غازي المهيري، مصدق الأحمر، عبد العزيز بن عبدالله، حشيشة، صرصار، كرّاي كسكاس وبقيّة الفيلق)… لم انس استقبال الجمهورالحاضر لي وانا انشّط التظاهرة … اقسم لكم بكلّ المقدسات كنت خجِلا لحدّ انهمار الدموع والقاعة تهتف بصوت واحد عبدالكريم عبدالكريم .. انّه الحبّ الغامر الرهيب ….لكن ما حدث من قبل المستمعين بعد صمت الادارة وعدم الاستجابة لرغبتهم في عودة الكوكتيل لم يكن في الحسبان بتاتا… قام المستمعون بتشكيل لجان في كافة مناطق الجمهورية مهمتها تجميع امضاءات للمطالبة بعودة الكوكتيل …وتكفّل منسق كل لجنة بعد التجميع بارسال نسخة لي وثانية لرئيس المؤسسة وثالثة لوزير الاعلام ونسخا اخرى لبعض الجرائد …
وما لم يكن في الحسبان الذي اعنيه انّه ولاوّل مرّة في تاريخ الاعلام يصل عدد الممضين على عريضة للمستمعين الى 20 الف و247 امضاء (جريدة الرأي 16 ماي 86) ….من ناحية اخرى وبعد عودة جريدة الايام اصبحت قناعتنا تتشكّل يوما بعد يوم بأنّ الايام لم تعد تلك التي اردناها وعشقناها وانّ ضغوطا سُلّطت على مديرها كي يوجّه بوصلتها الى حيث يريدون …وكان الاتفاق على تقديم الاستقالة الجماعية لمديرها وكنت انا من كتبت نصّ الاستقالة… وانتهت تجربتنا مع الايام وبكلّ اسف وحرقة نعم ولكن بكلّ فخر وشموخ واعتزاز لم نخضع لايّ ابتزاز ولم نلبس جلباب ايّ حزب …
من احداث سنة 86 ايضا انّ فريق اذاعة صفاقس نظّم دورة في كرة القدم وفاز ببطولتها… وعند زيارة وزير الإعلام (عبدالرزاق الكافي) لاذاعة صفاقس حيث سيُسلّم الكأس لقائد الفريق، اصرّ زملائي وانا الغائب عن اذاعة صفاقس انذاك بأن يكون عبدالكريم هو من سيتسلّم الكأس كقائد فريق سابق لهم … هم اتّفقوا سرّا حتى لا تعترض الادارة على قرارهم وتعتبره تحدّيا لها … وبُهت الذي كفر… دُعيت الى الحدث وعندما همّ الوزير بتسليم الكأس جاء زملائي في الفريق وحملوني الى المنصّة وتسلّمت الكأس… سلّمها لي السيّد عبدالرزاق الكافي وهمس في أذني: انت هو سي عبدالكريم ؟؟ ايجاني نهار الاثنين مع الساعة الخامسة مساء في مكتبي بالوزارة… عندي ما نحكي معاك…
في الورقة القادمة انا زادة عندي ما نحكي معاكم…
ـ يتبع ـ
تصفح أيضا
عبد الكريم قطاطة:
فترة التسعينات كانت حبلى بالاحداث والتغييرات في مسيرتي المهنية منها المنتظر والمبرمج له ومنها غير المنتظر بتاتا …
وانا قلت ومازلت مؤمنا بما قلته… انا راض بأقداري… بحلوها وبمرّها… ولو عادت عجلة الزمن لفعلت كلّ ما فعلته بما في ذلك حماقاتي واخطائي… لانني تعلمت في القليل الذي تعلمته، انّ الانسان من جهة هو ابن بيئته والبيئة ومهما بلغت درجة وعينا تؤثّر على سلوكياتنا… ومن جهة اخرى وحده الذي لا يعمل لا يخطئ… للتذكير… اعيد القول انّه وبعد ما فعله سحر المصدح فيّ واخذني من دنيا العمل التلفزي وهو مجال تكويني الاكاديمي، لم انس يوما انّني لابدّ ان اعود يوما ما الى اختصاصي الاصلي وهو العمل في التلفزيون سواء كمخرج او كمنتج او كلاهما معا… وحددت لذلك انقضاء عشر سنوات اولى مع المصدح ثمّ الانكباب على دنيا التلفزيون بعدها ولمدّة عشر سنوات، ثمّ اختتام ما تبقّى من عمري في ارقى احلامي وهو الاخراج السينمائي…
وعند بلوغ السنة العاشرة من حياتي كمنشط اذاعي حلّت سنة 1990 لتدفعني للولوج عمليا في عشريّة العمل التلفزي… ولانني احد ضحايا سحر المصدح لم استطع القطع مع هذا الكائن الغريب والجميل الذي سكنني بكلّ هوس… الم اقل آلاف المرات انّ للعشق جنونه الجميل ؟؟ ارتايت وقتها ان اترك حبل الوصل مع المصدح قائما ولكن بشكل مختلف تماما عما كنت عليه ..ارتايت ان يكون وجودي امام المصدح بمعدّل مرّة في الاسبوع ..بل وذهبت بنرجسيتي المعهودة الى اختيار توقيت لم اعتد عليه بتاتا ..نعم اخترت الفضاء في سهرة اسبوعية تحمل عنوان (اصدقاء الليل) من التاسعة ليلا الى منتصف الليل …هل فهمتم لماذا وصفت ذلك الاختيار بالنرجسي ؟؟ ها انا افسّر ..
قبل سنة تسعين عملت في فترتين: البداية كانت فترة الظهيرة من العاشرة صباحا حتى منتصف النهار (والتي كانت وفي الاذاعات الثلاث قبل مجيئي فترة خاصة ببرامج الاهداءات الغنائية)… عندما اقتحمت تلك الفترة كنت مدركا انيّ مقدم على حقل ترابه خصب ولكنّ محصوله بائس ومتخلّف ..لذلك اقدمت على الزرع فيه … وكان الحصاد غير متوقع تماما ..وتبعتني الاذاعة الوطنية واذاعة المنستير وقامت بتغييرات جذرية هي ايضا في برامجها في فترة الضحى .. بل واصبح التنافس عليها شديدا بين المنشطين ..كيف لا وقد اصبحت فترة الضحى فترة ذروة في الاستماع … بعد تلك الفترة عملت ايضا لمدة في فترة المساء ضمن برنامج مساء السبت … ولم يفقد انتاجي توهجه ..وعادت نفس اغنية البعض والتي قالوا فيها (طبيعي برنامجو ينجح تي حتى هو واخذ اعزّ فترة متاع بثّ) …
لذلك وعندما فكّرت في توجيه اهتمامي لدنيا التلفزيون فكرت في اختيار فترة السهرة لضرب عصفورين بحجر واحد… الاول الاهتمام بما ساحاول انتاجه تلفزيا كامل ايام الاسبوع وان اخصص يوما واحدا لسحر المصدح ..ومن جهة اخرى وبشيء مرة اخرى من النرجسية والتحدّي، اردت ان اثبت للمناوئين انّ المنشّط هو من يقدر على خلق الفترة وليست الفترة هي القادرة على خلق المنشط ..وانطلقت في تجربتي مع هذا البرنامج الاسبوعي الليلي وجاءت استفتاءات (البيان) في خاتمة 1990 لتبوئه و منشطه المكانة الاولى في برامج اذاعة صفاقس .. انا اؤكّد اني هنا اوثّق وليس افتخارا …
وفي نفس السياق تقريبا وعندما احدثت مؤسسة الاذاعة برنامج (فجر حتى مطلع الفجر) وهو الذي ينطلق يوميا من منتصف الليل حتى الخامسة صباحا، و يتداول عليه منشطون من الاذاعات الثلاث… طبعا بقسمة غير عادلة بينها يوم لاذاعة صفاقس ويوم لاذاعة المنستير وبقية الايام لمنشطي الاذاعة الوطنية (اي نعم العدل يمشي على كرعيه) لا علينا … سررت باختياري كمنشط ليوم صفاقس ..اولا لانّي ساقارع العديد من الزملاء دون خوف بل بكلّ ثقة ونرجسية وغرور… وثانيا للتاكيد مرة اخرى انّ المنشط هو من يصنع الفترة ..والحمد لله ربحت الرهان وبشهادة اقلام بعض الزملاء في الصحافة المكتوبة (لطفي العماري في جريدة الاعلان كان واحدا منهم لكنّ الشهادة الاهمّ هي التي جاءتني من الزميل الكبير سي الحبيب اللمسي رحمه الله الزميل الذي يعمل في غرفة الهاتف بمؤسسة الاذاعة والتلفزة) …
سي الحبيب كان يكلمني هاتفيا بعد كل حصة انشطها ليقول لي ما معناه (انا نعرفك مركّب افلام باهي وقت كنت تخدم في التلفزة اما ما عرفتك منشط باهي كان في فجر حتى مطلع الفجر .. اما راك اتعبتني بالتليفونات متاع المستمعين متاعك، اما مايسالش تعرفني نحبك توة زدت حبيتك ربي يعينك يا ولد) … في بداية التسعينات ايضا وبعد انهاء اشرافي على “اذاعة الشباب” باذاعة صفاقس وكما كان متفقا عليه، فكرت ايضا في اختيار بعض العناصر الشابة من اذاعة الشباب لاوليها مزيدا من العناية والتاطير حتى تاخذ المشعل يوما ما… اطلقت عليها اسم مجموعة شمس، واوليت عناصرها عناية خاصة والحمد لله انّ جلّهم نجحوا فيما بعد في هذا الاختصاص واصبحوا منشطين متميّزين… بل تالّق البعض منهم وطنيا ليتقلّد عديد المناصب الاعلامية الهامة… احد هؤلاء زميلي واخي الاصغر عماد قطاطة (رغم انه لا قرابة عائلية بيننا)…
عماد يوم بعث لي رسالة كمستمع لبرامجي تنسمت فيه من خلال صياغة الرسالة انه يمكن ان يكون منشطا …دعوته الى مكتبي فوجدته شعلة من النشاط والحيوية والروح المرحة ..كان انذاك في سنة الباكالوريا فعرضت عليه ان يقوم بتجربة بعض الريبورتاجات في برامجي .. قبل بفرح طفولي كبير لكن اشترطت عليه انو يولي الاولوية القصوى لدراسته … وعدني بذلك وسالته سؤالا يومها قائلا ماذا تريد ان تدرس بعد الباكالوريا، قال دون تفكير اريد ان ادرس بكلية الاداب مادة العربية وحلمي ان اصبح يوما استاذ عربية ..ضحكت ضحكة خبيثة وقلت له (تي هات انجح وبعد يعمل الله)… وواصلت تاطيره وتكوينه في العمل الاذاعي ونجح في الباكالوريا ويوم ان اختار دراسته العليا جاءني ليقول وبكلّ سعادة …لقد اخترت معهد الصحافة وعلوم الاخبار… اعدت نفس الضحكة الخبيثة وقلت له (حتّى تقللي يخخي؟) واجاب بحضور بديهته: (تقول انت شميتني جايها جايها ؟؟)… هنأته وقلت له انا على ذمتك متى دعتك الحاجة لي ..
وانطلق عماد في دراسته واعنته مع زملائي في الاذاعة الوطنية ليصبح منشطا فيها (طبعا ايمانا منّي بجدراته وكفاءته)… ثم استنجد هو بكلّ ما يملك من طاقات مهنية ليصبح واحدا من ابرز مقدمي شريط الانباء… ثم ليصل على مرتبة رئيس تحرير شريط الانباء بتونس 7 ..ويوما ما عندما فكّر البعض في اذاعة خاصة عُرضت على عماد رئاسة تحريرها وهو من اختار اسمها ..ولانّه لم ينس ماعاشه في مجموعة شمس التي اطرتها واشرفت عليها، لم ينس ان يسمّي هذه الاذاعة شمس اف ام … اي نعم .عماد قطاطة هو من كان وراء اسم شمس اف ام …
ثمة ناس وثمة ناس ..ثمة ناس ذهب وثمة ناس ماجاوش حتى نحاس ..ولانّي عبدالكريم ابن الكريم ..انا عاهدت نفسي ان اغفر للذهب والنحاس وحتى القصدير ..وارجو ايضا ان يغفر لي كل من اسأت اليه ..ولكن وربّ الوجود لم اقصد يوما الاساءة ..انه سوء تقدير فقط …
ـ يتبع ـ
عبد الكريم قطاطة:
المهمة الصحفية الثانية التي كلفتني بها جريدة الاعلان في نهاية الثمانينات تمثّلت في تغطية مشاركة النادي الصفاقسي في البطولة الافريقية للكرة الطائرة بالقاهرة …
وهنا لابدّ من الاشارة انها كانت المرّة الوحيدة التي حضرت فيها تظاهرة رياضية كان فيها السي اس اس طرفا خارج تونس .. نعم وُجّهت اليّ دعوات من الهيئات المديرة للسفر مع النادي وعلى حساب النادي ..لكن موقفي كان دائما الشكر والاعتذار ..واعتذاري لمثل تلك الدعوات سببه مبدئي جدا ..هاجسي انذاك تمثّل في خوفي من (اطعم الفم تستحي العين)… خفت على قلمي ومواقفي ان تدخل تحت خانة الصنصرة الذاتية… اذ عندما تكون ضيفا على احد قد تخجل من الكتابة حول اخطائه وعثراته… لهذا السبب وطيلة حياتي الاعلامية لم اكن ضيفا على ايّة هيئة في تنقلات النادي خارج تونس ..
في رحلتي للقاهرة لتغطية فعاليات مشاركة السي اس اس في تلك المسابقة الافريقية، لم يكن النادي في افضل حالاته… لكن ارتأت ادارة الاعلان ان تكلّفني بمهمّة التغطية حتى اكتب بعدها عن ملاحظاتي وانطباعاتي حول القاهرة في شكل مقالات صحفية… وكان ذلك… وهذه عينات مما شاهدته وسمعته وعشته في القاهرة. وهو ما ساوجزه في هذه الورقة…
اوّل ما استرعى انتباهي في القاهرة انّها مدينة لا تنام… وهي مدينة الضجيج الدائم… وما شدّ انتباهي ودهشتي منذ الساعة الاولى التي نزلت فيها لشوارعها ضجيج منبهات السيارات… نعم هواية سائقي السيارات وحتى الدراجات النارية والهوائية كانت بامتياز استخدام المنبهات… ثاني الملاحظات كانت نسبة التلوّث الكثيف… كنت والزملاء نخرج صباحا بملابس انيقة وتنتهي صلوحية اناقتها ونظافتها في اخر النهار…
اهتماماتي في القاهرة في تلك السفرة لم تكن موجّهة بالاساس لمشاركة السي اس اس في البطولة الافريقية للكرة الطائرة… كنا جميعا ندرك انّ مشاركته في تلك الدورة ستكون عادية… لذلك وجهت اشرعة اهتمامي للجانب الاجتماعي والجانب الفنّي دون نسيان زيارة معالم مصر الكبيرة… اذ كيف لي ان ازور القاهرة دون زيارة خان الخليلي والسيدة زينب وسيدنا الحسين والاهرام… اثناء وجودي بالقاهرة اغتنمت الفرصة لاحاور بعض الفنانين بقديمهم وجديدهم… وكان اوّل اتصال لي بالكبير موسيقار الاجيال محمد عبد الوهاب رحمه الله… هاتفته ورجوت منه امكانية تسجيل حوار معه فاجابني بصوته الخشن والناعم في ذات الوقت معتذرا بسبب حالته الصحية التي ليست على ما يرام…
لكن في مقابل ذلك التقيت بالكبير محمد الموجي بمنزله وقمت بتسجيل حوار معه ..كان الموجي رحمه الله غاية في التواضع والبساطة… لكن ما طُبع في ذهني نظرته العميقة وهو يستمع اليك مدخّنا سيجارته بنهم كبير… نظرة اكاد اصفها بالرهيبة… رهبة الرجل مسكونا بالفنّ كما جاء في اغنية رسالة من تحت الماء التي لحنها للعندليب… نظرة المفتون بالفن من راسه حتى قدميه…
في تلك الفترة من اواخر الثمانينات كانت هنالك مجموعة من الاصوات الشابة التي بدات تشق طريقها في عالم الغناء ..ولم اترك الفرصة تمرّ دون ان انزل ضيفا عليهم واسجّل لهم حوارات… هنا اذكر بانّ كلّ التسجيلات وقع بثها في برامجي باذاعة صفاقس… من ضمن تلك الاصوات الشابة كان لي لقاءات مع محمد فؤاد، حميد الشاعري وعلاء عبدالخالق… المفاجأة السارة كانت مع لطيفة العرفاوي… في البداية وقبل سفرة القاهرة لابدّ من التذكير بانّ لطيفة كانت احدى مستمعاتي… وعند ظهورها قمت بواجبي لتشجيعها وهي تؤدّي انذاك وباناقة اغنية صليحة (يا لايمي عالزين)…
عندما سمعت لطيفة بوجودي في القاهرة تنقلت لحيّ العجوزة حيث اقطن ودعتني مع بعض الزملاء للغداء ببيتها… وكان ذلك… ولم تكتف بذلك بل سالت عن احوالنا المادية ورجتنا ان نتصل بها متى احتجنا لدعم مادي… شكرا يا بنت بلادي على هذه الحركة…
اختم بالقول قل ما شئت عن القاهرة.. لكنها تبقى من اعظم واجمل عواصم الدنيا… القاهرة تختزل عبق تاريخ كلّ الشعوب التي مرّت على اديمها… نعم انها قاهرة المعزّ…
ـ يتبع ـ
محمد الزمزاري:
انطلقت الحملة الوطنية المتعلقة هذه المرة بالتقصي حول الأمراض المزمنة وكان مرض السكري وأيضا مرض ضغط الدم هما المدرجان في هذه الحملة.
يشار إلى أن نسب مرضى السكري و ضغط الدم قد عرفت ارتفاعا ملفتا لدى المواطنين و بالتحديد لدى شريحة كبار السن مما يكسي اهمية لهذه الحملات التي تنظمها وزارة الصحة العمومية بالتعاون المباشر مع هيئة الهلال الأحمر التونسي.. وقد سنحت لنا الفرصة لحضور جزء مهم من الحملة في بهو محطة القطارات الرئيسية بساحة برشلونة، لنقف على تفاعل عديد المواطنين المصطفّين قصد الخضوع لعملية التقصي بكل انضباط وكان جل الوافدين طبعا من كبار السن، كما لوحظ تواجد عدد كبير من ممثلي الهلال الأحمر ومن الأطباء بمكتبين ويساعدهم بعض الممرضين.
الغريب انه لدى تغطيتى العارضة لهذه الحملة المتميزة التي تهدف اساسا إلى توعية المواطنين وحثهم على تقصي الأمراض بكل انواعها بصور مبكرة، بالاعتماد على كافة قنوات الاتصال وأهمها الإعلام الذي لن يكون الا داعما لهذا الهدف الإنساني لكن احد اعوان الهلال الأحمر فتح معي بحثا ان كنت من التلفزة الوطنية ملاحظا ان القناة المذكورة هي الوحيدة المسموح لها بالقيام بالتغطية ولم يكتف بهذا بل أكد ان الأطباء لا يحبون التصوير.
طبيعي اني لم اتفاعل مع هذا الجهل وضحالة المعرفة باهداف الحملة بالإضافة إلى عمليات التقصي الفعلي ..ولما تجاوز في الإلحاح طلبت منه الاستظهار بصفته هل هو منسق الحملة حتى يمكنني أن امر إلى المسؤول عنها بصفتي صحفيا ..وواصلت عملى أمام انكماش هذا العون التابع للهلال الأحمر حسبما يدل عليه زيه.
وبعيدا عن هذا، لا يفوت التنويه بالجهود الكبيرة التي يتحلى بها طاقم الاطباء و الممرضين و متطوعي الهلال الاحمر، الذين يجهدون انفسهم لانجاح هذه الحملة سواء داخل بهو محطة السكك الحديدية او عبر بعض الفرق التي تعمل على التعريف بجدوى التقصي حتى خارج البهو الكبير.
صن نار
- ثقافياقبل 50 دقيقة
قريبا وفي تجربة مسرحية جديدة: “الجولة الاخيرة”في دار الثقافة “بشير خريّف”
- جور نارقبل 60 دقيقة
ورقات يتيم … الورقة 89
- ثقافياقبل 11 ساعة
زغوان… الأيام الثقافية الطلابية
- جلـ ... منارقبل 22 ساعة
الصوت المضيء
- جور نارقبل يومين
ورقات يتيم ..الورقة 88
- ثقافياقبل 3 أيام
نحو آفاق جديدة للسينما التونسية
- صن نارقبل 3 أيام
الولايات المتحدة… إطلاق نار في “نيو أوليانز” وقتلى وإصابات
- صن نارقبل 3 أيام
في المفاوضات الأخيرة… هل يتخلى “حزب الله” عن جنوب لبنان؟