جور نار
ورقات يتيم… الورقة 77
نشرت
قبل شهرينفي
عبد الكريم قطاطة:
سنة 1986 كانت سنة التحدّيات والتحوّلات… تذكرون جيّدا سنة 82 والزوبعة التي حدثت بعد ايقاف الكوكتيل… زوبعة 85 كانت اعمق واكثر توهجا
لأبدأ اوّلا بالمستمع… منذ غيابي عن المصدح ماي 85 والمستمع لم يهدأ له بال وهذه المرّة بشكل عملي …لم تنقطع رسائل استنكاره وتنديده بالقرار سواء كان ذلك عبر الصحف او برسائل مباشرة للادارة… مما جعل جلسات الادارة الاسبوعية تُخصّص في جلّها للتباحث في كيفية معالجة ابواب النار التي فُتحت عليها… وللامانة فانّ العناوين الصحفيّة استغلّت الإشكال لتجعل منه خبزها الاسبوعي… مادام الامر يضمن لها مزيدا من المبيعات، او ما يعبّر عنه اليوم بالبوز …رغم ايماني ايضا بأنّ بعض الزملاء تعاطفوا مع الامر بفكر واع ودفاعا عن مسار اقتنعوا به، بعيدا عن الجانب التجاري…
في هذا الباب انا فخور جدا بهدف ادرجته ضمن قناعاتي والمتمثل في أنني آمنت ومازلت بانّ المنشّط الاذاعي هو صوت لكلّ الناس… وأعني هنا مهما اختلفت مستوياتهم التعليمية والسنّية… لا شروط لديّ في الترحيب بأيّ كان باستثناء اولئك الذين لا يحترمون الوطن والانسان… هؤلاء كانوا ومازالوا خارج حظيرة برامجي… اذ لا حياد معهم… زد على ذلك وفي ما يقولون عنه حيادا، فانا كرّرت آلاف المرّات انّ الحياد في العمل الاعلامي اكبر كذبة تُدرّس في معهد الصحافة وجلّ اصدقائي من اساتذة هذا المعهد يعرفون موقفي هذا… اذ الانسان بطبيعة خلقه هو مزيج من القلب والفكر ودون أي منهما لن يكون انسانا… واجب الاعلامي فقط ان لا يغلّب احدهما على الاخر وان يتوق للموضوعية في طرحه للمسائل …
كنت دوما اُعطي مثالا بسيطا لذلك واقول تتذكرون انّه في مباراة كرة قدم جرت بين الافريقي والترجي ذات ماي 85 وانتصر فيها الافريقي انذاك يوم 5 _ 5 _ 85 _ بخماسية …ماذا عن العناوين التي تتصدّر غدا الصحف حول المباراة ؟…دعونا نأخذ ابسطها …عنوان يقول الافريقي انتصر بـ5 اهداف مقابل هدف … وعنوان ثان يقول الترجّي انهزم بـ 5 اهداف مقابل هدف …ظاهريا يبدو الامر عاديا ولكن ان نستعمل كلمة انتصر لا يمكن ان تكون بنفس حجم وثقل ووجع كلمة انهزم …اين الحيادية اذن ؟؟ انا هنا تكلمت فقط عن صدر تلك القاعدة الشهيرة (وهي اكذوبة) والتي تقول الخبر مقدّس والتعليق حر …ما صدر كعنوانين في الجريدتين وهو الخبر المقدّس، هل يؤكّد انّ الخبر مفدّس اي محايد ؟ …الم اقل لكم انّها اكذوبة …
هذا الامر يُحيلني الى موقف لا مفرّ منه وانا اتفاعل مع ما يكتبه المستمع… هنالك كتابات تزلزلني جمالا ورونقا… اصحابها وهبهم الله نعمة (النقشان) وعبر مسيرتي حظيت بشرف وسعادة اكتشاف العديدين منهم… وعبداللطيف الحداد هو أحدهم… تابعته منذ كان تلميذا في جربة ثم طالبا في سوسة ثم مربّيا واتابعه لحدّ هذا اليوم محبّا متيّما بالافريقي… ومرّة اخرى وبكلّ امانة ايضا انا لي عشق يبدو انّه جيني للجنوب… الجنوب حقا وأعني هنا غمراسن وقبلّي ودوز ومدنين وجربة وتطاوين وتوزر وقفصة… قد اكون غير محايد في تقديري ولكن كانت لي قناعة ومازالت بانهم في جلّهم الاذكى والالطف والاصدق…
من ضمن ما كتب عبداللطيف الحداد في اواخر 85 حول الكوكتيل هذه النقشة “حتّى يكون الحبّ في بلدي بمرتبة الهواء” (جريدة السور بتاريخ 21 نوفمبر 85): “الى كلّ من يهمّه امر كوكتيلنا وامرنا .. اليكم جميعا ولا استثني احدا …1. الذين اقصوا عبدالكريم قطاطة لم ينفذوا قرارهم في قطاطة فحسب … بل نفّذوا ذلك في الآلاف من مستمعيهم ومؤتمنيهم على مصدح ورسالة وتراث … فالكوكتيل كان ملكا لاحبائه قبل ان يكون لقطاطة … 2 احيلوني على تجربة مصدحية واحدة في عمق وتوهّج تجربة الكوكتيل ولكم بعد ذلك ان تشنقوا كلماتي ..3 اية اخلاق اعلامية كانت تسمح بجزاء سنمّاري لكلّ من يجتهد ويتعب ويبذل عرقه ووقته لأجل سعادة المستمع ؟؟ وايّ عرف اعلامي كان يُبيح هذه النهاية الجنائزية لمن نفخ في المصدح بصدق وعمق وجنون؟ الا تخجلون من جحودهم ؟؟… 4 انّ ارتحال تقدير ضنى عبدالكريم ومتاعبه الجمة هو في النهاية ارتحال لنا …لمستمعي الكوكتيل اينما كانوا فأن يهون الكوكتيل هو أن يهون المستمع الذي يطلبه بعنف هل تفهمون هذا؟… 5 اذا كان الغرور عند بعضهم يعني التشبّث بالمبدإ والكرامة فنعم الغرور غرورنا لأنّ المساومة ما كانت يوما منّا وما كنّا منها…
6 هذا الوجه الجاحد الذي يواجهون به عبدالكريم قطاطة ليس جديدا عليه و لا علينا ولا على الجمهور طالما ان الحزن والاغتصاب هو قدر المبدعين والموهوبين دوما… 7 ان نكن قد خسرنا وبايدينا كانت الخسارة، فاننا تعلمنا انّ الذي يعرف كيف يخسر يعرف ايضا كيف يربح على حدّ قول نجيب محفوظ .. احتفظوا بهذه المعلومة في كنّشاتكم فلعلّها تكون ذات بال في يوم من الايام…8 غدا نعود ونستعيد مصدحنا واشياءنا وتاريخنا تاريخ الجمال والحب والجنون … امّا اذا لم نعد فانّ عزاءنا انّه ما من صادق الاّ وسيقول بأنّه كان حبّ هنا وكانت ارادة صميمة وكان امل… وانّه كان صوت نشاز اسمه عبدالكريم قطاطة وليس عبدالكريم فتيات كما يردّد المعقّدون… شنقوا انفاسه وصلبوه على عتبة قرار بذات قرار 21 ماي…تاريخ ايقاف الكوكتيل” …
عبداللطيف يقول دائما عنّي اشياء كثيرة فيها وفاء وامتنان …ولو تدري يا صديقي كما انا سعيد بانّك تجاوز جدولي الصّغيّر لتصبح محيطا عميقا من الجمال والابداع … عبد اللطيف والآخرون لم يهدأ لهم بال وكان الاستفتاء السنوي الذي تنظمه جريدة “البيان” فرصة ليعبّروا بشكل آخر عن تشبثهم بالكوكتيل وبمنشّطه … وهنا لم يكن التتويج بالمرتبة الاولى الذي اعنيه بل خاصة بالفارق الكبير بين المرتبة الاولى والثانية في عدد الاصوات… المرتبة الأولى تجاوز المصوّتون لها المائة والثانية لم تتجاوز العشرة اصوات… وهذا يعني انّ الحملة كانت كبيرة و الضربة القاصمة كانت موجّهة للادارة اساسا وليست لزملائي …
ما حدث في اواخر 86 كان توقّف جريدة الايام عن الصدور …كنّا ننتظر مثل هذا الامر ولكن ليس بتلك السرعة …كنّا نشتمّ رائحة الحريق …لأنّنا وبكلّ غرور مرّة اخرى كنّا مختلفين عن السائد …كنّا كفريق رياضي يبدا التعاقد لأوّل مرّة في تاريخه مع جامعة كرة قدم (طبعا موش مع الجريء لأنّو وقتها مازال يلعب في الزرابط مع اقرانو ويهرتكو عليه وهاكة علاش توة يردّ في الفعل ويحبّ يهرتك على برشة … اما يا مهرتك يجي نهار وتتهرتك)… اذن فريق في بداية خطواته الكروية فاذا به في المنصّة لتسلّم الكأس والبطولة معا … الايام انذاك كانت الجريدة الاقرب الى عقول وقلوب القرّاء …لذلك حتما سيشتعل الحريق …وما لبثت ان عادت في جانفي 86 وكُلّفت وقتها بادارة مكتبها بالجنوب حرصا منّا على الاقتراب من قرّائنا بالجنوب عامة …
من الاشياء التي عملنا كذلك على سنّها في تعامل الجريدة مع قرائها اجتماعات دورية في مكتبها بتونس مع مجموعة من القراء الاصدقاء للتدارس معهم وبشكل مباشر في ما للجريدة وما عليها… وكانت تجربة رائدة ومثمرة جدا في الاستماع اليهم وخاصّة في التاكيد الفعلي انّ للقارئ نصيبا في دنيا الجريدة اي شراكة فعلية مع الحريف ان صحّت العبارة …
من الذكريات التي لم انسها ايضا في شهر جانفي 86 موقف الجمهور الرياضي في قاعة محمد علي عقيد والنادي الصفاقسي منظم للبطولة الافريقية للكرة الطائرة والتي فاز بها مع اروع جيل للكرة الطائرة انذاك (غازي المهيري، مصدق الأحمر، عبد العزيز بن عبدالله، حشيشة، صرصار، كرّاي كسكاس وبقيّة الفيلق)… لم انس استقبال الجمهورالحاضر لي وانا انشّط التظاهرة … اقسم لكم بكلّ المقدسات كنت خجِلا لحدّ انهمار الدموع والقاعة تهتف بصوت واحد عبدالكريم عبدالكريم .. انّه الحبّ الغامر الرهيب ….لكن ما حدث من قبل المستمعين بعد صمت الادارة وعدم الاستجابة لرغبتهم في عودة الكوكتيل لم يكن في الحسبان بتاتا… قام المستمعون بتشكيل لجان في كافة مناطق الجمهورية مهمتها تجميع امضاءات للمطالبة بعودة الكوكتيل …وتكفّل منسق كل لجنة بعد التجميع بارسال نسخة لي وثانية لرئيس المؤسسة وثالثة لوزير الاعلام ونسخا اخرى لبعض الجرائد …
وما لم يكن في الحسبان الذي اعنيه انّه ولاوّل مرّة في تاريخ الاعلام يصل عدد الممضين على عريضة للمستمعين الى 20 الف و247 امضاء (جريدة الرأي 16 ماي 86) ….من ناحية اخرى وبعد عودة جريدة الايام اصبحت قناعتنا تتشكّل يوما بعد يوم بأنّ الايام لم تعد تلك التي اردناها وعشقناها وانّ ضغوطا سُلّطت على مديرها كي يوجّه بوصلتها الى حيث يريدون …وكان الاتفاق على تقديم الاستقالة الجماعية لمديرها وكنت انا من كتبت نصّ الاستقالة… وانتهت تجربتنا مع الايام وبكلّ اسف وحرقة نعم ولكن بكلّ فخر وشموخ واعتزاز لم نخضع لايّ ابتزاز ولم نلبس جلباب ايّ حزب …
من احداث سنة 86 ايضا انّ فريق اذاعة صفاقس نظّم دورة في كرة القدم وفاز ببطولتها… وعند زيارة وزير الإعلام (عبدالرزاق الكافي) لاذاعة صفاقس حيث سيُسلّم الكأس لقائد الفريق، اصرّ زملائي وانا الغائب عن اذاعة صفاقس انذاك بأن يكون عبدالكريم هو من سيتسلّم الكأس كقائد فريق سابق لهم … هم اتّفقوا سرّا حتى لا تعترض الادارة على قرارهم وتعتبره تحدّيا لها … وبُهت الذي كفر… دُعيت الى الحدث وعندما همّ الوزير بتسليم الكأس جاء زملائي في الفريق وحملوني الى المنصّة وتسلّمت الكأس… سلّمها لي السيّد عبدالرزاق الكافي وهمس في أذني: انت هو سي عبدالكريم ؟؟ ايجاني نهار الاثنين مع الساعة الخامسة مساء في مكتبي بالوزارة… عندي ما نحكي معاك…
في الورقة القادمة انا زادة عندي ما نحكي معاكم…
ـ يتبع ـ
تصفح أيضا
عبد الكريم قطاطة:
الميدان التليفزيوني عشت فيه تجارب اخرى احداها مع الزميلة جميلة بالي كمخرج لبرنامجها البيت السعيد …والسيدة جميلة بالي هي بالنسبة لي من افضل من قدم هذه النوعية من البرامج والتي تهتم بالاسرة وبالبيت …
حضورها تلفزيا كان دافئا وثقافتها بكل ما يهم الاسرة والبيت شاسعة… لذلك حرصت كمخرج ان اوظّف الديكور والاضواء وزوايا التصوير لابرازها بمواصفاتها… تجربة اخرى اعتز بها بل واعتبرها من افضل تجاربي كمخرج تلفزي… انها منوعة قناديل … هي منوعة ثقافية بالاساس اجتمعت فيها عناصر عديدة لتؤسس لنجاحها لدى المشاهدين… تلك العناصر تمثلت اوّلا في حذق منشطتها الزميلة ابتسام المكوّر وجديتها وعمق خزانها الثقافي… ابتسام بالنسبة لي وفي ذلك الزمن كانت تمثل واحدة من افضل المنشطات اذاعيا وتلفزيا، هي وهالة الركبي… حضور متميز… ثقافة واسعة… وقدرة فائقة على التحاور…
العنصر الثاني تمثّل في مشاركة الاستاذ رضا بسباس في الانتاج اوّلا وفي تناول الموضوع المقترح لكلّ حلقة… وما ميّز الزميل رضا بسباس البحث في جوانب طريفة عبر العديد مما كُتب في الموضوع وعبر الامثال الشعبية لنفس الغرض… العنصر الثالث وهو من العناصر التي اعطت رونقا خاصا لبرنامج قناديل والمتمثل في تكفّل الزميل والصديق محمد العود رحمه الله بالجانب الموسيقي للبرنامج… محمد رحمه الله كان شديد الحرص على الانتقاء الجيد لنوعية الاغاني الخالدة واعادة توزيعها، و على اختيار الاصوات المؤدية لتلك الاغاني… محمد رحمه الله كان من الفنانين القلائل الذين لا عاطفة لهم في اختياراته وهو كسمّيع جيّد للعزف والتنفيذ صعب المراس… لذلك جاءت نتيجة تفانيه في عمله موسيقيا جيّدة للغاية…
وحرصت من جانبي على ان اتماهى مع هذه المجموعة لاخرج برنامج قناديل في حلّة جميلة… وهنا لابدّ من تحية الفنان الاستاد لمجد جبير الذي تكفل بصنع الديكور كاوّل تجربه له في الميدان التلفزي… والزميل نورالدين بوصباح كمدير للاضاءة وكافة الفريق التقني الذي عمل معي بكل حبّ وجهد … البرنامج لقي صدى ممتازا لدى السادة المشاهدين مما جعل بعض التلفزات العربية (كالـ”ام بي سي”) تفكّر في شرائه… هكذا قيل لنا والله اعلم….
نهاية برنامج قناديل لم تكن سارّة بالمرّة … نعم … وهاكم الاسباب… انا وابتسام كنا ومازلنا صديقين علاوة على الزمالة …ربما لاننا نشترك في خاصيات عديدة في شخصيتينا ..ومن ضمنها النرجسية …اي نعم .. اليس كذلك يا ابتسام ؟؟… من هذه الزاوية ابتسام كانت حريصة جدا على انتاج حلقات قناديل في موعدها وهي مُحقّة في ذلك …لكن وبقدر حرصي كذلك وعلى امتداد حلقات عديدة كي انجز تلك الحلقات اخراجا ومونتاجا وميكساجا، بقدر ايماني بانّ عملي يدخل في خانة الفنّ وليس في خانة الوظيفة .. والفنان بالنسبة لي قد تعتريه اوقات يجد فيها نفسه غير مؤهل للعمل …فيؤجل القيام بعمله لايام افضل …حدث هذا الامر مرة واحدة لم استطع فيها القيام بواجبي لاحضار الحلقة في موعدها ..هنا ثارت ثائرة ابتسام ولم تقبل بالامر …وكعادتها عندما تكون غاضبة زمجرت في وجهي وبكلّ حدّة …
ولانّ نرجسيتي لا تقلّ عن نرجسيتها ..رفضت زمجرتها وبكلّ حدّة ايضا وقلت لها (مانيش صوينع نخدم عندك) وانسحبت من اخراج البرنامج …وطبعا كان موقفها (محسوب كان انسحبت توة نعيّط لسي بوبكر) وهي تعني الزميل بوبكر العش رحمه الله… و(طززز فيك) .. هي لم تقلها للامانة طززز فيك ولكن ذاك كان موقفها ضمنيا …وفعلا اخذ زميلي العش على عاتقه مهمة اخراج قناديل بتصور اخر وديكور اخر …لكنّ التجربة لم تعمّر كثيرا ..ليس قدحا في امكانيات المرحوم ابو بكر بل ولانّي اعرفهما بعمق كنت واثقا انّ التناغم بينهما لن يكون في اوجه ….
تجربتي الثالثة في الميدان التلفزي كانت في خانة اخراج المباريات الرياضية (كرة قدم)… هذه التجربة سبقها تدريب تكويني في الغرض بدمشق ولمدة 21 يوما بمركز تابع للاتحاد العربي للاذاعة والتلفزيون سنة 1996… بعد اتمام التدريب الذي كان على درجة متميزة نظرا لكفاءة المؤطرين، كلّفتني ادارة التلفزة باخراج بعض مباريات النادي الصفاقسي سواء في البطولة الوطنية او في المسابقات الافريقية … وكنت فيها فاشلا بكلّ المقاييس … نعم … نقل واخراج المباريات الكروية يتطلب عنصرين هامين… اوّلهما التركيز الكلّي على مجريات اللعب مع الحرص على اختيار زوايا مختلفة لتنويع المشهد… والحرص خصوصا على عدم التفويت في ايّة لقطة هامة في المباراة ..وهنا ياتي دور العنصر الثاني وهو سرعة رد الفعل للمخرج في اختيار الكاميرا المناسبة التي تصوّر اللقطة الهامة… هدف او ضربة جزاء او اعتداء لاعب على اخر كامثلة …
قلت اني فشلت فشلا ذريعا في اخراج هذه المقابلات اوّلا خوفي من تفويت اللقطات الهامة اجبرني على اختيار الكاميرا التي ينحصر دورها في تصوير المشهد العام Plan général ///ككاميرا رئيسية طوال فترات اللعب ..وهو ما يجعل اللاعبين اشبه بالذباب فوق الشاشة .. ثم انتمائي وعشقي للسي اس اس جعلني في احيان كثيرة اتماهى مع لاعبي النادي بشكل ذاتي وانسى دوري كمخرج …اي نعم لم استطع في عديد اللقطات التخلص من ذاتيتي… بل احيانا كنت اصفق وارقص عندما يسجل فريقي هدفا ما وكاني واحد من قوم الفيراج … ولانّي كنت وخاصة في ما يتعلق بالامور المهنية قاسيا جدا في الحكم على نتائج الاعمال، ..اعتذرت لادارة التلفزة عن مثل هذه الاعمال التي كانت رديئة فعلا بمنظار علمي ..وادارة التلفزة كان موقفها من قراري (الحمد لله جات منك يا ميضة انت ناشفة وانا تارك صلاة) …
التجربة الاخيرة في الميدان التلفزي كمحرج خضتها مع زميلي زهير بن احمد ..كان البرنامج يحمل عنوان (دروب وآفاق) ..وهو ايضا من النوع الوثائقي …تنقلنا فيه الى عديد المناطق في صفاقس وخارجها لتصوير دروبها وآفاقها … كان فيها الزميل زهير ذلك الصحفي الهادئ الرصين والمتمكن وبحرفية من عمله ..وكنت فيه المخرج الذي حاول قدر الامكان ان يجتهد في حدود ما يتطلبه الشريط .. ولعلّ ابرز الحلقات التي بقيت راسخة في ذاكرتي حلقة تناولت صفاقس الجديدة كمشروع… حيث وقع هدم القناطر الثلاث التي كانت موجودة انذاك بطريق تونس وقرمدة والعين ..وحيث وقع ايضا تصوير اوّل قطار يدخل لصفاقس بعد تحويل مساره من صفاقس الى قابس …
تلك كانت تجاربي في ميدان التلفزيون كمخرج وكمنتج احيانا والتي لا يمكن في باب تقييمها الا بوصفها بالمتواضعة جدا ..ودون ما كنت اطمح اليه …
ـ يتبع ـ
عبد القادر المقري:
نحتار حقا في توصيف ما جرى السنة الأخيرة في منطقتيْ شمال فلسطين وجنوب لبنان… ومبعث الحيرة هذا الدفق اللامتناهي من الدماء والدموع والشجن الذي يملؤنا ولا يترك وقتا ولا مجالا إلا للانحياز للمقتول ضد القاتل، وللمغتصب ضد الغاصب، وللمنزل الطائر شظايا ضد الطائرة الحاملة دمارا وعدوانا.
الدافع الثاني للحيرة هو ما يمكن تسميته بجلال الموت… نعم، ليس هناك من دليل أعلى على صدق أحد وبطولته وصفاء نواياه من أنه يقدم نفسه فداء لقضية ما… لذلك رحنا نطلق صفة الشهادة على من نتفق معه وهو حي، كما نطلقها على من نختلف معه حتى كليا عندما كان من هذه الدنيا… لا، الآن وبعد أن أهدى روحه على ميدان المعركة، فلا تجوز عليه سوى الرحمة والإكبار والتعميد بصفة الشهيد البار… المشكلة أن هذا المنطق يصلح في آداب التعامل مع الموت، في التنفيس عن مشاعر حنق تجاه عدو رئيسي ووجوديّ مكين… يصلح أيضا في رومانسيات الحروب وفرسانها الذين يستبسلون في معركة ويتحوّلون إلى أيقونات أمام عيون الصغار ودروس التربية الوطنية ومعاني الوطن… والعَبرة التي نشرق بها ونحن ننشد لحن الوفاء له، كلما رفرف علم وخفقت جرّاءه قلوب وتنادت أفئدة…
وتكبر الحيرة حين تختلط مع الرحيق المقدس أوشابٌ وأتربة وتساؤلات… نعم … للأسف لا تخلو كأسنا التي نتجرعها من بعض العلامات التي تجعلنا نتردد والزجاج الناعم يقترب من شفاهنا… جاء التردد من استرجاع بعض الصور والذكريات القريبة والبعيدة التي تقول لنا حذار… انتظروا… فاللون الأبيض النقي هو لون السكّر والملح في آن واحد، ورعود السماء تأتي بالمطر الطيّب والصاعقة القاتلة لنفس المُزارع المنتظر تحت شجرة… والبحار الطامية هي خير وسمك وبركة للصياد وهي أيضا الهلاك والغرق… تتشابه الأشكال بين مواد عدة وظواهر، ولكن هل تطابقت دوما الظواهر والجواهر؟
وتتداعى التمثّلات… ولكن على الأرض ماذا نقول في من قتلوا أنفسهم في عمليات داعش، وقتلوا معها تلاميذ مدرسة أو متزاحمين في سوق أو مصلين في جامع؟ … وماذا نقول في سقوط إرهابي صريعا ذات مواجهة مع الشرطة ويداه ملطختان بدم شكري بالعيد؟… وماذا نقول في المئات ممن غُسلت أدمغتهم فصاروا يعتبروننا كافة دار حرب وأقسموا على تصفيتنا فرادى وجماعات وهم معنا بالحزام الناسف؟ … للعلم فلهؤلاء مفتون من فئة خميس الماجري وأبي عياض والمرحوم حسن الغضباني، يسبغون عليهم نعت الشهيد بابتسامة هانئة وقلب مستريح… بل وينضمّ إليهم مذيع تافه لا همّ له سوى الحفاظ على كرسيّ أمام الكاميرا وريع سمين تحت أرجل الكرسي …
نهتف حتما للأبطال الذين استشهدوا، مع حسرة على فقدانهم وأمنية بأن يقتلوا العدوّ لا أن يسقطوا صرعى… الشهادة لهم لكن لنا الهزيمة في آخر المطاف… وهزائم الحروب ليست إنشاء ولا شعرا ولا لعبا بالمصطلحات… هي حصائل باردة لواحد مع واحد يساوي اثنين… من الذي خرج من الميدان (ولو شهيدا) ومن الذي بقي حيّا يصول ويجول؟… وهنا لا ينفع التأبين ولا التعظيم ولا الخلود ولا قناة الجزيرة… منطق الحرب أن تعيش لا أن تموت، وهذه أهم توصية تصدر عادة عن القادة وهم يوجهون جنودهم في مهمة… وحتى إذا شاء القدر وترك الواحد حياته على ساح الشرف، فيكون في المقابل أوقع بأعداد وافرة من صفوف العدوّ قبل أن يبذل الدم والروح…
ولكننا في هذه الموقعة إلى أين وصلنا وكم خسرنا من أرواح وكم خسر العدوّ؟ وكم كانت كلفة 7 أكتوبر 2023 وماذا كسبنا خلالها وأية رقعة حرّرنا؟ … دائما بمنطق الحروب القاسي، هذا ما حصل… عشرات الآلاف من مدنيي غزة والضفة وجنوبي لبنان، أعداد من “العسكريين” شبه العزّل تختلف الأرقام في تقديرها بين المتحاربين، ولكنها في النهاية كبيرة وموجعة… ويكفي أنها حرمت المقاومة من أهم قادتها وحتى التالين في الأهمية… دون الحديث عن دمار شامل فعلا لمدن وقرى وبلدات ومبان ومرافق تعجز قوى عظمى عن إعادة إعمارها بسرعة لو تمّت على أراضيها إثر كارثة طبيعية… فكيف بنا ولا زلزال سُجّل في غزة أو إعصار ضرب جنوب لبنان…
الزلزال الوحيد الذي ضرب أهالينا هناك كان قرارا بحرب غير متكافئة، سيئة التوقيت والحساب… بل ويجعلك تتساءل بعد هذا العبث وذلك الدمار: لفائدة من كل هذا؟ ولماذا انتقلت القضية من هدف تحرير الأرض إلى المناشدة بوقف إطلاق النار؟ ومن يعوّض لمن تيتّم أو ترمّل أو ثكل؟ ومن يؤوي الذين تشرّدوا؟ أم نكتفي بآية “لا تحسبنّ الذين قتلوا في سبيل الله…”، وبمقولة ذلك القيادي في حماس عن مدى انشغاله بملايين المدنيين المعرّضين للقصف والموت: أولئك مسؤولية المجتمع الدولي؟!!!
محمد الزمزاري:
إثر تصميم الغربيين على تزويد اوكرانيا بصواريخ بالستية لضرب روسيا في العمق و تنفيذهم ذلك على الرغم من الإنذارات والتهديدات الروسية المتتالية التي يبدو اول الأمر أن الغرب لم يأخذها مأخذ الجد، كشف فلاديمير بوتين عن بعض نماذج من ترسانته العسكرية كما أدى زيارة هامة إلى كازاخستان خلال هذا الاسبوع مصرحا ان هذا البلد صديق لروسيا وشريك يعتمد عليه.
وتكتسي هذه الزيارة طابعا عسكريا اكثر من اي شيء آخر كما تخللها عرض لبعض من ترسانة موسكو العسكرية، و كذلك لما يعرفه الروس عن ترسانة الغرب بالتفصيل و بدقة متناهية و أماكن تركيزها وتحركاتها بالإضافة إلى مقارنة قدرات كل صاروخ بالستي فرنسي كان او ألماني او انكليزي او أمريكي بما يقابله من بالستي روسي… وأكد الرئيس الروسي ان مخزون بلاده من هذه الأنواع كاملة يفوق اكثر من عشر مرات ما تحويه ترسانة الغرب برمّتها، مما دفع الغربيين إلى وضعية جديدة من الاستنفار والاجتماعات المعلنة و السرية أيضا للناتو، هذا بالإضافة إلى ردود فعل حول تصريح فلاديمير بوتين الذي استشاط غضبا امام تحدي الغرب ووقاحته المتعمدة.
لقد ايقنت الدول الغربية اخيرا ان بوتين أنهى المزاح والتهديدات المحدودة ومر إلى قرارات وشيكة بالدخول في حرب للدفاع عن روسيا التي مثلت وتجسم اليوم إرث الاتحاد السوفياتي التي تم تدميره وها أن الناتو يرغب في الاجهاز على روسيا بدورها عبر استنزافها اقتصاديا واجتماعيا و عسكريا وفرض حرب بالوكالة من خلال “حصان اوكرانيا”. ويبدو أن الكريملين كان يفهم هذه المخططات ويحاول جاهدا الاستعداد لها جيدا باعتبارها محددة لمصير روسيا وصورتها التي ستثبت اما تأكيد قوتها و مكانتها الاستراتيجية او انحلالها وعلى الأقل اضعافها. ويتبين ذلك اعتمادا على مخطط حرب غربية واردة مع الصين التي تعتبرها الولايات المتحدة العدو الأكبر والأخطر على جميع الواجهات اقتصاديا خاصة وعسكريا أيضا. وكان لابد قبل ذلك من إزاحة روسيا من الطريق او القضاء على ترسانتها للتفرد بالغول الصيني.
فشلت الحرب الاقتصادية الغربية ضد الروس بل ان هؤلاء فرضوا وجودهم بالبلدان الافريقية ونجحوا في تخطي كل المعطلات لاقتصادهم و أسسوا تجمعا نقديا و اقتصاديا جديدا (البريكس) توسع وعلى بابه اليوم قائمة كبيرة من منتظري الانخراط. كل هذا بالإضافة إلى إبرام اتفاقيات تعاون عسكري مع إيران ودعم التقارب الوثيق مع كوريا الشمالية التي بادرت بإرسال اكثر من 10 آلاف جندي لمساعدة روسيا في حربها ضد اوكرانيا.
واذا رجعنا للحرب الروسية الاوكرانية التي دامت طويلا جراء الدعم غير المسبوق من الناتو لكييف، يستوجب الإشارة إلى ان روسيا لم تكن بعد انهيار الاتحاد السوفياتي منشغلة بالحروب الميدانية التقليدية قدر ما ركّزت على تنمية الاقتصاد ورفاه السكان الذي كان متدهورا. أما الجانب الذي لقي الأكثر عناية فهو الأبحاث العسكرية و تعزيز القدرات النووية التي يرى الروس انها اهم رصيد دفاعي او هجومي… كما بلغ الجانب الاستخباراتي أيضا أوجه ويكفي التذكير بان اعدادا وافرة من الكوادر السامية والقيادات المؤثرة ثبت زرعها في مواطن القرارات والأبحاث و الاستخبارات وحتى التاثير على الانتخابات بالغرب، وخاصة بالولايات المتحدة الأمريكية…
بعد الانذار الاخير لبوتين استشعر الغربيون انهم لم يتركوا للدب المفترس اية فرصة غير الاستماتة في الدفاع عن عرينه. وفي هذه المرحلة الدقيقة التي تجسم قمة استعراض القوى بين غرب متخوف من عودة ساكن للبيت الأبيض لا يرغب كثيرا في إرهاق الخزينة الأمريكية لصالح الناتو او حرب اوكرانيا، وبين تهديدات تبدو جدية من ساكن آخر في الكريملين، نرى ان نتاج هذه الأوضاع ستكون حتما إما انهاء حرب اوكرانيا لصالح موسكو وربما يرفق ذلك بتنازل روسي طفيف عن جزء محدود من شرق اوكرانيا ووضع حد لكل التضييقات الاقتصادية الناتجة عن العقوبات المتتالية ضد روسيا، او التورط في حرب عالمية كان الجميع يستبعد وقوعها، اذا ما اختلط الغباء الغربي بالعقلية الكوباوية للرئيس الأمريكي القديم الجديد.
استطلاع
صن نار
- جور نارقبل 18 ساعة
ورقات يتيم… الورقة 92
- اقتصادياقبل يومين
النكهة التونسية في الصالون الدولي للشكلاطة والمرطبات
- اجتماعياقبل يومين
غدا الاثنين… انطلاق امتحانات الثلاثي الأوّل
- ثقافياقبل يومين
اختتام أيام قرطاج المسرحية
- ثقافياقبل يومين
قريبا… “أيام سينما الجبل” بعين دراهم، والسينما التونسية إلى أين؟
- صن نارقبل يومين
الذكاء الاصطناعي و إدارة المشاريع بتونس
- صن نارقبل يومين
مستبقا صراعه مع الصين… “بايدن” يمهّد لخلفه “ترامب”، الطريق نحو إفريقيا
- صن نارقبل يومين
“الأونروا”: أكثر من 415 ألف نازح بغزة يحتمون في مدارسنا