تابعنا على

ومْض نار

وطن اسمه فيروز

نشرت

في

سوسن الأبطح*:

لعلها المرة الأولى، التي يجتمع فيها أكثر من خمسة وثلاثين كاتباً عربياً، على صفحات مجلّد واحد، ليكتب كل منهم عن فيروز من زاوية اختصاصه، ومن مكانه الجغرافي، ووفقاً لرؤيته الذاتية أو الأكاديمية. “وطن اسمه فيروز” إصدار خاص من “أفق”، هو إنجاز جديد لـ”مؤسسة الفكر العربي” بحلة تليق بصاحبة الموضوع ومقامها، التي بإجماع المشاركين في الكتاب، تجاوزت رسالتها وطنها لبنان، لتحمل همّ القضية الفلسطينية، وتصبح جزءاً من الضمير العربي الجامع.

تحت إشراف الدكتور هنري العويط، مدير المؤسسة، وبجهد هيئة التحرير المكونة من الزميلين أحمد فرحات والدكتورة رفيف رضا صيداوي، ومزداناً برسومات للسيدة فيروز أنجزتها سامية الحمصي داغر خصيصاً لترافق الكتابات، مستوحاة من صور متداولة، يمتاز الكتاب بطابعه الجاد والأنيق. وهو يكرم فيروز بمناسبة عيدها الثامن والثمانين، ويتوفر على موقع المؤسسة.

“هي ظاهرة خرجت عن المألوف والدارج والشائع في الموسيقى والغناء والتعبير الشعري، ومثلت المنعطف الأضخم في تاريخ الموسيقى والغناء العربيين الحديثين”، يصفها عبد الإله بلقزيز في المقال الافتتاحي. ومن خلال الأعمال الرحبانية الفيروزية “طرق الغناء العربي أبواب العالمية”. تميزت “جارة القمر”، بحسب الباحث المغربي بتنوع القوالب الموسيقية التي غنت بها، فقد تنقلّت بمهارة بين الملحمي والأوبرالي والكلاسيكي والابتهالي والنشيدي والجواري والفولكلوري والتواشيح والموال وغيرها.

اللافت أنك على مدى 350 صفحة من الحجم الكبير، ستقرأ تحليلات ومعلومات تصب في اتجاه التأكيد على أن فيروز ظاهرة استثنائية، وجلّ ما نستطيعه تجاهها هو أن نفهم قدرتها على عبور الزمن واختراق قلوب الناس، لتبلغ هذا الإجماع النادر. إذ لا تعثر على نقد فعلي، أو مآخذ يمكن تسجيلها. كأنما فيروز أصبحت في مكان أعلى من أن تمسّ أو تمتد إليها مشارط التشريح. وقد يكون صمت السيدة المزمن، واكتفاؤها بالغناء طوال ستين سنة ونيف وتعففها عن اتخاذ المواقف، مع أدائها الساحر، من العوامل التي شكلت حاجزاً منيعاً أمام محبي البحث عن الثغرات.

“صوتها هو الاحتياطي الاستراتيجي للبنان. أهم بكثير من احتياطي الذهب في أقبية البنك المركزي”، يعتبر نبيه البرجي. صمودها وتوهجها ليس بسبب الصوت، بحسب الشاعر هنري زغيب، وإنما بفضل عناصر أخرى، منها الإحساس العالي، واللفظ السليم، وإتقان مخارج الحروف والأداء، والحضور المسرحي التمثيلي المدهش والمحترف، يضاف إلى هذا كله اجتماعها بعبقرية الرحبانيين. إذ يرى زغيب أن فيروز بعدهما ليست كما معهما، ومسرحيات منصور من دونها لم تكن كما لو من بطولتها، وبالتالي فإن هذا “الثالوث الرحباني ظاهرة فريدة في الشرق لا تتكرر… حتى أنه ما عاد ممكناً تأريخ مرحلة 1947 – 1977 في لبنان من دون الحضور الرحباني المضيء”.

وتتبع الدكتورة رفيف صيداوي في دراستها الشيقة ما يسمى سوسيولوجيا الأغنية الفيروزية، من خلال الأغنيات والمسرحيات مقتفية أدوارها. فهي “غربة المؤتمنة على الأرض”، الزّارعة بذور الثورة ضد الظلم، الطامحة إلى الحرية في “جبل الصوان” عام 1969 وهي «زاد الخير» الفقيرة البسيطة التي تواجه بعنفوان التمادي في استعباد الناس وتتصدى للشر وتنتصر لقيم العدالة والمواطنة في “ناطورة المفاتيح” وهي “زيّون” ذات النوايا الطيبة، التي تسعى إلى المصالحة وتترفع عن الانقسامات في “ميس الريم” 1975 وهي وردة التي لا تترك أرضها في “المحطة” 1973 و”لولو” التي تفضح فساد الحكم والنفاق والجبن. وهي الملكة “شكيلا”، التي تضحي بابنتها للحيلولة دون انكسار شعبها وهزيمته في مسرحية “بترا” 1977. وبالتالي فيروز هي “ناطورة القيم” في استعارة من خالدة السعيد.

قراءة دكتور سعد البازعي لشعرية الأغاني الفيروزية تفتح للقارئ نافذة على مكامن جمالية جديدة. يذهب الباحث السعودي ليستكشف ما وراء الأسماء والأبواب والشبابيك والجسور والطيور، في مجموعة أغنيات تتمحور حول هذه النواظم، وغيرها. وإذ يتوقف عند فرادة بعض الاستخدامات والصور تلفته قصيدة أسامينا، وغناء فيروز لقصيدة جميل بثينة “أحب من الأسماء ما شابه اسمها ووافقه أو كان منه دانياً”. وكذلك القصائد التي غنت الليل والنوم. ليقف متأملاً أمام أغنية “حبيتك تنسيت النوم يا خوفي تنساني حابسني برّاة النوم وتاركني سهرانة”. يقول: “تأمل فقط (حابسني براة النوم)، لكم عبر الشعراء عن السهر وتباروا في تصويره، لكن الحبس خارج النوم لم يرد بحسب علمي لدى أحد من قبل لا شاعر فصحى ولا عامية». الصورة الثانية المدهشة هنا هي “(خلف الطرقات وخلف الشبابيك). كم من فتاة نادت حبيبها من خلف الشبابيك، لكن خلف الطرقات؟ هنا تنفتح الدلالة ويصعب إغلاقها”.

المفردات الفيروزية ودلالاتها شغلت حيزاً من الكتاب، من بينها “القمر” الذي يقول عصام الجودر من البحرين أنه حمّال أوجه، سواء فيما يخص المعنى أو تنوع المقامات الموسيقية، حتى على مستوى الصوت، فمرة يذكر بغلظة، وأخرى برقة، أو بنغمة متوسطة. وعند دكتور حسن مدن من البحرين أيضاً قراءة لتأثيرات الأغنية الرحبانية على المستمع والموسيقى في الخليج.

للمصريين عدة مشاركات في الكتاب، وثمة كلام على المفاضلة بين فيروز وأم كلثوم. الباحث المصري كريم جمال يتحدث عنهما باعتبارهما “أكبر مشروعين نسائيين ولهما أكبر الأثر في رفع مستوى الأغنية العربية”، ولا مجال للمفاضلة “لأن طبيعة اللغة الشعرية والمضامين الموسيقية بين المشروعين تكاد تكون متنافرة، بالإضافة إلى أن هوية كل منهما تحمل دلالات مجتمعية وتاريخية وسياسية مختلفة”.

أما عمرو ماهر، المتخصص بفن الأخوين رحباني وفيروز فيرسم مساراً لعلاقة الرحابنة بمصر فيه الكثير من المدّ والجزر. عندما دعت إذاعة “صوت العرب” الثلاثي لتسجيل أعمال في القاهرة، اضطر عاصي إلى تقديم موعد زواجه من فيروز 25 يناير (كانون الثاني) 1955 كي يتمكن من اصطحابها معه، وأقاما ستة أشهر. على إثرها غنت فيروز أغنيات لسيد درويش مثل “الحلوة دي”، “زوروني كل سنة مرة” و”طلعت يا محلا نورها”. مع إعلان الوحدة بين مصر وسوريا بدا أن المصريين تحسسوا من نشر قصيدة لفيروز عن دمشق على صفحات جريدة لبنانية للاحتفال بالوحدة، ثم كانت حادثة زيارة صلاح جاهين وصلاح عبد الصبور للرحابنة وفيروز، وما كتبه عبد الصبور على صفحات “روز اليوسف” من أن فيروز لم تشارك في الحديث ولعبت دور ربة المنزل. وردت صحيفة لبنانية عليه، بأن “مباحثي يعضّ فيروز”، والقصد أن عبد الصبور مخابراتي لعبد الناصر، ليأتي الرد المصري بحجب أغنيات فيروز حتى عام 1966. حين ضجت الصحف المصرية بتصريح لعاصي الرحباني “أن أغاني فيروز ممنوعة في الجمهورية العربية المتحدة” عادت تتصدر أغنياتها وأخبارها عناوين الصحف والمجلات. ويبدو أن تمنّع الرحابنة عن الغناء للمناسبات المصرية كان أحد أسباب الحساسية والمنع في بعض الفترات، كما يذكر عمرو ماهر.

الكتّاب الفلسطينيون لا ينظرون إلى فيروز فقط من باب شاعريتها، فقد ارتبط اسمها بأمهات فلسطين الثكالى والقدس والنكبة وجسر العودة، وهي عند المؤرخ جوني منصور غنت ما عاينته بعينيها عندما زارت القدس قبل 1967 ورأت الحال المريرة التي عاشها المشردون والنازحون.

غنّت فيروز للقدس وبيسان ويافا وعواصم عربية عديدة، منها “عمّان في القلب أنت الجمر والجاه”، غير أن ما يلفت الباحث السوري نبيل سليمان، “أنه أياً يكن أمر البعد القومي للأغنية الفيروزية، فلبنان هو (سرّة) هذا البعد”، نلمس هذا في الأغنيات المخصصة للجنوب أو “سألوني شو صار ببلد العيد” وأغنية مثل “لبيروت” التي كتبها لها جوزيف حرب.

ومن العراق يتحدث الشاعر مؤيد الشيباني، عن الأسماء الكبيرة التي رافقت فيروز ورفدت تجربتها، هي هامات في الشعر والأداء والتمثيل، من جوزيف حرب إلى زياد الرحباني وفيلمون وهبي ونصري شمس الدين ووديع الصافي وآخرين. ويروي الشيباني حكاية مؤثرة من طفولته، مطلع السبعينات حيث كانت تنبجس أسماء مغنين من مصر والعراق والخليج ولبنان، تطفو وتخفت، وفي البيت ممنوع التلفزيون والراديو، لكن الراديو الذي تمكن من الاحتفاظ به كان طريقه لمعرفة الأخبار والبرامج الثقافية والاستماع لأغاني فيروز.

ولدور جوزيف حرب في رفد فيروز بأجمل أغنياتها ما لفت العديد من الكتّاب بينهم الأردني دكتور زياد جمال حدّاد، الذي يخصص صفحات لإلقاء الضوء على إضافات هذا الشاعر المتميز على مسار فيروز في “إسوارة العروس”، “خليك بالبيت”، “قدرت نسيت”، “لبيروت”، “رح نبقى سوى” وغيرها، متوقفاً عند المقطع البديع الذي يقول “تاجك من القمح مملكتك السلام، شعبك بيحبك لتبرد الشمس وتوقف الإيام، توقف الإيام”

دراسات عدة عنيت بمسرحيات فيروز الغنائية، دكتور سعد الله آغا القلعة من سوريا، وكذلك دكتورة حنان قصاب حسن، التي درست حضور فيروز على خشبة المسرح، وغسان الشهابي “بناء الأيقونة… فيروز في شخصياتها المسرحية”.

إجماع على حب فيروز، ووجهات نظر تحددها الجغرافيا. القراءة الجزائرية للشاعر سعيد هادف، الذي قدم معلومات قليلاً ما نعرفها، منها أن فيروز غنت في الجزائر للمرة الأولى والوحيدة أغنية “سافرت القضية”، التي منعت بعد ذلك، والتسجيلات الموجودة اليوم على الإنترنت هي نتاج تلك الحفلة الجزائرية، بعد نكسة 67 بعام واحد، وهو ربما ما يفسر غير المعهود لدى الأخوين رحباني.

تقول الأغنية “سافرت القضية تعرض شكواها في ردهة المحاكم الدولية- وكانت الجمعية قد خصّصت الجلسة للبحث في قضية القضية- وجاء مندوبون عن سائر الأمم” إلى أن تقول “وحين جاء الليل كان القضاة قد تعبوا، أتعبهم طول النقاش- فأغلقوا الدفاتر وذهبوا للنوم- وكان في الخارج صوت شتاء وظلام- وبائسون يبحثون عن سلام، والجوع في ملاجئ المشردين ينام، وكانت الرياح ما تزال تقتلع الخيام”.

الكتاب يظهر بوضوح صدقية عبارة للكاتب اللبناني محمد علي فرحات: “فيروز قوة لبنان الناعمة، لكنها أيضاً قوة الفن حين يجهد ليصبح قابلاً للاستمرار وديمومة الحضور”.

ـ عن “الشرق الأوسط” ـ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*صحفية لبنانية

أكمل القراءة
انقر للتعليق

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

ومْض نار

برج السدرية … لتكن تونس خضراء بحق !

نشرت

في

تواصل جمعية السدرية للبيئة والتنمية المستدامة للأسبوع الثاني على التوالي جهودها الكبيرة لتشجير الحدائق المعدة لذلك وما يتطلبه بعث مساحات خضراء بالضاحية الجنوبية …

محمد الزمزاري Mohamed Zemzari
<strong>محمد الزمزاري<strong>

وقد شملت الحملة شارع المغرب الممتد من المركب الجامعي إلى حدود شارع الجزائر الموصل إلى محطة الرياض للقطارات. و تم ذلك بفضل تدخل المصالح البلدية التي تفاعلت ايجابيا مع رجاءات المواطنين بغراسة الأشجار بالمساحات المعدة لذلك والتي كانت لسنوات ونظريا في حكم المناطق الخضراء غير أنها بقيت دون انجاز عديد السنوات كما ذكرنا سابقا، وظلت طويلا مناطق سوداء تغمرها المزابل و بؤر الناموس و ترتع فيها شتى الحشرات وحتى الزواحف احيانا.

كما تولت هذه الجمعية النشيطة التي تراسها السيدة فاطمة الزموري إنقاذ جزء من الأشجار ووضع التربة الصالحة وتم خلال يوم أمس غرس مساحة المفترق بين شارع المغرب و شارع تونس بالاشجار المتنوعة. كما كان للمؤسسات الخاصة حضورها مثلما حصل مع مسؤول إحدى المساحات التجارية القريبة الذي التزم برعاية الغراسات والعمل على سقيها دوريا …

وخلال نفس هذا اللقاء مع رئيسة الجمعية واعضاء مكتبها مع هذا المسؤول تم التطرق إلى مقترح متعلق بامكانية استغلال قطعة أرض تابعة لمحيط المساحة التجارية المذكورة لتركيز ملاعب للأطفال على حساب تلك الشركة واستعمالها مجانيا من قبل الأطفال الصغار المصحوبين باسرهم.

كما لا يفوتنا بأن هذه المبادرة الجمعياتية لم يخل طريقها من بعض الصعوبات البسيطة لكن المعطلة مثل أكداس الخردوات التي أعاقت المواصلة في غرس الأشجار كما شكلت تلوثا عاما سواء على حافة الشارع ككل او فوق أرضية المساحة المعدة للغراسة وترسيخ بيئة سليمة. ويقيننا أن المصالح البلدية النشيطة بسليمان ستسارع بإزالة هذه العقبة تشجيعا على جودة حياة المتساكنين واحتراما لجمالية المحيط

أكمل القراءة

ومْض نار

إلى متى الانتظار؟؟؟

نشرت

في

تعد الوقفة الاحتجاجية التي نظمها بعض أتباع حزب النهضة وعدد من نواب المجلس المجمد وأهاليهم أمام المسرح البلدي تحت مسمى العودة إلى المسار “الديمقراطي”  ودعوة الرئيس إلى التراجع عن القرارات الاستثنائية ليوم 25 جويلية التي احتفى بها  جل  أفراد الشعب التونسي، دليلا آخر على المحاولات اليائسة لهذه الشرذمة للدوس على خيارات شعب ملّهم ولفظهم بعد أن يئس منهم وأنهكته سياستهم الفاشلة وتدميرهم الممنهج لمقدرات البلاد وسمعتها.

نجاة ملايكي Najet Mlaiki
<strong>نجاة ملايكي<strong>

هؤلاء ورغم تجندهم لهذه الوقفة ومحاولاتهم التعبئة لها إلا أن عددهم كان هزيلا ودالا على أن الشعب الحقيقي الذي يحاولون التكلم باسمه ويسوّقون صورة له مخالفة لإرادته، هو في الواقع ذلك الذي انتفض ضدهم وقال لهم “ارحلوا دون رجعة”. فقد سعى هؤلاء للاستقواء بالأجنبي  رافعين لافتات مكتوبة باللغة الانكليزية والفرنسية تحمل عبارات من قبيل ” لنحمِ الديمقراطية والدستور” في محاولة منهم للفت نظر الخارج والتأليب ضد إرادة الشعب.

ومن المضحكات المبكيات أن قناة الجزيرة القطرية قد ركزت على هذه اللافتات بالذات في تغطيتها المباشرة والواسعة لما أسمته بـ “المظاهرات” ضد  الرئيس التونسي قيس سعيد ، وعنونته بالدعوات للعودة للدستور وللديمقراطية. وإمعانا من هذه القناة في الكذب وتزييف الواقع قسمت شاشتها “المباشرة” إلى قسمين قسم ركز على الواقفين على مدرجات المسرح البلدي ولافتاتهم المكتوبة باللغات الأجنبية فيما ركز القسم الثاني من الشاشة على مظاهرة قديمة جمعت أعدادا كبيرة من مناصري القضية الفلسطينية وقدّمتها القناة على كونها “مظاهرات حاشدة” ضدّ قرارات 25 جويلية وتم إغفال قطع صوت المتظاهرين الذين ينادون “عملاء الصهيونية هزوا يديكم ع القضية … التطبيع لا لا عودة….” ! كما حاورت القناة تونسيا إخوانيا يعيش في لندن قدمته على أنه محلل سياسي ذكر أن المشاركين في هذه الوقفة التي أسماها بالمظاهرة، يعدون بالآلاف… هذا وتجندت  هذه القناة الاخوانية المنحازة، لمواصلة بث برامج مناهضة لقرارات 25 جويلية أعلنت عنها في ومضاتها الاشهارية.

ولئن تجمع أيضا في الضفة المقابلة من شارع الحبيب بورقيبة بعض أنصار قرارات 25 جويلية  بصفة تلقائية تحت شعار لا للعودة إلى 24 جويلية الا أن المطلوب هو أن لا يستمر سكوت القصر وأن يحسم الرئيس الأمر لصالح الإرادة الشعبية ويقطع الطريق أمام الصائدين في الماء العكر الذين بدؤوا يستثمرون هذا التردد لصالحهم ويعتبرونه فرصة للعودة وللتأليب داخليا وخارجيا ودافعا لتقسيم الشعب، خصوصا وأن مرور ما يفوق الخمسين يوما عن قرارات 25 جويلية يعدّ فترة طويلة تثير قلق الذين ساندوا هذا التوجه وبدأت تشعرهم بالخوف على هذا المسار الجديد المستهدف من المتربصين بتونس ممن حكموا البلاد طيلة عشر سنوات وكانت حصيلتهم  دمار عقود من الزمن، إلى جانب الحالمين بدولة الخلافة الذين يحلمون بالتموقع  واستثمار هذا البطء  في اتخاذ القرار، والذي قد يفسر بكونه عجزا وضعفا.

أكمل القراءة

ومْض نار

مشيخة البرلمان تدار بعصا الشيخ … بقلم: نجاة ملايكي

نشرت

في

كان من المفروض أن يمثل مجلس النواب أهم سلطة تكرس الديمقراطية وحرية الرأي والتعبير وتبادل الآراء والمواقف والتشاور وتفرض الأمن والأمان وتعطي صورة ناصعة ومشرفة عن تونس، لكن أصبح هذا الهيكل وللأسف عبارة عن مؤسسة حزبية تتحكم فيها حركة النهضة وأتباعها بطريقتهم الخاصة وتحول بفعل ذلك إلى مرتع لمن لا صلة لهم بالمجلس سوى الولاء للأطراف العنيفة والمتشددة داخله.

نجاة ملايكي Najet Mlaiki
<strong>نجاة ملايكي<strong>

لقد أعطى البرلمان التونسي برئاسة راشد الغنوشي الفاشلة صورة قاتمة ومهينة ومخجلة عن تونس ليس فقط لدى التونسيين بل خاصة لدى من يتابع من بعيد نتائج ما سمي بالثورة، مثلما خيّب آمال الشعب التونسي الذي اعتقد  أنه انتفض لتحسين مؤسساته وتنمية اقتصاده وتطوير ظروف عيشه، لا ظروف عيش قيادات حزب النهضة وأتباعه ومواليه على حساب بقية أبناء الشعب المفقر واليائس، حتى أن أحد نواب المعارضة قد طالب الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد بالتحقيق في مصادر نموّ الثروات لدى بعض النواب.

كما أصبح هذا البرلمان عبئا اقتصاديا ثقيلا على البلاد وعلى المواطنين لكثرة مصاريفه وكلفته العالية في مقابل هزالة نشاطه وكثرة ضجيجه وإساءته للبلاد وتغيّب الكثير من النواب عن أداء مهامهم  وواجباتهم وتعمدهم عدم إكمال النصاب لإسقاط العديد من الجلسات، فضلا عن تسبّبه في أزمات سياسية زادت في تعطيل الإصلاحات الاقتصادية وباتت تشكل خطرا على مستقبل البلاد.

وأدت خدمة رئيس البرلمان لمصلحته الحزبية الضيقة على حساب مصلحة الوطن وتقدم التشريعات والبرامج الإصلاحية التي تخدم البلاد، إلى تقسيم البرلمان إلى “هذا معي وهذا ضدي” وأصبح رئيس البرلمان محرّضا وشاهدا صامتا عما يحدث من عنف ممنهج داخل مبنى السلطة التشريعية بدليل  سكوته على زيادة منسوب العنف وترؤسه لمكتب مجلس أقصى من حضوره بالقوة، رئيسة كتلة الدستوري الحر مسخّرا في ذلك إداريين  في سابقة خطيرة مارست فيها رئاسة المجلس بالوكالة،  سياسة المليشيات والعصا الغليظة باستخدام موظفي الدولة ضد نائب شعب، في مشهد مقزّز لم يزد رئيسة الحزب الدستوري الحر إلا ثباتا وقوة واستقطابا للمزيد من الأنصار بدليل النجاح الكبير للقائها بأهل الجنوب في صفاقس  الذي أجرته مباشرة بعد حادثة تطويق كل مداخل مكتب المجلس بالإداريين ومنعها من أداء مهامها  ، ولم يزد شعبية رئيس البرلمان إلا انحدارا وسخطا من المتابعين الشرفاء لما يحدث في المجلس من عنف ضد المعارضة الحرة وضد المرأة فضلا عن عدم احترام الإجراءات وخرق القوانين.

و من المبكيات المضحكات، مشاركة رؤساء الكتل لرئيس المجلس في اتخاذ مجموعة من القرارات الرامية لإسكات زميلتهم رئيسة كتلة الدستوري الحر بمنعها من حضور مكتب المجلس ومنعها من أخذ الكلمة خلال ثلاث جلسات متتالية.

والغريب أن بقية النواب يشاركون بالصمت على هذه التجاوزات وكل منهم لا يتحرك إلا إذا مورس العنف ضده، فيجد نفسه ضعيفا في مواجهته، حتى أنهم لم يدافعوا بتاتا عن مقترحات الحزب الدستوري الحر الداعي إلى وجوبية التناصف بين الجنسين في تركيبة المحكمة الدستورية، وإلى فتح باب الترشح لكل من تتوفر فيه الشروط وليس لكل من تدعمه الكتل البرلمانية (مما يضع المترشح تحت رحمة الكتل)، وأن يدخل القانون حيز التنفيذ فور نشره بالرائد الرسمي وليس بعد استكمال الدورات القادمة التي لا تخدم سوى النهضة المدعومة بعناصرها المتوفرة في التركيبة الحالية.

لقد تحوّل البرلمان إلى مشيخة تدار بالعصا وبالقوة وبالعنف وتحولت فيه الكلمة الحق والصوت الناقد إلى عصيان يستوجب العقاب بالإخراس والبلطجة  واستعمال الإداريين ضد النواب وخلق الفتنة ونشر الكره، حتى وإن خالف ذلك النظام الداخلي للمجلس.

أكمل القراءة

صن نار