حدّثنا أحدهم قال…”كناّ مجموعة من التجّار على رأس قافلة بالسلع حافلة، أدركنا المساء ونحن في قلب الصحراء، فقرّرنا الإستراحة عند مشارف واحة وأنخنا الجمال ووضعنا عنها الأحمال ونصبنا الخيام وأعددنا من الطعام ما حضر وستر وبينما نحن نتسامر وندخّن بعض السجائر، سمعنا صوت خيول قادمة من بعيد وهي تقترب وصهيلها يزيد …
“فقمنا على عجل نستجلي الخبر، فإذا بكوكبة من الفرسان كأنّهم من نسل الشيطان، وقد استلّوا سيوفهم وهم يصيحون ويرعدون ويزبدون ، فانتابنا خوف شديد وسلّمنا الأمر للحميد المجيد ، فأحاطوا بنا من كل الزوايا وأغلقوا كل الثنايا، فتقدّم زعيمهم هو يفرك العنينين كأنّه لم ينم ملء الجفنين، وصاح ماذا تفعلون ومن أين أنتم آتون ؟؟ فقال أحدنا وأنتم من أنتم ؟؟ قال نحن المهرّبون، فقال صاحبنا وماذا تريدون بالله عليكم فالرفاق حائرون ونحن تجار صغار لا علاقة لنا بالتهريب لا من بعيد ولا من قريب،
“ثم ماذا تهرّبون نخشى أن تكون الممنوعات فيلحقنا الأذى ونحن أبرياء فقال لا تخافوا وضحك ضحكة صفراء وأمر أصحابه بالنزول وفكّ الأحمال عن البغال و الخيول ثم قال هل عندكم طعام قلنا نعم شيئا من الخبز والزيتون فقال يا لها من عيشة المغبون، وبعد زمن قصير انصرف الجمعان كلّ إلى مكانه لأخذ قسط من الراحة، وأفقنا فجرا فلم نر للجماعة أثرا…فاعددنا العدّة للرحيل، وانطلقنا نحثّ الخطى ونقصّر الطريق بالغناء والإبل تجيبنا بالرغاء، حتى بلغنا ظهرا المدينة، فاستوقفنا العسس عند القنطرة وطلبوا منّا جوازات المرور حتى نتمكّن من العبور، وفرضوا علينا تنبري بدينار وضرورة الإستظهار بالبي سي آر…
فأخرجنا الوثائق من بين الأحمال بصعوبة وكانت كلّها مضروبة…وبعد زمن قصير دخلنا سوق المدينة وبدت لنا كئيبة حزينة ، وفرشنا البضاعة وبقينا على تلك الحال ساعة أو بعض الساعة …وفجأة سمعنا جلبة ناحية السوق وعرك ومعروك ورأينا الناس في هيجان كأنّهم حجارة بركان يفرّون من المكان كأنّ بهم مسّ من الجان فسألنا أحدهم فقال لنا اهربوا إلى فجّ بعيد إنّه الكوفيد، وإذا برجل أحاط به رجال الحماية وأدخلوه أقرب بناية وبقينا نحن في أمكنتنا متسمّرين منتظرين تطوّر الأحداث ، ولبسنا الكمّامات، وتركنا بين بعضنا مسافات، ثم كثر الهرج والمرج وهاجت الخلايق وماجت وتحوّلت السوق إلى حلبة نزاع وصراع واختلط الحابل بالنابل وتناثرت الخضر والغلال والأقفاف والسلال، والفراخ تقاقي بين السواقي، والديكة تصيح في مهبّ الرّيح ،
كانت الخراف تهرول هنا وهناك كأنّها جزء من العراك ، وحمار ينهق ورجل يشهق ما يلحق، وآخر إذا ما طلّع ساق فالأخرى تغرق، والمشهد كلّه يمكن وصفه بالسريالي فكأنّه لوحة لسلفادور دالي، فقرّرنا الرحيل في الآن قبل فوات الأوان، لكن الفضول كان أكبر منّا، وأردنا معرفة ماذا يجري حتّى ندري ما لا ندري، وكلّما مرّ بجانبنا أحد بادرناه بالسؤال عن الحال لكن لا أحد يعرف السبب حتى يبطل العجب، وبينما نحن في حيرة وغصرة أقبل علينا أحد المهرّبين وقد ألفنا وألفناه ورمى علينا الصحبة وبها رميناه وألقى التحيّة في الحين وقال ألا تعلمون ماذا يحدث…
فقلت بالله عليك أسرع فأنا أعاني بسبب شدّة العطش من الشهّيقة، قال وما الشهيقة ، قلت هي تعرف عندكم بالفوّاقة، فقال لا تعجبوا إنّها الفوضى الخلاقة، ثم ضحك حتى بانت أسنانه وطلع لسانه، وانصرف وانصرفنا .