جور نار

يا حكام البلاد…ماذا فعلتم بها وبالعباد؟

نشرت

في

وبعضنا يبحث باكيا دامعا عن جثث فلذات أكباده على شواطئ الموت بجرجيس وغيرها من المدن الساحلية، هل أحصينا عدد موتانا منذ أعلنا القطيعة وانقلبنا على ماضينا الذي كان أجمل بكثير من حاضرنا الملغوم؟

<strong>محمد الأطرش<strong>

هل يعرف أحدكم عدد من استشهدوا ومن ماتوا بعد 14 جانفي 2011 بسبب الأمراض التي كان سببها الحقد وممارساته…وعدد من ماتوا حسرة على فقدان بعض أفراد عائلاتهم…وعدد من ماتوا بسبب فقدان الدولة لهيبتها واغتصابها من قبل الخارجين عن القانون…وعدد من ماتوا قهرا بسبب ظلم من حكموا البلاد منذ 2011…وعدد من ماتوا ويموتون يوميا غرقا في المتوسط وهم يهربون من جحيم بلاد استوطنها الحقد والإحباط والقهر والظلم…وعدد من ماتوا بسبب جرعة زائدة من المخدرات هروبا من واقع موجع محبط وقاتل…وعدد من ماتوا في جرائم قتل في أزقة وأنهج مدن البلاد وقراها منذ استوطنت الفوضى بلادنا …وعدد من ماتوا بسبب تبعات إبعاد كفاءات البلاد التي كانت توفر الأمن والاستقرار للعباد…لو أحصينا عدد موتانا لوجدناه يفوق من قضوا في تونس في كل الحروب التي خاضتها منذ بدء التاريخ…فحتى من استشهدوا في معركة الجلاء ببنزرت نفخ بعض الحاقدين على الماضي في عددهم كرها لبورقيبة رحمه الله…خلاصة القول ماذا كسبنا من 14 جانفي 2011؟

سيقول بعضكم، كسبنا الحرية…وأقول لم نعش استبدادا وطغيانا كشعوب العراق وليبيا وسوريا ولم يكن نظامنا مستبدا كالنظام المصري ولم نكن كاليمن ولا كالجزائر ولم نكن حتى كما كان النظام الملكي في المغرب، ولم نكن كبعض بلدان الخليج العنصرية الفاشية، كنّا أفضل منهم جميعا رغم قلّة مواردنا وثرواتنا الطبيعية، ولم نكتشف أبدا مقابر جماعية كالتي اكتشفت في كل الدول العربية إلا في أذهان بعض الحاقدين على منظومة لم يكونوا فيها ومنها…

سيقول بعضكم الآخر…كسبنا الكرامة…وسأقول عن أية كرامة تهذون وتتحدثون والشعب يعيش تحت خط الفقر وقد يموت بعضه جوعا خلال قادم الاشهر… الشعب التونسي اليوم في أدني مستوى معيشي عرفته البلاد منذ قرون…فالمواطن اليوم إن نجح في الحصول على علبة حليب سيحتفل وكأنه ولد من جديد والخوف أن يصبح الحصول على علبة حليب مسكا لبضاعة ممنوعة…وإن نجح في الحصول على كيلوغرام من السكر قد يُتّهم بالتهرّب الضريبي فاستهلاك مادّة حلوة غير معفي من معلوم إضافي في عهد طعمه مرّ…وإن نجح في العودة إلى منزله بقارورة زيت “حكومي” فكأنه رزق بمولود جديد…وقد يصبح ملء خزان السيارة بالوقود جريمة يعاقب عليها القانون وقد يتهم فاعلها بالإرهاب وبحمل عبوة قابلة للاشتعال…نحن اليوم في بلاد تُسرق فيها اللقمة من أفواه الفقراء وضعاف الحال والشغالين، لإرضاء صندوق النكد الدولي والمنظمات المانحة…نحن اليوم بلاد تموّل فيها الحكومة خزائن الدولة وميزانيتها بسلب جيوب الموظفين والعمال المحتاجين باقتطاعات “حلال” من مرتبهم المسكين المصاب بسوء التغذية والهزال ونقص الوزن…

سيقول بعضكم…خلّصناكم من “الطرابلسية” والفاسدين…وسأقول…والله أصبح لدينا مليون “طرابلسي” وأصبح عدد الفاسدين بمئات الآلاف…وستقولون، أنتم تقدّسون الماضي…وسنقول نحن لا نقدس الماضي ولا نبكي عليه… فقط نبكي مستقبل فلذات أكبادنا… نبكي معاناة أبنائنا… نبكي يأس أجيالنا القادمة… نبكي ما حلّ بتونس التي نعرفها والتي بنيناها…بعدما أصبح أحلى خياراتنا مُرا علقما… فمن حكمونا منذ اثنتي عشرة سنة إلى يوم الناس هذا لم يضيفوا حجرا واحدا في البناء الذي بنيناه قبل مجيئهم بل نشروا وينشرون خطاب الكراهية والعنف …هؤلاء نسوا ان جميع خطب الحقد والكراهية هي الطريق الاسرع للتخلف والجهل والفقر والاستبداد…هؤلاء نسوا أن بعض الدول الفقيرة التي تبنّى حكامها خطاب التسامح والاصلاح أصبحت تنافس الدول الكبرى في التطور والرفاهية …

ستقولون …لن تقولوا شيئا… لأنكم لن تجدوا شيئا لتذكروه…فعدد العاطلين عن العمل أصبح ضعف ما كان عليه…وبعضهم مات حسرة على حياته التي ذبحها حكامنا الجدد من الوريد إلى الوريد….ماذا فعلتم بالبلاد…لا شيء…قتلتم كل أمل للحياة فيها…أتدرون أن بعض الرضّع وبعض الأطفال ركبوا المتوسط هربا من كيدكم ومن حقدكم… منهم من وصل سالما إلى سواحل إيطاليا ومنهم من مات وسيلتقيكم يوم الحساب…أتدرون أن أغلب شباب البلاد يشاهدون النشرة الجوية فقط ليقرروا متى يركبون البحر المتوسط فلا هم يشاهدونها انتظارا لغيث نافع ولا خوفا على ما زرعوه من الانجراف المائي…أتدرون…لا أحد منا يشعر اليوم أنه آمن في أرضه وفي بيته وبين أهله….تونس تموت في عهدكم بالتقسيط…المميت…والله كنّا في أحسن حال…ولم نشكر…فيا حكام البلاد …ماذا فعلتم بها وبالعباد؟؟؟

انقر للتعليق

صن نار

Exit mobile version