جور نار

يا ساكن قرطاج … الشعب لم يعد يريد ما تريد !

نشرت

في

كشف الرئيس أول أمس وخلال مجلسه الوزاري بعض النتائج الأولية لاستشارته الالكترونية…أقول استشارته لأنه من الواضح أن نتائجها ستكون على مقاس ما يريده ساكن قرطاج، وقد جاءت فعلا هذه النتائج الأولية التي أعلن عنها على مقاس رغبة “مولانا” فهو الواحد الأحد الذي يريد ما لا يريده الشعب، وعلى الشعب أن يريد ما يريده مولاه …

<strong>محمد الأطرش<strong>

فمولانا يريد نظاما رئاسيا…ومن أدراه أن الشعب يريد ما يريد؟ ومولانا يريد الاقتراع على الأفراد ومن أدراه أن الشعب يريد ما يريد؟ ومولانا يريد سحب الثقة من النواب ومن أدراه أن الشعب يريد ما يريد؟ ومولانا يريد إصلاحات في القانون الانتخابي، والحالي لا يخدم مصلحته…ويريد إصلاح قانون الأحزاب، والقانون الحالي لا يقطع الطريق أمام خصومه….ومولانا يريد إصلاح قانون الجمعيات فالقانون الحالي لا يخدم مصالحه مع المجتمع المدني الذي يريده على مقاس ما يريد…ومولانا يريد إصلاح القضاء والقضاء في وضعه الحالي لا يخدم مولانا وما يريد، فالقضاء حسب رغبة مولانا هو من يخلصه من خصومه ويضعهم في السجون والإقامة الجبرية…

كل ما يفعله اليوم ساكن قرطاج يصبّ في خانة واحدة…مصلحته لا غير…وأظنّ أن نتائج الاستشارة ستكون على مقاس ما يريده ليفرضها بحجة أن الشعب يريد…لكن ما نسيه مولانا هو أن من انتخبوه وأنا منهم لم ينتخبوه من أجل ما يريد فرضه عبر استشارته واستفتائه…وعليه أن يعلم أيضا أن من انتخبوه ليسوا بالعدد الذي يفاخر به ليلا نهارا ويوم الأحد…فأكثر من ثلاثة أرباع من انتخبوه فعلوا ذلك قطعا للطريق أمام خصمه الذي لو سكن قرطاج لخدم البلاد ونفع العباد بشكل أفضل، وأنا على يقين اليوم أن من انتخبوه وأكثر ندموا شديد الندم وسينتخبون غيره مستقبلا حتى وان قام بألف استشارة على المقاس…

ساكن قرطاج لم يع إلى يومنا هذا أن من ينصحه بما يفعله اليوم يريد الإيقاع به وتوريطه مع الشعب، فهذا الشعب لن يصبر كثيرا على ما هو عليه اليوم…ولن يطول صمته أمام معاناته ومأساته اليومية…فمن ينصح ساكن قرطاج بإهانة شعبه ونعته بكل النعوت لا يريد به خيرا ولا بالشعب خيرا…ومن يصفّق له وهو ينعت بعض شعبه بالــ”حشرات” إنما يريد الإيقاع به وتوريطه مع الشعب…ومن ينصحه بمهاجمة من يصفهم بالفاسدين والخونة دون أن يقدّم دليلا واحدا لمقاضاتهم إنما ينصحه بما يحرجه ويفسد علاقته بمن انتخبوه…

مولانا ساكن قرطاج لم يقدّم إلى يومنا هذا دليلا واحدا يثبت ما ينعت به خصومه…فلو كان بحوزته إثبات واحد يؤكّد ما يزعمه عن خصومه لما نجحوا في الإفلات من العقاب…لذلك وأكثر من ذلك أقول إن كل اتهام غير مدعوم بالأدلة لن يخدم مولانا…ولن يستفيد منه الشعب ولا حتى من انتخبوه…فوضع بعضهم في الإقامة الجبرية لن يحدّ من ارتفاع الأسعار…وإلصاق التهم يمنة ويسرة بخصومه لن يشبع من جاع من هذا الشعب…ومنع بعضهم من السفر فقط لأنه لم يبايع مولانا لن يوفّر مواطن شغل للعاطلين…إذن ما هذا الذي يفعله ساكن قرطاج؟ أهكذا تدار شؤون دولة انحدرت إلى اسفل وأصبحت قاب قوسين أو أدنى من الإعلان الرسمي للإفلاس…؟

مولانا لا يؤمن بالآخر…ولا يقبل بأن يكون معه شركاء في الحكم…يريد أن يكون ملكا برتبة رئيس… سلطانا برتبة قائد… يفعل بالشعب ما يريد متى يريد وكيف يريد…مولانا لا يؤمن بالدولة التي ولدت قبله (دولة بورقيبة) وعاش معها (دولة بورقيبة وبن علي ودولة ما بعد 14 جانفي) وعاشت معه لستّة عقود، لذلك لا غرابة اليوم حين يبحث عن الإطاحة الفورية بكل الهياكل السياسية والإدارية والاجتماعية السائدة … مولانا لا يؤمن بالملكية الفردية ويرى أنها وسيلة للسيطرة الاقتصادية، ولا يؤمن بالدولة فهي في نظره أداة تسلّط سياسية، ولا يؤمن بالقضاء والقانون بشكله الحالي فهو يعتبره الوسيلة التي تعتمد عليها الطبقة المالكة للاقتصاد ولوسائل الإنتاج لتبرير ملكيتها وحمايتها… لذلك نراه يربط حربه على القضاء الحالي بفساد رجال المال والأعمال والأغنياء…لذلك نرى اليوم من هم حوله يروّجون للفكر الفوضوي والدعوة لإحلال الاتفاق الحر بين الأفراد، وإقامة حياة اجتماعية تعتمد على أهداف ومصالح إقليمية وجهوية ومحليّة وانتاجية كبديل رسمي عن الدولة…

خلاصة القول مولانا لا يؤمن بـغير “الفردية الفكرية المتطرّفة” وقد كشف عن ذلك بما أتاه منذ جلوسه على العرش عفوا على كرسي قرطاج، وبالخطاب الأعرج لمن أرسلهم لحملاته التفسيرية … فالذات أو “الأنا” هي الحقيقة الوحيدة لمولانا في هذا العالم و كل ما عداها من أفكار كالدولة، والمجتمع، والأخلاق، والإنسانية، ليست سوى تجريدات وهمية، واهية، جوفاء خلقها الإنسان ذاته وجعل منها مُثلاً عليا يخضع لها طيلة حياته، وتستبدّ على فكره وقدراته ومقدّراته، وتحدّد سلوكه وتحرّكاته وكل ما يأتيه… ولا غرابة أن نستمع لنفس الخطاب يوميا من ساكن قرطاج فهو دائم الانفعال ودائم التعامل مع من يجلسون قبالته ويستمعون إليه كأنهم تلامذته، فهو يعمل ومن خلال خطابه على تخديرهم بالوهم…فلا يشعرون ولا ينتبهون لما يحدث حولهم…فساكن قرطاج يلقنهم ما يريد… ثم يقول لهم بأنهم هم من يريد…هم الشعب الذي يريد، وقد اشتهر بهذه التعبيرة في الأشهر الأولى من حكمه ومن جلوسه على كرسي قرطاج…فهو الذي يثير حماستهم بشعاراته التي ينسبها إليهم…وبذلك يدفعهم دون أن يشعروا إلى تحقيق مخططاته وتبنيها والدفاع عنها أمام كل خصومه الذين يصبحون آليا خصومهم هم…الشعب الذي يريد…

وهنا وجب القول وبعد نصف سنة من الأوهام والشعارات…والوعود الزائفة والاتهامات…وضرب الخصوم…إن هذا الشعب يوم يجوع…ويفقد كل أمل في إصلاح حاله وحال أبنائه وأجياله القادمة … سيقول لساكن قرطاج: لا أريد شيئا ممّا تريد …

انقر للتعليق

صن نار

Exit mobile version