جور نار

يا سكان قصور الحكم اتحدوا … فأنتم اليوم عنوان القصور !

نشرت

في

لأن السياسة في تونسنا اليوم أصبحت هي الحياة… هي الاقتصاد…وهي قطعة اللحم التي نأكل و بعضنا يحلم بها و لا يأكل…و قطعة الخبز التي نتعب لنلقاها…و بعضنا لا يلقاها…و هي أيضا كأس الحليب الذي قد نجده و قد يغيب عنا لأيام…و بعضنا يحلم برؤياه…السياسة هي أين ننام أيضا…و أين نعمل…و الآلاف منّا قد تموت و لن تعمل…السياسة هي ما نتعلمه و ما نعلمه لأبنائنا…السياسة هي العمل و هي الأجر عن كل عمل نأتيه….السياسة هي الدواء وهي العلاج…وهي أيضا الموت الذي يبعدنا عمن نحبّ…و من نكره أيضا…و هي أيضا كلفة هذا… و ثمن ذاك…

<strong>محمد الأطرش<strong>

السياسة هي السكن… و هي النقل…و هي أيضا وسيلة النقل…و كلفته…و هي أيضا وسائل التسخين و التبريد و وسائل الإضاءة و الكهرباء…و كلفتها….و السياسة هي أيضا كيف ألقاك و كيف تلقاني…هي علاقاتنا مع هذا و ذاك…ومع الآخر….مع الجار و من يسكن جانب الجار و جار الجار…السياسة هي كيف نتعايش جميعا دون أن يقصي هذا الآخر…و دون أن يحقد الآخر على هذا… وهذا على الآخر…السياسة اليوم ليست مجرّد إعلان عن تأسيس حزب أو حركة…و السياسة ليست مجرّد وضع مؤخرة لا تملك القدرة على خفض الاحتباس الحراري على كرسي وثير…و السياسة ليست فقط معارضة عمياء لا تعرف ما يجب …و ما لا يجب…وليست على يقين مما تريد و ما لا تريد….السياسة ليست فقط الأحزاب و الحركات والكراسي و السيارات…وليست ما تفعلون أنتم اليوم سادتي سكان قصور الحكم

سادتي سكان القصور الثلاثة…

تونسنا اليوم سفينة تغرق …و قد تغرق و يغرق جميعنا معها…اليوم اختلط الحابل وبالنابل…كما يختلط الكركم بالتابل في أغلب أكلاتنا…اختلط الغبي و الأحمق بالذكي….اختلط الساذج بالفطن…اختلط الوطني بالخائن…اختلط الجاهل بالعالم….اختلط الفاسد بغير الفاسد…فمن أراد اليوم منصبا أسس حزبا …و من أراد اليوم شهرة أسس حزبا …و من أراد اليوم مكانة مرموقة و حاجبا يمسح حذاءه و مومسا تلعق ذيله أسس حزبا …و من أراد تصفية حساباته مع أعدائه أسس حزبا…و من أراد تبييض الأموال أسس حزبا…و من أراد إرضاء عشيقته نكاية في زوجته التي تركته أسس حزبا…فهل بهؤلاء ننقذ وطنا يغرق…هل بهذه التشكيلات ننقذ وطنا نخرت جسده الأحقاد…

أتدرون سادتي سكان القصور الثلاثة… أننا فعلا نغرق و لا أمل في نجاتنا إن لم نراجع جميع أو بعض حساباتنا…

أتدرون سادتي سكان القصور الثلاثة...أننا نقاوم الفساد و أسسنا له هيئة وطنية… و نقاوم الإرهاب و بعثنا من أجله قطبا…و نكافح الجريمة و وظفنا من أجلها فرقا و رجالات…

أتدرون سادتي سكان القصور الثلاثة…أننا قررنا أياما لمقاومة سرطان الثدي …و الأمراض المزمنة و الخطيرة…و قررنا أياما لمقاومة “الكلاب السائبة” و ما أكثرها اليوم…و أعلنا حملة للحدّ من داء الكلب…

أتدرون سادتي سكان القصور الثلاثة…أننا فعلنا كل ذلك و أسسنا و بعثنا كل هيئات المقاومة والمكافحة و نسينا أخطر أعداء الأمة و الوطن….تركناه يرتع …و يجوب الديار …تركناه يستوطن العقول والقلوب…و لم نحرّك ساكنا…أتدرون من يكون عدوّ الأمة الأخطر أم لا تدرون؟؟ …

سادتي سكان القصور الثلاثة…هل تدرون من وجب إصدار بطاقة جلب فيه…و بطاقة إيداع فيه…و تحجير السفر عنه؟؟..أتدرون أم لم يعلموكم بمن يكون…أم لا تدرون؟؟…ألم تقرؤوا برقية التفتيش التي أصدرها هذا الشعب في حقّ أخطر المجرمين ودعاة التخريب…هل سمعتم بــ”آفة الحقد”…الحقد هو من أوصلنا اليوم إلى ما نحن فيه…فلن تنفع مجالس حكومتنا الوزارية…و لا مخططات التنمية التي يسطرها خبراء حكومتنا…و لا زياراتكم الفجئية  و المعلنة و غير المعلنة لبعض المؤسسات…و لا كل تحويرات حكومتنا …و لا مفاوضات حكومتنا الاجتماعية…و لا زيادات الحكومة في الأجور….و لا كل قرارات مجالس حكومتنا الوزارية المضيقة…في إنقاذ هذه الأمة و هذا الوطن ما لم تكسبوا أهمّ و أمّ معارككم…نزع الأحقاد من قلوب و عقول البعض…فمتى يا ترى تعلنون حربكم ليس على بعضكم البعض كما أنتم عليه اليوم بل على الحقد…والحاقدين…

سادتي سكان القصور الثلاثة…

السياسة وما تفعلون…السياسة وما تأتون…هي كل ما ذكرت في ما كتبت … ولأنها كل هذا وذاك وغير هذا وغير ذلك وذاك… وجب أن نعترف بجميل كل من علمونا …وكل من أوصلونا إلى ما نحن عليه من علم ومعرفة…فالسياسة أيضا أن نعترف بجميل من ناضل …ومات من أجل أن يترك لنا إرثا نعيش له وبه ومن أجله…السياسة هي كيف نحافظ على ذلك الإرث لأحفادنا وأجيالنا القادمة…فهل نسيتم جميعكم مَنْ غيّر حال الأمة حين كانت ترزح تحت نير الاستعمار…هل نسيتم بناة البلاد …هل نسيتم من درس وتعلم…و عاد ليدرّس و يعلّم…هل نسيتم من شيّد و من رفع البناء…أليس من حقهم علينا أن نذكرهم بخير…و أن نرعى من بقي منهم على قيد الحياة…و أن نعترف بجميل مَن علّمنا منهم و من ترك أثرا فينا منهم…و من كان له الأثر الطيب علينا و على البلاد و العباد…أليس من حقهم علينا أن ننصف التاريخ من أجلهم و أن نتجنب الأحقاد في قراءته…أليس من حقّ كل مواطن عاش تفاصيل تاريخ هذا الوطن بآلامه و معاناته و مرارته أن يحلم بيوم ينصفه فيه التاريخ و الحاضر بعد أن أغرقه بعض الحاقدين شيطنة و تزويرا…ألم يكونوا سببا في تطوير مستوى معيشتنا…ألم يكونوا سببا في القضاء على العديد من الإمراض التي لا تزال بعض بلاد العالم تعانيها…ألم يكونوا سببا في ما وصل إليه الآلاف من طلبتنا من تميّز علمي و معرفي….ألم يكونوا سببا في تطوير صناعتنا…ألم يكونوا سببا في تطوير فلاحتنا…ألم يكونوا سببا في وصول الآلاف منا اليوم إلى ما هم عليه و فيه من مناصب…ألم يكونوا سببا في أننا اليوم هنا…نحكم أرضنا…و نسكن بيتنا…و نحصد و نأكل زرعنا…

كما لا يجب أن ننسى سادتي سكان القصور الثلاثة...من ظُلموا في كل العهود التي مرّت بها البلاد…فلا أحد من حكامنا جاء من صلب عمر بن الخطاب …و لا أحد منّا كان حفيدا لعمر بن عبد العزيز حتى يكون عادلا و لا يجوع في عهده أي من سكان هذا الوطن… و أجزم أن لا أحد منكم سيكون عادلا كالفاروق…لكن هل علينا أن نعيش بأحقادنا على من ظلمونا…هل يمكن أن نقضي على الظلم و الحال أنه داخل كل جسد من أجسادنا …داخل كل عقل من عقولنا… فالظلم لن يغيب عن سطح هذه الأرض حتى يرث الله الأرض و من عليها…ولكل عهد من عهودنا ظُلاّمه …و لكل عهد مما مرّ على هذه الأمة مظاليمه…لكن سيأتي اليوم الذي يرحل فيه المظلوم عن دائرة الظالم…و يرحل فيه الظالم عن دائرة المظلوم…لذلك ألا يجب أن نبدأ من جديد وكأننا ولدنا من جديد؟ …ألا يمكن أن نبدأ من جديد و كأننا ولدنا بالأمس… وننسى أحقادنا…و ننسى كل ما عانيناه و ما عاناه البعض منّا …فدون ذلك لن نتقدّم خطوة واحدة…ألم يحن الوقت لينسى كل واحد منّا سواء كان ظالما أو مظلوما ما عاناه و ما فعله…لنترك أملا لأجيالنا القادمة ليواصلوا حرث هذه الأرض و زرعها…ليواصلوا حصد ما زرعوه…ألا يمكن أن نغفر لبعضنا البعض ما أتيناه من شرّ لبعضنا البعض…فبالأمس ظُلم البعض و اليوم ظُلم البعض الآخر …ألم يحن الوقت لينسى البعض ظلم البعض…و ينسى الآخر ظلم الآخر…ليسعد أحفادنا بما تركناه لهم…

ألم يحن ذلك الوقت سادتي سكان القصور الثلاثة…فماذا لو اعترف ظُلام اليوم بجميل ظُلام الأمس…واعترف ظُلام الأمس بأنهم ظلموا…فظُلاّم اليوم ظلموا بمثل ما فعله ظُلام الأمس و أكثر…قتلوا…و شرّدوا…و جوّعوا…و يتّموا…وهتكوا الأعراض…و خرّبوا البلاد ظُلما…وأسقطوا البناء حسدا و حقدا و ظُلما…فما لم ننس أحقادنا الموروثة من ظُلم الأمس و ظُلم اليوم لن نتقدّم خطوة واحدة إلى الأمام…فتعالوا ننسى …فالمستقبل قد يكون على أبنائنا أقسى….تعالوا ننسى…

سادتي سكان القصور الثلاثة…

السياسة ليست فقط أحزابا و حركات و مجالس وزارية…السياسة هي نزع أحقاد و اعتراف بجميل من سبقونا و قراءة منصفة للتاريخ أيضا…فالحقد هو الألغام التي تزرع في طريق النمو والتقدّم …و الأحقاد هي العبوات الناسفة التي تنسف كل برامجكم التنموية… أنتم اليوم أمام أخطر عهدة تمرّ بها البلاد…فقد تذهب بنا الفتنة إلى الدمّ…و قد تأخذنا أحقادنا إلى الهمّ و الغمّ…و لا أظنّ أنكم ستدخلون صدور الناس لتنزعوا الحقد الذي ملأها …فالله وحده قادر على ذلك…و لا أظنّ أنكم قادرون على أن تتحكّموا في ما يضمره كل هذا الشعب لبعض هذا الشعب…الأمر الوحيد الذي قد تقدرون عليه لو توفّرت النيّة من الجميع هي المصالحة الشاملة التي تعيد كتابة التاريخ بكل ما فيه…و لا أثر للحقد فيه…لنسعد بمستقبل جميل يعيش أحفادنا فيه… سادتي سكان القصور الثلاثة…لا تتركوا البلاد في محطّة لن يطأها القطار أبدا…فالشعوب الراقية هي من تزهو بحاضرها دون أن تبكي ماضيها…فهل يمكن أن نسعد بحاضرنا و البعض يطعن ماضينا…وهل يمكن أن نسعد بمستقبلنا و ماضينا يطعن حاضرنا…فدون ماضينا ماذا أعددنا لمستقبل أبنائنا…أما آن لنا أن نسأل أنفسنا مرّة واحدة على الأقل…إلى أين نحن سائرون؟؟ فالسياسة ليست فقط “من لا يكون و من يكون”…السياسة أن نكون معا…تاريخا و حاضرا و مستقبلا…فافعلوا شيئا ينفع الوطن و الأمة…و انتصروا للتاريخ من ظلم الحاضر…. و انتصروا للحاضر من بعض ظُلم التاريخ… ليكون مستقبل أجيالنا القادمة أفضل…من تاريخنا…و أسعد من حاضرنا…أما آن لكم أن تتحدوا…فالقصور اليوم سببه سكان القصور…

محمد الأطرش

انقر للتعليق

صن نار

Exit mobile version