جور نار

“يا عيــن ما تبكيــش ع اللِّي مــاتوا … واِبْكِي عَلَى الحَيِّــينْ كِيـفْ اتْخَاطُوا .. .”

نشرت

في

ونحن نعيش هذه المرحلة من العمر…تأخذنا الذكريات إلى عالم أجمل…إلى زمن أجمل…إلى وطن أجمل، رغم نعيق الحاقدين…فلهم زمانهم الذي لا نعيش، ويعيشون به ويسعدون…ولنا زماننا الذي عشناه، وسعدنا به…ونعيشه في أعماق ذاكرتنا…

<strong>محمد الأطرش<strong>

تأخذنا ذكرياتنا إلى مجريات أحداث لا شيء من أحداث اليوم يشبهها…كيف كنّا…وكيف وماذا ولماذا أصبحنا على ما نحن عليه…؟ فنحن اليوم غير نحن بالأمس…كلها أسئلة تؤلم الذاكرة، وتخدش شريطها الذي يدور ويدور، في ذاكرتنا الموجوعة، أسئلة تؤلم شريط حياتنا وتُدميه وتجعله غير صالح للدوران مرّة أخرى…أين ذهب زماننا الجميل…أين ما كنّا عليه من نكران الذات…اين ما كنّا عليه من الرجولة والكرم…أيننا من التسامح الذي كان يغلب على علاقاتنا ببعضنا البعض…؟؟ لا أثر لتلك الأيام…ولا حتى بصمة واحدة من بصمات الأمس تشبه بصمات هذه السنوات الثقال…هذه السنوات التي فُرضت علينا من جماعة كانوا منّا وليسوا منّا…من بعض من عاشوا معنا…ودرسوا معنا…ونجحوا معنا…ثم تنكّروا لما كانوا عليه معنا، وكأن حاضرهم أجمل من ماضيهم وماضينا…من جيل لا أثر فيه لعقل وفكر ومنطق بعضنا، ولا حتى لبعض بعضنا…من جماعة تعلم جيّدا أن الفارق بينهم وبيننا شاسع…وأن الهوة بينهم وبيننا لا يمكن ردمها بالأحقاد…فما يجري اليوم في بلادنا موجع إلى حدّ وجع الوجع من الوجع…

مشهد سياسي بائس…حكام سُذج أغبياء نال منهم ورم الحقد …وفيروس الانتقام، فجعلهم يخططون أوجاعا وينجزون خرابا… ما يجري اليوم هو حرب داحس والغبراء بين الجميع…بين الأحزاب…وبين الجهات…وبين العائلات…وبين أفراد العائلة الواحدة…وبين القديم والجديد…كل الشعب انخرط دون أن يدري ودون إرادته، في حرب خراب لن تترك أثرا لماضينا…ولا حتى لبعض حاضرهم…حرب، لا هدف من ورائها غير من يمسك بزمام السلطة ويضغط على رقاب الناس…حرب، يستعملون فيها كل الأسلحة…فحتى الوباء أصبح جزءا من الحرب، وأصبح سلاحا يرفعه هذا في وجه ذاك …وذاك في وجه هذا… حرب، يغيرون فيها مواقعهم في لمح البصر…ويغيّرون فيها ألوانهم، ويلبسون فيها الأقنعة دون أن تشعر بذلك ولا هم يشعرون…ولا حتى كيف فعلوا ذلك…حرب، سلاحها رشوة الفقراء والمعوزين…حرب، يوظفون فيها المال العام باقتسام غنائم الخطط الوظيفية، والمناصب السياسية، حرب، تستعمل فيها كل أسلحة الدمار الشامل للشعوب والدول…حرب، لا علاقة لها بمن يبني ويشيّد ويعيد إعمار البلاد…حرب، لا علاقة لها بمن يحمي البلاد من السقوط…والشعب من الخصاصة… هذا ما جنيناه ممن يفاخرون بديمقراطية لا يفقهون معانيها…

فمن أوصلنا إلى ما نحن عليه…أليست هذه الأحزاب التي فاخرت طويلا بديمقراطيتها…أما آن لهم أن يعترفوا بفشلهم في إدارة شؤون الدولة…أما آن لهم أن يعترفوا بما فعلوه بالبلاد…أما آن لهم أن يعترفوا بما فعلوه بأموال الـشعب والـدولة وبثروات هذا الـوطن… وما سببوه من مآسي وكوارث…وتدمير مُمنهج لـكل شيء…أما آن لهم أن يعترفوا بما فعلوه بالروح الوطنية…وبالإحباط الذي زرعوه في النفوس… كل النفوس… هذه ديمقراطيتهم …فلا هم يعترفون بالاختلاف….ولا هم يؤمنون بالتعددية…كانوا ينعتون من سبقهم بالعقل الواحد والفكر الواحد….فجاؤونا بعقل يسير في اتجاه واحد، ويحمل فكرا واحدا ويتغنون سرّا بـــ “الله واحد الله واحد….”…فكل الشعارات التي كانوا يرفعونها ليست إلا أقنعة كانوا يحجبون بها رفضهم للآخر، والاختلاف مع كل آخر…فهؤلاء حوّلوا الاختلاف إلى خلاف، نكّلوا فيه بمن ليس معهم…وبكل من يختلف عنهم…

هؤلاء لم يدركوا إلى يومنا هذا أن الديمقراطية هي أيضا أن لا نكون بنفس العقل…ولا بنفس الفكر…ولا بنفس الوعي…والديمقراطية هي أيضا أن لا نذهب في نفس الاتجاه دائما…قد نلتقي عند هدف واحد…لكن قد نختلف حتما في الطريق الذي نسلكه للوصول إلى ذلك الهدف…دون أن يؤلم بعضنا الآخر…ودون أن يرفض بعضنا الآخر…ودون أن يقطع بعضنا الطريق أمام الآخر…هؤلاء وجدوا شيئا في ماضينا يجعلنا على خلاف دائم…أما آن لهم أن يبحثوا ويؤسسوا لشيء في حاضرنا يجمعنا من أجل هدف واحد دائم…

خلاصة قولي …على هؤلاء جميعا الاستماع جيدا لما تقوله أغنية “ريت النجمة” وهي من تراث الجنوب التونسي العزيز..

علِّي ماتوا…
يا عين ما تبكيش علِّي ماتوا…
علِّي ماتوا…
و ابْكِي عَلَى الحَيِينْ كِيفْ تخَاطُوا…”…

وهذا ما نحن فيه…

انقر للتعليق

صن نار

Exit mobile version