جور نار
ما لا نجرؤ على قوله في الباكالوريا… ولكن وجب قوله
نشرت
قبل سنتينفي
من قبل
منصف الخميري Moncef Khemiriعندما يعود ابناؤنا صيفا من دول المهجر ويتقدمون إلى وزارة التعليم العالي من أجل الحصول على ما يُعادل باكالوريتهم والالتحاق بالجامعة التونسية، يعتريك بعض الفضول للاطلاع على أنماط تتويج المرحلة الدراسية الثانوية في العالم والرغبة في مقارنة باكالوريتنا التونسية من حيث المحتويات الدراسية وضوارب المواد مع الأبيتور الألماني أو الماتورا في بلجيكا وايطاليا وسويسرا أو الاختبار الوطني لدخول التعليم العالي في كوريا الجنوبية أو الغاوكاو في الصين (الامتحان الكبير) أو الثانوية العامة في البلدان العربية…
و دون الدخول في تفاصيل ليس هذا مجالها، تُبيّن هذه المقارنة الانطباعية الأولى بأنه لنا باكالوريا تونسية تُوشّح صدور بناتنا وأبنائنا وتُثلج قلوب آبائهم وأمهاتهم منذ 1891 لا تقلّ قيمة علمية (من حيث طبيعة المواد التي يتم اجتياز الامتحان فيها ومستوى التعلّمات التي راكمها التلميذ طيلة ثلاث سنوات…) عن أخواتها في بلدان العالم. بل بالعكس يقع الاضطرار أحيانا إلى اعتماد صيغ حسابية حمائية للباكالوريا التونسية، حتى لا تتساوى مع بعض الباكالوريات الأجنبية التي يعلو في مكوناتها منسوب المواد التي لا علاقة لها ببرامج الدروس في التعليم العالي.
ولكن اعتزازنا هذا بباكالوريتنا التونسية لا يجب أن يحجب عنّا بعض الظواهر السلبيّة التي يلحظها ويعلمها الجميع والتي يتعيّن الالتفات ناحيتها، لتصويب النظر إليها وحماية صورتها في العالم والتصدّي لبعض الانحرافات (مهما كانت جزئية و لا تشمل الجميع) في سياق ضرورة “النظر بعناية شديدة إلى أنفسنا والالتفات بعفّة واستحياء نحو الآخرين” كما يُنسب الى كونفوشيوس.
أوّلا : الباكالوريا توزّع بشكل غير عادل بين تونس الواحدة
عدد الذين يبلغون درجة الباكالوريا من مجموع التلاميذ الذين يؤمّون المرحلة الابتدائية في الجهات ذات مؤشر التنمية المرتفع نسبيا، أكبر بكثير من نظرائهم في المناطق الداخلية لأنّ عدد المتعثّرين والمنسحبين أثناء السّباق في الجهات المنسيّة وفي الأوساط الفقيرة في باقي الجهات يبلغ أرقاما قياسيّة تؤثّر على حجم الكوكبة النهائية الناجية. وبالرغم من آليّة الارتقاء الآلي وغياب أية محطة انتقائية وسيطة قبل الباكالوريا، فإن ضعف المكتسبات الأساسية الفظيع (والمتمركز خاصة في السباسب والمرتفعات والمناطق ذات المناخ شبه الصحراوي) يمنع قطاعا واسعا من تلاميذنا من الوصول أصلا إلى مستوى الرابعة الثانوي وإن وصل فــ “بشقّ الأنفس” ووسائل التنفّس الاصطناعي… وعلى هذا النحو يصبح مجرد ولوج مضمار سباق الباكالوريا، حُلما ثمينا يشيح بوجهه عن “الوجوه الشايحة” و “النفوس اللايحة”.
ثانيا : مستوى النجاح في الباكالوريا، يفوز به الميسورون
الباكالوريا امتحان وطني نعم، أيْ يتحصل عليها من نال المعدّل المطلوب أو تحصل على ما أدنى منه بقليل وتوفّرت لديه شروط الإسعاف المستوجبة، لكن بمجرّد نيْلِها تتحول إلى مناظرة وطنية تُرتِّب الفائزين وفق اقتداراتهم الخصوصية (كل حسب شعبته الأصلية وكل حسب ما سيستهدفه من مسالك جامعية بالاختيار). وبما أن عدد الناجحين يكون أكبر في جهات وأوساط اجتماعية بعينها وعدد المعدلات المرتفعة بالنتيجة يكون أوفر فيها، فإن هذا الواقع المختلّ يقودنا إلى القول بأن “الحصول على الباكالوريا” هو عنوان دعائي وتعويمي يريد إخفاء سؤال مهم وهو “ما هو مستوى الباكالوريا التي تحصلت عليها ؟”. يبدو أنه من الممكن نقل ظاهرة التضخم المالي ويما ينجرّ عنها من ارتفاع مشين في الأسعار إلى المجال المدرسي لكي نقول بأن التضخم المدرسي بنجاحاته وشهائده التي أضحت تطال قطاعا واسعا من التلاميذ، أدّى إلى “غلاء أسعار الولوج إلى مراتب معيّنة واستحقاقات جامعية مخصوصة تقتضي قدرة شرائية/مدرسية عالية”.
ثالثا : الجامعة التونسية نخبوية جدا
الدولة التونسية ديمقراطية جدا أو هكذا يبدو، لأنها “تُتيح مقعدا جامعيا خشبيا لكل ناجح في الباكالوريا” وهو مرة أخرى شعار سياسي ودعائي يُعتّم بشكل ماكر على حقيقة موضوعية سيؤدّي الكشف عنها إلى تحميلها مسؤوليات تاريخية هي ـ بحكم عجزها المتاصل فيهاـ ليست قادرة على تحمّل تبعاتها. هذه الحقيقة المزعجة هي أنه حان الوقت لاستبدال الشعار الأول بشعار أكثر واقعية وهو “لكل متحصل على الباكالوريا الحق في مقعد بالجامعة التونسية … ولكن أصباع إيديك موش كيف كيف يا كبدي”. أصابع اليد في هذا السياق تنسحب على مستقيميْن :
- مستقيم الطلبة الجدد أنفسهم الذين تمّ تصنيفهم وترتيبهم وتقييسهم بشكل دقيق جدا لا يقبل التساوي، إذ تصل صيغة المجموع النهائي إلى أربعة أرقام بعد الفاصل ! وبالتالي كل قدير وقدرو وعاش من عرف قدرو وذراعك يا علاّف واللّي ضيّع صباحو (ما يعادل المرحلة الابتدائية) ضيّع رباحو.
- مستقيم المسالك الأكاديمية المعروضة للتناظر والتي لا تتساوى قيمتها في أذهان الناس في علاقة بالوهج الرمزي والتشغيليّة والآفاق العلمية ومجهود الجامعات نفسها في تثمين ما لديها (مثل الباعة الذين تتوفر لديهم غلال بجودة عالية لكنهم مكفهرّون وواجِمون ومُنفّرون)، فينتُجُ عن ذلك مسالك يحتدّ التنافس عليها فيرتفع مستوى اشتراطاتها، وأخرى ينفرها الناس فتظل شبه فارغة لكونها شبه عارية من أي تثمين أو أي برامج وآفاق مُحفّزة.
رابعا : التّهميش والفقر لا تتم مقاومتهما بالغش
الاعتقاد بأن الغشّ في الباكالوريا حق شرعي (حتى وإن كان غير قانوني) لا يعشّش في أذهان التلاميذ فقط بل تتقاسمه فئات واسعة من جميع المعنيين بهذا الامتحان (بمن فيهم بعض المربّين والمراقبين…) الذين يعتقدون أن عدم تكافؤ حظوظ التنمية المسؤول عن عدم تكافؤ حظوظ الحصول على الباكالوريا، يتعيّن تداركه بواسطة افتكاك هذا الحق والاستماتة في اقتلاعه بكل الوسائل.
لست بصدد التجنّي على أيّ كان بل أحاول النّبش في عقليّة عايشتها وقاومتها وعانيت منها، تمثّلت على سبيل المثال :
- في توليَّ مرافقة زملائي من غير أصيلي الجهة التي عملت بها إلى محطة الحافلات أو سيارات الأجرة بعد الانتهاء من الامتحان، لأنهم كانوا مُلاحقين ومهدّدين في أجسادهم من قِبل تلاميذ كانوا يعتقدون أن حزم هؤلاء وانضباطهم في المراقبة سيمنعهم من النجاح،
- وفي أدوات حلاقة حادّة توضع أمام المترشحين على الطاولة لترهيب المراقبين وتحذيرهم،
- وفي سؤال يتردّد كل سنة “في أية جهة سيقع إصلاح مواضيع الباكالوريا لأبنائنا هذه السنة ؟” لكون العامّة تعتقد أن “الأساتذة المنتمين إلى جهات معيّنة” لا يريدون النجاح لغير أبنائهم وبناتهم،
- إلخ…
في ألمانيا على سبيل المثال، أوراق الامتحان تحمل اسم المترشح والأساتذة يُصلحون أوراق تلاميذهم، تصوّروا حجم الكارثة لو تُعطى هذه الإمكانية للأساتذة التونسيين في الباكالوريا ؟!
خامسا : باكالوريا دون ثقافة عامة ودون تعبير شفوي
الباكالوريا التونسية بصيغتها الحالية لا ترتقي إلى اختبار ما به يتميّز التلاميذ بعد اجتياز هذا الجسر المهم، لأنها اختباراتها تقتصر على المواد التقليدية الرئيسية على أهميّتها لكنها لم تعد كافية لإقدار أبنائنا على مواجهة متطلبات التكوين الجامعي وسوق الشغل بعد ذلك. أعتقد أنه من المُفيد إضافة مادّتين أساسيتين كما في عديد بلدان العالم المتقدّم هما الثقافة العامّة والتعبير الشفوي (وما يتطلّبانه من إعداد جدّي على امتداد السنوات التي تسبق امتحان الباكالوريا) لأنهما مُعيقان كبيران يحولان دون التميّز في عديد الاختصاصات الجامعية ويقفان حاجزا أمام “تطوير كفاءة الإبهار” المطلوبة في محادثات الانتداب والتشغيل (حتى بالنسبة إلى خريجي العلوم والتقنيات والرقميّات).
سادسا : قط مكسور و ناموس أعور و فلّوس يحمل بندقية يجري وراء نعجة ….
هذا “القط المكسور والناموس الأعور…” نموذج من إنتاجات تلاميذنا في مادة الفلسفة ومثله أو أشنع في سائر المواد الأخرى، بما يعكس أن شريحة كبرى من تلاميذنا لا علاقة لها أصلا بشيء اسمه “التفكير في حدّه الأدنى” أو “التعبير في أحلك درجاته” وحتى بالمدرسة نفسها. أعرف مؤسسة تربوية حيث لم يحضر تلاميذ شعبة الاقتصاد حصة الفلسفة إلا مرات قليلة جدا في بداية السنة الدراسية قبل مقاطعتها تماما منذ شهر فيفري ! ولا أحد يُحرّك ساكنا أو يزعج متساكنا.
تصفح أيضا
جور نار
العراق: هل يستبق الأخطار المحدقة، أم سيكتفي بتحديد الإخلالات؟
نشرت
قبل 4 ساعاتفي
22 نوفمبر 2024محمد الزمزاري:
ستنطلق الحكومة العراقية في تعداد السكان خلال هذه الأيام والذي سيأخذ مدى زمنيا طويلا وربما. تعطيلات ميدانية على مستوى الخارطة. العراقية.
ويعد هذا التعداد السكاني مهمّا ومتأخرا كثيرا عن الموعد الدوري لمثل هذه الإحصائيات بالنسبة لكل بلد… فالعراق لم يقم بتحيين عدد سكانه منذ ما يزيد عن الثلاثين سنة، إذ عرف آخر تعداد له سنة 1991… ونظرا إلى عوامل عدة، فإن قرار القيام بهذا التعداد سيتجنب اي تلميح للانتماءات العرقية أو المذهبية عدا السؤال عن الديانة ان كانت إسلامية او مسيحية… وقد أكد رئيس الحكومة العراقية أن التعداد السكاني يهدف إلى تحديد أوضاع مواطني العراق قصد رصد الاخلالات و تحسين الخدمات وايضا لدعم العدالة الاجتماعية.
لعل اول مشكلة حادة تقف في وجه هذا التعداد العام، هو رفض الجانب الكردي الذي يضمر أهدافا و يسعى إلى التعتيم على أوضاع السكان في كردستان و في المنطقة المتنازع عليها بين العرب والأكراد و التركمان… خاصة أيضا ان اكثر من ثمانية أحياء عربية في أربيل المتنازع عليها، قد تم اخلاؤها من ساكنيها العرب وإحلال الأكراد مكانهم…
هذا من ناحية… لكن الأخطر من هذا والذي تعرفه الحكومة العراقية دون شك أن الإقليم الكردي منذ نشاته و”استقلاله” الذاتي يرتبط بتعاون وثيق مع الكيان الصهيوني الذي سعى دوما إلى تركيز موطئ قدم راسخ في الإقليم في إطار خططه الاستراتيجية.. وان مسؤولي الإقليم الكردي يسمحون للصهاينة باقتناء عديد الأراضي و المزارع على شاكلة المستعمرات بفلسطين المحتلة… وان قواعد الموساد المركزة بالاقليم منذ عشرات السنين ليست لاستنشاق نسيم نهر الفرات ! ..
أمام الحكومة العراقية إذن عدد من العراقيل والاولويات الوطنية والاستشرافية لحماية العراق. و قد تسلط عملية التعداد السكاني مثلما إشار إليه رئيس الحكومة العراقية الضوء على النقائص التي تتطلب الإصلاح و التعديل والحد من توسعها قبل أن يندم العراق ويلعنوا زمن الارتخاء وترك الحبل على الغارب ليرتع الصهاينة في جزء هام من بلاد الرافدين.
عبد الكريم قطاطة:
فترة التسعينات كانت حبلى بالاحداث والتغييرات في مسيرتي المهنية منها المنتظر والمبرمج له ومنها غير المنتظر بتاتا …
وانا قلت ومازلت مؤمنا بما قلته… انا راض بأقداري… بحلوها وبمرّها… ولو عادت عجلة الزمن لفعلت كلّ ما فعلته بما في ذلك حماقاتي واخطائي… لانني تعلمت في القليل الذي تعلمته، انّ الانسان من جهة هو ابن بيئته والبيئة ومهما بلغت درجة وعينا تؤثّر على سلوكياتنا… ومن جهة اخرى وحده الذي لا يعمل لا يخطئ… للتذكير… اعيد القول انّه وبعد ما فعله سحر المصدح فيّ واخذني من دنيا العمل التلفزي وهو مجال تكويني الاكاديمي، لم انس يوما انّني لابدّ ان اعود يوما ما الى اختصاصي الاصلي وهو العمل في التلفزيون سواء كمخرج او كمنتج او كلاهما معا… وحددت لذلك انقضاء عشر سنوات اولى مع المصدح ثمّ الانكباب على دنيا التلفزيون بعدها ولمدّة عشر سنوات، ثمّ اختتام ما تبقّى من عمري في ارقى احلامي وهو الاخراج السينمائي…
وعند بلوغ السنة العاشرة من حياتي كمنشط اذاعي حلّت سنة 1990 لتدفعني للولوج عمليا في عشريّة العمل التلفزي… ولانني احد ضحايا سحر المصدح لم استطع القطع مع هذا الكائن الغريب والجميل الذي سكنني بكلّ هوس… الم اقل آلاف المرات انّ للعشق جنونه الجميل ؟؟ ارتايت وقتها ان اترك حبل الوصل مع المصدح قائما ولكن بشكل مختلف تماما عما كنت عليه ..ارتايت ان يكون وجودي امام المصدح بمعدّل مرّة في الاسبوع ..بل وذهبت بنرجسيتي المعهودة الى اختيار توقيت لم اعتد عليه بتاتا ..نعم اخترت الفضاء في سهرة اسبوعية تحمل عنوان (اصدقاء الليل) من التاسعة ليلا الى منتصف الليل …هل فهمتم لماذا وصفت ذلك الاختيار بالنرجسي ؟؟ ها انا افسّر ..
قبل سنة تسعين عملت في فترتين: البداية كانت فترة الظهيرة من العاشرة صباحا حتى منتصف النهار (والتي كانت وفي الاذاعات الثلاث قبل مجيئي فترة خاصة ببرامج الاهداءات الغنائية)… عندما اقتحمت تلك الفترة كنت مدركا انيّ مقدم على حقل ترابه خصب ولكنّ محصوله بائس ومتخلّف ..لذلك اقدمت على الزرع فيه … وكان الحصاد غير متوقع تماما ..وتبعتني الاذاعة الوطنية واذاعة المنستير وقامت بتغييرات جذرية هي ايضا في برامجها في فترة الضحى .. بل واصبح التنافس عليها شديدا بين المنشطين ..كيف لا وقد اصبحت فترة الضحى فترة ذروة في الاستماع … بعد تلك الفترة عملت ايضا لمدة في فترة المساء ضمن برنامج مساء السبت … ولم يفقد انتاجي توهجه ..وعادت نفس اغنية البعض والتي قالوا فيها (طبيعي برنامجو ينجح تي حتى هو واخذ اعزّ فترة متاع بثّ) …
لذلك وعندما فكّرت في توجيه اهتمامي لدنيا التلفزيون فكرت في اختيار فترة السهرة لضرب عصفورين بحجر واحد… الاول الاهتمام بما ساحاول انتاجه تلفزيا كامل ايام الاسبوع وان اخصص يوما واحدا لسحر المصدح ..ومن جهة اخرى وبشيء مرة اخرى من النرجسية والتحدّي، اردت ان اثبت للمناوئين انّ المنشّط هو من يقدر على خلق الفترة وليست الفترة هي القادرة على خلق المنشط ..وانطلقت في تجربتي مع هذا البرنامج الاسبوعي الليلي وجاءت استفتاءات (البيان) في خاتمة 1990 لتبوئه و منشطه المكانة الاولى في برامج اذاعة صفاقس .. انا اؤكّد اني هنا اوثّق وليس افتخارا …
وفي نفس السياق تقريبا وعندما احدثت مؤسسة الاذاعة برنامج (فجر حتى مطلع الفجر) وهو الذي ينطلق يوميا من منتصف الليل حتى الخامسة صباحا، و يتداول عليه منشطون من الاذاعات الثلاث… طبعا بقسمة غير عادلة بينها يوم لاذاعة صفاقس ويوم لاذاعة المنستير وبقية الايام لمنشطي الاذاعة الوطنية (اي نعم العدل يمشي على كرعيه) لا علينا … سررت باختياري كمنشط ليوم صفاقس ..اولا لانّي ساقارع العديد من الزملاء دون خوف بل بكلّ ثقة ونرجسية وغرور… وثانيا للتاكيد مرة اخرى انّ المنشط هو من يصنع الفترة ..والحمد لله ربحت الرهان وبشهادة اقلام بعض الزملاء في الصحافة المكتوبة (لطفي العماري في جريدة الاعلان كان واحدا منهم لكنّ الشهادة الاهمّ هي التي جاءتني من الزميل الكبير سي الحبيب اللمسي رحمه الله الزميل الذي يعمل في غرفة الهاتف بمؤسسة الاذاعة والتلفزة) …
سي الحبيب كان يكلمني هاتفيا بعد كل حصة انشطها ليقول لي ما معناه (انا نعرفك مركّب افلام باهي وقت كنت تخدم في التلفزة اما ما عرفتك منشط باهي كان في فجر حتى مطلع الفجر .. اما راك اتعبتني بالتليفونات متاع المستمعين متاعك، اما مايسالش تعرفني نحبك توة زدت حبيتك ربي يعينك يا ولد) … في بداية التسعينات ايضا وبعد انهاء اشرافي على “اذاعة الشباب” باذاعة صفاقس وكما كان متفقا عليه، فكرت ايضا في اختيار بعض العناصر الشابة من اذاعة الشباب لاوليها مزيدا من العناية والتاطير حتى تاخذ المشعل يوما ما… اطلقت عليها اسم مجموعة شمس، واوليت عناصرها عناية خاصة والحمد لله انّ جلّهم نجحوا فيما بعد في هذا الاختصاص واصبحوا منشطين متميّزين… بل تالّق البعض منهم وطنيا ليتقلّد عديد المناصب الاعلامية الهامة… احد هؤلاء زميلي واخي الاصغر عماد قطاطة (رغم انه لا قرابة عائلية بيننا)…
عماد يوم بعث لي رسالة كمستمع لبرامجي تنسمت فيه من خلال صياغة الرسالة انه يمكن ان يكون منشطا …دعوته الى مكتبي فوجدته شعلة من النشاط والحيوية والروح المرحة ..كان انذاك في سنة الباكالوريا فعرضت عليه ان يقوم بتجربة بعض الريبورتاجات في برامجي .. قبل بفرح طفولي كبير لكن اشترطت عليه انو يولي الاولوية القصوى لدراسته … وعدني بذلك وسالته سؤالا يومها قائلا ماذا تريد ان تدرس بعد الباكالوريا، قال دون تفكير اريد ان ادرس بكلية الاداب مادة العربية وحلمي ان اصبح يوما استاذ عربية ..ضحكت ضحكة خبيثة وقلت له (تي هات انجح وبعد يعمل الله)… وواصلت تاطيره وتكوينه في العمل الاذاعي ونجح في الباكالوريا ويوم ان اختار دراسته العليا جاءني ليقول وبكلّ سعادة …لقد اخترت معهد الصحافة وعلوم الاخبار… اعدت نفس الضحكة الخبيثة وقلت له (حتّى تقللي يخخي؟) واجاب بحضور بديهته: (تقول انت شميتني جايها جايها ؟؟)… هنأته وقلت له انا على ذمتك متى دعتك الحاجة لي ..
وانطلق عماد في دراسته واعنته مع زملائي في الاذاعة الوطنية ليصبح منشطا فيها (طبعا ايمانا منّي بجدراته وكفاءته)… ثم استنجد هو بكلّ ما يملك من طاقات مهنية ليصبح واحدا من ابرز مقدمي شريط الانباء… ثم ليصل على مرتبة رئيس تحرير شريط الانباء بتونس 7 ..ويوما ما عندما فكّر البعض في اذاعة خاصة عُرضت على عماد رئاسة تحريرها وهو من اختار اسمها ..ولانّه لم ينس ماعاشه في مجموعة شمس التي اطرتها واشرفت عليها، لم ينس ان يسمّي هذه الاذاعة شمس اف ام … اي نعم .عماد قطاطة هو من كان وراء اسم شمس اف ام …
ثمة ناس وثمة ناس ..ثمة ناس ذهب وثمة ناس ماجاوش حتى نحاس ..ولانّي عبدالكريم ابن الكريم ..انا عاهدت نفسي ان اغفر للذهب والنحاس وحتى القصدير ..وارجو ايضا ان يغفر لي كل من اسأت اليه ..ولكن وربّ الوجود لم اقصد يوما الاساءة ..انه سوء تقدير فقط …
ـ يتبع ـ
عبد الكريم قطاطة:
المهمة الصحفية الثانية التي كلفتني بها جريدة الاعلان في نهاية الثمانينات تمثّلت في تغطية مشاركة النادي الصفاقسي في البطولة الافريقية للكرة الطائرة بالقاهرة …
وهنا لابدّ من الاشارة انها كانت المرّة الوحيدة التي حضرت فيها تظاهرة رياضية كان فيها السي اس اس طرفا خارج تونس .. نعم وُجّهت اليّ دعوات من الهيئات المديرة للسفر مع النادي وعلى حساب النادي ..لكن موقفي كان دائما الشكر والاعتذار ..واعتذاري لمثل تلك الدعوات سببه مبدئي جدا ..هاجسي انذاك تمثّل في خوفي من (اطعم الفم تستحي العين)… خفت على قلمي ومواقفي ان تدخل تحت خانة الصنصرة الذاتية… اذ عندما تكون ضيفا على احد قد تخجل من الكتابة حول اخطائه وعثراته… لهذا السبب وطيلة حياتي الاعلامية لم اكن ضيفا على ايّة هيئة في تنقلات النادي خارج تونس ..
في رحلتي للقاهرة لتغطية فعاليات مشاركة السي اس اس في تلك المسابقة الافريقية، لم يكن النادي في افضل حالاته… لكن ارتأت ادارة الاعلان ان تكلّفني بمهمّة التغطية حتى اكتب بعدها عن ملاحظاتي وانطباعاتي حول القاهرة في شكل مقالات صحفية… وكان ذلك… وهذه عينات مما شاهدته وسمعته وعشته في القاهرة. وهو ما ساوجزه في هذه الورقة…
اوّل ما استرعى انتباهي في القاهرة انّها مدينة لا تنام… وهي مدينة الضجيج الدائم… وما شدّ انتباهي ودهشتي منذ الساعة الاولى التي نزلت فيها لشوارعها ضجيج منبهات السيارات… نعم هواية سائقي السيارات وحتى الدراجات النارية والهوائية كانت بامتياز استخدام المنبهات… ثاني الملاحظات كانت نسبة التلوّث الكثيف… كنت والزملاء نخرج صباحا بملابس انيقة وتنتهي صلوحية اناقتها ونظافتها في اخر النهار…
اهتماماتي في القاهرة في تلك السفرة لم تكن موجّهة بالاساس لمشاركة السي اس اس في البطولة الافريقية للكرة الطائرة… كنا جميعا ندرك انّ مشاركته في تلك الدورة ستكون عادية… لذلك وجهت اشرعة اهتمامي للجانب الاجتماعي والجانب الفنّي دون نسيان زيارة معالم مصر الكبيرة… اذ كيف لي ان ازور القاهرة دون زيارة خان الخليلي والسيدة زينب وسيدنا الحسين والاهرام… اثناء وجودي بالقاهرة اغتنمت الفرصة لاحاور بعض الفنانين بقديمهم وجديدهم… وكان اوّل اتصال لي بالكبير موسيقار الاجيال محمد عبد الوهاب رحمه الله… هاتفته ورجوت منه امكانية تسجيل حوار معه فاجابني بصوته الخشن والناعم في ذات الوقت معتذرا بسبب حالته الصحية التي ليست على ما يرام…
لكن في مقابل ذلك التقيت بالكبير محمد الموجي بمنزله وقمت بتسجيل حوار معه ..كان الموجي رحمه الله غاية في التواضع والبساطة… لكن ما طُبع في ذهني نظرته العميقة وهو يستمع اليك مدخّنا سيجارته بنهم كبير… نظرة اكاد اصفها بالرهيبة… رهبة الرجل مسكونا بالفنّ كما جاء في اغنية رسالة من تحت الماء التي لحنها للعندليب… نظرة المفتون بالفن من راسه حتى قدميه…
في تلك الفترة من اواخر الثمانينات كانت هنالك مجموعة من الاصوات الشابة التي بدات تشق طريقها في عالم الغناء ..ولم اترك الفرصة تمرّ دون ان انزل ضيفا عليهم واسجّل لهم حوارات… هنا اذكر بانّ كلّ التسجيلات وقع بثها في برامجي باذاعة صفاقس… من ضمن تلك الاصوات الشابة كان لي لقاءات مع محمد فؤاد، حميد الشاعري وعلاء عبدالخالق… المفاجأة السارة كانت مع لطيفة العرفاوي… في البداية وقبل سفرة القاهرة لابدّ من التذكير بانّ لطيفة كانت احدى مستمعاتي… وعند ظهورها قمت بواجبي لتشجيعها وهي تؤدّي انذاك وباناقة اغنية صليحة (يا لايمي عالزين)…
عندما سمعت لطيفة بوجودي في القاهرة تنقلت لحيّ العجوزة حيث اقطن ودعتني مع بعض الزملاء للغداء ببيتها… وكان ذلك… ولم تكتف بذلك بل سالت عن احوالنا المادية ورجتنا ان نتصل بها متى احتجنا لدعم مادي… شكرا يا بنت بلادي على هذه الحركة…
اختم بالقول قل ما شئت عن القاهرة.. لكنها تبقى من اعظم واجمل عواصم الدنيا… القاهرة تختزل عبق تاريخ كلّ الشعوب التي مرّت على اديمها… نعم انها قاهرة المعزّ…
ـ يتبع ـ
استطلاع
صن نار
- جور نارقبل 4 ساعات
العراق: هل يستبق الأخطار المحدقة، أم سيكتفي بتحديد الإخلالات؟
- ثقافياقبل يوم واحد
قريبا وفي تجربة مسرحية جديدة: “الجولة الاخيرة”في دار الثقافة “بشير خريّف”
- جور نارقبل يوم واحد
ورقات يتيم … الورقة 89
- ثقافياقبل يوم واحد
زغوان… الأيام الثقافية الطلابية
- جلـ ... منارقبل يومين
الصوت المضيء
- جور نارقبل 3 أيام
ورقات يتيم ..الورقة 88
- ثقافياقبل 4 أيام
نحو آفاق جديدة للسينما التونسية
- صن نارقبل 4 أيام
الولايات المتحدة… إطلاق نار في “نيو أوليانز” وقتلى وإصابات
تعليق واحد