جور نار
“الإيبيجينيتيك” في خدمة النجاح المدرسي … أو كيف نَكسِر الحتميّات الجينيّة؟
نشرت
قبل سنتينفي
من قبل
منصف الخميري Moncef Khemiriعلم “ما فوق الجينات” أو “علم التخلّق” (الإيبيجينيتيك) هو حقل علمي ناشئ وهو اليوم بصدد احداث تغييرات جوهرية في عديد المجالات وخاصة في المجال الطبّي الوقائي والعلاجي.
وعلى فهمنا لنموّ الطفل ومنسوب ذكائه وحظوظ نجاحه في الوسط المدرسي. علم الجينات يدرُسُ آليّات نقل طِباعنا وخاصيّاتنا جيلا وراء جيل عبر سلسلة الحمض النووي ADN بينما تتكفّل المسارات ما فوق الجينيّة بوضع علامات على “نظام الاشتغال المركزي” وهو الـ ADN أو على أطرافه لتكون قادرة تماما على إحداث تغييرات في كمية “الوسائل الحيوية” التي تُنتجها الجينات.
عندما نقرأ أن بعض الدراسات العلمية الموثوقة تُقرّ بأن ثلثيْ النتائج المدرسية أو على الأقل الأعداد المتحصّل عليها (حوالي 62 % ) يمكن تفسيرها بواسطة “الإرث الجيني للتلاميذ” وأن هذه النتيجة مقترنة في نفس الوقت بما توصّل إليه من تأكيد حقيقة علمية أخرى وهي أن تأثير الذكاء على القدرات الدراسية لا يتجاوز 13 % في كل الحالات…فإن السؤال يظلّ مطروحا بحدّة : اذا لم تفز العوامل الوراثية بكامل حصّة التأثير في سلوك الأطفال خاصة وطِباعهم وأمزجتهم وأدائهم المدرسي الخ… تاركة الفرصة لعوامل أخرى لاحقة قادرة على تصويب ما أفسدته “التّركة الجينيّة” ، فما هي هذه الجينات المسؤولة عن “التعديل والتدارك والتصويب” وقهر الوراثي الذي لا نتحكّم فيه ؟ !
الباحث البريطاني كونراد وادينغتون هو أول من تحدّث عن هذا الحقل العلمي الجديد وأطلق عليه علم ما فوق الجينات سنة 1942 Epigenetics والذي اشتغل ضمنه على “دراسة الآليات التي بواسطتها يتم التفاعل بين الجينات والمحيط لخلق الخاصيات الفيزيولوجية والمورفولوجية للفرد”.
إذن يمكن القول بأنه ليس كل شيء محدّد مُسْبقًا في ضرب من القدريّة المُشلّة للحركة والداعية إلى القبول بالمكتوب “حمضيا في جيناتنا” ! وهذا في حدّ ذاته كسب تاريخي ثمين للبشرية حسب اعتقادي لأنه يؤسّس لهامش كبير من الحرية والمسؤولية في ذات الوقت تجاه صحّتنا وصحّة أبنائنا وتجاه أدائنا بصورة عامة وأداء أبنائنا في كل المجالات الحياتية.
أفضل تعريف مُقنع وطريف لعلم ما فوق الجينات عثرت عليه لدى الباحث الفرنسي من أصل موريسي جويل دي روناي Joël de Rosnay من خلال سلسلة طويلة من المحاضرات والمداخلات التلفزية حول الموضوع. يقول :
“الابيجينيتيك تعني ما فوق علم الوراثة الكلاسيكي أي ما فوق سلسلة الحمض النووي ADN التي تُشكّل كل برنامج حياتنا، وهي التي تحدد كل ما نفعل، بينما الابيجينيتيك هي إمكانية أن نُعدّل طريقة اشتغال جيناتنا وتصرفها عبر سلوكياتنا نحن البشر. بمعنى أن الجينات هي عبارة عن أدراج مُقفلة بإحكام بواسطة مفاتيح ومُرصّفة فوق بعضها البعض وتحتوي على الرموز الجينية وكل البرامج التي تتحكم بحياتنا. ولكن من خلال سلوكاتنا وتحرّكنا في المحيط نستطيع أن نزرع أو نحقن داخل أجسادنا جُزيئات molécules des ستتصرف وكأنها مفاتيح لمعالجة هذه الأدراج والولوج إليها (أو تركها موصَدة) والتي تحتوي على وصفات لتجهيز الأطعمة (كأنها مطبخ، إذا أنت لم تتمكّن من فتح الدّرج الذي يحتوي على وصفة طهي البيتزا على سبيل المثال فلن تتعلّم أبدا إعداد طبق البيتزا ) لصنع أنزيمات أو بروتينات تتحكم باشتغال كل حياتنا. وبالتالي فإن الإيبيجينيتيك هي نوع من تحميل المسؤولية للفرد ذاته أمام ما يحدث له بدنيّا وحيال المحيط أو المجتمع الذي يعيش داخله”.
اللافت في هذا الخطاب الجديد نسبيا هو تعبير “نحن نستطيع” ولسنا محكومين بحتميات جينيّة قاهرة. فمن خلال سلوكنا يمكن تغيير طريقة اشتغال خلايانا وتصرّفات جيناتنا اعتمادا – حسب دي روناي- على خمس عناصر كبرى هي :
التغذية والحركة البدنية المعتدلة والقدرة على التصرف في الضغوط ومتعة ممارسة ما نفعله والعلاقة مع المحيط الاجتماعي والعائلي والمهني المتناغم مع هذه العناصر كلها… وعلى هذا النحو نحن نقوم يوميا بحقن جُزيئات تفتح الأدراج المغلقة وتُنشّطها (أو تثبّطها وتتركها في سُباتها في حالات الضغط العالي أو الخوف الماحق أو الظروف القصوى بصورة عامة).
ومن أجل تقريب الصورة إلى أذهان الناس، يعطي هذا الباحث مثال السمارتفون الذي نقتنيه بنظام استغلال OS مُدرج فيه عند الصّنع (وهو بمثابة الــ ADN) ولكن بعد شرائه نجد أنفسنا مطالبين ــ كل حسب حاجياته وميولاته وانتظاراته من السمارتفون- بتنزيل تطبيقات رديفة تحوم في فلك نظام الاستغلال الأصلي وتطوّعه لنظام اشتغالها الخاص… هكذا تتعامل الجينات مع الـــ ADN).
يقول طبيب الأعصاب ليونيل نقّاش في هذا السياق تحديدا “ما هو طريف حقا هو أن علم الوراثة كنا نتخيّله إكراها حتميّا لا نقدر على شيء تجاهه، ولكن مع نتائج العلوم الحديثة اكتشفنا أن الجينيتيك هي نفسها تحت رقابة إكراه موضوعي آخر وهو الايبيجينيتيك، إذن نحن أمام وصفات جديدة للحرية (اكراهان يتصارعان يعطيان بالضرورة هامشا من الحرية للبشر وشيئا إيجابيا مَا كما في الرياضيات سالب مع سالب يعطيان موجب)”.
أما في ما يخصّ المدرسة وتعليم الأطفال، فهناك في علاقة بكل هذا فكرة خاطئة تماما تَعتبر أن القدرة أو الاستطاعة البشرية الكامنة هي عبارة عن قوّة تتحدّد طبيعتها ودرجتها جينيّا بشكل مسبق منذ الولادة أو قبلها : أي أن هنالك أطفال يولدون بمقدّرات عالية وآخرون بمقدّرات أقل أو دون مقدّرات أصلا.
علم ما فوق الجينات يُفنّد هذه الفكرة أو يُنسّبها على الأقل ويؤكّد ـ في غير تطاول وقح على ما يحدّده رأس المال الوراثي في جزء كبير من شخصية البشر ومزاجه وذكائه الخ- أنه باستطاعتنا نحت حياتنا كما نريد إذا أردنا، وأننا مثلما “تقدر الشعوب إذا أرادت الحياة أن تجعل القدر يستجيب لإرادتها”، فإنه بإمكاننا تحييد العراقيل والتغلب على ما كنّا موعودون به لو تركنا البرنامج المركزي للــ ADN مُستبدّا بنا ومُحتكرا لسلطة التحكم في تصرّفاتنا وصيغ إقامتنا في المجتمع وفي المحيط.
يقول الباحثون في هذا المجال إنه “يكفي أن تتجه السياسات العمومية نحو خلق مناخات مؤمّنة للتعلّم تُتيح بدورها علاقات مبنيّة على الثقة والدعم المتبادل بين التلاميذ والمربين… حتى نُرفّع من منسوب الأوسيتوسين. ومن زاوية بيولوجية عصبية صرفة، فإن هذا المُعطى لوحده باستطاعته التصدي للأضرار التي يتسبب بها الكورتيزول عندما يرتفع مستواه تحت ضغط الواجبات المدرسية الخانقة على سبيل المثال أو تدنّي الأعداد المتحصّل عليها .. وبالتالي احداث تغيير إيجابي في كيمياء الدماغ لدى التلاميذ وتُتاح أمامهم الفرصة للنمو دراسيا ومشاعريا وعلائقيا. إذ لا يكفي أن نكون طيبين مع الأطفال، لا بد من بناء علاقات معهم تكون ذات دلالة في محيط تعليمي أو تربوي مستقرّ وآمن ومتخفّف من كل أصناف الضغط “.
فما هي الاستنتاجات الكبيرة والحاسمة ؟
في مجال التّوريث : اتضح أخيرا وبشكل علمي باتّ أن الإنسان لا يُورّث جيناته فقط بل يُورّث كذلك ما هو مُكتسب لديه سلبا وإيجابا (أي الإدمان على سبيل المثال وتعاطي الرياضة ومعاقرة الفنون والثقافة والطموح الدائم نحو الارتقاء والتطور).
في مجال المدرسة : أعتقد أننا على مشارف انتهاء خرافة الذكاء الموروث (الذي لا يؤثر إلا بنسبة ضئيلة جدا كما أسلفنا على القدرات الدراسية للتلاميذ) وحلول منطق التعويل شبه الكلّي على دور التلاميذ أنفسهم والكهول والمربّين والمدرسة عموما.
في مجال الطب : يبدو أن الإيبيجينيتيك ستؤثر بشكل دالّ في مستقبل البيولوجيا والوقاية الطبية والتأثير في عمل الجينات داخل الجسم بصورة عامة، لأن خاصية هذا العلم الجديد هو كونه “يدرُسُ ما يجهله الجينيتيك إلى حدّ الآن”.
تصفح أيضا
محمد الزمزاري:
ستنطلق الحكومة العراقية في تعداد السكان خلال هذه الأيام والذي سيأخذ مدى زمنيا طويلا وربما. تعطيلات ميدانية على مستوى الخارطة. العراقية.
ويعد هذا التعداد السكاني مهمّا ومتأخرا كثيرا عن الموعد الدوري لمثل هذه الإحصائيات بالنسبة لكل بلد… فالعراق لم يقم بتحيين عدد سكانه منذ ما يزيد عن ربع قرن، إذ عرف آخر تعداد له سنة 1997… ونظرا إلى عوامل عدة، فإن قرار القيام بهذا التعداد سيتجنب اي تلميح للانتماءات العرقية أو المذهبية عدا السؤال عن الديانة ان كانت إسلامية او مسيحية… وقد أكد رئيس الحكومة العراقية أن التعداد السكاني يهدف إلى تحديد أوضاع مواطني العراق قصد رصد الاخلالات و تحسين الخدمات وايضا لدعم العدالة الاجتماعية.
لعل اول مشكلة حادة تقف في وجه هذا التعداد العام، هو رفض الجانب الكردي الذي يضمر أهدافا و يسعى إلى التعتيم على أوضاع السكان في كردستان و في المنطقة المتنازع عليها بين العرب والأكراد و التركمان… خاصة أيضا ان اكثر من ثمانية أحياء عربية في أربيل المتنازع عليها، قد تم اخلاؤها من ساكنيها العرب وإحلال الأكراد مكانهم…
هذا من ناحية… لكن الأخطر من هذا والذي تعرفه الحكومة العراقية دون شك أن الإقليم الكردي منذ نشاته و”استقلاله” الذاتي يرتبط بتعاون وثيق مع الكيان الصهيوني الذي سعى دوما إلى تركيز موطئ قدم راسخ في الإقليم في إطار خططه الاستراتيجية.. وان مسؤولي الإقليم الكردي يسمحون للصهاينة باقتناء عديد الأراضي و المزارع على شاكلة المستعمرات بفلسطين المحتلة… وان قواعد الموساد المركزة بالاقليم منذ عشرات السنين ليست لاستنشاق نسيم نهر الفرات ! ..
أمام الحكومة العراقية إذن عدد من العراقيل والاولويات الوطنية والاستشرافية لحماية العراق. و قد تسلط عملية التعداد السكاني مثلما إشار إليه رئيس الحكومة العراقية الضوء على النقائص التي تتطلب الإصلاح و التعديل والحد من توسعها قبل أن يندم العراق ويلعنوا زمن الارتخاء وترك الحبل على الغارب ليرتع الصهاينة في جزء هام من بلاد الرافدين.
عبد الكريم قطاطة:
فترة التسعينات كانت حبلى بالاحداث والتغييرات في مسيرتي المهنية منها المنتظر والمبرمج له ومنها غير المنتظر بتاتا …
وانا قلت ومازلت مؤمنا بما قلته… انا راض بأقداري… بحلوها وبمرّها… ولو عادت عجلة الزمن لفعلت كلّ ما فعلته بما في ذلك حماقاتي واخطائي… لانني تعلمت في القليل الذي تعلمته، انّ الانسان من جهة هو ابن بيئته والبيئة ومهما بلغت درجة وعينا تؤثّر على سلوكياتنا… ومن جهة اخرى وحده الذي لا يعمل لا يخطئ… للتذكير… اعيد القول انّه وبعد ما فعله سحر المصدح فيّ واخذني من دنيا العمل التلفزي وهو مجال تكويني الاكاديمي، لم انس يوما انّني لابدّ ان اعود يوما ما الى اختصاصي الاصلي وهو العمل في التلفزيون سواء كمخرج او كمنتج او كلاهما معا… وحددت لذلك انقضاء عشر سنوات اولى مع المصدح ثمّ الانكباب على دنيا التلفزيون بعدها ولمدّة عشر سنوات، ثمّ اختتام ما تبقّى من عمري في ارقى احلامي وهو الاخراج السينمائي…
وعند بلوغ السنة العاشرة من حياتي كمنشط اذاعي حلّت سنة 1990 لتدفعني للولوج عمليا في عشريّة العمل التلفزي… ولانني احد ضحايا سحر المصدح لم استطع القطع مع هذا الكائن الغريب والجميل الذي سكنني بكلّ هوس… الم اقل آلاف المرات انّ للعشق جنونه الجميل ؟؟ ارتايت وقتها ان اترك حبل الوصل مع المصدح قائما ولكن بشكل مختلف تماما عما كنت عليه ..ارتايت ان يكون وجودي امام المصدح بمعدّل مرّة في الاسبوع ..بل وذهبت بنرجسيتي المعهودة الى اختيار توقيت لم اعتد عليه بتاتا ..نعم اخترت الفضاء في سهرة اسبوعية تحمل عنوان (اصدقاء الليل) من التاسعة ليلا الى منتصف الليل …هل فهمتم لماذا وصفت ذلك الاختيار بالنرجسي ؟؟ ها انا افسّر ..
قبل سنة تسعين عملت في فترتين: البداية كانت فترة الظهيرة من العاشرة صباحا حتى منتصف النهار (والتي كانت وفي الاذاعات الثلاث قبل مجيئي فترة خاصة ببرامج الاهداءات الغنائية)… عندما اقتحمت تلك الفترة كنت مدركا انيّ مقدم على حقل ترابه خصب ولكنّ محصوله بائس ومتخلّف ..لذلك اقدمت على الزرع فيه … وكان الحصاد غير متوقع تماما ..وتبعتني الاذاعة الوطنية واذاعة المنستير وقامت بتغييرات جذرية هي ايضا في برامجها في فترة الضحى .. بل واصبح التنافس عليها شديدا بين المنشطين ..كيف لا وقد اصبحت فترة الضحى فترة ذروة في الاستماع … بعد تلك الفترة عملت ايضا لمدة في فترة المساء ضمن برنامج مساء السبت … ولم يفقد انتاجي توهجه ..وعادت نفس اغنية البعض والتي قالوا فيها (طبيعي برنامجو ينجح تي حتى هو واخذ اعزّ فترة متاع بثّ) …
لذلك وعندما فكّرت في توجيه اهتمامي لدنيا التلفزيون فكرت في اختيار فترة السهرة لضرب عصفورين بحجر واحد… الاول الاهتمام بما ساحاول انتاجه تلفزيا كامل ايام الاسبوع وان اخصص يوما واحدا لسحر المصدح ..ومن جهة اخرى وبشيء مرة اخرى من النرجسية والتحدّي، اردت ان اثبت للمناوئين انّ المنشّط هو من يقدر على خلق الفترة وليست الفترة هي القادرة على خلق المنشط ..وانطلقت في تجربتي مع هذا البرنامج الاسبوعي الليلي وجاءت استفتاءات (البيان) في خاتمة 1990 لتبوئه و منشطه المكانة الاولى في برامج اذاعة صفاقس .. انا اؤكّد اني هنا اوثّق وليس افتخارا …
وفي نفس السياق تقريبا وعندما احدثت مؤسسة الاذاعة برنامج (فجر حتى مطلع الفجر) وهو الذي ينطلق يوميا من منتصف الليل حتى الخامسة صباحا، و يتداول عليه منشطون من الاذاعات الثلاث… طبعا بقسمة غير عادلة بينها يوم لاذاعة صفاقس ويوم لاذاعة المنستير وبقية الايام لمنشطي الاذاعة الوطنية (اي نعم العدل يمشي على كرعيه) لا علينا … سررت باختياري كمنشط ليوم صفاقس ..اولا لانّي ساقارع العديد من الزملاء دون خوف بل بكلّ ثقة ونرجسية وغرور… وثانيا للتاكيد مرة اخرى انّ المنشط هو من يصنع الفترة ..والحمد لله ربحت الرهان وبشهادة اقلام بعض الزملاء في الصحافة المكتوبة (لطفي العماري في جريدة الاعلان كان واحدا منهم لكنّ الشهادة الاهمّ هي التي جاءتني من الزميل الكبير سي الحبيب اللمسي رحمه الله الزميل الذي يعمل في غرفة الهاتف بمؤسسة الاذاعة والتلفزة) …
سي الحبيب كان يكلمني هاتفيا بعد كل حصة انشطها ليقول لي ما معناه (انا نعرفك مركّب افلام باهي وقت كنت تخدم في التلفزة اما ما عرفتك منشط باهي كان في فجر حتى مطلع الفجر .. اما راك اتعبتني بالتليفونات متاع المستمعين متاعك، اما مايسالش تعرفني نحبك توة زدت حبيتك ربي يعينك يا ولد) … في بداية التسعينات ايضا وبعد انهاء اشرافي على “اذاعة الشباب” باذاعة صفاقس وكما كان متفقا عليه، فكرت ايضا في اختيار بعض العناصر الشابة من اذاعة الشباب لاوليها مزيدا من العناية والتاطير حتى تاخذ المشعل يوما ما… اطلقت عليها اسم مجموعة شمس، واوليت عناصرها عناية خاصة والحمد لله انّ جلّهم نجحوا فيما بعد في هذا الاختصاص واصبحوا منشطين متميّزين… بل تالّق البعض منهم وطنيا ليتقلّد عديد المناصب الاعلامية الهامة… احد هؤلاء زميلي واخي الاصغر عماد قطاطة (رغم انه لا قرابة عائلية بيننا)…
عماد يوم بعث لي رسالة كمستمع لبرامجي تنسمت فيه من خلال صياغة الرسالة انه يمكن ان يكون منشطا …دعوته الى مكتبي فوجدته شعلة من النشاط والحيوية والروح المرحة ..كان انذاك في سنة الباكالوريا فعرضت عليه ان يقوم بتجربة بعض الريبورتاجات في برامجي .. قبل بفرح طفولي كبير لكن اشترطت عليه انو يولي الاولوية القصوى لدراسته … وعدني بذلك وسالته سؤالا يومها قائلا ماذا تريد ان تدرس بعد الباكالوريا، قال دون تفكير اريد ان ادرس بكلية الاداب مادة العربية وحلمي ان اصبح يوما استاذ عربية ..ضحكت ضحكة خبيثة وقلت له (تي هات انجح وبعد يعمل الله)… وواصلت تاطيره وتكوينه في العمل الاذاعي ونجح في الباكالوريا ويوم ان اختار دراسته العليا جاءني ليقول وبكلّ سعادة …لقد اخترت معهد الصحافة وعلوم الاخبار… اعدت نفس الضحكة الخبيثة وقلت له (حتّى تقللي يخخي؟) واجاب بحضور بديهته: (تقول انت شميتني جايها جايها ؟؟)… هنأته وقلت له انا على ذمتك متى دعتك الحاجة لي ..
وانطلق عماد في دراسته واعنته مع زملائي في الاذاعة الوطنية ليصبح منشطا فيها (طبعا ايمانا منّي بجدراته وكفاءته)… ثم استنجد هو بكلّ ما يملك من طاقات مهنية ليصبح واحدا من ابرز مقدمي شريط الانباء… ثم ليصل على مرتبة رئيس تحرير شريط الانباء بتونس 7 ..ويوما ما عندما فكّر البعض في اذاعة خاصة عُرضت على عماد رئاسة تحريرها وهو من اختار اسمها ..ولانّه لم ينس ماعاشه في مجموعة شمس التي اطرتها واشرفت عليها، لم ينس ان يسمّي هذه الاذاعة شمس اف ام … اي نعم .عماد قطاطة هو من كان وراء اسم شمس اف ام …
ثمة ناس وثمة ناس ..ثمة ناس ذهب وثمة ناس ماجاوش حتى نحاس ..ولانّي عبدالكريم ابن الكريم ..انا عاهدت نفسي ان اغفر للذهب والنحاس وحتى القصدير ..وارجو ايضا ان يغفر لي كل من اسأت اليه ..ولكن وربّ الوجود لم اقصد يوما الاساءة ..انه سوء تقدير فقط …
ـ يتبع ـ
عبد الكريم قطاطة:
المهمة الصحفية الثانية التي كلفتني بها جريدة الاعلان في نهاية الثمانينات تمثّلت في تغطية مشاركة النادي الصفاقسي في البطولة الافريقية للكرة الطائرة بالقاهرة …
وهنا لابدّ من الاشارة انها كانت المرّة الوحيدة التي حضرت فيها تظاهرة رياضية كان فيها السي اس اس طرفا خارج تونس .. نعم وُجّهت اليّ دعوات من الهيئات المديرة للسفر مع النادي وعلى حساب النادي ..لكن موقفي كان دائما الشكر والاعتذار ..واعتذاري لمثل تلك الدعوات سببه مبدئي جدا ..هاجسي انذاك تمثّل في خوفي من (اطعم الفم تستحي العين)… خفت على قلمي ومواقفي ان تدخل تحت خانة الصنصرة الذاتية… اذ عندما تكون ضيفا على احد قد تخجل من الكتابة حول اخطائه وعثراته… لهذا السبب وطيلة حياتي الاعلامية لم اكن ضيفا على ايّة هيئة في تنقلات النادي خارج تونس ..
في رحلتي للقاهرة لتغطية فعاليات مشاركة السي اس اس في تلك المسابقة الافريقية، لم يكن النادي في افضل حالاته… لكن ارتأت ادارة الاعلان ان تكلّفني بمهمّة التغطية حتى اكتب بعدها عن ملاحظاتي وانطباعاتي حول القاهرة في شكل مقالات صحفية… وكان ذلك… وهذه عينات مما شاهدته وسمعته وعشته في القاهرة. وهو ما ساوجزه في هذه الورقة…
اوّل ما استرعى انتباهي في القاهرة انّها مدينة لا تنام… وهي مدينة الضجيج الدائم… وما شدّ انتباهي ودهشتي منذ الساعة الاولى التي نزلت فيها لشوارعها ضجيج منبهات السيارات… نعم هواية سائقي السيارات وحتى الدراجات النارية والهوائية كانت بامتياز استخدام المنبهات… ثاني الملاحظات كانت نسبة التلوّث الكثيف… كنت والزملاء نخرج صباحا بملابس انيقة وتنتهي صلوحية اناقتها ونظافتها في اخر النهار…
اهتماماتي في القاهرة في تلك السفرة لم تكن موجّهة بالاساس لمشاركة السي اس اس في البطولة الافريقية للكرة الطائرة… كنا جميعا ندرك انّ مشاركته في تلك الدورة ستكون عادية… لذلك وجهت اشرعة اهتمامي للجانب الاجتماعي والجانب الفنّي دون نسيان زيارة معالم مصر الكبيرة… اذ كيف لي ان ازور القاهرة دون زيارة خان الخليلي والسيدة زينب وسيدنا الحسين والاهرام… اثناء وجودي بالقاهرة اغتنمت الفرصة لاحاور بعض الفنانين بقديمهم وجديدهم… وكان اوّل اتصال لي بالكبير موسيقار الاجيال محمد عبد الوهاب رحمه الله… هاتفته ورجوت منه امكانية تسجيل حوار معه فاجابني بصوته الخشن والناعم في ذات الوقت معتذرا بسبب حالته الصحية التي ليست على ما يرام…
لكن في مقابل ذلك التقيت بالكبير محمد الموجي بمنزله وقمت بتسجيل حوار معه ..كان الموجي رحمه الله غاية في التواضع والبساطة… لكن ما طُبع في ذهني نظرته العميقة وهو يستمع اليك مدخّنا سيجارته بنهم كبير… نظرة اكاد اصفها بالرهيبة… رهبة الرجل مسكونا بالفنّ كما جاء في اغنية رسالة من تحت الماء التي لحنها للعندليب… نظرة المفتون بالفن من راسه حتى قدميه…
في تلك الفترة من اواخر الثمانينات كانت هنالك مجموعة من الاصوات الشابة التي بدات تشق طريقها في عالم الغناء ..ولم اترك الفرصة تمرّ دون ان انزل ضيفا عليهم واسجّل لهم حوارات… هنا اذكر بانّ كلّ التسجيلات وقع بثها في برامجي باذاعة صفاقس… من ضمن تلك الاصوات الشابة كان لي لقاءات مع محمد فؤاد، حميد الشاعري وعلاء عبدالخالق… المفاجأة السارة كانت مع لطيفة العرفاوي… في البداية وقبل سفرة القاهرة لابدّ من التذكير بانّ لطيفة كانت احدى مستمعاتي… وعند ظهورها قمت بواجبي لتشجيعها وهي تؤدّي انذاك وباناقة اغنية صليحة (يا لايمي عالزين)…
عندما سمعت لطيفة بوجودي في القاهرة تنقلت لحيّ العجوزة حيث اقطن ودعتني مع بعض الزملاء للغداء ببيتها… وكان ذلك… ولم تكتف بذلك بل سالت عن احوالنا المادية ورجتنا ان نتصل بها متى احتجنا لدعم مادي… شكرا يا بنت بلادي على هذه الحركة…
اختم بالقول قل ما شئت عن القاهرة.. لكنها تبقى من اعظم واجمل عواصم الدنيا… القاهرة تختزل عبق تاريخ كلّ الشعوب التي مرّت على اديمها… نعم انها قاهرة المعزّ…
ـ يتبع ـ
حدث في رزق البيليك… المرجان الأحمر ينزف دما
سليانة: غدا… أدب الطفل في ملتقى عبد القادر الهاني
اختتام الدورة الثامنة لمنتدى المؤسسات Enicarthage
تونس: مؤتمر وطني حول ريادة الأعمال النسائية
بعد 61 عاما… هل يكشف ترامب عن معطيات جديدة حول مقتل “جون كينيدي”؟
استطلاع
صن نار
- منبـ ... نارقبل يوم واحد
حدث في رزق البيليك… المرجان الأحمر ينزف دما
- ثقافياقبل يوم واحد
سليانة: غدا… أدب الطفل في ملتقى عبد القادر الهاني
- اقتصادياقبل يوم واحد
اختتام الدورة الثامنة لمنتدى المؤسسات Enicarthage
- اقتصادياقبل يوم واحد
تونس: مؤتمر وطني حول ريادة الأعمال النسائية
- صن نارقبل يومين
بعد 61 عاما… هل يكشف ترامب عن معطيات جديدة حول مقتل “جون كينيدي”؟
- داخلياقبل يومين
النفيضة: وقفة احتجاجية لأهالي “دار بالواعر”… على خلفية سقوط تلميذ من حافلة
- صن نارقبل يومين
حرب أوكرانيا… رسالة روسية في شكل صاروخ قادر على الدمار الشامل
- صن نارقبل يومين
لندن.. “طرد مشبوه” يتم تفجيره قرب السفارة الأمريكية
تعليق واحد