جور نار
مرحبًا بك ياسمينة خَضْرا … بين أهلك وقُرّائك في تونس
نشرت
قبل سنتينفي
من قبل
منصف الخميري Moncef Khemiriيحلّ بيننا هذه الأيام الكاتب الجزائري ياسمينة خضرا في إطار جولة ثقافية وأدبية تقودُة من العاصمة إلى سوسة وبعد ذلك إلى جربة قبل الهُبوط بساحة كليّة الآداب بمنوبة غدا الثلاثاء.
اختار الرّوائي الجزائري محمّد مولسّهول ابن ولاية بشّار اعتماد اسم قلم جديدا “ياسمينة خضرا” (مستلّ من اسم زوجته الذي كان يوقّع به كتاباته في الفترة الأولى) للإفلات من قبضة الرقابة العسكرية لأن والده (الممرض والمقاوم القديم) وضعه بالقوة، وكان عمره آنذاك لا يتجاوز التسع سنوات، في المدرسة الحربية لطلاّب الثورة بتلمسان المختصة باستقبال أيتام الحرب الفرنسية الجزائرية. يقول ياسمينة خضرا بهذا الخصوص: “توقّفت عن أن أكون طفلا في اللحظة التي تخطّيت فيها أبواب هذه الثكنة… وفي أعين العسكريّين لم أكن محمد مولسّهول بل كنت مجرد رقم تسجيل 561”.
قاد بصفته ضابطا في الجيش الجزائري الذي عمل ضمنه لمدة 25 عاما، عديد العمليات العسكرية ضد الجماعات الاسلامية المسلّحة في الجزائر خلال العشرية السوداء (1990- 2000) وأفلت عديد المرات من كمائن نصبها له الإرهابيون.
في المدرسة الحربية لطلاب الثورة بتلمسان، كان الجندي الصغير يحلم بأن يصبح شاعرا في اللغة العربية وبها، ولم يكن أبدا ميّالا إلى الكتابة باللغة الفرنسية التي كانت أعداده فيها سيّئة. لكن يعتبر خضرا أن اللحظة المُوقدة لنباهته الروائية في اللغة الفرنسية حلّت عندما التقى بأستاذه الذي حفّزه ودفعه للكتابة بهذه اللغة.
تُرجمت كتبه إلى حوالي 40 لغة ونُقل العديد منها إلى السينما (مثل “سُنونوّات كابول” و “الصدمة” و “ما يدين به النهار للّيل”…)
لماذا قرّرت الاحتفاء على طريقتي بهذا الكاتب المتفرّد ؟
أعتقد أنه من حقّ الكتّاب المتميزين علينا أن نُسهم في التعريف بهم ونشر أثرهم خاصة في صفوف الأطفال واليافعين، لجعلهم يُدمنون تدريجيا منذ طراوة أنسجتهم الدماغيّة عبق النصوص المُذهلة وشذى المعاني الفاتنة، وذلك لكوني من المؤمنين بأن الكتب الأولى التي نقترحها على الطفل هي بمثابة الطُّعم الذي لا بدّ أن يكون آسرا وأخّاذا حتى يستمر في القراءة بحثا عمّا هو أكثر متعة وإقدارا على التحليق، ومن ناحية أخرى فإن جيلا تونسيا كاملا كبُر مع أدب ياسمينة خضرا المُستساغ لغةً والعميق في معانيه والمتأصّل في البيئة التي يُعمل معاويله فيها… وبالتالي فهو جدير بهذا الاحتفاء ترحيبا به في بلادنا وتثمينا لأدب نوعيّ مُقاوم كم عربُنا بحاجة إلى صعقاته اليوم.
أعتبر أن مسيرة هذا الرجل غير اعتياديّة بالمرة، إذ كيف لطفل غضّ في التاسعة من عمره أن يلتحق بمؤسسة عسكرية بقوانينها وجوْرها وعُتوّها ثمّ يصمد ويتأقلم ولا ينهار… وأن يستمرّ باصرار واستبسال نادريْن حتى التخرّج من شرشال في تيبازة برتبة ملازم… وخاصة أن يكتب ويتمرّن على الكتابة في أجواء كهذه (من بين كل كتبه، هناك مؤلّف “الكاتب” الذي يمكن اعتباره مؤثث بعديد العناصر من السيرة الذاتية التي تأتي على هذه الفترة من حياته)… لذلك أيضا وجب الاحتفاء.
بعضٌ من ياسمينة خضرا …
وفي سياق هذا الترحيب، ترجمتُ لكم بعضًا بسيطا ممّا كتبه هذا العسكري الذي وظّف بشكل ماهر جدا سجلّ الإمداد والإنزال والذخيرة والشيفرة السرية والاستطلاع والإبهار… في كتابة مؤلفات مدنية وإنسانية تنضح حرية وتحررا ومقاومة للانغلاق والتخلّف :
- سأله أحد قرّائه ومتابعيه يوما على صفحته الخاصة :
المُتابع : السيد ياسمينة، أنا قارئ شغوف بكتبك، وكم وددت دائما أن أطرح عليك السؤال التالي: أنت تكتب ثلاث روايات في السنة، ما يدفعني للتساؤل كيف تتوصّل الى تخيّل كل هذه الروايات وكتابة كل هذه النصوص الجميلة، بينما يعجز كثير من الناس عن كتابة جملة واحدة ؟ هل هناك ملاكٌ يأتيك ليلا أو عند الفجر ليُنزل عليك هذه النصوص كما يحصل مع الأنبياء ؟ أم أن ذلك هِبة من الله … أو أنك تقول في نفسك ذلك نابع من كوني ذكيّ وهو ثمرة من ثمار نباهتي وليس هناك أي شخص وراء كل ذلك ؟ شكرا
ردّ ياسمينة خضرا : (لاحظوا تواضع الرجل وحدّة ردوده دون صلف وتكليف نفسه عناء الرد على أغلب من يعلّقون على صفحته الذين يُعدّون بالآلاف )
لِنقُل أنني أفضّل العيش مع شخصياتي بدلا من الأشخاص غير الجديرين دائما بالعطف وخاصة بالثقة الذي نُعبّر عنها تُجاههم. أنا أكتب لأن ذلك عشقي وولعي، وهو قُوّتي وألقي. أكتب لأن الخيال يثأر لي من بؤس الواقع وكآبته. أكتب لأنه يوجد عبر العالم أناس يتابعونني ويشُدّون أزري. من ناحية أخرى لا علاقة للحجم أو للوقت الذي نُقضّيه في الكتابة بعظمة أو جدية أثر أدبي مَا. قضّيتُ أربع سنوات في كتابة “نصيب المتوفّي” دون نجاح كبير. ولكن شهران فقط كانا كافيان لكتابة “الصّدمة” (الصّدمة هي ترجمة نهلة بيضون من لبنان لرواية l’attentat ) وهو الكتاب الذي مكّنني من الوصول الى ملايين القُرّاء اليوم.
ليس ثمة وصفة قاطعة ومقنعة. هناك 80 بالمائة من الموهبة و20 بالمائة من الحظ. أما بخصوص سؤال هل هناك ملاك يُمليني ما أكتب؟ يتعيّن عليك أن تسأله هو إن كان قد كتب روايات في السابق. ربّما الله، لأن كل ما نملكه هو مصدر له. أما عن إمكانية وجود شخص ما خلف هذه المعجزة، فلا أرى من هو جدير بذلك أكثر منّي أنا بالذّات. لأنني أنا من يتكبّد أرق الليالي ومَوْجات الصُّداع جرّاء التفكير وذُعر الأيام اللاحقة.
- رسالة ياسمينة خضرا إلى أمّه في أفريل 2020 (النص الكامل على موقع فرانس أنتير، زاوية الثقافة)
عزيزتي أمّي الحبيبة،
أحاول منذ أيام، بحكم الحجر المفروض عليّ بسبب فيروس الكورونا، إنهاء الرواية الوحيدة التي كم تمنّيت أن تقرئيها، أنت التي لم يتيسّر لك أبدا لا القراءة و لا الكتابة، هي رواية تشبهُك ولا ترويك، لكنّها تحمل في طياتها القدر الذي كان قدرك. أدرك كم كنت تتشبّثين بمنطقة “الحْمادة” حيث كنتِ تتعقّبين اليرابيع وتتنمّرين على شجيرات السّدر من أجل بعض غلال العنّاب البائسة.
حاولتُ طيّ هذا الكتاب استدعاء الأماكن التي لها رمزية خاصة بالنسبة إليك، الكثبان الرملية هلالية الشكل وأثر أبطال حكاياتك. فأنت التي وهبتِني الشجاعة كي أواجه في النهاية هذه الملحمة التي تطاردني منذ سنوات.
قولي لي كيف هي أحوالك الآن هناك ؟ لا تودّين الرد عليّ ؟ بالتأكيد، لأنك تُفضّلين أن تبتسمي إزاء هذه الكتابة على حاسوبي التي لا تعرفين معاني لرموزها.
أعرف كم تحبّين الحكايات. كنتِ كل ليلة تسرُدين عليّ قصصا وحكايا، بينما كنت أنا أغالب نُعاسي رغبة في إطالة أمد التلذّذ بعذوبة صوتك. وكم كنت أتمنّى أن لا يتوقّف هديل صوتك أبدا عن مداعبة أنسجة روحي. كان يبدو لي أننا نشكل أنا وأنت العالم بأسره… أنت التي علّمتني كيف نصنع من الكلام سحرا ومن الكلمة ساحرا وكيف نُحوّل الجملة الى معزوفة وكيف يستحيل مجرد فصل من حكاية إلى ملحمة.
من أجلك أيضا أنا أكتب. من أجل أن يظل صوتك يسكن أحشائي. أنت التي تتصنّعين السّكينة عندما تصعدين فوق كثبان الرّمل وتمدّين يداك نحو الصحراء من أجل قطف كل أنواع السراب، أنت التي لا تُميّزين بين حصان يركض بعيدا في الخلاء وبين وحي ربّاني.
ستسعدين بوجودك في كتابي هذا وستُحوّلين علامات التعجّب فيه الى علامات خاصة بك.
عندما يحدث أن أعود إلى وهران، غالبا ما أجلس في مكاننا المعتاد واستدعي أحاديثنا وحواراتنا التي تسترسل حتى تنامي كطفلة. كان زمنا جميلا بالرغم من أنه لم يمرّ عليه سوى سنتين : سنتين لا تنتهيان كأنهما الأبد. كنّا نحتسي بعض الأشياء الطازجة في الشّرفة، أنت مستلقية على المقعد المُبطّن وأنا على إحدى درجات مدخل بيتنا ألتقم سيجارتي… وكنّا نتحاكى ونتبادل الطرائف والنوادر ضاحكين من براءتنا.
إلهي ! ما السبيل لاسترجاع لحظات النّعمة هذه؟ أيّ صلوات قادرة على إعادتها إليّ؟ بالرغم من اعتقادنا أحيانا أن الوقت مِلكٌ لنا، فيتضح أنه متعهّد بمهمة مُروّعة متمثلة في الفصل النهائي بين كائنين يتبادلان عشقا لا ينتهي. ولا تبقى إلا الذّكرى وفسح المجال لتداعبك الأوهام.
أمي الحبيبة، مذ رحلتِ، أراك في كل الجدّات، الشقراوات منهنّ والسمراوات والسوداوات، ثمة شيء ما منك في كل واحدة منهن. إذا لم تكن عيناك، يكون فمك، وإذا لم يكن صوتك تكون مشيتك، واذا لم يكن شيء من كل هذا، تكون جموع الانفعالات الشعورية التي تحدثينها فيّ دائما. أنت نيزك في سماء تكفهرُّ فجأة وأحيانا أخرى جزيرة وسط محيط من الحنان.
أنت أعجوبتي أنا.
إذا كان عليّ أن ألحق بك يوما يا أمي، أودّ أن يظلّ من بعدنا جزء منا نحن الاثنين لأن الحب وحده يقدر أن يحكينا إلى الذين يعرفون الإصغاء إليه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(كلا النصّين مترجم من الصفحة الرسمية الخاصة بالكاتب ياسمينة خضرا)
http://www.facebook.com/yasminakhadhraofficielle
تصفح أيضا
عبد الكريم قطاطة:
فترة التسعينات كانت حبلى بالاحداث والتغييرات في مسيرتي المهنية منها المنتظر والمبرمج له ومنها غير المنتظر بتاتا …
وانا قلت ومازلت مؤمنا بما قلته… انا راض بأقداري… بحلوها وبمرّها… ولو عادت عجلة الزمن لفعلت كلّ ما فعلته بما في ذلك حماقاتي واخطائي… لانني تعلمت في القليل الذي تعلمته، انّ الانسان من جهة هو ابن بيئته والبيئة ومهما بلغت درجة وعينا تؤثّر على سلوكياتنا… ومن جهة اخرى وحده الذي لا يعمل لا يخطئ… للتذكير… اعيد القول انّه وبعد ما فعله سحر المصدح فيّ واخذني من دنيا العمل التلفزي وهو مجال تكويني الاكاديمي، لم انس يوما انّني لابدّ ان اعود يوما ما الى اختصاصي الاصلي وهو العمل في التلفزيون سواء كمخرج او كمنتج او كلاهما معا… وحددت لذلك انقضاء عشر سنوات اولى مع المصدح ثمّ الانكباب على دنيا التلفزيون بعدها ولمدّة عشر سنوات، ثمّ اختتام ما تبقّى من عمري في ارقى احلامي وهو الاخراج السينمائي…
وعند بلوغ السنة العاشرة من حياتي كمنشط اذاعي حلّت سنة 1990 لتدفعني للولوج عمليا في عشريّة العمل التلفزي… ولانني احد ضحايا سحر المصدح لم استطع القطع مع هذا الكائن الغريب والجميل الذي سكنني بكلّ هوس… الم اقل آلاف المرات انّ للعشق جنونه الجميل ؟؟ ارتايت وقتها ان اترك حبل الوصل مع المصدح قائما ولكن بشكل مختلف تماما عما كنت عليه ..ارتايت ان يكون وجودي امام المصدح بمعدّل مرّة في الاسبوع ..بل وذهبت بنرجسيتي المعهودة الى اختيار توقيت لم اعتد عليه بتاتا ..نعم اخترت الفضاء في سهرة اسبوعية تحمل عنوان (اصدقاء الليل) من التاسعة ليلا الى منتصف الليل …هل فهمتم لماذا وصفت ذلك الاختيار بالنرجسي ؟؟ ها انا افسّر ..
قبل سنة تسعين عملت في فترتين: البداية كانت فترة الظهيرة من العاشرة صباحا حتى منتصف النهار (والتي كانت وفي الاذاعات الثلاث قبل مجيئي فترة خاصة ببرامج الاهداءات الغنائية)… عندما اقتحمت تلك الفترة كنت مدركا انيّ مقدم على حقل ترابه خصب ولكنّ محصوله بائس ومتخلّف ..لذلك اقدمت على الزرع فيه … وكان الحصاد غير متوقع تماما ..وتبعتني الاذاعة الوطنية واذاعة المنستير وقامت بتغييرات جذرية هي ايضا في برامجها في فترة الضحى .. بل واصبح التنافس عليها شديدا بين المنشطين ..كيف لا وقد اصبحت فترة الضحى فترة ذروة في الاستماع … بعد تلك الفترة عملت ايضا لمدة في فترة المساء ضمن برنامج مساء السبت … ولم يفقد انتاجي توهجه ..وعادت نفس اغنية البعض والتي قالوا فيها (طبيعي برنامجو ينجح تي حتى هو واخذ اعزّ فترة متاع بثّ) …
لذلك وعندما فكّرت في توجيه اهتمامي لدنيا التلفزيون فكرت في اختيار فترة السهرة لضرب عصفورين بحجر واحد… الاول الاهتمام بما ساحاول انتاجه تلفزيا كامل ايام الاسبوع وان اخصص يوما واحدا لسحر المصدح ..ومن جهة اخرى وبشيء مرة اخرى من النرجسية والتحدّي، اردت ان اثبت للمناوئين انّ المنشّط هو من يقدر على خلق الفترة وليست الفترة هي القادرة على خلق المنشط ..وانطلقت في تجربتي مع هذا البرنامج الاسبوعي الليلي وجاءت استفتاءات (البيان) في خاتمة 1990 لتبوئه و منشطه المكانة الاولى في برامج اذاعة صفاقس .. انا اؤكّد اني هنا اوثّق وليس افتخارا …
وفي نفس السياق تقريبا وعندما احدثت مؤسسة الاذاعة برنامج (فجر حتى مطلع الفجر) وهو الذي ينطلق يوميا من منتصف الليل حتى الخامسة صباحا، و يتداول عليه منشطون من الاذاعات الثلاث… طبعا بقسمة غير عادلة بينها يوم لاذاعة صفاقس ويوم لاذاعة المنستير وبقية الايام لمنشطي الاذاعة الوطنية (اي نعم العدل يمشي على كرعيه) لا علينا … سررت باختياري كمنشط ليوم صفاقس ..اولا لانّي ساقارع العديد من الزملاء دون خوف بل بكلّ ثقة ونرجسية وغرور… وثانيا للتاكيد مرة اخرى انّ المنشط هو من يصنع الفترة ..والحمد لله ربحت الرهان وبشهادة اقلام بعض الزملاء في الصحافة المكتوبة (لطفي العماري في جريدة الاعلان كان واحدا منهم لكنّ الشهادة الاهمّ هي التي جاءتني من الزميل الكبير سي الحبيب اللمسي رحمه الله الزميل الذي يعمل في غرفة الهاتف بمؤسسة الاذاعة والتلفزة) …
سي الحبيب كان يكلمني هاتفيا بعد كل حصة انشطها ليقول لي ما معناه (انا نعرفك مركّب افلام باهي وقت كنت تخدم في التلفزة اما ما عرفتك منشط باهي كان في فجر حتى مطلع الفجر .. اما راك اتعبتني بالتليفونات متاع المستمعين متاعك، اما مايسالش تعرفني نحبك توة زدت حبيتك ربي يعينك يا ولد) … في بداية التسعينات ايضا وبعد انهاء اشرافي على “اذاعة الشباب” باذاعة صفاقس وكما كان متفقا عليه، فكرت ايضا في اختيار بعض العناصر الشابة من اذاعة الشباب لاوليها مزيدا من العناية والتاطير حتى تاخذ المشعل يوما ما… اطلقت عليها اسم مجموعة شمس، واوليت عناصرها عناية خاصة والحمد لله انّ جلّهم نجحوا فيما بعد في هذا الاختصاص واصبحوا منشطين متميّزين… بل تالّق البعض منهم وطنيا ليتقلّد عديد المناصب الاعلامية الهامة… احد هؤلاء زميلي واخي الاصغر عماد قطاطة (رغم انه لا قرابة عائلية بيننا)…
عماد يوم بعث لي رسالة كمستمع لبرامجي تنسمت فيه من خلال صياغة الرسالة انه يمكن ان يكون منشطا …دعوته الى مكتبي فوجدته شعلة من النشاط والحيوية والروح المرحة ..كان انذاك في سنة الباكالوريا فعرضت عليه ان يقوم بتجربة بعض الريبورتاجات في برامجي .. قبل بفرح طفولي كبير لكن اشترطت عليه انو يولي الاولوية القصوى لدراسته … وعدني بذلك وسالته سؤالا يومها قائلا ماذا تريد ان تدرس بعد الباكالوريا، قال دون تفكير اريد ان ادرس بكلية الاداب مادة العربية وحلمي ان اصبح يوما استاذ عربية ..ضحكت ضحكة خبيثة وقلت له (تي هات انجح وبعد يعمل الله)… وواصلت تاطيره وتكوينه في العمل الاذاعي ونجح في الباكالوريا ويوم ان اختار دراسته العليا جاءني ليقول وبكلّ سعادة …لقد اخترت معهد الصحافة وعلوم الاخبار… اعدت نفس الضحكة الخبيثة وقلت له (حتّى تقللي يخخي؟) واجاب بحضور بديهته: (تقول انت شميتني جايها جايها ؟؟)… هنأته وقلت له انا على ذمتك متى دعتك الحاجة لي ..
وانطلق عماد في دراسته واعنته مع زملائي في الاذاعة الوطنية ليصبح منشطا فيها (طبعا ايمانا منّي بجدراته وكفاءته)… ثم استنجد هو بكلّ ما يملك من طاقات مهنية ليصبح واحدا من ابرز مقدمي شريط الانباء… ثم ليصل على مرتبة رئيس تحرير شريط الانباء بتونس 7 ..ويوما ما عندما فكّر البعض في اذاعة خاصة عُرضت على عماد رئاسة تحريرها وهو من اختار اسمها ..ولانّه لم ينس ماعاشه في مجموعة شمس التي اطرتها واشرفت عليها، لم ينس ان يسمّي هذه الاذاعة شمس اف ام … اي نعم .عماد قطاطة هو من كان وراء اسم شمس اف ام …
ثمة ناس وثمة ناس ..ثمة ناس ذهب وثمة ناس ماجاوش حتى نحاس ..ولانّي عبدالكريم ابن الكريم ..انا عاهدت نفسي ان اغفر للذهب والنحاس وحتى القصدير ..وارجو ايضا ان يغفر لي كل من اسأت اليه ..ولكن وربّ الوجود لم اقصد يوما الاساءة ..انه سوء تقدير فقط …
ـ يتبع ـ
عبد الكريم قطاطة:
المهمة الصحفية الثانية التي كلفتني بها جريدة الاعلان في نهاية الثمانينات تمثّلت في تغطية مشاركة النادي الصفاقسي في البطولة الافريقية للكرة الطائرة بالقاهرة …
وهنا لابدّ من الاشارة انها كانت المرّة الوحيدة التي حضرت فيها تظاهرة رياضية كان فيها السي اس اس طرفا خارج تونس .. نعم وُجّهت اليّ دعوات من الهيئات المديرة للسفر مع النادي وعلى حساب النادي ..لكن موقفي كان دائما الشكر والاعتذار ..واعتذاري لمثل تلك الدعوات سببه مبدئي جدا ..هاجسي انذاك تمثّل في خوفي من (اطعم الفم تستحي العين)… خفت على قلمي ومواقفي ان تدخل تحت خانة الصنصرة الذاتية… اذ عندما تكون ضيفا على احد قد تخجل من الكتابة حول اخطائه وعثراته… لهذا السبب وطيلة حياتي الاعلامية لم اكن ضيفا على ايّة هيئة في تنقلات النادي خارج تونس ..
في رحلتي للقاهرة لتغطية فعاليات مشاركة السي اس اس في تلك المسابقة الافريقية، لم يكن النادي في افضل حالاته… لكن ارتأت ادارة الاعلان ان تكلّفني بمهمّة التغطية حتى اكتب بعدها عن ملاحظاتي وانطباعاتي حول القاهرة في شكل مقالات صحفية… وكان ذلك… وهذه عينات مما شاهدته وسمعته وعشته في القاهرة. وهو ما ساوجزه في هذه الورقة…
اوّل ما استرعى انتباهي في القاهرة انّها مدينة لا تنام… وهي مدينة الضجيج الدائم… وما شدّ انتباهي ودهشتي منذ الساعة الاولى التي نزلت فيها لشوارعها ضجيج منبهات السيارات… نعم هواية سائقي السيارات وحتى الدراجات النارية والهوائية كانت بامتياز استخدام المنبهات… ثاني الملاحظات كانت نسبة التلوّث الكثيف… كنت والزملاء نخرج صباحا بملابس انيقة وتنتهي صلوحية اناقتها ونظافتها في اخر النهار…
اهتماماتي في القاهرة في تلك السفرة لم تكن موجّهة بالاساس لمشاركة السي اس اس في البطولة الافريقية للكرة الطائرة… كنا جميعا ندرك انّ مشاركته في تلك الدورة ستكون عادية… لذلك وجهت اشرعة اهتمامي للجانب الاجتماعي والجانب الفنّي دون نسيان زيارة معالم مصر الكبيرة… اذ كيف لي ان ازور القاهرة دون زيارة خان الخليلي والسيدة زينب وسيدنا الحسين والاهرام… اثناء وجودي بالقاهرة اغتنمت الفرصة لاحاور بعض الفنانين بقديمهم وجديدهم… وكان اوّل اتصال لي بالكبير موسيقار الاجيال محمد عبد الوهاب رحمه الله… هاتفته ورجوت منه امكانية تسجيل حوار معه فاجابني بصوته الخشن والناعم في ذات الوقت معتذرا بسبب حالته الصحية التي ليست على ما يرام…
لكن في مقابل ذلك التقيت بالكبير محمد الموجي بمنزله وقمت بتسجيل حوار معه ..كان الموجي رحمه الله غاية في التواضع والبساطة… لكن ما طُبع في ذهني نظرته العميقة وهو يستمع اليك مدخّنا سيجارته بنهم كبير… نظرة اكاد اصفها بالرهيبة… رهبة الرجل مسكونا بالفنّ كما جاء في اغنية رسالة من تحت الماء التي لحنها للعندليب… نظرة المفتون بالفن من راسه حتى قدميه…
في تلك الفترة من اواخر الثمانينات كانت هنالك مجموعة من الاصوات الشابة التي بدات تشق طريقها في عالم الغناء ..ولم اترك الفرصة تمرّ دون ان انزل ضيفا عليهم واسجّل لهم حوارات… هنا اذكر بانّ كلّ التسجيلات وقع بثها في برامجي باذاعة صفاقس… من ضمن تلك الاصوات الشابة كان لي لقاءات مع محمد فؤاد، حميد الشاعري وعلاء عبدالخالق… المفاجأة السارة كانت مع لطيفة العرفاوي… في البداية وقبل سفرة القاهرة لابدّ من التذكير بانّ لطيفة كانت احدى مستمعاتي… وعند ظهورها قمت بواجبي لتشجيعها وهي تؤدّي انذاك وباناقة اغنية صليحة (يا لايمي عالزين)…
عندما سمعت لطيفة بوجودي في القاهرة تنقلت لحيّ العجوزة حيث اقطن ودعتني مع بعض الزملاء للغداء ببيتها… وكان ذلك… ولم تكتف بذلك بل سالت عن احوالنا المادية ورجتنا ان نتصل بها متى احتجنا لدعم مادي… شكرا يا بنت بلادي على هذه الحركة…
اختم بالقول قل ما شئت عن القاهرة.. لكنها تبقى من اعظم واجمل عواصم الدنيا… القاهرة تختزل عبق تاريخ كلّ الشعوب التي مرّت على اديمها… نعم انها قاهرة المعزّ…
ـ يتبع ـ
محمد الزمزاري:
انطلقت الحملة الوطنية المتعلقة هذه المرة بالتقصي حول الأمراض المزمنة وكان مرض السكري وأيضا مرض ضغط الدم هما المدرجان في هذه الحملة.
يشار إلى أن نسب مرضى السكري و ضغط الدم قد عرفت ارتفاعا ملفتا لدى المواطنين و بالتحديد لدى شريحة كبار السن مما يكسي اهمية لهذه الحملات التي تنظمها وزارة الصحة العمومية بالتعاون المباشر مع هيئة الهلال الأحمر التونسي.. وقد سنحت لنا الفرصة لحضور جزء مهم من الحملة في بهو محطة القطارات الرئيسية بساحة برشلونة، لنقف على تفاعل عديد المواطنين المصطفّين قصد الخضوع لعملية التقصي بكل انضباط وكان جل الوافدين طبعا من كبار السن، كما لوحظ تواجد عدد كبير من ممثلي الهلال الأحمر ومن الأطباء بمكتبين ويساعدهم بعض الممرضين.
الغريب انه لدى تغطيتى العارضة لهذه الحملة المتميزة التي تهدف اساسا إلى توعية المواطنين وحثهم على تقصي الأمراض بكل انواعها بصور مبكرة، بالاعتماد على كافة قنوات الاتصال وأهمها الإعلام الذي لن يكون الا داعما لهذا الهدف الإنساني لكن احد اعوان الهلال الأحمر فتح معي بحثا ان كنت من التلفزة الوطنية ملاحظا ان القناة المذكورة هي الوحيدة المسموح لها بالقيام بالتغطية ولم يكتف بهذا بل أكد ان الأطباء لا يحبون التصوير.
طبيعي اني لم اتفاعل مع هذا الجهل وضحالة المعرفة باهداف الحملة بالإضافة إلى عمليات التقصي الفعلي ..ولما تجاوز في الإلحاح طلبت منه الاستظهار بصفته هل هو منسق الحملة حتى يمكنني أن امر إلى المسؤول عنها بصفتي صحفيا ..وواصلت عملى أمام انكماش هذا العون التابع للهلال الأحمر حسبما يدل عليه زيه.
وبعيدا عن هذا، لا يفوت التنويه بالجهود الكبيرة التي يتحلى بها طاقم الاطباء و الممرضين و متطوعي الهلال الاحمر، الذين يجهدون انفسهم لانجاح هذه الحملة سواء داخل بهو محطة السكك الحديدية او عبر بعض الفرق التي تعمل على التعريف بجدوى التقصي حتى خارج البهو الكبير.
صن نار
- ثقافياقبل 17 ساعة
قريبا وفي تجربة مسرحية جديدة: “الجولة الاخيرة”في دار الثقافة “بشير خريّف”
- جور نارقبل 17 ساعة
ورقات يتيم … الورقة 89
- ثقافياقبل يوم واحد
زغوان… الأيام الثقافية الطلابية
- جلـ ... منارقبل يومين
الصوت المضيء
- جور نارقبل 3 أيام
ورقات يتيم ..الورقة 88
- ثقافياقبل 3 أيام
نحو آفاق جديدة للسينما التونسية
- صن نارقبل 4 أيام
الولايات المتحدة… إطلاق نار في “نيو أوليانز” وقتلى وإصابات
- صن نارقبل 4 أيام
في المفاوضات الأخيرة… هل يتخلى “حزب الله” عن جنوب لبنان؟