جور نار
التربية نجمتُنا… المدرسة خيمتُنا
نشرت
قبل سنة واحدةفي
من قبل
منصف الخميري Moncef Khemiriبعد أيام يلتحق رُبع الشعب التونسي تقريبا بالمدارس والكليات ومراكز التكوين، وإن الناظر إلى مشهد الاستعداد لهذه العودة يستطيع تبيّن نزعتين كبيرتين تخترقان مُهجة التونسيين :
نزعة تعتبر أن العودة المدرسية بمثابة عقوبة مسلّطة خاصة على المدرّسين فترى بعضهم يقول “ذكّركم بالعودة ونكّد عليهم” أو “أكثروا من النوم قبل العشرة الأواخر” أو كذلك “ستكون عودة مثل أخواتها لا جديد فيها سوى إهانة المعلّمين وتبخيس الأساتذة والمدرّسين ” في استباق كارثي لمجريات السنة الدراسية الجديدة، وأخرى تنمّ عن نوع من الاحتفاء بالمدرسة والعودة إلى مقاعدها ومباهجها، فترى الأولياء يسارعون إلى “تجهيز” أبنائهم وبناتهم بما تيسّر من إمكانيات رغم شحّة الموارد والغلاء المتزايد في أسعار الأدوات والأزياء.
(أقول هنا بصفة عابرة أن الجامعيين يعيشون اقتراب مواعيد العودة الجامعية بتوتر أقل مقارنة بزملائهم المعلمين والأساتذة في الثانوي، لكونهم بصورة عامة متحررين بشكل لافت من كل أنواع القيود ومراقبة جودة الأداء).
أنا شخصيا من معتنقي النزعة التنسيبيّة التي تقول انه بمستطاعنا أن نؤلّف مُتونا ومجلّدات حول مُكبّلات مدرستنا التونسية وما يتهدّدها من أخطار وإخلالات مرصّعة، تحول دون انبعاث مدرسة جديدة تُرسمل المكتسبات وتستفيد من كل الأزمات الحادة التي عاشتها في سبيل تحقيق انتعاشة تربوية حقيقية، توهّل الأجيال وترسخ القيم وتشقّ طرقا سيارة عبر صحاري الأميّة وأدغال الخرافة وأحراش البقاء على قارعة العلم والمعرفة… لكن التشخيص لا فائدة منه إلا متى وُضع على طاولة من يريدون إجراء إصلاحات بشكل جدي، وإن لعْن معوّقات تطور مدرستنا بشكل مستمر لن يزيدنا إلا إحباطا وإصرارا على استبعاد أي أمل في الإصلاح والتجاوز وإعادة البناء.
وعليه، ليس أمام التونسيين سوى المحافظة على هذا المصعد المعطوب حتى وإن تدنّى أداؤه وتعالى أزيزه وفاقت الحمولة مستوى تحمّلهُ.
نتمسّك بمدرستنا وندافع عنها ونعتبرها مكسبا استراتيجيا لن نفرّط فيه :
لكوننا شعبا “زوّالي” بالنسبة إلى أغلبيته الساحقة يظل بحاجة متأكدة إلى تفعيل محرّكات التكاتف والتضامن فيه من خلال وجود دولة تسهر على توفير مرافق ميسّرة مثل الإدارة والمدرسة والأمن والحافلة والمستشفى والطريق والماء والكهرباء والتي كلّما تراجعت، بقيت شرائح واسعة بلا كفيل ولا بديل. وحيثما حافظت على بعض مناطق الضوء فيها، تسنّى إنقاذ الكثيرين من التّيه والموت والجهل وضنك الحياة.
يُغريني في هذا المجال تقديم ملاحظة تتمثل في كون سامي إطارات الدولة التونسية بصورة عامة (أتحدث عن الأسوياء وغير الضّالعين في استجلاب الأموال على غير الصيغ الشرعية) غالبا ما تكون زوجاتهم موظفات عاديّات أو معتنيات بشؤون منازلهنّ وأبنائهنّ، وعادة ما يأكلون أو يلبسون مثلما يأكل أو يلبس سائر التونسيين … كأننا كتلة متجانسة بنسبة عالية جدا يجمعها اللبلابي والأكلات الشعبية ومقاعد المدرسة العمومية.
ونذود عن مدرستنا ونسعى بكل ما أوتينا من قوة اقتراح وشديد نُباح إلى تطوير أدائها لأنها هي من لاذ إليها شبابنا المتخرّج عندما انحسرت آفاق التشغيل في ربوعنا، وضاق صدر مؤسساتنا الاقتصادية والمالية والصناعية الرثّة بكفاءاتنا النيّرة التي راحت تتلقّفها كبرى الشركات والمنصّات عبر العالم.
ومازلنا نزرع الأمل في مستقبل مدرستنا رغم هوانها، باعتبارها مازالت تتوفّر على كل مقوّمات التميّز والتفوّق من بنية تحتيّة متّسعة وموارد بشريّة أثبتت جدارتها، وبرامج قُدّت في مجملها بما ينسجم مع روح العصر والتوجّهات الحديثة في مجالات العلوم والتكنولوجيا والمعارف الانسانية.
وسنظل نرفض سيناريوهات الخراب القائلة بأن مدرستنا آيلة للسقوط أو ان تعليمنا في حالة موت سريري أو كذلك ان المال والجاه والنفوذ والرفاه قد غيّرت العنوان لتصبح في ضفة مسالك الأرباح السهلة مثل التجارة الموازية وتهريب العملة وشتى أنواع الحبوب وعرض المفاتن والمفاتل على شاشات التيك توك والانستغرام.
ونشدّ بنواجدنا على ما تبقّى لنا (كما يفعل كل المقاومين المؤمنين بعدالة قضاياهم عبر العالم وعبر التاريخ) من مدرسة شيّدها أجدادنا بعرق جباههم وجدّاتنا بمصوغ صدورهنّ الطاهرة، لتُقبل أجيال بأكملها على فكّ رموز الحرف والشّرب من عيون مائية عذبة كانت محجوبة عنها لأن الغازي الأجنبي ومعاونيه المحليين كانوا يعتبرون أن التمدرس من شيم الأكابر والشرب من الغدران والبِرك كفيل بإبقائنا رهن إرادتهم السّمجة.
وعلى هذا النحو تكون المحافظة على هذا الإرث والارتقاء به أمانة تاريخية ومكسبا ندين به لمن عبّدوا أمامنا الطريق وأصبح لنا اسم وعلم ومدرسة نباهي بها بين الأمم والشعوب.
نُفاخر بمدرستنا التونسية أينما حللنا نحن أبناءها في مختلف مواقع العمل والإنتاج والبرمجة والتطوير والتدريس والتأطير إفريقيّا وعربيا وكونيّا وفي الندوات والملتقيات الدولية رغم أنه تنقصنا أحيانا بعض “المهارات” أو “القدرات الاتصالية” لكننا لسنا كُسّح أو من ذوي العاهات المُشلّة للقدرة على منافسة نظرائنا في بلدان أخرى… وكم من قامة تونسية تكوّنت وتدرّبت وتمرّست على أياد تونسية وتحت أسقف تونسية، راحت تُنازع كبار المختصين في ساحات أجنبية سواء في لغاتهم وبلغاتهم أو في التاريخ أو في الطب أو كذلك حديثا في أدق العلوم وأحدثها.
ونظل مؤمنين بأنه لا خيار لنا سوى الاحتماء بمدرستنا (والتي حان الوقت لكي تحتمي بنا حتى لا تصدأ مفاعلاتها تماما) لأن مستقبل العالم كما تؤكد ذلك كل الدراسات الاستشرافية سيكون مبنيّا على مُخرجات المدرسة (بمفهومها الواسع) أي ما سيراكمه أبناؤنا وبناتنا من معارف واقتدارات واستعدادات داخل الفصول وليس خارجها. ويصحّ هذا الاستقراء تماما خاصة عندما نقدر على فسخ الفكرة القائلة بأن المدرسة جُعلت لتكوين الأدباء والرياضيين والأطباء والمهندسين (قياسا على خارطة الشُعب المدرسية المتهالكة التي مازلنا متمكسين بها رغم اهتزاز أركانها) بل هي لاكتساب مفاتيح التواصل وأصول المعارف وأسس العلوم والتكنولوجيا في حدودها الدنيا، قبل ولوج ساحات العالم وباحاته بحِرَفها ومهنها واختصاصاتها وصنائعها ومجالات الفعل والنشاط الانسانيين المتعددة والمتنوعة… خاصة إذا علمنا أن المدرسة اليوم تُكوّن من أجل مهن ليست موجودة بعدُ (85 بالمائة من مهن 2030 غير معروفة اليوم سنة 2023 كما تقول بعض الدراسات).
من أجل كل ذلك،
سنبقى معتزّين بمدرستنا وما تحرزه من نجاحات مشوبة بعديد النقائص والهِنات ولكننا في ذات الوقت سنواصل إعلاء أصواتنا قصد دفع دولتنا والضغط عليها من أجل بناء مدرسة جديدة تولد من رحم هذه وتكون قادرة على تحقيق خمسة أهداف كبرى على الأقل :
1. تجريم الانقطاع وتحميل مسؤولية هذا الجرم للعائلة والدولة في آن واحد، والنزول بعدد المغادرين دون أدنى تأهيل إلى أسفل درجاته وهو هدف سهل المنال لو يتوفر صدق الإرادة والسيادة.
2. توقيف مهنة التدريس في كل مستوياتها وجعلها حِكرا (نعم حِكرا استثنائيا) على من هم جديرون بذلك وفقا لتقييمات صارمة وتكوين حقيقي لا يجامل أحدا… ولو كلّف ذلك المجموعة الوطنية عبئا إضافيا إذا بقي البعض زائدا عن النصاب.
3. استثمار كل الامكانيات وتوظيف مجمل ذكائنا الوطني في صهر التعليم التكنولوجي (دعْنا من تسمية التكوين المهني التي ارتبطت تونسيا بالفشل الدراسي) ضمن المنظومة الوطنية لتكوين الكفاءات، وجعلها معبرا عاديّا مثله مثل الشُعب المدرسية الأخرى.
4. إعادة الاعتبار لمكانة اللغات والتواصل الشفوي في منظومتنا أمام المدّ الضارب لخطاب التفاهة الذي أجّجته تلفزات الإثارة ومواقع صيد المُتابعين بالكركارة.
5. الانكباب فوريا على إجراء إصلاحات موضعية حتى وإن كانت موجعة بما يُنعش مخرجات المدرسة التونسية، بدلا من التكريمات المتواصلة والتصريحات المُخاتلة وموجات الصمت القاتلة.
وسنة دراسية موفّقة للجميع.
تصفح أيضا
جور نار
العراق: هل يستبق الأخطار المحدقة، أم سيكتفي بتحديد الإخلالات؟
نشرت
قبل 3 أيامفي
22 نوفمبر 2024محمد الزمزاري:
ستنطلق الحكومة العراقية في تعداد السكان خلال هذه الأيام والذي سيأخذ مدى زمنيا طويلا وربما. تعطيلات ميدانية على مستوى الخارطة. العراقية.
ويعد هذا التعداد السكاني مهمّا ومتأخرا كثيرا عن الموعد الدوري لمثل هذه الإحصائيات بالنسبة لكل بلد… فالعراق لم يقم بتحيين عدد سكانه منذ ما يزيد عن ربع قرن، إذ عرف آخر تعداد له سنة 1997… ونظرا إلى عوامل عدة، فإن قرار القيام بهذا التعداد سيتجنب اي تلميح للانتماءات العرقية أو المذهبية عدا السؤال عن الديانة ان كانت إسلامية او مسيحية… وقد أكد رئيس الحكومة العراقية أن التعداد السكاني يهدف إلى تحديد أوضاع مواطني العراق قصد رصد الاخلالات و تحسين الخدمات وايضا لدعم العدالة الاجتماعية.
لعل اول مشكلة حادة تقف في وجه هذا التعداد العام، هو رفض الجانب الكردي الذي يضمر أهدافا و يسعى إلى التعتيم على أوضاع السكان في كردستان و في المنطقة المتنازع عليها بين العرب والأكراد و التركمان… خاصة أيضا ان اكثر من ثمانية أحياء عربية في أربيل المتنازع عليها، قد تم اخلاؤها من ساكنيها العرب وإحلال الأكراد مكانهم…
هذا من ناحية… لكن الأخطر من هذا والذي تعرفه الحكومة العراقية دون شك أن الإقليم الكردي منذ نشاته و”استقلاله” الذاتي يرتبط بتعاون وثيق مع الكيان الصهيوني الذي سعى دوما إلى تركيز موطئ قدم راسخ في الإقليم في إطار خططه الاستراتيجية.. وان مسؤولي الإقليم الكردي يسمحون للصهاينة باقتناء عديد الأراضي و المزارع على شاكلة المستعمرات بفلسطين المحتلة… وان قواعد الموساد المركزة بالاقليم منذ عشرات السنين ليست لاستنشاق نسيم نهر الفرات ! ..
أمام الحكومة العراقية إذن عدد من العراقيل والاولويات الوطنية والاستشرافية لحماية العراق. و قد تسلط عملية التعداد السكاني مثلما إشار إليه رئيس الحكومة العراقية الضوء على النقائص التي تتطلب الإصلاح و التعديل والحد من توسعها قبل أن يندم العراق ويلعنوا زمن الارتخاء وترك الحبل على الغارب ليرتع الصهاينة في جزء هام من بلاد الرافدين.
عبد الكريم قطاطة:
فترة التسعينات كانت حبلى بالاحداث والتغييرات في مسيرتي المهنية منها المنتظر والمبرمج له ومنها غير المنتظر بتاتا …
وانا قلت ومازلت مؤمنا بما قلته… انا راض بأقداري… بحلوها وبمرّها… ولو عادت عجلة الزمن لفعلت كلّ ما فعلته بما في ذلك حماقاتي واخطائي… لانني تعلمت في القليل الذي تعلمته، انّ الانسان من جهة هو ابن بيئته والبيئة ومهما بلغت درجة وعينا تؤثّر على سلوكياتنا… ومن جهة اخرى وحده الذي لا يعمل لا يخطئ… للتذكير… اعيد القول انّه وبعد ما فعله سحر المصدح فيّ واخذني من دنيا العمل التلفزي وهو مجال تكويني الاكاديمي، لم انس يوما انّني لابدّ ان اعود يوما ما الى اختصاصي الاصلي وهو العمل في التلفزيون سواء كمخرج او كمنتج او كلاهما معا… وحددت لذلك انقضاء عشر سنوات اولى مع المصدح ثمّ الانكباب على دنيا التلفزيون بعدها ولمدّة عشر سنوات، ثمّ اختتام ما تبقّى من عمري في ارقى احلامي وهو الاخراج السينمائي…
وعند بلوغ السنة العاشرة من حياتي كمنشط اذاعي حلّت سنة 1990 لتدفعني للولوج عمليا في عشريّة العمل التلفزي… ولانني احد ضحايا سحر المصدح لم استطع القطع مع هذا الكائن الغريب والجميل الذي سكنني بكلّ هوس… الم اقل آلاف المرات انّ للعشق جنونه الجميل ؟؟ ارتايت وقتها ان اترك حبل الوصل مع المصدح قائما ولكن بشكل مختلف تماما عما كنت عليه ..ارتايت ان يكون وجودي امام المصدح بمعدّل مرّة في الاسبوع ..بل وذهبت بنرجسيتي المعهودة الى اختيار توقيت لم اعتد عليه بتاتا ..نعم اخترت الفضاء في سهرة اسبوعية تحمل عنوان (اصدقاء الليل) من التاسعة ليلا الى منتصف الليل …هل فهمتم لماذا وصفت ذلك الاختيار بالنرجسي ؟؟ ها انا افسّر ..
قبل سنة تسعين عملت في فترتين: البداية كانت فترة الظهيرة من العاشرة صباحا حتى منتصف النهار (والتي كانت وفي الاذاعات الثلاث قبل مجيئي فترة خاصة ببرامج الاهداءات الغنائية)… عندما اقتحمت تلك الفترة كنت مدركا انيّ مقدم على حقل ترابه خصب ولكنّ محصوله بائس ومتخلّف ..لذلك اقدمت على الزرع فيه … وكان الحصاد غير متوقع تماما ..وتبعتني الاذاعة الوطنية واذاعة المنستير وقامت بتغييرات جذرية هي ايضا في برامجها في فترة الضحى .. بل واصبح التنافس عليها شديدا بين المنشطين ..كيف لا وقد اصبحت فترة الضحى فترة ذروة في الاستماع … بعد تلك الفترة عملت ايضا لمدة في فترة المساء ضمن برنامج مساء السبت … ولم يفقد انتاجي توهجه ..وعادت نفس اغنية البعض والتي قالوا فيها (طبيعي برنامجو ينجح تي حتى هو واخذ اعزّ فترة متاع بثّ) …
لذلك وعندما فكّرت في توجيه اهتمامي لدنيا التلفزيون فكرت في اختيار فترة السهرة لضرب عصفورين بحجر واحد… الاول الاهتمام بما ساحاول انتاجه تلفزيا كامل ايام الاسبوع وان اخصص يوما واحدا لسحر المصدح ..ومن جهة اخرى وبشيء مرة اخرى من النرجسية والتحدّي، اردت ان اثبت للمناوئين انّ المنشّط هو من يقدر على خلق الفترة وليست الفترة هي القادرة على خلق المنشط ..وانطلقت في تجربتي مع هذا البرنامج الاسبوعي الليلي وجاءت استفتاءات (البيان) في خاتمة 1990 لتبوئه و منشطه المكانة الاولى في برامج اذاعة صفاقس .. انا اؤكّد اني هنا اوثّق وليس افتخارا …
وفي نفس السياق تقريبا وعندما احدثت مؤسسة الاذاعة برنامج (فجر حتى مطلع الفجر) وهو الذي ينطلق يوميا من منتصف الليل حتى الخامسة صباحا، و يتداول عليه منشطون من الاذاعات الثلاث… طبعا بقسمة غير عادلة بينها يوم لاذاعة صفاقس ويوم لاذاعة المنستير وبقية الايام لمنشطي الاذاعة الوطنية (اي نعم العدل يمشي على كرعيه) لا علينا … سررت باختياري كمنشط ليوم صفاقس ..اولا لانّي ساقارع العديد من الزملاء دون خوف بل بكلّ ثقة ونرجسية وغرور… وثانيا للتاكيد مرة اخرى انّ المنشط هو من يصنع الفترة ..والحمد لله ربحت الرهان وبشهادة اقلام بعض الزملاء في الصحافة المكتوبة (لطفي العماري في جريدة الاعلان كان واحدا منهم لكنّ الشهادة الاهمّ هي التي جاءتني من الزميل الكبير سي الحبيب اللمسي رحمه الله الزميل الذي يعمل في غرفة الهاتف بمؤسسة الاذاعة والتلفزة) …
سي الحبيب كان يكلمني هاتفيا بعد كل حصة انشطها ليقول لي ما معناه (انا نعرفك مركّب افلام باهي وقت كنت تخدم في التلفزة اما ما عرفتك منشط باهي كان في فجر حتى مطلع الفجر .. اما راك اتعبتني بالتليفونات متاع المستمعين متاعك، اما مايسالش تعرفني نحبك توة زدت حبيتك ربي يعينك يا ولد) … في بداية التسعينات ايضا وبعد انهاء اشرافي على “اذاعة الشباب” باذاعة صفاقس وكما كان متفقا عليه، فكرت ايضا في اختيار بعض العناصر الشابة من اذاعة الشباب لاوليها مزيدا من العناية والتاطير حتى تاخذ المشعل يوما ما… اطلقت عليها اسم مجموعة شمس، واوليت عناصرها عناية خاصة والحمد لله انّ جلّهم نجحوا فيما بعد في هذا الاختصاص واصبحوا منشطين متميّزين… بل تالّق البعض منهم وطنيا ليتقلّد عديد المناصب الاعلامية الهامة… احد هؤلاء زميلي واخي الاصغر عماد قطاطة (رغم انه لا قرابة عائلية بيننا)…
عماد يوم بعث لي رسالة كمستمع لبرامجي تنسمت فيه من خلال صياغة الرسالة انه يمكن ان يكون منشطا …دعوته الى مكتبي فوجدته شعلة من النشاط والحيوية والروح المرحة ..كان انذاك في سنة الباكالوريا فعرضت عليه ان يقوم بتجربة بعض الريبورتاجات في برامجي .. قبل بفرح طفولي كبير لكن اشترطت عليه انو يولي الاولوية القصوى لدراسته … وعدني بذلك وسالته سؤالا يومها قائلا ماذا تريد ان تدرس بعد الباكالوريا، قال دون تفكير اريد ان ادرس بكلية الاداب مادة العربية وحلمي ان اصبح يوما استاذ عربية ..ضحكت ضحكة خبيثة وقلت له (تي هات انجح وبعد يعمل الله)… وواصلت تاطيره وتكوينه في العمل الاذاعي ونجح في الباكالوريا ويوم ان اختار دراسته العليا جاءني ليقول وبكلّ سعادة …لقد اخترت معهد الصحافة وعلوم الاخبار… اعدت نفس الضحكة الخبيثة وقلت له (حتّى تقللي يخخي؟) واجاب بحضور بديهته: (تقول انت شميتني جايها جايها ؟؟)… هنأته وقلت له انا على ذمتك متى دعتك الحاجة لي ..
وانطلق عماد في دراسته واعنته مع زملائي في الاذاعة الوطنية ليصبح منشطا فيها (طبعا ايمانا منّي بجدراته وكفاءته)… ثم استنجد هو بكلّ ما يملك من طاقات مهنية ليصبح واحدا من ابرز مقدمي شريط الانباء… ثم ليصل على مرتبة رئيس تحرير شريط الانباء بتونس 7 ..ويوما ما عندما فكّر البعض في اذاعة خاصة عُرضت على عماد رئاسة تحريرها وهو من اختار اسمها ..ولانّه لم ينس ماعاشه في مجموعة شمس التي اطرتها واشرفت عليها، لم ينس ان يسمّي هذه الاذاعة شمس اف ام … اي نعم .عماد قطاطة هو من كان وراء اسم شمس اف ام …
ثمة ناس وثمة ناس ..ثمة ناس ذهب وثمة ناس ماجاوش حتى نحاس ..ولانّي عبدالكريم ابن الكريم ..انا عاهدت نفسي ان اغفر للذهب والنحاس وحتى القصدير ..وارجو ايضا ان يغفر لي كل من اسأت اليه ..ولكن وربّ الوجود لم اقصد يوما الاساءة ..انه سوء تقدير فقط …
ـ يتبع ـ
عبد الكريم قطاطة:
المهمة الصحفية الثانية التي كلفتني بها جريدة الاعلان في نهاية الثمانينات تمثّلت في تغطية مشاركة النادي الصفاقسي في البطولة الافريقية للكرة الطائرة بالقاهرة …
وهنا لابدّ من الاشارة انها كانت المرّة الوحيدة التي حضرت فيها تظاهرة رياضية كان فيها السي اس اس طرفا خارج تونس .. نعم وُجّهت اليّ دعوات من الهيئات المديرة للسفر مع النادي وعلى حساب النادي ..لكن موقفي كان دائما الشكر والاعتذار ..واعتذاري لمثل تلك الدعوات سببه مبدئي جدا ..هاجسي انذاك تمثّل في خوفي من (اطعم الفم تستحي العين)… خفت على قلمي ومواقفي ان تدخل تحت خانة الصنصرة الذاتية… اذ عندما تكون ضيفا على احد قد تخجل من الكتابة حول اخطائه وعثراته… لهذا السبب وطيلة حياتي الاعلامية لم اكن ضيفا على ايّة هيئة في تنقلات النادي خارج تونس ..
في رحلتي للقاهرة لتغطية فعاليات مشاركة السي اس اس في تلك المسابقة الافريقية، لم يكن النادي في افضل حالاته… لكن ارتأت ادارة الاعلان ان تكلّفني بمهمّة التغطية حتى اكتب بعدها عن ملاحظاتي وانطباعاتي حول القاهرة في شكل مقالات صحفية… وكان ذلك… وهذه عينات مما شاهدته وسمعته وعشته في القاهرة. وهو ما ساوجزه في هذه الورقة…
اوّل ما استرعى انتباهي في القاهرة انّها مدينة لا تنام… وهي مدينة الضجيج الدائم… وما شدّ انتباهي ودهشتي منذ الساعة الاولى التي نزلت فيها لشوارعها ضجيج منبهات السيارات… نعم هواية سائقي السيارات وحتى الدراجات النارية والهوائية كانت بامتياز استخدام المنبهات… ثاني الملاحظات كانت نسبة التلوّث الكثيف… كنت والزملاء نخرج صباحا بملابس انيقة وتنتهي صلوحية اناقتها ونظافتها في اخر النهار…
اهتماماتي في القاهرة في تلك السفرة لم تكن موجّهة بالاساس لمشاركة السي اس اس في البطولة الافريقية للكرة الطائرة… كنا جميعا ندرك انّ مشاركته في تلك الدورة ستكون عادية… لذلك وجهت اشرعة اهتمامي للجانب الاجتماعي والجانب الفنّي دون نسيان زيارة معالم مصر الكبيرة… اذ كيف لي ان ازور القاهرة دون زيارة خان الخليلي والسيدة زينب وسيدنا الحسين والاهرام… اثناء وجودي بالقاهرة اغتنمت الفرصة لاحاور بعض الفنانين بقديمهم وجديدهم… وكان اوّل اتصال لي بالكبير موسيقار الاجيال محمد عبد الوهاب رحمه الله… هاتفته ورجوت منه امكانية تسجيل حوار معه فاجابني بصوته الخشن والناعم في ذات الوقت معتذرا بسبب حالته الصحية التي ليست على ما يرام…
لكن في مقابل ذلك التقيت بالكبير محمد الموجي بمنزله وقمت بتسجيل حوار معه ..كان الموجي رحمه الله غاية في التواضع والبساطة… لكن ما طُبع في ذهني نظرته العميقة وهو يستمع اليك مدخّنا سيجارته بنهم كبير… نظرة اكاد اصفها بالرهيبة… رهبة الرجل مسكونا بالفنّ كما جاء في اغنية رسالة من تحت الماء التي لحنها للعندليب… نظرة المفتون بالفن من راسه حتى قدميه…
في تلك الفترة من اواخر الثمانينات كانت هنالك مجموعة من الاصوات الشابة التي بدات تشق طريقها في عالم الغناء ..ولم اترك الفرصة تمرّ دون ان انزل ضيفا عليهم واسجّل لهم حوارات… هنا اذكر بانّ كلّ التسجيلات وقع بثها في برامجي باذاعة صفاقس… من ضمن تلك الاصوات الشابة كان لي لقاءات مع محمد فؤاد، حميد الشاعري وعلاء عبدالخالق… المفاجأة السارة كانت مع لطيفة العرفاوي… في البداية وقبل سفرة القاهرة لابدّ من التذكير بانّ لطيفة كانت احدى مستمعاتي… وعند ظهورها قمت بواجبي لتشجيعها وهي تؤدّي انذاك وباناقة اغنية صليحة (يا لايمي عالزين)…
عندما سمعت لطيفة بوجودي في القاهرة تنقلت لحيّ العجوزة حيث اقطن ودعتني مع بعض الزملاء للغداء ببيتها… وكان ذلك… ولم تكتف بذلك بل سالت عن احوالنا المادية ورجتنا ان نتصل بها متى احتجنا لدعم مادي… شكرا يا بنت بلادي على هذه الحركة…
اختم بالقول قل ما شئت عن القاهرة.. لكنها تبقى من اعظم واجمل عواصم الدنيا… القاهرة تختزل عبق تاريخ كلّ الشعوب التي مرّت على اديمها… نعم انها قاهرة المعزّ…
ـ يتبع ـ
القدس… بلدية الاحتلال توزع قرارات هدم في سلوان
حسب صحيف أمريكية… شتائم واعتداءات جسدية بين أعضاء فريق ترامب
في سهرة البارحة… الصين تفتتح أيام قرطاج المسرحية
السيد معتمد سليمان… ما هكذا تساق الجرارات!!
حدث في رزق البيليك… المرجان الأحمر ينزف دما
استطلاع
صن نار
- صن نارقبل 22 ساعة
القدس… بلدية الاحتلال توزع قرارات هدم في سلوان
- صن نارقبل 22 ساعة
حسب صحيف أمريكية… شتائم واعتداءات جسدية بين أعضاء فريق ترامب
- ثقافياقبل 24 ساعة
في سهرة البارحة… الصين تفتتح أيام قرطاج المسرحية
- فُرن نارقبل يوم واحد
السيد معتمد سليمان… ما هكذا تساق الجرارات!!
- منبـ ... نارقبل يومين
حدث في رزق البيليك… المرجان الأحمر ينزف دما
- ثقافياقبل 3 أيام
سليانة: غدا… أدب الطفل في ملتقى عبد القادر الهاني
- اقتصادياقبل 3 أيام
اختتام الدورة الثامنة لمنتدى المؤسسات Enicarthage
- اقتصادياقبل 3 أيام
تونس: مؤتمر وطني حول ريادة الأعمال النسائية