جور نار
ما الأفضل بالنسبة إلى مدرستنا… التنويه بالأسوياء أم الإشارة إلى “النّعجة الجرباء” ؟
نشرت
قبل سنة واحدةفي
من قبل
منصف الخميري Moncef Khemiriنعيش مع كل عودة مدرسية تهليلا بدور المربّين (معلّمين وأساتذة بالخصوص) وإشادة بتضحياتهم وتشهيرا بالظروف الصعبة التي يعملون فيها وتنويها بدورهم في تربية الأجيال مع استجلاب مكثّف لأقوال طيبة ودالّة، لكننا مججناها من فرط المضغ واللّوْك، فأصبحت مبتذلة ولا تعكس حقيقة ما يجري في مدارسنا من قبيل “المعلم أعظم مهنة على وجه الأرض …إذ تتخرج على يده كل المهن الأخرى” أو “لو لم أكن ملِكًا لكنتُ معلّما” أو “تقوم الاوطان على كاهل ثلاثة : فلاح يغذّيه، وجندي يحميه، ومعلّم يربّيه” الخ…
كل هذا سجلّ محمود لا أملك كمربّ سابق إلا أن أبتهج له وأؤيّده بل وأزيد عليه بأنه لو كان محصول الفعل التعليمي قابلا للقيس الكمّي الدقيق مثل إنتاج الحبوب أو تعليب السّردين أو تركيب أسلاك السيّارات، لأدرك المجتمع وأهل السياسة أن فعل المربّين يُقاس بنسبة تواجد المنحرفين في المتر مربّع، ونسبة المقبولين سنويا في مناظرات وطنية حديدية لا يطالها التشكيك من حسن حظّنا، وحجم الطلب على خرّيجي جامعاتنا التونسية خاصة في مجالات دقيقة بعينها وطنيا ودوليا. (يُذكر هنا أن كلمة “بطالة أصحاب الشهائد العليا” لا تصف الحقيقة كاملة بل تغطّي جزءًا أساسيا منها وهي أن مؤسسات كثيرة تبحث دائما عن مئات الخرّيجين الذين يكونون بملمح معيّن ومهارات محدّدة ولا تجدهم في صفوف الباحثين عن شغل من أصحاب الشهائد الجامعية !).
اخترتُ أن لا أتحدث ضمن هذه الورقة عن المربّين الذين يجتهدون في إفادة تلاميذهم وفتح عقولهم على معارف جديدة ومعلومات سديدة … فذاك واجبهم، ولن أتعرّض للمربّين الذين يبحثون ويكدّون ويتجنّدون ويفنون أعمارهم لجعل تلاميذهم ينجحون بتميّز في الاستحقاقات التي تنتظرهم… فهذا دورهم الطبيعي، ولن أصفّق طويلا للمربّين الذين يسعون إلى عدم التغيّب إلا متى كانوا مُجبرين على ذلك لأسباب قاهرة، أو الذين يحاولون قدر الإمكان تحييد الظروف المحيطة الصعبة المُعيقة للإقبال بشراهة على التحصيل المدرسي… لأن ذلك يندرج في صلب عملهم وأخلاقيات المهنة التي اختاروها لأنفسهم ولم يفرضها عليهم أحدٌ. ولأنهم محمولون على ذلك بالقانون وبالأخلاق، أخلاقيات عمل المربّي.
يقول المثل الشائع “المتابع لا يهتمّ بالقطارات التي تصل في مواقيتها المحدّدة” !
سأحاول التنبيه دون أي تحامل إلى بعض الظواهر غير الطبيعية المساهمة في قتامة المشهد التربوي في بلادنا، وجعل شريحة هامة من تلاميذنا ينفرون المدرسة ويعجزون عن التصالح مع إكراهاتها وواجباتها ونسق التعلمات فيها. … لأن هذه الجوانب رغم هامشيتها النسبية أحيانا مقارنة بما تأتيه أغلبية المربّين من فعل جبّار، لا نجرؤ دائما على إثارتها خوفا على صورتنا من مزيد التحلّل في المرآة.
وقد يتساءل البعض لِم تناول قطاع المربّين بالذات والحال أن كل القطاعات بدون استثناء من أمنيين وقضاء وإداريين ووزراء … تعجّ بالمارقين والسّفهاء والنّعاج الجرباء والرؤوس الجرداء؟ ببساطة لأنني عايشت طويلا فئة التبشيريين (كما كنت أسمّيهم، نسبة إلى مادّة الطباشير ووظيفة التبشير لا على معنى التنصير بل على معنى التبصير). وأزعم أنني أعرف الكثير ممّا نصمت عنه بجُبن خوفا على مستقبل أبنائنا، ومن ناحية أخرى، فإن نسبة 4 % أو 5 % فقط في قطاع يضمّ أكثر من 150 ألف مدرّس بين الابتدائي والثانوي عمومي تُعطي جحافل من المدرّسين غير الأسوياء والذين يشكلون خطرا حقيقيا على أجيال بكاملها.
وهذه هي حسب رأيي بعض الفئات ذات السموميّة العالية التي على مدرستنا محاربتها دون مواربة وبجرأة ووضوح :
المتغيّبون على الدوام والمُغلّبون لتفاصيل حياتهم الخاصة على تفاصيل دروسهم العامة.
المُناورون (والمُناورات خاصة) والمُخاتلون و”المُكمبصون” لجرجرة تلاميذهم بدهاء نحو مستودعات الدروس الخصوصية.
الحاجبون لمعلومات أساسية في صميم الدرس من أجل غصب التلاميذ على استكمالها بمقابل في البيوت المُهيّأة للغرض.
النقابيون الفاشلون الذين يلوكون الشعارات البالية من قبيل “مدرسة شعبية وتعليم ديمقراطي وثقافة وطنية” ويعلّقون كل هِنات نظامنا التعليمي على شمّاعة تردّي ظروف التدريس وغياب المستلزمات وتلكّؤ الوزارة في إجراء “إصلاح تربوي عاجل وشامل”… وأبدا على حبل أداء المدرّسين ومستوى تكوينهم ومسؤوليتهم الفردية في الارتقاء بفعلهم البيداعوجي داخل الفصول.
الممتنعون بإصرار خرافي عن القراءة والمُقسمون بأغلظ الأيمان على تطليق الكتاب بالثلاث واعتبار أن الكتاب كتابٌ أوحد أو أن الحياة أكبر كتاب (كان يقولها أستاذ فلسفة في “مدينة الشرارة الأولى” عندما يُعرض عليه عنوان جديد له علاقة ببرنامج الباكالوريا).
المحافظون على نفس الكراريس ونفس الدفاتر الصفراء التي تظل ترافقهم من المهد إلى اللحد في ظل التطور اليومي المتسارع للعلوم والنظريات والمقاربات.
المتمارضون الذين يعرفون أن الشهائد الطبية التي يسندها بسخاء بعض الأطباء النفسانيين يصعب الطعن فيها ولا تخضع عادة إلى العيادات المضادّة.
المعلّمات اللواتي توظّفن براءة الأطفال للنبش في خصوصيات العائلات والسؤال عمّا إذا كان الأب من الصائمين أو المفطرين أو السؤال عمّن كان يصلّي ضمن أفراد العائلة. (حصل هذا معي شخصيا).
المتأدلجون السّاعون دوما إلى تلغيم العقول لتتفجّر يوما في وجه رسّام بريء (فولينسكي وكابو) أو كاتب متميّز (نجيب محفوظ وفرج فودة) أو سينمائي كبير( العقّاد) أو سياسي شاهق (شكري والبراهمي) … أو عاشقيْن في ريعان شبابهما لا علاقة لهما لا بالدين ولا بالمتديّنين بل فحسب بالحب والمحبّين (ضحايا مسرح الباتاكلان في فرنسا)…
المُربّون المسطّحون (نسبة إلى نظرية تسطيح الأرض عند شيوخ الدين) الذي يجرؤون على التشكيك في ما بات يُعرف بمسلّمات العلم في سائر مدارس المعمورة (ضد ما تقوله برامجنا الرسمية المعتمدة) مثل كرويّة الأرض ونظرية النشوء والتطور واكتشاف الكواكب الأخرى والتفسير العلمي للزلازل والكوارث الطبيعية.
الدّاعون إلى القفز على بعض الدروس غير المتطابقة مع “قناعاتهم المقدّسة” خاصة إذا تعلّق الأمر بوسائل منع الحمل أو الوقاية من الأمراض المنقولة جنسيّا أو الحبّ في أبعاده الحميميّة.
الحائزون على إقامة دائمة “متميّزة فوق الرتبة” في دهاليز الفايسبوك ومنعطفاته يردّدون ما تيسّر من الحِكم المُستهلكة والأقوال المنسوبة لدوستويفسكي وجلال الدين الرومي ولا يجدون لا الرغبة ولا الوقت للإبحار في عشرات محرّكات البحث لإخصاب دروسهم وتدقيق معلوماتهم والنّهل من نفائس المراجع والقواميس.
الرّافضون للتمييز بين مهنة سُوّاق الحافلات أو عمّال المخابز من ناحية (وهي مهن ثابتة يؤدّيها أصحابها وفق قواعد محدّدة لا تستدعي كثيرا من الاجتهاد أو الابتكار) ومهنة التدريس من ناحية أخرى التي تتطلب تطويرا يوميا وتفاعلا حينيّا مع ذوات تلمذية متحركة وبحثا دائما عمّا يُغني ويُثري وعينا ساهرة تنظر صوب “ما يجب تحصيله حتما من قِبل الجميع لمواجهة المراحل اللاحقة”.
تصفح أيضا
عبد الكريم قطاطة:
فترة التسعينات كانت حبلى بالاحداث والتغييرات في مسيرتي المهنية منها المنتظر والمبرمج له ومنها غير المنتظر بتاتا …
وانا قلت ومازلت مؤمنا بما قلته… انا راض بأقداري… بحلوها وبمرّها… ولو عادت عجلة الزمن لفعلت كلّ ما فعلته بما في ذلك حماقاتي واخطائي… لانني تعلمت في القليل الذي تعلمته، انّ الانسان من جهة هو ابن بيئته والبيئة ومهما بلغت درجة وعينا تؤثّر على سلوكياتنا… ومن جهة اخرى وحده الذي لا يعمل لا يخطئ… للتذكير… اعيد القول انّه وبعد ما فعله سحر المصدح فيّ واخذني من دنيا العمل التلفزي وهو مجال تكويني الاكاديمي، لم انس يوما انّني لابدّ ان اعود يوما ما الى اختصاصي الاصلي وهو العمل في التلفزيون سواء كمخرج او كمنتج او كلاهما معا… وحددت لذلك انقضاء عشر سنوات اولى مع المصدح ثمّ الانكباب على دنيا التلفزيون بعدها ولمدّة عشر سنوات، ثمّ اختتام ما تبقّى من عمري في ارقى احلامي وهو الاخراج السينمائي…
وعند بلوغ السنة العاشرة من حياتي كمنشط اذاعي حلّت سنة 1990 لتدفعني للولوج عمليا في عشريّة العمل التلفزي… ولانني احد ضحايا سحر المصدح لم استطع القطع مع هذا الكائن الغريب والجميل الذي سكنني بكلّ هوس… الم اقل آلاف المرات انّ للعشق جنونه الجميل ؟؟ ارتايت وقتها ان اترك حبل الوصل مع المصدح قائما ولكن بشكل مختلف تماما عما كنت عليه ..ارتايت ان يكون وجودي امام المصدح بمعدّل مرّة في الاسبوع ..بل وذهبت بنرجسيتي المعهودة الى اختيار توقيت لم اعتد عليه بتاتا ..نعم اخترت الفضاء في سهرة اسبوعية تحمل عنوان (اصدقاء الليل) من التاسعة ليلا الى منتصف الليل …هل فهمتم لماذا وصفت ذلك الاختيار بالنرجسي ؟؟ ها انا افسّر ..
قبل سنة تسعين عملت في فترتين: البداية كانت فترة الظهيرة من العاشرة صباحا حتى منتصف النهار (والتي كانت وفي الاذاعات الثلاث قبل مجيئي فترة خاصة ببرامج الاهداءات الغنائية)… عندما اقتحمت تلك الفترة كنت مدركا انيّ مقدم على حقل ترابه خصب ولكنّ محصوله بائس ومتخلّف ..لذلك اقدمت على الزرع فيه … وكان الحصاد غير متوقع تماما ..وتبعتني الاذاعة الوطنية واذاعة المنستير وقامت بتغييرات جذرية هي ايضا في برامجها في فترة الضحى .. بل واصبح التنافس عليها شديدا بين المنشطين ..كيف لا وقد اصبحت فترة الضحى فترة ذروة في الاستماع … بعد تلك الفترة عملت ايضا لمدة في فترة المساء ضمن برنامج مساء السبت … ولم يفقد انتاجي توهجه ..وعادت نفس اغنية البعض والتي قالوا فيها (طبيعي برنامجو ينجح تي حتى هو واخذ اعزّ فترة متاع بثّ) …
لذلك وعندما فكّرت في توجيه اهتمامي لدنيا التلفزيون فكرت في اختيار فترة السهرة لضرب عصفورين بحجر واحد… الاول الاهتمام بما ساحاول انتاجه تلفزيا كامل ايام الاسبوع وان اخصص يوما واحدا لسحر المصدح ..ومن جهة اخرى وبشيء مرة اخرى من النرجسية والتحدّي، اردت ان اثبت للمناوئين انّ المنشّط هو من يقدر على خلق الفترة وليست الفترة هي القادرة على خلق المنشط ..وانطلقت في تجربتي مع هذا البرنامج الاسبوعي الليلي وجاءت استفتاءات (البيان) في خاتمة 1990 لتبوئه و منشطه المكانة الاولى في برامج اذاعة صفاقس .. انا اؤكّد اني هنا اوثّق وليس افتخارا …
وفي نفس السياق تقريبا وعندما احدثت مؤسسة الاذاعة برنامج (فجر حتى مطلع الفجر) وهو الذي ينطلق يوميا من منتصف الليل حتى الخامسة صباحا، و يتداول عليه منشطون من الاذاعات الثلاث… طبعا بقسمة غير عادلة بينها يوم لاذاعة صفاقس ويوم لاذاعة المنستير وبقية الايام لمنشطي الاذاعة الوطنية (اي نعم العدل يمشي على كرعيه) لا علينا … سررت باختياري كمنشط ليوم صفاقس ..اولا لانّي ساقارع العديد من الزملاء دون خوف بل بكلّ ثقة ونرجسية وغرور… وثانيا للتاكيد مرة اخرى انّ المنشط هو من يصنع الفترة ..والحمد لله ربحت الرهان وبشهادة اقلام بعض الزملاء في الصحافة المكتوبة (لطفي العماري في جريدة الاعلان كان واحدا منهم لكنّ الشهادة الاهمّ هي التي جاءتني من الزميل الكبير سي الحبيب اللمسي رحمه الله الزميل الذي يعمل في غرفة الهاتف بمؤسسة الاذاعة والتلفزة) …
سي الحبيب كان يكلمني هاتفيا بعد كل حصة انشطها ليقول لي ما معناه (انا نعرفك مركّب افلام باهي وقت كنت تخدم في التلفزة اما ما عرفتك منشط باهي كان في فجر حتى مطلع الفجر .. اما راك اتعبتني بالتليفونات متاع المستمعين متاعك، اما مايسالش تعرفني نحبك توة زدت حبيتك ربي يعينك يا ولد) … في بداية التسعينات ايضا وبعد انهاء اشرافي على “اذاعة الشباب” باذاعة صفاقس وكما كان متفقا عليه، فكرت ايضا في اختيار بعض العناصر الشابة من اذاعة الشباب لاوليها مزيدا من العناية والتاطير حتى تاخذ المشعل يوما ما… اطلقت عليها اسم مجموعة شمس، واوليت عناصرها عناية خاصة والحمد لله انّ جلّهم نجحوا فيما بعد في هذا الاختصاص واصبحوا منشطين متميّزين… بل تالّق البعض منهم وطنيا ليتقلّد عديد المناصب الاعلامية الهامة… احد هؤلاء زميلي واخي الاصغر عماد قطاطة (رغم انه لا قرابة عائلية بيننا)…
عماد يوم بعث لي رسالة كمستمع لبرامجي تنسمت فيه من خلال صياغة الرسالة انه يمكن ان يكون منشطا …دعوته الى مكتبي فوجدته شعلة من النشاط والحيوية والروح المرحة ..كان انذاك في سنة الباكالوريا فعرضت عليه ان يقوم بتجربة بعض الريبورتاجات في برامجي .. قبل بفرح طفولي كبير لكن اشترطت عليه انو يولي الاولوية القصوى لدراسته … وعدني بذلك وسالته سؤالا يومها قائلا ماذا تريد ان تدرس بعد الباكالوريا، قال دون تفكير اريد ان ادرس بكلية الاداب مادة العربية وحلمي ان اصبح يوما استاذ عربية ..ضحكت ضحكة خبيثة وقلت له (تي هات انجح وبعد يعمل الله)… وواصلت تاطيره وتكوينه في العمل الاذاعي ونجح في الباكالوريا ويوم ان اختار دراسته العليا جاءني ليقول وبكلّ سعادة …لقد اخترت معهد الصحافة وعلوم الاخبار… اعدت نفس الضحكة الخبيثة وقلت له (حتّى تقللي يخخي؟) واجاب بحضور بديهته: (تقول انت شميتني جايها جايها ؟؟)… هنأته وقلت له انا على ذمتك متى دعتك الحاجة لي ..
وانطلق عماد في دراسته واعنته مع زملائي في الاذاعة الوطنية ليصبح منشطا فيها (طبعا ايمانا منّي بجدراته وكفاءته)… ثم استنجد هو بكلّ ما يملك من طاقات مهنية ليصبح واحدا من ابرز مقدمي شريط الانباء… ثم ليصل على مرتبة رئيس تحرير شريط الانباء بتونس 7 ..ويوما ما عندما فكّر البعض في اذاعة خاصة عُرضت على عماد رئاسة تحريرها وهو من اختار اسمها ..ولانّه لم ينس ماعاشه في مجموعة شمس التي اطرتها واشرفت عليها، لم ينس ان يسمّي هذه الاذاعة شمس اف ام … اي نعم .عماد قطاطة هو من كان وراء اسم شمس اف ام …
ثمة ناس وثمة ناس ..ثمة ناس ذهب وثمة ناس ماجاوش حتى نحاس ..ولانّي عبدالكريم ابن الكريم ..انا عاهدت نفسي ان اغفر للذهب والنحاس وحتى القصدير ..وارجو ايضا ان يغفر لي كل من اسأت اليه ..ولكن وربّ الوجود لم اقصد يوما الاساءة ..انه سوء تقدير فقط …
ـ يتبع ـ
عبد الكريم قطاطة:
المهمة الصحفية الثانية التي كلفتني بها جريدة الاعلان في نهاية الثمانينات تمثّلت في تغطية مشاركة النادي الصفاقسي في البطولة الافريقية للكرة الطائرة بالقاهرة …
وهنا لابدّ من الاشارة انها كانت المرّة الوحيدة التي حضرت فيها تظاهرة رياضية كان فيها السي اس اس طرفا خارج تونس .. نعم وُجّهت اليّ دعوات من الهيئات المديرة للسفر مع النادي وعلى حساب النادي ..لكن موقفي كان دائما الشكر والاعتذار ..واعتذاري لمثل تلك الدعوات سببه مبدئي جدا ..هاجسي انذاك تمثّل في خوفي من (اطعم الفم تستحي العين)… خفت على قلمي ومواقفي ان تدخل تحت خانة الصنصرة الذاتية… اذ عندما تكون ضيفا على احد قد تخجل من الكتابة حول اخطائه وعثراته… لهذا السبب وطيلة حياتي الاعلامية لم اكن ضيفا على ايّة هيئة في تنقلات النادي خارج تونس ..
في رحلتي للقاهرة لتغطية فعاليات مشاركة السي اس اس في تلك المسابقة الافريقية، لم يكن النادي في افضل حالاته… لكن ارتأت ادارة الاعلان ان تكلّفني بمهمّة التغطية حتى اكتب بعدها عن ملاحظاتي وانطباعاتي حول القاهرة في شكل مقالات صحفية… وكان ذلك… وهذه عينات مما شاهدته وسمعته وعشته في القاهرة. وهو ما ساوجزه في هذه الورقة…
اوّل ما استرعى انتباهي في القاهرة انّها مدينة لا تنام… وهي مدينة الضجيج الدائم… وما شدّ انتباهي ودهشتي منذ الساعة الاولى التي نزلت فيها لشوارعها ضجيج منبهات السيارات… نعم هواية سائقي السيارات وحتى الدراجات النارية والهوائية كانت بامتياز استخدام المنبهات… ثاني الملاحظات كانت نسبة التلوّث الكثيف… كنت والزملاء نخرج صباحا بملابس انيقة وتنتهي صلوحية اناقتها ونظافتها في اخر النهار…
اهتماماتي في القاهرة في تلك السفرة لم تكن موجّهة بالاساس لمشاركة السي اس اس في البطولة الافريقية للكرة الطائرة… كنا جميعا ندرك انّ مشاركته في تلك الدورة ستكون عادية… لذلك وجهت اشرعة اهتمامي للجانب الاجتماعي والجانب الفنّي دون نسيان زيارة معالم مصر الكبيرة… اذ كيف لي ان ازور القاهرة دون زيارة خان الخليلي والسيدة زينب وسيدنا الحسين والاهرام… اثناء وجودي بالقاهرة اغتنمت الفرصة لاحاور بعض الفنانين بقديمهم وجديدهم… وكان اوّل اتصال لي بالكبير موسيقار الاجيال محمد عبد الوهاب رحمه الله… هاتفته ورجوت منه امكانية تسجيل حوار معه فاجابني بصوته الخشن والناعم في ذات الوقت معتذرا بسبب حالته الصحية التي ليست على ما يرام…
لكن في مقابل ذلك التقيت بالكبير محمد الموجي بمنزله وقمت بتسجيل حوار معه ..كان الموجي رحمه الله غاية في التواضع والبساطة… لكن ما طُبع في ذهني نظرته العميقة وهو يستمع اليك مدخّنا سيجارته بنهم كبير… نظرة اكاد اصفها بالرهيبة… رهبة الرجل مسكونا بالفنّ كما جاء في اغنية رسالة من تحت الماء التي لحنها للعندليب… نظرة المفتون بالفن من راسه حتى قدميه…
في تلك الفترة من اواخر الثمانينات كانت هنالك مجموعة من الاصوات الشابة التي بدات تشق طريقها في عالم الغناء ..ولم اترك الفرصة تمرّ دون ان انزل ضيفا عليهم واسجّل لهم حوارات… هنا اذكر بانّ كلّ التسجيلات وقع بثها في برامجي باذاعة صفاقس… من ضمن تلك الاصوات الشابة كان لي لقاءات مع محمد فؤاد، حميد الشاعري وعلاء عبدالخالق… المفاجأة السارة كانت مع لطيفة العرفاوي… في البداية وقبل سفرة القاهرة لابدّ من التذكير بانّ لطيفة كانت احدى مستمعاتي… وعند ظهورها قمت بواجبي لتشجيعها وهي تؤدّي انذاك وباناقة اغنية صليحة (يا لايمي عالزين)…
عندما سمعت لطيفة بوجودي في القاهرة تنقلت لحيّ العجوزة حيث اقطن ودعتني مع بعض الزملاء للغداء ببيتها… وكان ذلك… ولم تكتف بذلك بل سالت عن احوالنا المادية ورجتنا ان نتصل بها متى احتجنا لدعم مادي… شكرا يا بنت بلادي على هذه الحركة…
اختم بالقول قل ما شئت عن القاهرة.. لكنها تبقى من اعظم واجمل عواصم الدنيا… القاهرة تختزل عبق تاريخ كلّ الشعوب التي مرّت على اديمها… نعم انها قاهرة المعزّ…
ـ يتبع ـ
محمد الزمزاري:
انطلقت الحملة الوطنية المتعلقة هذه المرة بالتقصي حول الأمراض المزمنة وكان مرض السكري وأيضا مرض ضغط الدم هما المدرجان في هذه الحملة.
يشار إلى أن نسب مرضى السكري و ضغط الدم قد عرفت ارتفاعا ملفتا لدى المواطنين و بالتحديد لدى شريحة كبار السن مما يكسي اهمية لهذه الحملات التي تنظمها وزارة الصحة العمومية بالتعاون المباشر مع هيئة الهلال الأحمر التونسي.. وقد سنحت لنا الفرصة لحضور جزء مهم من الحملة في بهو محطة القطارات الرئيسية بساحة برشلونة، لنقف على تفاعل عديد المواطنين المصطفّين قصد الخضوع لعملية التقصي بكل انضباط وكان جل الوافدين طبعا من كبار السن، كما لوحظ تواجد عدد كبير من ممثلي الهلال الأحمر ومن الأطباء بمكتبين ويساعدهم بعض الممرضين.
الغريب انه لدى تغطيتى العارضة لهذه الحملة المتميزة التي تهدف اساسا إلى توعية المواطنين وحثهم على تقصي الأمراض بكل انواعها بصور مبكرة، بالاعتماد على كافة قنوات الاتصال وأهمها الإعلام الذي لن يكون الا داعما لهذا الهدف الإنساني لكن احد اعوان الهلال الأحمر فتح معي بحثا ان كنت من التلفزة الوطنية ملاحظا ان القناة المذكورة هي الوحيدة المسموح لها بالقيام بالتغطية ولم يكتف بهذا بل أكد ان الأطباء لا يحبون التصوير.
طبيعي اني لم اتفاعل مع هذا الجهل وضحالة المعرفة باهداف الحملة بالإضافة إلى عمليات التقصي الفعلي ..ولما تجاوز في الإلحاح طلبت منه الاستظهار بصفته هل هو منسق الحملة حتى يمكنني أن امر إلى المسؤول عنها بصفتي صحفيا ..وواصلت عملى أمام انكماش هذا العون التابع للهلال الأحمر حسبما يدل عليه زيه.
وبعيدا عن هذا، لا يفوت التنويه بالجهود الكبيرة التي يتحلى بها طاقم الاطباء و الممرضين و متطوعي الهلال الاحمر، الذين يجهدون انفسهم لانجاح هذه الحملة سواء داخل بهو محطة السكك الحديدية او عبر بعض الفرق التي تعمل على التعريف بجدوى التقصي حتى خارج البهو الكبير.
صن نار
- ثقافياقبل 8 ساعات
قريبا وفي تجربة مسرحية جديدة: “الجولة الاخيرة”في دار الثقافة “بشير خريّف”
- جور نارقبل 9 ساعات
ورقات يتيم … الورقة 89
- ثقافياقبل 19 ساعة
زغوان… الأيام الثقافية الطلابية
- جلـ ... منارقبل يوم واحد
الصوت المضيء
- جور نارقبل يومين
ورقات يتيم ..الورقة 88
- ثقافياقبل 3 أيام
نحو آفاق جديدة للسينما التونسية
- صن نارقبل 3 أيام
الولايات المتحدة… إطلاق نار في “نيو أوليانز” وقتلى وإصابات
- صن نارقبل 3 أيام
في المفاوضات الأخيرة… هل يتخلى “حزب الله” عن جنوب لبنان؟