تابعنا على

جور نار

ورقات يتيم … الورقة 61

نشرت

في

عبد الكريم قطاطة:

العمل في شريط الانباء كفنّي في المونتاج لا يتطلّب دراية كبرى في ذلك الفنّ بقدر ما يتطلب عنصرين هامّين لدى المركّب… العنصر الاوّل السرعة في الانجاز والثاني الدراية الكاملة بالبروتوكول الحكومي والحزبي للشخصيات التي يقع تصويرها ذلك اليوم والتي ستمرّ ضمن شريط الانباء…

عبد الكريم قطاطة

ولتوضيح عديد النقاط التي يجهلها جل المشاهدين دعوني افسّر لكم البعض منها … اوّلا لنتفق جميعا انه في تلك الفترة كانت الاحداث التي تُصوّر تهتم قبل كل شيء بنشاط رئيس الدولة اليومي سواء كان منها العادي حيث اجتماعاته بوزرائه وضيوفه وهي غالبا ما تكون على الساعة الـ11 صباحا بقصر قرطاج .. والرئيس له فريق تلفزي خاص به بالقصر ثم فرق تلفزية اخرى تابعة لقسم تصوير الاخبار مهمتها مواكبة اشغال الوزراء بدءا بالترتيب البروتوكولي لهم ..التصوير انذاك كان على شريط فيلمي وهذا يعني ان هناك عملية تحميض تتم بمخبر المؤسسة يوميا … دور المركّب وبالتنسيق الكلّي مع رئيس تحرير قسم الاخبار ان يقوم باختيار الصور المناسبة قيمة ومدّة لبثها في شريط الانباء على الثامنة مساء …

هذه العملية ليست بالهينة تماما، اذ لا يُعقل مثلا في اجتماع شعبي لرئيس الدولة ان لا تمُرّ صورته بمختلف اصناف الكادراج والتركيز خاصة على القريب منها حتى يُبرز الاختيار كاريزما الرئيس وهو المعروف والمشهود له بتأثير نظراته وحركات رأسه ويديه وقدرته الاسطورية على التغلغل بهذه الميزات في وعي ولاوعي المشاهد ..فخطاباته كانت ـ اكنت من محبّيه ام كارهيه ـ تخترق المشاهد وتشدّه موضوعيا بقدرة صاحبها (الزعيم بورقيبة) على الجذب والسحر والابهار ..هو بمثابة الممثل البارع في فن الخطابة الذي يُخضعك لصولجان براعته …

ثم على المركّب ان لا ينسى خاصة بعض الصور للماجدة وسيلة ولكن ورغم هيامه الاسطوري بها يجب الا تكون في حجم ومدّة حضور المجاهد الاكبر (نحبّك يا وسيلة ونموت عليك اوكي اما اللعب بعشانا لا) … ومع الماجدة حذار ان تمرّ منك صورة لها وهي تقدّ في روبتها او تتضيحك… لذلك الجيل هل شاهدتم مرة واحدة وسيلة تتزعبن؟؟؟ يستحيل لا خارج القصر و بالطبيعة لا داخله… حريم السلطان راهي … انها الماجدة الرصينة الجدية ..في كلمة (السلطانة) …دعوني هنا افتح قوسين … (تفوه على الدنيا التي تحصرنا في كهف الرصانة والجديّة الى حد العبوس… هذه النوعية هل عاشت حياتها؟؟… هل فهمت يوما ماهي متعة الحياة ؟؟ ما قيمة حياتنا اذا لم نعبث احيانا كالاطفال… نشطح معهم …نقهقه .. نغمس ارجلنا في الرمل على الشاطئ …نضرب ماء البحر باطراف اصابعنا… نخرج من معقّف البريستيج)… لهذه الاسباب وضعت الاشارة بين قوسين ..لأنّ حياتهم هي بين معقّفين اوّلهما (هو يصير ..؟؟)… وثانيهما (راك سي فلان او للة فلانة) …

طز والف بليون طز في كلمة سي وفي كل الالقاب التي تحرمني من قعيدة بالسروال العربي… في قهوة شعبية احتسي الكابوسان مع كل روادها من الڨاراجيست الى الاستاذ الجامعي … استمع الى الاول فاتعلّم منه بساطة ومتعة الحياة لانه من فصيلة بوزيد مكسي بوزيد عريان … واتحاور مع الثاني وكلّ همّي كان وسيبقى ان اقول له إن المثقف الحقيقي هو الذي ينزل الى الاخر فيقتسم معه حياته باسلوب مبسّط بعيدا عن مدارج الجامعة واؤكد له ان ذلك لن يُنقص من قيمته شيئا … واُعيده الى قائمة العظماء عبر التاريخ الانساني من انبياء وفلاسفة ومفكرين ليُدرك انّ عظمتهم مصدرها الاساسي الاختلاط بالعامة واستلهام عديد الدروس منهم .. الم يكن عمر بن الخطاب عظيما وهو يطهو بنفسه طعام تلك الجائعة بعد ان اشتكت له من امير المؤمين وهي لم تدرك وقتها انه امير المؤمنين ؟؟ ….ومع هذا الخليفة العادل الم يقل لداهية العرب عمرو بن العاص متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم امهاتهم احرارا ..في حادثة اعتداء ولد ابن العاص على واحد من عامة الناس ..؟؟؟ اليست العظمة الحقيقية ان نتفاعل مع الاخر دون النزول الى الابتذال ونرتفع معا الى مستوى جميل ؟؟…

في المونتاج يجب الحرص ايضا على تركيب صور اعضاء الحكومة حسب الاهمية البروتوكولية لمناصبهم … وهذا من اختصاص بعض المركبين فقط انذاك كان امهرنا “الملك”… هكذا يُلقّبونه اشتقاقا من اسمه (محمد علي الرويدي) اخذوا الروي واشتقوا منها كلمة ملك بالفرنسية… الا انه كانت تعوزه بعض تفاصيل تقنيات المونتاج الهامة كلحظة الربط بين مشهد وآخر… حيث يجب حتما حذف ثلاث صور احيانا من المشهد الاول الذي به بداية حركة راس الشخص حتى لا تقلق البصر عند المشاهدة … هذه جزئيات يُحسّها المشاهد دون ان يدرك السبب ولكن فنّي المونتاج يدرسها نظريا ثمّ يطبق حذفها متى جاءت في الصورة .. دون نسيان بعض التعليمات التي تأتي للمركّب من رئيس قسم التحرير والتي من ضمنها مثلا عدم تمرير اية صورة للوزير الفلاني في شريط الانباء لذلك اليوم ..كنت انظر الى رئيس التحرير واسأل ببراءة خبيثة (اشنوة كمّل السيّد؟) اي طيّرو ..

وتأتي الاجابات حسب نوعية رئيس التحرير اما بالصمت ..ما يعبركش ..او بالهمهمة دون تفكيك اسرارها ..او بابتسامة من نوع (اش عنا فيهم هذي تعليمات اكهو خويا عبدالكريم) …ثم يضيف اغلبهم: (نمشي نتهنّى ؟)… وهذا السؤال في ظاهره عادي وفي باطنه خوف على منصبه …لان مثل هذه التعليمات تأتي مباشرة من القصر الى رئيس مدير عام المؤسسة وهو بدوره يبلّغها الى رئيس التحرير والاكيد ايضا انه يختمها بـ (نتهنّى ؟؟؟)… اذ انّ عدم تنفيذ تعليمات القصر تعني دون ادنى شك ثلاث رؤوس تطير (الرئيس المدير العام ومدير التلفزة ورئيس تحرير شريط الانباء) … لذلك افهموا عيارة نمشي ونتهنّى هي من نوع (يعيّش خويا راهي خبزتي) .. وهي في الحقيقة “بريوشة” ولم تكن يوما خبز عياله لانّ مثل هؤلاء هم في جلّهم يتذللون من اجل الكرسي لا من اجل قوت العيال ..هم من اجل ذلك المنصب الحقير يشربون ماء الحياة بذلّة وجهنم بالكرسي اطيب منزل …

كما اسلفت سابقا وقع تعييني في قسم المونتاج بشريط الانباء استعداد للحدثين الهامين اولهما مؤتمر الحزب في سبتمبر 79 .. في مثل هذه الاحداث تشتغل ماكينة “الملأ” …الملأ كلمة وردت بشكل مطّرد في القرأن الكريم وهي تعني الحاشية …والتي عموما تكون من النوع السيء: ملأ فرعون ملأ ملكة سبأ … وحتى بعد ظهور الاسلام لم يختف هذا الملأ وبدأت ملامحه الاولى في عهد الخليفة عثمان ثمّ عاد في جل العهود بدءا من الدولة الاموية ووصولا الى يوم الناس هذا لتشتغل… فالبجبوج له ملؤه والغنوشي له ملؤه* والاخرون لهم ندماؤهم … الحاشية في سنة 79 ارتات ان تعمل هي ايضا من اجل حساباتها الضيقة ..

منذ تلك السنة بدأت حاشية القصر تعمل لحسابها قبل حسابات الزعيم …. اي بدأت الدسائس والنظرة الاستشرافية لما بعد بورقيبة ..بعض فصائلها ركّزت جوكاراتها على الاعلام ..عينت رئيسا مديرا عاما جديدا لدار التلفزة، سالم بوميزة ..عينت مديرا عاما للاخبار، عبدالحميد سلامة… واقالت بشكل غير رسمي مدير اذاعة صفاقس انذاك المرحوم محمد قاسم المسدّي وذلك بالادعاء انها في حاجة الى خدماته ضمن فريق شريط الانباء …دون تعيين مدير لاذاعة صفاقس حتى لا تفتضح نواياها …وانطلقت اشغال المؤتمر …كانت اجواؤه مشحونة جدا ولكن ما كان يمرّ للمشاهد العادي وكالعادة الهتاف للزعيم من الجميع والابتسامات البلاستيكية لكل الاخوة الاعداء ..الا ان بعض الصور التي تصل الينا كنّا نقرأ فيها التحايا المسمومة والوجوه الحقيقية لذئاب السياسة …

صدقا لا ازعم انني من البارعين في الاهتمام بما يجري …لانني كنت ومازلت اعتبر جلّهم من طينة قابيل وانّ هابيل الحقيقي هو الشعب … وظهرت نتائج المؤتمر وخسرت حاشية جوكارات الاعلام المعركة …عاد المرحوم قاسم المسدّي الى عرينه … وارتأت رئاسة المؤسسة ان تنقذ ماء الوجه بانتاج شريط وثائقي هام حول انتقال الجامعة العربية الى تونس بعد القطيعة مع مصر السادات ممضي اتفاقية السلام مع اسرائيل … وراس الهم دادة عيشة …من لهذا العمل غيرك يا عبدالكريم …؟؟؟ كان ذلك صبيحة يوم اثنين …والصبيحة تعني عندي في عملي بقسم مونتاج شريط الانباء الحادية عشرة صباحا كان لطف بيهم ربّي …طبعا وباتفاق كُلّي معهم …. ولكن في المقابل قد لا اغادر عملي قبل منتصف الليل احيانا …

صبيحة ذلك الاثنين وجدت مدير الاخبار عبدالحميد سلامة في انتظاري… اتاني بكمّ هائل من الاشرطة المصورة حول تاريخ الجامعة ومعاهدة كامب دافيد ومؤتمر اخر قمة ببغداد حيث وقعت القطيعة مع مصر (افريل 79) ومشاهد عديدة لتونس ماضيا وحاضرا… وطلب منّي انتاج شريط وثائقي للحدث حسب تصوُّري الفنّي سيقع عرضه على رئيس الدولة قبل بثّه للضيوف العرب في انطلاق قمة تونس …ثم اضاف اريده شريطا طويلا لا يقلّ عن الساعة والنصف …نظرت الى الاشرطة ومن خلال تجربتي في الميدان قلت له إن هذه الاشرطة لا يمكن ان نستخرج منها اكثر من ساعة على اقصى تقدير …ضحك مدير الاخبار وقال بنغمة فيها شيء من الاستعلاء ليذكّرني بأنه مدير قد الدنيا: (انا نعرف اش نقول سي عبدالكريم …اوكي يقولو عليك من خيرة المركبين وجاي فرشك من فرنسا .. اما حتى انا نعرف خدمتي) …

ولأنني لم اكن يوما حربوشة سهلة الابتلاع .. ولأنني لم اتمسّح يوما على قدم مسؤول … قطّبت حاجبيّ بشيء من الانفعال وقلت: احتراماتي ليك سي عبدالحميد …انا لا يمكن لي يوما ان اضع الصفارة في فمي وان اقوم بدورك كحكم في مباراة لكرة القدم (باعتباره كان قاضي ملاعب في فترة ما) … ولا يمكن لي ان البس ميدعة بيضاء لاقوم بدورك كاستاذ في مادة العربية…( وهو كذلك ايضا) … ولكن في المقابل ودون افتخار او زهو اقول لك ما جلبته لي من اشرطة لا يمكن ان نستخرج منها اكثر من ساعة على اقصى تقدير، وهذه ليست عنترية من جانبي بقدر ماهي تجربة …هل يمكن لك ان تعطي مترا من القماش الى خياط وتطلب منه جلبابا لسيّد طوله متران …؟؟ وقف مدير الاخبار واجما مصعوقا من سي عبدالكريم هذا الذي تجرّأ على منطقه وهشّمه ….احسست في نفس الوقت باعجابه بعلوّ حجّتي … طبطب على كتفي وقال: انا سمعت عنك الكثير وكلّي ثقة فيك … ساترك الاشرطة وسادعك تعمل ..لن اشك في نزاهتك ولا في كفاءتك …لكن لندعه رهانا بيننا… اذا صحّت رؤيتي ستتكفّل بخلاص عشاء فاخر في اي مطعم اختاره واذا صحّت رؤيتك اطلب ما تشاء وفي ايّ مكان ايضا هل تقبل الرهان ..؟؟ نظرت اليه مليّا وقلت له: اوّلا اعدك بانّي ساكون نزيها وصادقا في عملي ولن اسرقك في الرهان ..لم يتركني اتمّ وقال هذا واثق منه انا مرة اخرى اقول لك انا لا اعرفك ولكن المعلومات التي تصلني عنك تسير في هذا المسار … قلت له وثانيا ساكون عند وعدي وارجو ان تكون عند وعدك …مسك يدي بحرارة وصدق وقال: صاحبك راجل …

وانطلقت رحلتي مع الشريط …كل كفاءتي ومهنيّتي وضعتهما في ذلك الشغل …كنت كل ليلة عندما انتهي من عملي على الشريط وقبل ان انام اعانق وسادتي واتمتم كلمات لا يفهمها احد .. باستثناء وسادتي …انا من الذين يعشقون وسادتهم …قد نرمي رؤوسنا احيانا على صدر من نحب ..هي لحظات ممتعة الى درجة الذوبان .. التوهان … ننسى فيها الزمكان … ولكن للوسادة الشخصية لكل واحد منّا طعما خاصا .. انها الخليل او الخليلة التي لا تهجرك … هي.طوع لك وانت طوع لها …لن تملّ منك في كلّ حالاتك مبعثرا كنت… شايخ… فادد …حزين …طاير … تنسجم معك تعانقك… تواسيك … تناجيك … تناديك … تلاغيك …تفهم جد والديك … واتممت عملي …جاء مدير الاخبار وبدأنا المعاينة …طيلة 55 دقيقة و40 ثانية مدّة الشريط لم ينبس ببنت شفة ولا بنت سلفتها ولا بنت اخت راجلها …كان رصينا جدا في مشاهدته للفيلم ومتتبّعا جيّدا لكل منعرجاته … نظر اليّ بعد نهايته وقال: سي عبدالكريم برافو …انت فنّان …ونهض دون ان يسأل عن مدته ودون ان يعود للرهان …عاد بعد لحظات وقال: ماشي نهزوه للمعلّم يشوفو … توة نرجعلك …والمقصود الرئيس المدير العام للمؤسسة…

عاد بعد ساعة ونصف واعاد تهنئتي بعد أن لمس سعادة عرفه بالمنتوج ثمّ سالني: قداش هو المدة متاعو؟؟؟ اجبته بانه لم يصل حتى لساعة من الزمن …رفع يده إلى جبينه باشارة معناها (هذا حقّك، اطلب وادلّل) …قلت له: نقلتي الى صفاقس …وبنبرة كلّها اندهاش قال لي: اشنوّة ..؟؟ قلت له نقلتي الى صفاقس …ردّ: اشنية هذي نكتة ..؟؟ قلت له ربحت الرهان وانت وعدتني بالاستجابة لطلبي وهذا هو طلبي … جلس بجانبي وقال لي: تحكي بجدّك يخخي ؟؟؟ كيفاش هذي ؟؟ انت هنا الف واحد يتمنّاو بلاصتك ؟؟؟ اش ماشي تعمل في صفاقس …؟؟…

انذاك “نڨّزت”على السؤال الاخير وقلت له …لماذا لا يتم بعث نواة تلفزية هنالك تقوم بانتاج برامج شهرية تُعنى بالجنوب … كلّ ما في الأمر كاميرا وطاولة مونتاج والبقية انا من سيتكفّل بها وسيُحسب ذلك انجازا هاما للمؤسسة في هذه الفترة …كنت ادرك جيّدا انّ مسّ يد ايّ مسؤول من خلال هذه الزاوية ستعطيه شراهة القبول والمُضي في الامر ..المسؤول يهمه فقط ان يذكره الاخرون بتاريخ انجاز ما في عهده …هكذا سي عبدالحميد ستضع اقتراحي للرئيس المدير العام ولا اظنه يرفض ….صمت قليلا ثم قال: من جانبي ارى الامر معقولا …وساقترح الأمر علي رئيسي …شددت على يديه وقلت له الان … انا ربحت الرهان فليكن الاقتراح الان ….كنت كمن ينتظر سيارة اجرة جماعية ويراها على بعد امتار منه ولا يريد ان تفوته …قال لي: هكة يا سي عبدالكريم الان ..؟؟ قلت له الحديد لا يُطرق الاّ ساخنا …الآن الآن وليس غدا ….

نهض مغادرا كابينة المونتاج ثم استدار باسما وقال : اوكي الآن …انذاك كنت اهتف الى عيّادة …ايّتها الغالية … عبدالكريم لم يف بوعده بعودته اليك من فرنسا دون بنت الرومية ان تختطفه منك، بل اراد لك “بونيس” بحجم سعادة عمرك به ..سيكون الى جانبك بصفاقس سيعود الى حوشنا الجميل سيعود الى … ان شاء الله تربح ساقيتنا ..الى الكازينو وسيدي منصور… قبل ان تعبث بهما مخنقة السياب والـ”ان بي كا” …الى المائة متر في قلب صفاقس …الى بوشويشة وسوق الحوت والجزارين وسوق الربع والرمانة …الى نهج الباي وسفنج السيالة ورحبة الرماد … الى كل ذرة من تراب مدينتي تماما كما تحبون كل ذرة من تراب مدنكم اينما كنتم …كم هي عزيزة مدننا علينا هي عزيزة على روحنا على تنفسنا هي الطعم الشهي لنوستالجيا الحياة ….ماهي قيمة حياتنا دون نوستالجيا ما عشناه؟ ..انسان بلا نوستالجيا عندي اشبه بغصن ميّت متدلّ من شجرة …اشبه بجثمان غير محمول على الاكتاف بل محمول على (كرعين صاحب الجثمان) …

ربع ساعة عشت فيها القادم …كنت ارى نفسي وانا ادقّ باب الحوش ليلا لاقول لهم عدت الى قصري …كنت ارى نفسي وانا مع اولاد حومتي لاقول لهم ايّا وين السهرية الجاية …؟؟..كنت ارى نفسي وانا ادخل اذاعة صفاقس لا كزميل زائر من تونس بل كواحد منهم يحمل معه مشروعا …مولودا جديدا ..موقعا جديدا لهذه الاذاعة الفتية …كنت ارى نفسي كل احد اغطس في ارجل حمّادي العقربي وانا اشاهده في جوفنتوس العرب يكوّر بكلّ من يحاول التقرّب منه … انّه العبث الجميل وما اشهى العبث الجميل في الحياة …كنت وكنت وكنت ثم افقت ….ايّا سي عبدالكريم …بداية من الاسبوع المقبل انت في صفاقس …قالها ..نعم والله العظيم قالها …يا ربّااااااااااااااااااااااااااااااااااه …. يا امّااااااااااااااااااااااااااااااااااه …. هل تدركون ما معنى ان نعانق اشياء نحبّها …ما معنى ان نضمّها بكل شوق وتوق حتّى ولو كانت محفوفة بالشوك …هل تفهمون حليّم عندما يئنّ في اغنيته فوق الشوك مشّاني زماني …انه يحكي عن اشواك الحب وبكلّ شوق وتوق وحب ….

في تلك اللحظة التي اعلمني فيها سي عبدالحميد بالقرار الرسمي سمّوني ما شئتم ….الاّ ان اكون انا ….مهبول …فرخ …معتوه ..باصص؟ …حلال عليكم …كلّ ما ادري انّني لا ادري … ….

ـ يتبع ـ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*تنويه: النص مكتوب في سبتمبر 2017

أكمل القراءة
انقر للتعليق

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جور نار

العراق: هل يستبق الأخطار المحدقة، أم سيكتفي بتحديد الإخلالات؟

نشرت

في

محمد الزمزاري:

ستنطلق الحكومة العراقية في تعداد السكان خلال هذه الأيام والذي سيأخذ مدى زمنيا طويلا وربما. تعطيلات ميدانية على مستوى الخارطة. العراقية.

محمد الزمزاري Mohamed Zemzari

ويعد هذا التعداد السكاني مهمّا ومتأخرا كثيرا عن الموعد الدوري لمثل هذه الإحصائيات بالنسبة لكل بلد… فالعراق لم يقم بتحيين عدد سكانه منذ ما يزيد عن ربع قرن، إذ عرف آخر تعداد له سنة 1997… ونظرا إلى عوامل عدة، فإن قرار القيام بهذا التعداد سيتجنب اي تلميح للانتماءات العرقية أو المذهبية عدا السؤال عن الديانة ان كانت إسلامية او مسيحية… وقد أكد رئيس الحكومة العراقية أن التعداد السكاني يهدف إلى تحديد أوضاع مواطني العراق قصد رصد الاخلالات و تحسين الخدمات وايضا لدعم العدالة الاجتماعية.

لعل اول مشكلة حادة تقف في وجه هذا التعداد العام، هو رفض الجانب الكردي الذي يضمر أهدافا و يسعى إلى التعتيم على أوضاع السكان في كردستان و في المنطقة المتنازع عليها بين العرب والأكراد و التركمان… خاصة أيضا ان اكثر من ثمانية أحياء عربية في أربيل المتنازع عليها، قد تم اخلاؤها من ساكنيها العرب وإحلال الأكراد مكانهم…

هذا من ناحية… لكن الأخطر من هذا والذي تعرفه الحكومة العراقية دون شك أن الإقليم الكردي منذ نشاته و”استقلاله” الذاتي يرتبط بتعاون وثيق مع الكيان الصهيوني الذي سعى دوما إلى تركيز موطئ قدم راسخ في الإقليم في إطار خططه الاستراتيجية.. وان مسؤولي الإقليم الكردي يسمحون للصهاينة باقتناء عديد الأراضي و المزارع على شاكلة المستعمرات بفلسطين المحتلة… وان قواعد الموساد المركزة بالاقليم منذ عشرات السنين ليست لاستنشاق نسيم نهر الفرات ! ..

أمام الحكومة العراقية إذن عدد من العراقيل والاولويات الوطنية والاستشرافية لحماية العراق. و قد تسلط عملية التعداد السكاني مثلما إشار إليه رئيس الحكومة العراقية الضوء على النقائص التي تتطلب الإصلاح و التعديل والحد من توسعها قبل أن يندم العراق ويلعنوا زمن الارتخاء وترك الحبل على الغارب ليرتع الصهاينة في جزء هام من بلاد الرافدين.

أكمل القراءة

جور نار

ورقات يتيم … الورقة 89

نشرت

في

عبد الكريم قطاطة:

فترة التسعينات كانت حبلى بالاحداث والتغييرات في مسيرتي المهنية منها المنتظر والمبرمج له ومنها غير المنتظر بتاتا …

عبد الكريم قطاطة

وانا قلت ومازلت مؤمنا بما قلته… انا راض بأقداري… بحلوها وبمرّها… ولو عادت عجلة الزمن لفعلت كلّ ما فعلته بما في ذلك حماقاتي واخطائي… لانني تعلمت في القليل الذي تعلمته، انّ الانسان من جهة هو ابن بيئته والبيئة ومهما بلغت درجة وعينا تؤثّر على سلوكياتنا… ومن جهة اخرى وحده الذي لا يعمل لا يخطئ… للتذكير… اعيد القول انّه وبعد ما فعله سحر المصدح فيّ واخذني من دنيا العمل التلفزي وهو مجال تكويني الاكاديمي، لم انس يوما انّني لابدّ ان اعود يوما ما الى اختصاصي الاصلي وهو العمل في التلفزيون سواء كمخرج او كمنتج او كلاهما معا… وحددت لذلك انقضاء عشر سنوات اولى مع المصدح ثمّ الانكباب على دنيا التلفزيون بعدها ولمدّة عشر سنوات، ثمّ اختتام ما تبقّى من عمري في ارقى احلامي وهو الاخراج السينمائي…

وعند بلوغ السنة العاشرة من حياتي كمنشط اذاعي حلّت سنة 1990 لتدفعني للولوج عمليا في عشريّة العمل التلفزي… ولانني احد ضحايا سحر المصدح لم استطع القطع مع هذا الكائن الغريب والجميل الذي سكنني بكلّ هوس… الم اقل آلاف المرات انّ للعشق جنونه الجميل ؟؟ ارتايت وقتها ان اترك حبل الوصل مع المصدح قائما ولكن بشكل مختلف تماما عما كنت عليه ..ارتايت ان يكون وجودي امام المصدح بمعدّل مرّة في الاسبوع ..بل وذهبت بنرجسيتي المعهودة الى اختيار توقيت لم اعتد عليه بتاتا ..نعم اخترت الفضاء في سهرة اسبوعية تحمل عنوان (اصدقاء الليل) من التاسعة ليلا الى منتصف الليل …هل فهمتم لماذا وصفت ذلك الاختيار بالنرجسي ؟؟ ها انا افسّر ..

قبل سنة تسعين عملت في فترتين: البداية كانت فترة الظهيرة من العاشرة صباحا حتى منتصف النهار (والتي كانت وفي الاذاعات الثلاث قبل مجيئي فترة خاصة ببرامج الاهداءات الغنائية)… عندما اقتحمت تلك الفترة كنت مدركا انيّ مقدم على حقل ترابه خصب ولكنّ محصوله بائس ومتخلّف ..لذلك اقدمت على الزرع فيه … وكان الحصاد غير متوقع تماما ..وتبعتني الاذاعة الوطنية واذاعة المنستير وقامت بتغييرات جذرية هي ايضا في برامجها في فترة الضحى .. بل واصبح التنافس عليها شديدا بين المنشطين ..كيف لا وقد اصبحت فترة الضحى فترة ذروة في الاستماع … بعد تلك الفترة عملت ايضا لمدة في فترة المساء ضمن برنامج مساء السبت … ولم يفقد انتاجي توهجه ..وعادت نفس اغنية البعض والتي قالوا فيها (طبيعي برنامجو ينجح تي حتى هو واخذ اعزّ فترة متاع بثّ) …

لذلك وعندما فكّرت في توجيه اهتمامي لدنيا التلفزيون فكرت في اختيار فترة السهرة لضرب عصفورين بحجر واحد… الاول الاهتمام بما ساحاول انتاجه تلفزيا كامل ايام الاسبوع وان اخصص يوما واحدا لسحر المصدح ..ومن جهة اخرى وبشيء مرة اخرى من النرجسية والتحدّي، اردت ان اثبت للمناوئين انّ المنشّط هو من يقدر على خلق الفترة وليست الفترة هي القادرة على خلق المنشط ..وانطلقت في تجربتي مع هذا البرنامج الاسبوعي الليلي وجاءت استفتاءات (البيان) في خاتمة 1990 لتبوئه و منشطه المكانة الاولى في برامج اذاعة صفاقس .. انا اؤكّد اني هنا اوثّق وليس افتخارا …

وفي نفس السياق تقريبا وعندما احدثت مؤسسة الاذاعة برنامج (فجر حتى مطلع الفجر) وهو الذي ينطلق يوميا من منتصف الليل حتى الخامسة صباحا، و يتداول عليه منشطون من الاذاعات الثلاث… طبعا بقسمة غير عادلة بينها يوم لاذاعة صفاقس ويوم لاذاعة المنستير وبقية الايام لمنشطي الاذاعة الوطنية (اي نعم العدل يمشي على كرعيه) لا علينا … سررت باختياري كمنشط ليوم صفاقس ..اولا لانّي ساقارع العديد من الزملاء دون خوف بل بكلّ ثقة ونرجسية وغرور… وثانيا للتاكيد مرة اخرى انّ المنشط هو من يصنع الفترة ..والحمد لله ربحت الرهان وبشهادة اقلام بعض الزملاء في الصحافة المكتوبة (لطفي العماري في جريدة الاعلان كان واحدا منهم لكنّ الشهادة الاهمّ هي التي جاءتني من الزميل الكبير سي الحبيب اللمسي رحمه الله الزميل الذي يعمل في غرفة الهاتف بمؤسسة الاذاعة والتلفزة) …

سي الحبيب كان يكلمني هاتفيا بعد كل حصة انشطها ليقول لي ما معناه (انا نعرفك مركّب افلام باهي وقت كنت تخدم في التلفزة اما ما عرفتك منشط باهي كان في فجر حتى مطلع الفجر .. اما راك اتعبتني بالتليفونات متاع المستمعين متاعك، اما مايسالش تعرفني نحبك توة زدت حبيتك ربي يعينك يا ولد) … في بداية التسعينات ايضا وبعد انهاء اشرافي على “اذاعة الشباب” باذاعة صفاقس وكما كان متفقا عليه، فكرت ايضا في اختيار بعض العناصر الشابة من اذاعة الشباب لاوليها مزيدا من العناية والتاطير حتى تاخذ المشعل يوما ما… اطلقت عليها اسم مجموعة شمس، واوليت عناصرها عناية خاصة والحمد لله انّ جلّهم نجحوا فيما بعد في هذا الاختصاص واصبحوا منشطين متميّزين… بل تالّق البعض منهم وطنيا ليتقلّد عديد المناصب الاعلامية الهامة… احد هؤلاء زميلي واخي الاصغر عماد قطاطة (رغم انه لا قرابة عائلية بيننا)…

عماد يوم بعث لي رسالة كمستمع لبرامجي تنسمت فيه من خلال صياغة الرسالة انه يمكن ان يكون منشطا …دعوته الى مكتبي فوجدته شعلة من النشاط والحيوية والروح المرحة ..كان انذاك في سنة الباكالوريا فعرضت عليه ان يقوم بتجربة بعض الريبورتاجات في برامجي .. قبل بفرح طفولي كبير لكن اشترطت عليه انو يولي الاولوية القصوى لدراسته … وعدني بذلك وسالته سؤالا يومها قائلا ماذا تريد ان تدرس بعد الباكالوريا، قال دون تفكير اريد ان ادرس بكلية الاداب مادة العربية وحلمي ان اصبح يوما استاذ عربية ..ضحكت ضحكة خبيثة وقلت له (تي هات انجح وبعد يعمل الله)… وواصلت تاطيره وتكوينه في العمل الاذاعي ونجح في الباكالوريا ويوم ان اختار دراسته العليا جاءني ليقول وبكلّ سعادة …لقد اخترت معهد الصحافة وعلوم الاخبار… اعدت نفس الضحكة الخبيثة وقلت له (حتّى تقللي يخخي؟) واجاب بحضور بديهته: (تقول انت شميتني جايها جايها ؟؟)… هنأته وقلت له انا على ذمتك متى دعتك الحاجة لي ..

وانطلق عماد في دراسته واعنته مع زملائي في الاذاعة الوطنية ليصبح منشطا فيها (طبعا ايمانا منّي بجدراته وكفاءته)… ثم استنجد هو بكلّ ما يملك من طاقات مهنية ليصبح واحدا من ابرز مقدمي شريط الانباء… ثم ليصل على مرتبة رئيس تحرير شريط الانباء بتونس 7 ..ويوما ما عندما فكّر البعض في اذاعة خاصة عُرضت على عماد رئاسة تحريرها وهو من اختار اسمها ..ولانّه لم ينس ماعاشه في مجموعة شمس التي اطرتها واشرفت عليها، لم ينس ان يسمّي هذه الاذاعة شمس اف ام … اي نعم .عماد قطاطة هو من كان وراء اسم شمس اف ام …

ثمة ناس وثمة ناس ..ثمة ناس ذهب وثمة ناس ماجاوش حتى نحاس ..ولانّي عبدالكريم ابن الكريم ..انا عاهدت نفسي ان اغفر للذهب والنحاس وحتى القصدير ..وارجو ايضا ان يغفر لي كل من اسأت اليه ..ولكن وربّ الوجود لم اقصد يوما الاساءة ..انه سوء تقدير فقط …

ـ يتبع ـ

أكمل القراءة

جور نار

ورقات يتيم ..الورقة 88

نشرت

في

عبد الكريم قطاطة:

المهمة الصحفية الثانية التي كلفتني بها جريدة الاعلان في نهاية الثمانينات تمثّلت في تغطية مشاركة النادي الصفاقسي في البطولة الافريقية للكرة الطائرة بالقاهرة …

عبد الكريم قطاطة

وهنا لابدّ من الاشارة انها كانت المرّة الوحيدة التي حضرت فيها تظاهرة رياضية كان فيها السي اس اس طرفا خارج تونس .. نعم وُجّهت اليّ دعوات من الهيئات المديرة للسفر مع النادي وعلى حساب النادي ..لكن موقفي كان دائما الشكر والاعتذار ..واعتذاري لمثل تلك الدعوات سببه مبدئي جدا ..هاجسي انذاك تمثّل في خوفي من (اطعم الفم تستحي العين)… خفت على قلمي ومواقفي ان تدخل تحت خانة الصنصرة الذاتية… اذ عندما تكون ضيفا على احد قد تخجل من الكتابة حول اخطائه وعثراته… لهذا السبب وطيلة حياتي الاعلامية لم اكن ضيفا على ايّة هيئة في تنقلات النادي خارج تونس ..

في رحلتي للقاهرة لتغطية فعاليات مشاركة السي اس اس في تلك المسابقة الافريقية، لم يكن النادي في افضل حالاته… لكن ارتأت ادارة الاعلان ان تكلّفني بمهمّة التغطية حتى اكتب بعدها عن ملاحظاتي وانطباعاتي حول القاهرة في شكل مقالات صحفية… وكان ذلك… وهذه عينات مما شاهدته وسمعته وعشته في القاهرة. وهو ما ساوجزه في هذه الورقة…

اوّل ما استرعى انتباهي في القاهرة انّها مدينة لا تنام… وهي مدينة الضجيج الدائم… وما شدّ انتباهي ودهشتي منذ الساعة الاولى التي نزلت فيها لشوارعها ضجيج منبهات السيارات… نعم هواية سائقي السيارات وحتى الدراجات النارية والهوائية كانت بامتياز استخدام المنبهات… ثاني الملاحظات كانت نسبة التلوّث الكثيف… كنت والزملاء نخرج صباحا بملابس انيقة وتنتهي صلوحية اناقتها ونظافتها في اخر النهار…

اهتماماتي في القاهرة في تلك السفرة لم تكن موجّهة بالاساس لمشاركة السي اس اس في البطولة الافريقية للكرة الطائرة… كنا جميعا ندرك انّ مشاركته في تلك الدورة ستكون عادية… لذلك وجهت اشرعة اهتمامي للجانب الاجتماعي والجانب الفنّي دون نسيان زيارة معالم مصر الكبيرة… اذ كيف لي ان ازور القاهرة دون زيارة خان الخليلي والسيدة زينب وسيدنا الحسين والاهرام… اثناء وجودي بالقاهرة اغتنمت الفرصة لاحاور بعض الفنانين بقديمهم وجديدهم… وكان اوّل اتصال لي بالكبير موسيقار الاجيال محمد عبد الوهاب رحمه الله… هاتفته ورجوت منه امكانية تسجيل حوار معه فاجابني بصوته الخشن والناعم في ذات الوقت معتذرا بسبب حالته الصحية التي ليست على ما يرام…

لكن في مقابل ذلك التقيت بالكبير محمد الموجي بمنزله وقمت بتسجيل حوار معه ..كان الموجي رحمه الله غاية في التواضع والبساطة… لكن ما طُبع في ذهني نظرته العميقة وهو يستمع اليك مدخّنا سيجارته بنهم كبير… نظرة اكاد اصفها بالرهيبة… رهبة الرجل مسكونا بالفنّ كما جاء في اغنية رسالة من تحت الماء التي لحنها للعندليب… نظرة المفتون بالفن من راسه حتى قدميه…

في تلك الفترة من اواخر الثمانينات كانت هنالك مجموعة من الاصوات الشابة التي بدات تشق طريقها في عالم الغناء ..ولم اترك الفرصة تمرّ دون ان انزل ضيفا عليهم واسجّل لهم حوارات… هنا اذكر بانّ كلّ التسجيلات وقع بثها في برامجي باذاعة صفاقس… من ضمن تلك الاصوات الشابة كان لي لقاءات مع محمد فؤاد، حميد الشاعري وعلاء عبدالخالق… المفاجأة السارة كانت مع لطيفة العرفاوي… في البداية وقبل سفرة القاهرة لابدّ من التذكير بانّ لطيفة كانت احدى مستمعاتي… وعند ظهورها قمت بواجبي لتشجيعها وهي تؤدّي انذاك وباناقة اغنية صليحة (يا لايمي عالزين)…

عندما سمعت لطيفة بوجودي في القاهرة تنقلت لحيّ العجوزة حيث اقطن ودعتني مع بعض الزملاء للغداء ببيتها… وكان ذلك… ولم تكتف بذلك بل سالت عن احوالنا المادية ورجتنا ان نتصل بها متى احتجنا لدعم مادي… شكرا يا بنت بلادي على هذه الحركة…

اختم بالقول قل ما شئت عن القاهرة.. لكنها تبقى من اعظم واجمل عواصم الدنيا… القاهرة تختزل عبق تاريخ كلّ الشعوب التي مرّت على اديمها… نعم انها قاهرة المعزّ…

ـ يتبع ـ

أكمل القراءة

صن نار