جور نار
لنا في “البيلدونغ” الألماني والدانماركي … ما قد ينفع منظومتنا التربويّة
نشرت
قبل 10 أشهرفي
من قبل
منصف الخميري Moncef Khemiriمنصف الخميري:
أعتقد أنه من بين العيوب الهيكلية التي توارثناها تحت تأثير الفرنكوفونية، يحتل التفكير الأحادي المُنغلق وعدم القدرة على تجاوز النموذج الفرنسي تحديدا مرتبة متقدمة. وكأنهم وضعوا لنا “غمّامات” كتلك التي توضع على عيون خيول السباق “بهدف حصول الحصان على تركيز عالٍ فينصبّ نظره على المضمار وتقلّ الانحرافات البصرية ويكون أداؤه مثاليا” كما تقول القواميس، من أجل أن نظل نُفكّر دوما داخل نفس الصندوق ووفق نفس المقاربات المُعدّة لتهيئة عقولنا و “ديار الخبرة” لدينا كما تُهيّأ الحواسيب.
لذلك لم يتسنّ لنا كتونسيين الاطلاع على تجارب المجتمعات الأخرى في كل المجالات تقريبا إلا بمجهودات فردية خارقة …من أدب وفلسفة وعلوم ونظريات في التنمية وأساليب حوكمة اقتصادية وتربوية الخ…
فكلنا يعرف هوغو ولامارتين وفولتير ولكن لا أحد تقريبا يعرف الشاعرة والروائية النيكاراغوية كلاريبيل آليغريا أو الأرجنتيني بورخس أو الإفريقية الجنوبية نادين غورديمار. وكلنا يعرف ما قاله بورديو وباسرون في التربية … لكننا لا نعرف الروسي فيغوتسكي ونودينغز الأمريكي والبرازيلي باولو فرار…
في مجال التربية والتعليم تحديدا، مهمة البناء صعبة وعملية إصلاح انحرافات عمليات البناء الأولى أكثر تعقيدا لأنه لا توجد وصفات جاهزة ولا وجود لأنظمة تربوية حققت كل أهدافها و”التربية هي المشكل الأكبر والأصعب الذي يمكن أن نطرحه على الانسانية” كما يقول كانط، ولكن انتهاج المرونة والحرية في تقييم كل ما يحدث في العالم بعد إجراء استقراء موضوعي لما أفرزته مدرستنا من مكاسب ونجاحات علينا أن نُثمّنها ونبني عليها … قد يسمح لنا في المستقبل عدم ارتكاب نفس أخطاء الماضي وترصيد ما حقّقته البشرية من تقدّم في المجال خاصة إذا نحن تخلّينا عن غمّاماتنا وقبلنا النظر في كل الاتجاهات.
في هذا السياق، بدت لي مقاربة البيلدونغ الألمانية مبحثا تربويا مهمّا قد يكون لنا فيها بعض ما يمكن استلهامه لتجاوز المناويل التقليدية ومقاومة المناحي الحديثة التي تُسلعنُ فعل التعليم أكثر مما تؤنسنُ.
البيلدونغ مفهوم مركّب يطرح أسئلة ذات أبعاد سياسية وفلسفية وإيتيقية
مقابل سيطرة التوجّه الاستعمالي الوظيفي وهيمنة الطابع العملي والمنفعي المباشر الغالب على التصور الفلسفي العام الذي يؤثّث الأدبيات الأكثر تداولا في مجال التربية (مثلا ربط التكوين بالتشغيل أو تهيئة الأجيال لضمان الاندماج…)، هنالك نظرة أخرى لا نجد لها أثرا كبيرا في الأدبيات والبحوث المتداولة اليوم. واختصت بهذه النظرة الفلسفية التربوية المختلفة خاصة ألمانيا والدانمارك من خلال مفهوم la bildung الذي تمّ تطويره بداية القرن 19على يد هيردير وشيلر وفون هامبولت ووصلوه بالنمو الوجداني والأخلاقي والذهني والثقافي وبالتربية والتكوين.
بين 1840 و 1850 استدعى الدانماركيون هذا المفهوم وابتدعوا الفولك بيلدونغ أي التكوين والتربية لا فقط لفائدة الطبقات الثرية بل كذلك لفائدة الشباب الريفي في بلادهم، بما خلق ديناميكية جديدة جعلت الفقراء يشعرون بنوع من التوقير وردّ الاعتبار وسمح لهذا البلد بالتحول من نظام ملكي شمولي فقير وزراعي، إلى ديمقراطية مزدهرة ومصنّعة.
يرتبط البيلدونغ بالتقليد الألماني في مجال الثقافة الذاتية حيث تترابط التربية مع الفلسفة على قاعدة تأسيس مسار للنضج الشخصي والثقافي في نفس الوقت أو هو “المزج بين التربية والمعارف من أجل الترقّي داخل المجتمع من ناحية، وبين النضج المعنوي والوجداني في نفس الوقت باتجاه صنع فكر جماعي مع المحافظة على الخصوصية الفردية”.
وهكذا يتبيّن أن مفهوم البيلدونغ له سُمك فلسفي وإيتيقي مهم. وهو كذلك مفهوم حرون لأنه يستعصي على النّقل والترجمة نحو لغات أخرى، فيعطي على سبيل المثال في الفرنسية ترجمات مختلفة ومتباعدة (فلا هو بالتربية أو التعليم أو التكوين أو الثقافة أو التعلّم مدى الحياة أو التكوين الذاتي أو متتالية تعلّم أن …تتعلم أن تكون وتتعلم أن تعيش مع الآخر … بل هو ربما كل ذلك في نفس الوقت). المهم أنه يتعيّن على التربية أن تلعب دورا حاسما في التطور الذكي والمستدام والدّامج والنقدي لأجيال قادرة على إشباع كل حاجياتها رمزيا وماديا.
يُحيلني شخصيا هذا المفهوم على ضرورة أنسنة منظومة التوجيه في بلادنا بما يسمح بالقطع مع المنطق الضمني غير المعلن “دع الانتقاء الطبيعي والاجتماعي يفعل فعله داخل المدرسة وخارجها”، دون اعتبار للواجب الأخلاقي للدولة وللقائمين على التربية تحديدا الذي يتعين تفعيله والمتمثل في ضرورة اضطلاع المدرسة بأداء دورها كاملا في توفير فرص حقيقية لجميع رُوّادها. وهذا ممكن إلى حدّ كبير حتى وإن قدم هؤلاء بأرصدة غير متكافئة.
أُنهي أخيرا بما قاله عالم الانتروبولوجيا والاجتماع الألماني أرنولد غيهلن بأن “الفكرة ليس لها من وقع أو أثر في التاريخ إلا إذا تجسدت في شكل مؤسسات” …وعليه نقول إنه محمول على دولة تعي كل هذه الإشكاليات والرهانات أن تبعث المؤسسات الضرورية لتجسيد ما تتبيّن صحّته ووجاهته في هذه الأفكار… من قبيل جعل مفهوم البيلدونغ – بما هو رؤية تُبجّل توازن الفرد وتحقيق إنسانيته قبل أي اعتبار آخر- مخترقا لكل الوزارات والهياكل المعنية بالتربية والتكوين، ووضع استراتيجية وطنية متوسطة وبعيدة المدى تبني خارطة جديدة للتعلمات والمناهج تواكب العصر وتقلّص من حجم جمهور غير القادرين على امتطاء المصاعد الكهربائية والرقمية المعقّدة بعد تعطل المصعد الاجتماعي التقليدي.
وهذا مُوجزٌ لبعض خاصيات مقاربة البيلدونغ :
البيلدونغ قطار يُبطئ السير في محطات معيّنة لكنه لا يتوقّف : هو مسار للتعلم مدى الحياة ولا يقتصر على التعليم النظامي بل يُدمج التجارب المهارية والبراعات المختلفة ومكتسبات السّفر والقراءة والعمل ضمن النوادي والجمعيات. ويُعطي أهمية للمكتسبات المُجمّعة من خلال التعليم غير النظامي حيث يقوم التلاميذ ببناء بيلدونغهم الخاص (خاصة في الدانمارك) بصورة ذاتية حرة.
البيلدونغ يقطع مع تلقين المعارف وتوزيع العلامات الجزائية على مستحقّيها نحو هضم هذه المعارف بعد تفكيكها وإعادة تركيبها ذاتيا.
البيلدونغ يؤكد على أهمية التعلم الذاتي الذي يُنمّي الفرد بصفته شخصا مستقلا ومسؤولا منذورا لأن يصبح إنسانا مثقفا ومُفكرا وذا سيطرة على مساره ومستقبله وحتى على نمط الفضاء المدرسي الذي يتواجد فيه.
القيم الإنسانية في مقاربة البيلدونغ ركن مثل التسامح والعدالة والمثاقفة والتفكير النقدي (وهي قيم يدوسها الرسميون الألمان اليوم في علاقة بما يحدث في غزة للأسف).
البيلدونغ يجنح إلى تنويع عروض التكوين والتنافذ بين المواد وذلك من خلال إدراج مواد ذات علاقة بالثقافة والتاريخ والفن والفلسفة ضمن البرنامج الدراسي.
تصفح أيضا
عبد الكريم قطاطة:
فترة التسعينات كانت حبلى بالاحداث والتغييرات في مسيرتي المهنية منها المنتظر والمبرمج له ومنها غير المنتظر بتاتا …
وانا قلت ومازلت مؤمنا بما قلته… انا راض بأقداري… بحلوها وبمرّها… ولو عادت عجلة الزمن لفعلت كلّ ما فعلته بما في ذلك حماقاتي واخطائي… لانني تعلمت في القليل الذي تعلمته، انّ الانسان من جهة هو ابن بيئته والبيئة ومهما بلغت درجة وعينا تؤثّر على سلوكياتنا… ومن جهة اخرى وحده الذي لا يعمل لا يخطئ… للتذكير… اعيد القول انّه وبعد ما فعله سحر المصدح فيّ واخذني من دنيا العمل التلفزي وهو مجال تكويني الاكاديمي، لم انس يوما انّني لابدّ ان اعود يوما ما الى اختصاصي الاصلي وهو العمل في التلفزيون سواء كمخرج او كمنتج او كلاهما معا… وحددت لذلك انقضاء عشر سنوات اولى مع المصدح ثمّ الانكباب على دنيا التلفزيون بعدها ولمدّة عشر سنوات، ثمّ اختتام ما تبقّى من عمري في ارقى احلامي وهو الاخراج السينمائي…
وعند بلوغ السنة العاشرة من حياتي كمنشط اذاعي حلّت سنة 1990 لتدفعني للولوج عمليا في عشريّة العمل التلفزي… ولانني احد ضحايا سحر المصدح لم استطع القطع مع هذا الكائن الغريب والجميل الذي سكنني بكلّ هوس… الم اقل آلاف المرات انّ للعشق جنونه الجميل ؟؟ ارتايت وقتها ان اترك حبل الوصل مع المصدح قائما ولكن بشكل مختلف تماما عما كنت عليه ..ارتايت ان يكون وجودي امام المصدح بمعدّل مرّة في الاسبوع ..بل وذهبت بنرجسيتي المعهودة الى اختيار توقيت لم اعتد عليه بتاتا ..نعم اخترت الفضاء في سهرة اسبوعية تحمل عنوان (اصدقاء الليل) من التاسعة ليلا الى منتصف الليل …هل فهمتم لماذا وصفت ذلك الاختيار بالنرجسي ؟؟ ها انا افسّر ..
قبل سنة تسعين عملت في فترتين: البداية كانت فترة الظهيرة من العاشرة صباحا حتى منتصف النهار (والتي كانت وفي الاذاعات الثلاث قبل مجيئي فترة خاصة ببرامج الاهداءات الغنائية)… عندما اقتحمت تلك الفترة كنت مدركا انيّ مقدم على حقل ترابه خصب ولكنّ محصوله بائس ومتخلّف ..لذلك اقدمت على الزرع فيه … وكان الحصاد غير متوقع تماما ..وتبعتني الاذاعة الوطنية واذاعة المنستير وقامت بتغييرات جذرية هي ايضا في برامجها في فترة الضحى .. بل واصبح التنافس عليها شديدا بين المنشطين ..كيف لا وقد اصبحت فترة الضحى فترة ذروة في الاستماع … بعد تلك الفترة عملت ايضا لمدة في فترة المساء ضمن برنامج مساء السبت … ولم يفقد انتاجي توهجه ..وعادت نفس اغنية البعض والتي قالوا فيها (طبيعي برنامجو ينجح تي حتى هو واخذ اعزّ فترة متاع بثّ) …
لذلك وعندما فكّرت في توجيه اهتمامي لدنيا التلفزيون فكرت في اختيار فترة السهرة لضرب عصفورين بحجر واحد… الاول الاهتمام بما ساحاول انتاجه تلفزيا كامل ايام الاسبوع وان اخصص يوما واحدا لسحر المصدح ..ومن جهة اخرى وبشيء مرة اخرى من النرجسية والتحدّي، اردت ان اثبت للمناوئين انّ المنشّط هو من يقدر على خلق الفترة وليست الفترة هي القادرة على خلق المنشط ..وانطلقت في تجربتي مع هذا البرنامج الاسبوعي الليلي وجاءت استفتاءات (البيان) في خاتمة 1990 لتبوئه و منشطه المكانة الاولى في برامج اذاعة صفاقس .. انا اؤكّد اني هنا اوثّق وليس افتخارا …
وفي نفس السياق تقريبا وعندما احدثت مؤسسة الاذاعة برنامج (فجر حتى مطلع الفجر) وهو الذي ينطلق يوميا من منتصف الليل حتى الخامسة صباحا، و يتداول عليه منشطون من الاذاعات الثلاث… طبعا بقسمة غير عادلة بينها يوم لاذاعة صفاقس ويوم لاذاعة المنستير وبقية الايام لمنشطي الاذاعة الوطنية (اي نعم العدل يمشي على كرعيه) لا علينا … سررت باختياري كمنشط ليوم صفاقس ..اولا لانّي ساقارع العديد من الزملاء دون خوف بل بكلّ ثقة ونرجسية وغرور… وثانيا للتاكيد مرة اخرى انّ المنشط هو من يصنع الفترة ..والحمد لله ربحت الرهان وبشهادة اقلام بعض الزملاء في الصحافة المكتوبة (لطفي العماري في جريدة الاعلان كان واحدا منهم لكنّ الشهادة الاهمّ هي التي جاءتني من الزميل الكبير سي الحبيب اللمسي رحمه الله الزميل الذي يعمل في غرفة الهاتف بمؤسسة الاذاعة والتلفزة) …
سي الحبيب كان يكلمني هاتفيا بعد كل حصة انشطها ليقول لي ما معناه (انا نعرفك مركّب افلام باهي وقت كنت تخدم في التلفزة اما ما عرفتك منشط باهي كان في فجر حتى مطلع الفجر .. اما راك اتعبتني بالتليفونات متاع المستمعين متاعك، اما مايسالش تعرفني نحبك توة زدت حبيتك ربي يعينك يا ولد) … في بداية التسعينات ايضا وبعد انهاء اشرافي على “اذاعة الشباب” باذاعة صفاقس وكما كان متفقا عليه، فكرت ايضا في اختيار بعض العناصر الشابة من اذاعة الشباب لاوليها مزيدا من العناية والتاطير حتى تاخذ المشعل يوما ما… اطلقت عليها اسم مجموعة شمس، واوليت عناصرها عناية خاصة والحمد لله انّ جلّهم نجحوا فيما بعد في هذا الاختصاص واصبحوا منشطين متميّزين… بل تالّق البعض منهم وطنيا ليتقلّد عديد المناصب الاعلامية الهامة… احد هؤلاء زميلي واخي الاصغر عماد قطاطة (رغم انه لا قرابة عائلية بيننا)…
عماد يوم بعث لي رسالة كمستمع لبرامجي تنسمت فيه من خلال صياغة الرسالة انه يمكن ان يكون منشطا …دعوته الى مكتبي فوجدته شعلة من النشاط والحيوية والروح المرحة ..كان انذاك في سنة الباكالوريا فعرضت عليه ان يقوم بتجربة بعض الريبورتاجات في برامجي .. قبل بفرح طفولي كبير لكن اشترطت عليه انو يولي الاولوية القصوى لدراسته … وعدني بذلك وسالته سؤالا يومها قائلا ماذا تريد ان تدرس بعد الباكالوريا، قال دون تفكير اريد ان ادرس بكلية الاداب مادة العربية وحلمي ان اصبح يوما استاذ عربية ..ضحكت ضحكة خبيثة وقلت له (تي هات انجح وبعد يعمل الله)… وواصلت تاطيره وتكوينه في العمل الاذاعي ونجح في الباكالوريا ويوم ان اختار دراسته العليا جاءني ليقول وبكلّ سعادة …لقد اخترت معهد الصحافة وعلوم الاخبار… اعدت نفس الضحكة الخبيثة وقلت له (حتّى تقللي يخخي؟) واجاب بحضور بديهته: (تقول انت شميتني جايها جايها ؟؟)… هنأته وقلت له انا على ذمتك متى دعتك الحاجة لي ..
وانطلق عماد في دراسته واعنته مع زملائي في الاذاعة الوطنية ليصبح منشطا فيها (طبعا ايمانا منّي بجدراته وكفاءته)… ثم استنجد هو بكلّ ما يملك من طاقات مهنية ليصبح واحدا من ابرز مقدمي شريط الانباء… ثم ليصل على مرتبة رئيس تحرير شريط الانباء بتونس 7 ..ويوما ما عندما فكّر البعض في اذاعة خاصة عُرضت على عماد رئاسة تحريرها وهو من اختار اسمها ..ولانّه لم ينس ماعاشه في مجموعة شمس التي اطرتها واشرفت عليها، لم ينس ان يسمّي هذه الاذاعة شمس اف ام … اي نعم .عماد قطاطة هو من كان وراء اسم شمس اف ام …
ثمة ناس وثمة ناس ..ثمة ناس ذهب وثمة ناس ماجاوش حتى نحاس ..ولانّي عبدالكريم ابن الكريم ..انا عاهدت نفسي ان اغفر للذهب والنحاس وحتى القصدير ..وارجو ايضا ان يغفر لي كل من اسأت اليه ..ولكن وربّ الوجود لم اقصد يوما الاساءة ..انه سوء تقدير فقط …
ـ يتبع ـ
عبد الكريم قطاطة:
المهمة الصحفية الثانية التي كلفتني بها جريدة الاعلان في نهاية الثمانينات تمثّلت في تغطية مشاركة النادي الصفاقسي في البطولة الافريقية للكرة الطائرة بالقاهرة …
وهنا لابدّ من الاشارة انها كانت المرّة الوحيدة التي حضرت فيها تظاهرة رياضية كان فيها السي اس اس طرفا خارج تونس .. نعم وُجّهت اليّ دعوات من الهيئات المديرة للسفر مع النادي وعلى حساب النادي ..لكن موقفي كان دائما الشكر والاعتذار ..واعتذاري لمثل تلك الدعوات سببه مبدئي جدا ..هاجسي انذاك تمثّل في خوفي من (اطعم الفم تستحي العين)… خفت على قلمي ومواقفي ان تدخل تحت خانة الصنصرة الذاتية… اذ عندما تكون ضيفا على احد قد تخجل من الكتابة حول اخطائه وعثراته… لهذا السبب وطيلة حياتي الاعلامية لم اكن ضيفا على ايّة هيئة في تنقلات النادي خارج تونس ..
في رحلتي للقاهرة لتغطية فعاليات مشاركة السي اس اس في تلك المسابقة الافريقية، لم يكن النادي في افضل حالاته… لكن ارتأت ادارة الاعلان ان تكلّفني بمهمّة التغطية حتى اكتب بعدها عن ملاحظاتي وانطباعاتي حول القاهرة في شكل مقالات صحفية… وكان ذلك… وهذه عينات مما شاهدته وسمعته وعشته في القاهرة. وهو ما ساوجزه في هذه الورقة…
اوّل ما استرعى انتباهي في القاهرة انّها مدينة لا تنام… وهي مدينة الضجيج الدائم… وما شدّ انتباهي ودهشتي منذ الساعة الاولى التي نزلت فيها لشوارعها ضجيج منبهات السيارات… نعم هواية سائقي السيارات وحتى الدراجات النارية والهوائية كانت بامتياز استخدام المنبهات… ثاني الملاحظات كانت نسبة التلوّث الكثيف… كنت والزملاء نخرج صباحا بملابس انيقة وتنتهي صلوحية اناقتها ونظافتها في اخر النهار…
اهتماماتي في القاهرة في تلك السفرة لم تكن موجّهة بالاساس لمشاركة السي اس اس في البطولة الافريقية للكرة الطائرة… كنا جميعا ندرك انّ مشاركته في تلك الدورة ستكون عادية… لذلك وجهت اشرعة اهتمامي للجانب الاجتماعي والجانب الفنّي دون نسيان زيارة معالم مصر الكبيرة… اذ كيف لي ان ازور القاهرة دون زيارة خان الخليلي والسيدة زينب وسيدنا الحسين والاهرام… اثناء وجودي بالقاهرة اغتنمت الفرصة لاحاور بعض الفنانين بقديمهم وجديدهم… وكان اوّل اتصال لي بالكبير موسيقار الاجيال محمد عبد الوهاب رحمه الله… هاتفته ورجوت منه امكانية تسجيل حوار معه فاجابني بصوته الخشن والناعم في ذات الوقت معتذرا بسبب حالته الصحية التي ليست على ما يرام…
لكن في مقابل ذلك التقيت بالكبير محمد الموجي بمنزله وقمت بتسجيل حوار معه ..كان الموجي رحمه الله غاية في التواضع والبساطة… لكن ما طُبع في ذهني نظرته العميقة وهو يستمع اليك مدخّنا سيجارته بنهم كبير… نظرة اكاد اصفها بالرهيبة… رهبة الرجل مسكونا بالفنّ كما جاء في اغنية رسالة من تحت الماء التي لحنها للعندليب… نظرة المفتون بالفن من راسه حتى قدميه…
في تلك الفترة من اواخر الثمانينات كانت هنالك مجموعة من الاصوات الشابة التي بدات تشق طريقها في عالم الغناء ..ولم اترك الفرصة تمرّ دون ان انزل ضيفا عليهم واسجّل لهم حوارات… هنا اذكر بانّ كلّ التسجيلات وقع بثها في برامجي باذاعة صفاقس… من ضمن تلك الاصوات الشابة كان لي لقاءات مع محمد فؤاد، حميد الشاعري وعلاء عبدالخالق… المفاجأة السارة كانت مع لطيفة العرفاوي… في البداية وقبل سفرة القاهرة لابدّ من التذكير بانّ لطيفة كانت احدى مستمعاتي… وعند ظهورها قمت بواجبي لتشجيعها وهي تؤدّي انذاك وباناقة اغنية صليحة (يا لايمي عالزين)…
عندما سمعت لطيفة بوجودي في القاهرة تنقلت لحيّ العجوزة حيث اقطن ودعتني مع بعض الزملاء للغداء ببيتها… وكان ذلك… ولم تكتف بذلك بل سالت عن احوالنا المادية ورجتنا ان نتصل بها متى احتجنا لدعم مادي… شكرا يا بنت بلادي على هذه الحركة…
اختم بالقول قل ما شئت عن القاهرة.. لكنها تبقى من اعظم واجمل عواصم الدنيا… القاهرة تختزل عبق تاريخ كلّ الشعوب التي مرّت على اديمها… نعم انها قاهرة المعزّ…
ـ يتبع ـ
محمد الزمزاري:
انطلقت الحملة الوطنية المتعلقة هذه المرة بالتقصي حول الأمراض المزمنة وكان مرض السكري وأيضا مرض ضغط الدم هما المدرجان في هذه الحملة.
يشار إلى أن نسب مرضى السكري و ضغط الدم قد عرفت ارتفاعا ملفتا لدى المواطنين و بالتحديد لدى شريحة كبار السن مما يكسي اهمية لهذه الحملات التي تنظمها وزارة الصحة العمومية بالتعاون المباشر مع هيئة الهلال الأحمر التونسي.. وقد سنحت لنا الفرصة لحضور جزء مهم من الحملة في بهو محطة القطارات الرئيسية بساحة برشلونة، لنقف على تفاعل عديد المواطنين المصطفّين قصد الخضوع لعملية التقصي بكل انضباط وكان جل الوافدين طبعا من كبار السن، كما لوحظ تواجد عدد كبير من ممثلي الهلال الأحمر ومن الأطباء بمكتبين ويساعدهم بعض الممرضين.
الغريب انه لدى تغطيتى العارضة لهذه الحملة المتميزة التي تهدف اساسا إلى توعية المواطنين وحثهم على تقصي الأمراض بكل انواعها بصور مبكرة، بالاعتماد على كافة قنوات الاتصال وأهمها الإعلام الذي لن يكون الا داعما لهذا الهدف الإنساني لكن احد اعوان الهلال الأحمر فتح معي بحثا ان كنت من التلفزة الوطنية ملاحظا ان القناة المذكورة هي الوحيدة المسموح لها بالقيام بالتغطية ولم يكتف بهذا بل أكد ان الأطباء لا يحبون التصوير.
طبيعي اني لم اتفاعل مع هذا الجهل وضحالة المعرفة باهداف الحملة بالإضافة إلى عمليات التقصي الفعلي ..ولما تجاوز في الإلحاح طلبت منه الاستظهار بصفته هل هو منسق الحملة حتى يمكنني أن امر إلى المسؤول عنها بصفتي صحفيا ..وواصلت عملى أمام انكماش هذا العون التابع للهلال الأحمر حسبما يدل عليه زيه.
وبعيدا عن هذا، لا يفوت التنويه بالجهود الكبيرة التي يتحلى بها طاقم الاطباء و الممرضين و متطوعي الهلال الاحمر، الذين يجهدون انفسهم لانجاح هذه الحملة سواء داخل بهو محطة السكك الحديدية او عبر بعض الفرق التي تعمل على التعريف بجدوى التقصي حتى خارج البهو الكبير.
صن نار
- ثقافياقبل 21 ساعة
قريبا وفي تجربة مسرحية جديدة: “الجولة الاخيرة”في دار الثقافة “بشير خريّف”
- جور نارقبل 21 ساعة
ورقات يتيم … الورقة 89
- ثقافياقبل يوم واحد
زغوان… الأيام الثقافية الطلابية
- جلـ ... منارقبل يومين
الصوت المضيء
- جور نارقبل 3 أيام
ورقات يتيم ..الورقة 88
- ثقافياقبل 4 أيام
نحو آفاق جديدة للسينما التونسية
- صن نارقبل 4 أيام
الولايات المتحدة… إطلاق نار في “نيو أوليانز” وقتلى وإصابات
- صن نارقبل 4 أيام
في المفاوضات الأخيرة… هل يتخلى “حزب الله” عن جنوب لبنان؟