تابعنا على

جور نار

الآتي… الذي قد يواتي (9)

نشرت

في

عبد القادر المقري:

فاعلو العشرية السوداء كابروا وما زالوا يكابرون في تقييمها… أصلا لا يعتبرونها سوداء ولا فاشلة ولا أجرموا ولا أخطؤوا ولا تابوا… بل هم مثل مغنيات الدرجة الرابعة اللائي حين يسألهن سائل عن أكبر عيوبهنّ يقلن: طيبة قلبي…

عبد القادر المقري Makri Abdelkader

هم يرونها مرحلة انتقال ديمقراطي، ومرحلة حرية غير مسبوقة (ولا ملحوقة) ويرون أنهم إن أخطؤوا ففي التعامل الديمقراطي المفرط مع خصومهم… وينسبون تلك الأخطاء إلى قلة خبرتهم، وإلى تركة ثقيلة، وإلى مؤامرة خارجية لم ترضها “التجربة التونسية الفريدة في كامل المنطقة” … وما زالوا يتحدثون عن ثورة ويرون أنفسهم ثوريين وعن استبداد قاوموه وظلّ متربصا إلخ … ولكن وعلى طريقة ناعورة الريح والباطنية التي ينتهجونها، لا غرابة في أن يباغتوك فرديا أو جماعيا، بتغيير الدفة 180 درجة… وقد لمسنا عينات من ذلك في الزمنين القريب والأبعد… هؤلاء حادث عارض في تاريخنا الطويل، حادث مؤسف مهلك يقطر دما، ولكنه يبقى عارضا… وأهمّ منه ومنهم، سؤالنا المضني عن البلد بعد أن يلفظهم نهائيا كسائر الأوبئة التي قاومناها من رمد الستينات إلى كورونا السنين الأخيرة… بعد هؤلاء، كيف يستعيد التونسيون تونس، ويضمنون فعلا أن لا عودة إلى الوراء … إلى عشرية الظلام وكذلك إلى عشريات بائسة أخرى أوصلتنا بالحتم إليها؟…

نظامنا التونسي كان محدودا وكنا نعرف حدوده… لذلك اشتغلت جامعات وجامعيون على تحرير الفكر وصياغة إنسان جديد … كان القرمادي وبكار وبوحديبة واليعلاوي وجعيط والزغل والهرماسي والشرفي والشنوفي وبالعيد وغيرهم، يجهدون النفس لكي يصنعوا نخبة جديدة أفضل منهم… تماما كما يتعب الآباء كي يكون أبناؤهم أحسن حالا… لذلك وحتى حين كان بعضهم ينشط في الحزب الحاكم ويذلّ نفسه كي يبقى في مكانه، كان في ذات الوقت يدرّسنا معاني الحرية والكرامة والرأي المستقلّ… وكشهادة للتاريخ… عبد الوهاب عبد الله مثلا كان كسياسي، جزءا من المنظومة وقل فيه ما تشاء… ولكنه كجامعي كان يسند أضعف الأعداد لمن يتملّق أو يدبّج الكذب والزور، وكان يبتهج حين يجد طالبا شجاعا يقدّر العلم ويصدع بالحقيقة، فيكافئه بأفضل عدد … كان يدرّسنا القانون الدستوري، وكنا نخلط أحيانا بين هذه المادة وبين الحزب الدستوري فإذا أستاذنا الجليل بالمرصاد … والمعصار أيضا… وإليه تنسب تلك الجملة تجاه طالبة مغناج ذات امتحان (تريدين موعدا؟ إذن فليكن في سبتمبر)…

مستقبل تونس أن يصبح اليمين يمينا واليسار يسارا وأن يحافظ كل على لونه وخصوصياته ويعمّق ثقافته هناك إن لم يعمق مصالحه… الوسط كذبة كبيرة وادعاد أكبر وجبن أكبر وأكبر… لماذا يضطروننا إلى تعريف ما هو معروف، بل التذكير لمن غزا رؤوسهم زهايمر؟ … لماذا يخجل اليميني من أن يقول أنا مع امتلاك الأفراد للثروات، أكثر ما يمكن من الثروات؟ ومع أقل ما يمكن من الدولة وأكثر ما يمكن من حرية المبادرة بلا قيود ولا حدود ولا أوراق؟ ومع جولان رأس المال بين المدن والولايات والبلدان بأقل ما يمكن من رسوم أو ضرائب أو جمارك أو إجراءات حمائية؟ … هذا رأيهم ـ أي اليمين ـ في كل العالم، وليس رأيي …

ولِمَ يخجل اليساري من القول أنا يساري على منهج ماركس ولينين وماو والثورة الثقافية؟ لماذا خفت صوت المتكلمين باسم الاشتراكية (ولم نقل “شيوعية” أستغفر الله !) … بل وأصبح حتى طارحو البرامج الديمقراطية الاشتراكية (وهو تيار محترم في كل الدنيا، وكان لنا منه في تونس حزب عريق اختفى الآن) … استبدل هؤلاء الاشتراكية بالمجتمع وأصبحوا يتحدثون عن الديمقراطية الاجتماعية … هل كانت موضة ستينات وسبعينات ثم انهارت مع الاتحاد السوفياتي؟ هل كانت قناعات أم تبعية لسفارات؟ … الاشتراكية نظام له أيضا قدره ومزاياه ولولاه لبقيت روسيا مزرعة شاسعة للفقر وفلاحة التخلف والعبودية، ولما أصبحت الصين دولة متطورة مهابة بعد أن كانت سوقا محتلة وحقل أفيون…

قلت لماذا يخجل اليساريون ويتبرؤون من الصفة ومن مفردات فكرها؟ ليست المسألة إيديولوجيا بقدر ما هي شرائح وطبقات تبحث هي الأخرى عمن يتبناها ويبرمج للدفاع عن مصالحها… السياسة مصالح، أوكي؟ … إذن فإذا كان اليمين مجندا في أي مكان للدفاع عن طبقة البورجوازية وكبار الأثرياء ومن يلحقهم من رجال دين وثقافة وإدارة وقانون ودبلوماسية وأشغال عامة وتهيئة ترابية إلخ … فمن يتولى الدفاع عن مصالح من في غير هذا الصف؟ العمال مثلا وصغار الفلاحين وصغار الموظفين والباحثين عن شغل والأقليات وسكان الأحياء الفقيرة المكتظة ومدن الداخل المهمشة؟ ومن يدافع عن القطاعات غير المنتجة عاجلا ولكنها تستثمر على البعيد في الأجيال والقيم والبيئة السليمة ومستقبل كل هذا؟ من يدافع عن قطاعات اجتماعية كالتربية والثقافة والفنون والأسرة والمرأة والطفولة والمسنين والمشردين وذوي الاحتياجات الخاصة؟

الكل طبعا يزعم تبني هذه الملفات ويصدع رؤوسنا بذلك في كل مهرجان انتخابي… ولكن عند الممارسة يعود الجميع إلى قواعدهم ولا يصح إلا الصحيح… لذلك لم تتحرك حالنا كثيرا ولم يتحقق من المكاسب إلا القليل مما يمكن أن يسقط لأقل هبة ريح … فيما في البلدان التي يلتزم فيها كل لون سياسي بمربّعه الطبقي والمصالحي، تجد إنجازات مهمة جدا اجتماعيا حين يصعد اليسار في هذا البلد الأوروبي أو ذاك، وتجد إعفاءات ضريبية واكتساحا للأسواق ودفعا لطاقة الإنتاج حين يتبوأ اليمين سدة الحكم … حتى في البلاد التي لا تعترف أصلا بصطلح اليسار بل وتجرّمه حرفيا كالولايات المتحدة وبريطانيا، تتناول أحزاب ذات ميول اجتماعية (كالديمقراطيين في أمريكا، والعمال في بريطانيا، والاشتراكيين لزمن طويل في فرنسا وإسبانيا وغيرهما) …

لقد تلعثمنا طويلا في السبعين سنة الأخيرة وجربت نخبنا كل الإيديولوجيات والنعرات والولاءات والزعامات والنرجسيات… ولم ينتج عن ذلك سوى الخراب الذي وصلنا إليه، ولم يحدث ذلك الاستقرار الذي لطالما تشدق به إعلامنا الرسمي … لم يستقر أحد في السلطة ولا في معارضتها … نصف جماعة برسبكتيف التحقوا بحزب الدستور وجزء من الدساترة أعلنوا التمرد في 71 ولا حديث عن نقابيين عديدين باعوا الذمة ولا عن رابطيين أصبحوا خصوما لحقوق الإنسان … بعضنا يقرؤها انتهازية وبعضنا يراها تصفية في سباق وبعضنا يحكي عن خبزة الأولاد… ولكن ذلك لم يكن ممكنا بهذه السهولة لو رُسمت حدود بائنة عميقة بين فكر وفكر… حدود تمد عروقها منذ الطفولة والسلالة والمنطقة بكاملها… في أوروبا وأمريكا هناك عائلات تصوّت لليمين منذ الجد الرابع أو الخامس، كما هناك ولايات معروفة تقليديا بميولها العمّالية أو الاجتماعية ويستمر ذلك لقرن وأكثر…

لذلك لم يعش أي حزب في بلادنا أطول من عمر باعثه أو رئيسه المزمن… وتكاثرت عندنا الأحزاب والتيارات ولو أحصينا ذلك منذ حركة الشباب التونسي إلى اليوم لأرسينا ربما على آلاف … ما بين علني وسري ونظري وفعلي ومقيم ومهاجر وجامعي ومدني وذي عدد كبير وما لم يتجاوز أفراده عبوءة سيارة لواج… أمم أمم، كما قال مظفّر… غير أن الدوّامة قد يأتي يوم وينتهي دورانها ونرتطم أخيرا بشاطئ الأمان أو حجر الوادي… وقتها سيكون مطروحا علينا أن نعود إلى الأصول والاختيار بين لونين أو ثلاثة على الأكثر…

وبالنظر إلى تاريخنا المعاصر وما اعتملت فيه من اجتهادات، يبدو أن القسمة ستكون بين تيار دستوري لو يجد من يطوّره ويعطيه مصل الحياة ليحمل راية الفكر اليميني الليبرالي … وهو الأقرب لذلك منذ قيامه سنة 1920 على أساس أنه “حر” لا بمعنى التحرر بل بمعنى الليبرالية حيث كانت ترجمة اسمه بالفرنسية آنذاك (Parti Libéral Constitutionnaliste)… ومن جهة أخرى، نشأ في نفس المدة تيار اشتراكي ونقابي من رموزه محمد علي الحامي ومختار العياري وعلي جراد وبلقاسم القناوي وغيرهم ممن أسسوا لحركة تقدمية تداخلت في بعض الأحيان مع الطيف الدستوري حين كان الفرز وطنيا لا طبقيا … ونعرف كيف انتهى “شهر العسل” الوطني مع قمع الحزب الشيوعي وحظره سنة 1963، ثم مع مؤتمر بنزرت الذي جرّم التعددية رسميا بعد سنة، ثم مع انشقاق اتحاد الشغل برمّته سنة 1977… وها أن التياران ما يزالان على قيد الحياة (الدساترة واليسار) إلى اليوم رغم أعاصير الزمن … وهو ما يثبت أن تونس لم تهضم بعد كل هذه الحقب سواهما، شأنها شأن اي بلد آخر في الحقيقة…

ولكن وبما أن المحن تراكمت والجراح أثخنت بما يكفي، وبما أن العودة إلى الأصول هي البوصلة التي يعود إليها كل ملاّح تائه، فإن من هذه الأصول التي يعاد إليها وقد ذكرناها منذ قليل، الفرز الوطني… أحادية الولاء للنجمة والهلال… نعم، حدث ذلك أيام الاستعمار، وها هو يعود بقوة أكثر في زمن تهديدات أبعد من الاستعمار القديم خطرا وخطورة… وهذه هي الأرض التي سيقف عليها ورثة الحركتين الدستورية و اليسارية، ودونها لاجدوى من أي بناء … وطنيون أولا، دستوريون وماركسيون وقوميون وحتى زرادشتيون بعد ذلك، لا يهمّ… وهذا أيضا ما نجده في المشهد السياسي لأي بلد ديمقراطي ودولة عصرية تحترم ذاتها في عالمنا الحديث… وهذا ما تصاغ به الدساتير وتملى الشروط وينطق القضاء ويقع القبول أو الإقصاء… من الدولة والمجتمع أيضا…

ـ يتبع ـ

أكمل القراءة
انقر للتعليق

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جور نار

حين يقول رجال الجولاني للشعب السوري… “بالذبح جيناكم”!

نشرت

في

محمد الأطرش:

يستغرب البعض ما يحدث اليوم في سوريا وكأنهم كانوا ينتظرون ديمقراطية من تلك الديمقراطيات التي ترويها وكالات الانباء الغربية أو تلك التي نشاهدها في أفلام بلاد العمّ سام وفي مسلسلات بلاد أحفاد الملكة فيكتوريا…

وكأن “مولانا” أمير المؤمنين أحمد الشرع  و”العصابة” التي مكّنها من كراسي الحكم جاؤوا مبشرين بعهد جديد سعيد لشعب ذاق كل ويلات القهر والظلم والاستبداد… أعترف اني كنت من الذين أسعدهم سقوط حكم الأسد حين عرفنا حقيقته الموجعة ورغم أننا ساندناه في بداية تعرضه لهجمات تتار داعش ومن معها من جماعات إرهابية… فالشعب السوري الذي يعترضنا بعضه في حالة يرثى لها هنا في شوارع اغلب مدننا، يستجدي المارة لقمة عيش حرموا منها في بلادهم، بعد أن هربوا من جحيم استبداد بشار ومن معه من الفصائل المسلحة التي غزت سوريا في إطار ربيع عربي كاذب… أقول الشعب السوري أصبح أكثر الشعوب العربية والإسلامية تضررا وتشردا ولجوءا وبؤسا وفقرا منذ أن خدعنا أحفاد العمّ سام بخدعة الربيع العربي…

 نعم سعدت كما سعد البعض الآخر بسقوط بشار لكن حين عرفت من مسك بزمام أمور دمشق أدركت ان الشعب السوري خدع مرّة أخرى… وأنه لم ولن يخرج قريبا من المأساة وأظنّه سيكتب صفحات أخرى اشدّ دموية وخرابا من كل تلك التي سبقتها مع حزب البعث… فما وقع في سوريا وجلوس الشرع أميرا على دمشق وبقية المدن التي لا تزال تحت إمرته ليس نتيجة لما حدث منذ 2011 وليس من اسقاطات الربيع العربي المزعوم، بل أظنّه اتفاقا جديدا يدخل ضمن مخطط الشرق الأوسط الجديد الذي سمعنا عنه الكثير… فما وقع ليس أكثر من عملية بيع وشراء بين العديد من أطراف المنطقة تهدف إلى توفير الأمن لمدلّلة العمّ سام… ما تعيشه سوريا يذهب بنا إلى التشكيك حتى في ما وقع يوم 7 أكتوبر 2023 فمن أوعز وخطّط لما وقع بغزّة كان يهدف إلى ما هو أكثر وأثمن من غزّة… فهل تعيش الشعوب العربية خدعة أخرى من العمّ سام ومن معه ومن بعض حكامها، وهل باع بعض حكام العرب بعض ارض العرب من اجل عيون كراسيهم؟؟

أمير المؤمنين الذي يسكن دمشق عاد بنا إلى أيام سقوط دمشق والشام على يد تيمورلنك… تيمورلنك هذا نكّل بكل من يعترض سبيله وسبيل جيشه فنهبوا القرى وقطعوا الأشجار وهدموا البيوت على أصحابها واسرفوا في القتل ونهب الأموال… ويقال انه من كثرة القتلى بنى تيمورلنك عشر مآذن ارتفاع الواحدة منها عشرين ذراعا برؤوس القتلى وجماجمهم… واليوم يعاد المشهد من جديد على يد فصائل مسلحة وصفتها حكومة أمير المؤمنين بالـــ”منفلتة”… فصائل استباحت كل القرى ونهبت وذبحت وأحرقت المنازل بعد أن قتلت كل من فيها رافعين شعارات “بالذبح جيناكم”…

فهل جاء أمير المؤمنين لينتقم كما انتقم من سبقه ممن سبقه وسينتقم من سيأتي بعده منه؟؟ هل أصبح الانتقام والثأر تقاليد عربية إسلامية تأتيها كل الشعوب التي تُسقط طغاتها… وتستبدلها بطغاة جدد ليأتي بعد سقوطها طاغية جديد ينتظر دور سقوطه ليخلفه طاغية آخر وهكذا من طاغية إلى طاغية يعيش العرب والمسلمين… هل كتب على العرب والمسلمين ان لا يستمتعوا بما يسمونها “ديمقراطية” وأن لا يسعدوا بالتداول على الحكم في حفل بهيج يحضره بعض حكام البلاد المجاورة كما يفعل “الكفّار” في بلدانهم؟؟؟ حاكم دمشق جاء رافعا لواء الإقصاء والإلغاء والاجتثاث… إلغاء وإقصاء واجتثاث كل من حكموا البلاد قبله… وكل من يطمحون لمشاركته الحكم وكل من يريدون أو ينوون العودة للحكم ممن حكموا البلاد أو ممن عارضوا حاكمها الهارب إلى موسكو…

أمير دمشق قسّم الشعب السوري بما نراه اليوم من ذبح وتشريد وهدم ديار إلى ثلاثة اقسام مسلمين وأهل كتاب وكفّار… هكذا أراد وهكذا يريد… فالدروز والعلويون والشيعة هم من الكفّار حسب ما رآه أمير دمشق الجديد… وهؤلاء ممنوعون بقرار من حاكم دمشق من دخول المؤسسة العسكرية ومن أن تكون لهم مدارس ويكون منهم أساتذة تعليم… وقد يحرمون من تعويضات نهاية الخدمة أو ما يسمونه في العديد من البلدان الأخرى منحة التقاعد، حسب ما أوردته بعض وسائل إعلام الدول المجاورة لإمارة الجولاني… فهل لهذا جاء الشرع وجلس على كرسي حكم دمشق؟

فما يقع اليوم في سوريا يؤكّد نظرية التقسيم فقد تقضم تركيا بعض الأجزاء من سوريا لتوطين أكرادها التي تختلف معهم … وقد يقضم حاكم تل أبيب جزءا من جنوب سوريا لتوطين الدروز الهاربين من حكم الجولاني ولتأمين نفسه ومن معه من خطر قد يراود من سيحكمون دمشق بعد الشرع غدا… فهل جاء الجولاني فقط ليقول للشعب السوري “بالذبح جيناكم”… ويذبحهم…؟؟؟

أكمل القراءة

جور نار

هل تضرب الفاشية “الترامبية” أوروبا على قفاها…؟؟؟

نشرت

في

محمد الأطرش:

هل يعيش العالم اليوم انقلابا تاريخيا في التحالفات الدولية، وهل يمكن اعتبار ما يفعله ترامب “ظاهرة ترمبية” تكشف ولو جزئيا عن الفاشية الأمريكية؟

فبالعودة إلى ما جرى سنة 2021 فإننا نلاحظ أن أوروبا أو الدول المكوّنة للاتحاد الأوروبي عاشت حالة إنكار تام للحرب التي يمكن ان تندلع بين روسيا وأوكرانيا… أغلب دول القارة العجوز لم تصدّق بوجود حرب وشيكة وكانت تعتقد أن بوتين لن يتخذ القرار “الساخر” بإعلان الحرب على كييف لأن ذلك سيضرّ حتما بروسيا… وهو نفس الخطأ في التفكير الذي وقعت فيه الدول الأوروبية قبل عام 1914 والذي كتب عنه نورمان انجيل في كتابه الشهير “الوهم الكبير” فالناس في ذلك الوقت كانوا يعتقدون أن الحرب بين القوى الأوروبية مستحيلة…

منذ سنة 2021 عاش العالم نفس الاعتقاد وجاءت الحرب الروسية الأوكرانية لتدحض حالة الانكار والاعتقاد الخاطئ لأغلب سكان القارة العجوز، وحالة الإنكار تحولت من إنكار الحرب الطويلة إلى شبه يقين بأن سوء الفهم يمكن أن يحلّ بالمفاوضات… واليوم نعيش إنكارا آخر من أغلب الدول الأوروبية الداعمة لكييف فهذه الأخيرة تعيش حالة إنكار لهزيمة كييف وانتصار الدب الروسي فهم يدركون ان هزيمة كييف هي هزيمتهم أيضا فهم من يقف وراء كييف…  وهزيمة كييف اليوم تتجسد في الإعياء الكبير والخطير لقواتها، فالقوات الأوكرانية استُنزفت أكثر من قوات روسيا وفقدت 20% من أراضيها، وأصبحت الوضعية “دراماتيكية” في ظرف زمني قصير، بسبب ما صرّح به وقرّره ترامب وبسبب توقف إمدادات الأسلحة الأمريكية ووقف تزويدها بالمعلومات الاستخباراتية، مما جعل الجيش الأوكراني أعمى فاقدًا للبصر والبصيرة وفاقدا للسمع…

حالة الإنكار التي عاشتها أوروبا تعود جذورها إلى القرن الثامن عشر ومشروع السلام الأبدي لكانط وتعززت بعد الحربين العالميتين، من خلال فكرة إقامة عالم تُستبعد منه الحرب من العلاقات الدولية بين الدول، بمعنى آخر تجاهل قاعدة كلوزفيتز الشهيرة القائلة بأن “الحرب هي استمرار للسياسة بوسائل أخرى”… واليوم ومع تخلّى الماما عن أوروبا وتعنّت ترامب في إيقاف الحرب على طريقته منفردا في التفاوض مع فلاديمير دون العودة إلى حلفائه القدامى فإن الدول الأوروبية وعلى رأسها فرنسا بدأت تبحث عن حلول أخرى تغنيها عن تحالفها مع الماما بعد أن كشف ترامب عن أنيابه وعن نوايا لا تعجب حلفائه في القارة العجوز…

 ماكرون اليوم أصبح يلمّح إلى أن هناك ولو بعد حين حرب قادمة وأنه على أوروبا أن تعوّل على نفسها بعد تخلّي الماما عنها وان تستعد لاحتمالات الحرب بالعتاد والعدّة والمال، وأنه على الدول الأوروبية الإسراع باتخاذ قرارات عاجلة بشأن التعويل على نفسها وامكاناتها وتسليح كل دولها وربما إنشاء قوة مشتركة تغنيها عن الحلف الذي قوّض أركانه ترامب بسياساته الفاشية والشعبوية… وقد كشف ماكرون في هذا الإطار ان المعدات العسكرية الحالية لدول أوروبا المكوّنة لحلف الناتو ضعيفة في مواجهة روسيا إن تخلت الماما عن دورها والتزاماتها تجاه الحلف وانسحبت منه.

ماكرون أكّد من خلال تحركاته الأخيرة أن أغلب الدول الأوروبية ومع الصعود الخطير لليمين الداعم لسياسات ترامب الشعبوية في العديد من الدول الأوربية أصبحت اليوم على وعي تام باستحالة أن يكون السلام الأبدي واقعيًا في عالم تتداخل فيه المصالح الوطنية مع التوترات الجيوسياسية… ورغم أن العديد من الفلاسفة والسياسيين في أوروبا عملوا طويلا على نشر فكرة السلام الدائم بعد الحربين العالميتين، فإن الواقع اليوم يعكس أن الحروب قد تظل جزءًا هاما من العلاقات الدولية، خاصة عندما تتصادم المصالح الاقتصادية والسياسية… ولا يعني هذا أن السلام ليس ممكنًا، بل يعني أنه يتطلب بناء مؤسسات وتفاهمات وتحالفات جديدة أكثر توافقا وتناسقا ومرونة وتعاونًا دوليًا…

خلاصة القول فشلت الدول الأوروبية في إدراك خطورة الحرب الأوكرانية بشكل جاد في وقت مبكر وتجاهلت الواقع الجيوسياسي المتحوّل… ومع هذا الفشل اصطدمت الدول الأوروبية بالظاهرة الترمبية الجديدة فدونالد اليوم ليس دونالد الذي عرفه العالم خلال ولايته الأولى في المكتب البيضاوي… فدونالد كشف عن وجه آخر هذه المرّة وجه عنيف ومتهوّر وحاد كله قسوة وإصرار عليها، وجه يعلن ضمنيا ولادة وظهور فاشية أمريكية خاصة، فاشية ظهرت ونمت وكبرت بين الولاية الأولى والثانية لترامب. وهي فاشية نوعية رغم تشابهها مع الفاشية التاريخية. ومع ذلك، توجد صعوبة في تشخيص مثل هذا الأمر بسبب عدم اتساق مواقف ترامب…

من خلال كل هذا أدركت دول القارة العجوز أنه من الضروري ألا تضيع الوقت في محاولة التفاوض مع ترامب أو محاولة تهدئته أو تغييره، لأن هذه المحاولات ستفشل كلها… في الأخير، ماذا يريد حقّا ترامب بنسخته الفاشية، هل يريد جرّ العالم إلى حرب لن يكون طرفا فيها لإضعاف الجميع أم هل سيعمل على توسيع رقعة اليمين المتطرّف في بقية الدول الأوروبية ليكون كبيرها ومنظّرها الأكبر ويكون الجميع من توابعه يدعون له بطول العمر صباحا مساء وفي أيام الاعياد؟… وما حقيقة “الترامبية” وارتباطها بالفاشية… وماذا يريد ترامب من العالم، هل سيضرب الجميع على قفاهم ويبتزهم بدعوى حمايتهم من أعدائهم؟؟… وماذا لو تجاهلت أوروبا ترامب وتهديداته وأعادت بناء قوتها الاقتصادية والعسكرية بعيدا عن تهديداته وابتزازه المفضوح… ثم ماذا لو اقتربت أوروبا من فلاديمير وبيكين واعادت المياه معهما إلى مجاريها…؟؟

أكمل القراءة

جور نار

ورقات يتيم… الورقة 109

نشرت

في

عبد الكريم قطاطة:

ورقتي هذه وكغيرها وربما اكثر ستجد من يترقبها لمعرفة بقية قصّتي الايمانية وبكل ودّ وستجد حتما من يترصدها ويتربّص بمواقفي ليرسّمني في قائمة الاعداء لدين الله …

عبد الكريم قطاطة

لهذه الفئة الثانية اقول وبالصوت العالي… وحده الله من سيحاسبنا جميعا على اقوالنا وافعالنا… وانا لا اخاف من عدل الله وحكمه على الجميع… فكيف اخاف ممن حرّم على نفسه الظلم…؟؟ جاء ذلك في حديث قدسي ارتاح له قلبي حيث قال الله لرسوله (يا عبادي انّي حرّمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرّما فلا تظالموا)… ومن هذه الزاوية وحتى قبل هروبي الى الله ومن خلال حقبات حياتي ومن خلال مسيرتي المهنية كنت دائما اقف مع المظلوم ضدّ الظالم ..وذاك ربما كان بالفطرة وبما تشبعت به في دراستي ومن خلال اساتذة سقونا قيما عديدة من ضمنها النضال من اجل الانسان المقهور والمنتهكة حقوقه…

ولكن وبعد ان سجدت لخالقي وآمنت به وبكتابه وقرأت هذا الكتاب عشرات المرات وحاولت بما حباني الله من هداية واجتهاد، ان اسير في ملكوت الله بقلب ممتلئ بحبّ الله وبعقل يريد مزيد الارتواء من تعاليم ديننا السمح… وحرصت جدا على نبذ الانغلاق والتحنط والسير خاصة في ركاب القطعان كالغنم التي يسوقها عادة عتروس بجلجله وبهدير جلجله… فقرأت واستمعت لعديد الفقهاء فاقتنعت ببعض ما اجتهدوا هم ايضا فيه ورفضت الكثير من اجتهاداتهم… لانّه وفي تقديري اجتهاداتهم جاءت مخالفة لتعاليم الله… قد اكون على ضلالة وهم على حق وقد يكون العكس… ولكن وفي كلّ الحالات انا لا اتورّع عن نقدهم والتعبير عن مواقفي منهم وعند الله نلتقي لا كخصوم بل كبشر… فيجازي كلا منّا اما ثوابا او عقابا…

رجاء وبكلّ الحاح هذه المرة لا تفهموا حديثي هذا على انّي علاّمة في الدين او منظّر له… فانا اريد ان احمل في مواقفي وزري فقط ولا اريد حمل وزر ايّ كان… لا تقولوا يوما نحن اتبعنا ما قاله ذلك العبدالكريم في ما كتب… دعني احدثكم عن امر يبدو للبعض جللا ولكن انا لا أهرب اطلاقا من قناعاتي… موضوع حجاب المرأة مثلا… عندما قرأت ما جاء في سورة النور حول حجاب المراة، صدقا لم اجد كلاما صريحا في منعه… وعندما استمعت وقرات كلام مفسري تلك الايات لم ارتو… هذا من جهة… ومن جهة ثانية كنت اتساءل كيف يكون الحجاب للمرأة من اجل تقليص الاثارة ؟ هل شعر المرأة اكثر اثارة من عينيها… من شفتيها… من صوتها… وحمدت الله على انني لم اكن امرأة حتى اقع في حيرة الامام الغزالي… وارجوكم لا اريد الجدل والجدال مع ايّ منكم في موضوع الحجاب بين حرامه وحلاله… هنيئا لكم جميعا باختياراتكم…

اكيد البعض منكم يتساءل: إي واش عملت يا سي الشباب مع مرتك وبنتك لبسوا وإلاّ لا ؟ اطمئنكم انهما اوّلا ليستا عاريتين (هذي على سبيل المزاح) وثانيا تركت لهما الخيار في مسالة الحجاب، قلت لهما اذهبا مع ما يريح قلبيكما… اكيد تحبوا تعرفوا نتيجة المباراة ؟ انتهت النتيجة بالتعادل… زوجتي لبست وابنتي لم تلبس… لا تفهموا كلامي من خلال اسلوبي اني استهزئ… اقسم بالله ابدا ولكن دائما من زاوية توثيق كلّ ما عشته حتى في بعض تفاصيله… اذن واعيد القول والتكرار المستحبّ عندي… تفهّموا مواقفي من خلال تجربة ايمانية لشخص قد اكون ممن قال فيهم ربّ العزّة في خواتم البقرة وارجو ذلك (كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ)

السمع والطاعة لك يا رب ولكتابك ورسلك… امّا البقية من علماء وفقهاء الدين فلم يكونوا يوما رسلا حتى اضعهم في خانة القديسين كما يفعل البعض… هم بشر مثلنا قد يكونون مصيبين في اجتهاداتهم وقد يكونون مصائب على الاسلام العظيم وعلى عباده… من ضمن هؤلاء شيوخ وفقهاء الاسلام السياسي… وحتّى لا اتجنّى على احد عملت جاهدا على البحث والاستقصاء في تاريخهم وهاكم ما توصلت اليه…الاسلام السياسي لم يبدأ مع الاخوان والاخونة… لم يبدأ مع الربيع العربي كما اسموه… لم يبدأ لا مع النهضة ولا مع انصار الشريعة ولا مع داعش ولا مع جماعة جبهة النصرة… ولا مع الجولاني وجماعة تحرير الشام ولا مع طالبان من قبلهم واسامة بن لادن والظواهري… ولا مع باعث الجماعة في مصر في العصور الحديثة حسن البنّا وتلميذه سيد قطب…

الاسلام السياسي بدأ يوم وفاة الرسول صلوات الله عليه… الاسلام السياسي بدأ بما حدث في السقيفة بين الانصار والمهاجرين والرسول لم يدفن بعد… الم يكن هنالك اختلافات بين الفرقتين حول من سيتولى الخلافة بعد وفاة الرسول… والمعنى الحقيقي عندي للخلافة هو من سيحكم… اذن الاسلام السياسي في ظاهره دفاع عن الدين وفي باطنه رغبة في الحكم … لقائل ان يقول وما العيب في ذلك؟ اليست الطبيعة البشرية ميالة للنفوذ والحكم والسيطرة وهذا منذ بدأ الخلق…؟ الم تكن قصة قابيل وهابيل عبرة لنا لتظهر حسد الانسان لاخيه الانسان حسدا يصل الى حدّ القتل والاجرام ؟… الم تكن قصة فرعون دليلا على رفض هذا الاخير لحاكم يفوقه قوة؟… والنمرود وقوم لوط وقوم ابراهيم وقوم نوح من قبله ..؟؟

اجيب: نعم… الصراع ومنذ الخلق كان حول من يتزعم من؟ وحتى بعد حادثة السقيفة جاءت احداث عديدة لتؤكّد استمرارية ذلك الصراع…مقتل عثمان ؟ حادثة التحكيم بين معاوية وعلي ؟ معركة الجمل ؟ وما جاء من جرائم واغتيالات بين افراد الاسرة الواحدة في الدولتين الاموية والعباسية… وما جاء بعدهما من استمرار نفس الصراع بين جلّ الحكام في الدول الاسلامية ؟ التاريخ علّمنا انّ البشرية لم تخلُ يوما من هذا الصراع… وما لم يقبله عقلي ان يتصارع المسلم مع اخيه المسلم بدعوى الدفاع عن الدين وهو في الحقيقة بغاية الوصول الى الحكم… الاسلام السياسي بالنسبة لي هو نفاق مقنّع وهاكم ادلّتي على ذلك…

الم يصل الاسلام السياسي في مجتمعاتنا الاسلامية قديما وحديثا الى التكفير والتقتيل والذبح ؟ هذه الفئة هل قرأت في القرآن قوله تعالى وهو يخاطب رسوله في سورة يونس آية 99 (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا ۚ أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِين)… وفي آية اخرى (لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ)ـ سورة البقرة … اليس في التكفير والقتل والتفجيرات مخالفة لكلام الله ؟… هذا بين افراد المجتمع الواحد… وحتى في علاقتنا مع المجتمعات الاخرى والشرائع الاخرى، الم يقل عزّ وجلّ في سورة الحجرات آية عدد 13 (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ)… هل قال الله وجعلناكم شعوبا وقبائل لتقاتلوا ؟؟ ليقل قائل ما: لكنّ واجبي ان ادعو الى دين الله اليس الدين عند الله الاسلام وعليّ ان ادافع عنه بكلّ الوسائل المتاحة ؟؟

لا ياسيّدي ليس بكلّ الوسائل بل بالوسائل التي حددها الله في كتابه حيث يقول في سورة النحل آية 125 (ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ)… ولقائل ان يقول الم يقاتل رسول الله الكفار ؟ وكتاب الله يُجيب في سورة البقرة آية 190 (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ)… الذين يقاتلونكم… الذين يقاتلونكم… الذين يقاتلونكم… ولكنّ الاسلام المتطرّف وأعني به جماعة الاسلام السياسي هم في تقديري المتواضع من قال فيهم جلّ جلاله في سورة البقرة آية 11 ونظرا إلى كلّ جرائهم عبر التاريخ (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُواْ فِى ٱلأرْضِ قَالُوٓاْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ)… اذ هل يُعقل ان يكون المسلم الحقيقي ميالا للعنف وللتطرّف وللتقتيل والارهاب وهو يدّعي الدفاع عن دينه .. ؟

هذا الدين الذي اثبت ومن خلال كتابه العظيم انّ الله خالقنا ارحم بنا من والدينا ؟ هذا الدين الذي جاء فيه انّ رحمة الله سبقت غضبه ؟ هذا الدين الذي جاء في كتابه قوله عزّ وجلّ وفي سورة الزمر آية 53 (قُلْ يَٰا عِبَادِىَ ٱلَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِيعًاإِنَّهُۥ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ)… يا الله ما اعظمك وما ارحمك… انه يغفر الذنوب جميعا هو الغفور الرحيم… وبعد يجيك واحد راسو مربّط ومخو مڨربع ويقلك انت كافر او يخرجك من الملة ومن لا صلاة له ديراكت لجهنم… تقولشي عليه نهار اخر بعد البعث بوليس في الرومبوان متاع سير الجولان ويرسل ببعض عباده لمحطة الجنة وبآخرين لمحطة جهنم… لا وتلقاه في فيديو اخر يحث المغرر بهم للسفر الى سوريا لمحاربة الطاغوت ويَعِدُ الذين سيقتلون بالحور العين… وانت يا ربطة البصل حور العين ما يقولولك شيء ؟ تي نورمالمون من اجل حور العين انت اوّل واحد يسافر ويحارب… يا راس الكرومب نعرفك تقللي انا وقت نمشي اشكون يقوم بالدعوة؟.. نفهم فيك واولادك اللي في لندن ونيويورك ؟ زعمة عندهم حوريات الدنيا وموش فاضيين لحوريات الجنة ؟… نتصوّر غير قادر يجاوبني اما يذكّرني فقط بذلك الذي قال فيه الله (فَبُهِتَ الَّذِي كَفَر)

قد يقول البعض: إي يا سيّد يلّلي عامل روحك تعرف كتاب ربّي وعاملّي فيها ابن تيمية او الالباني متاع زمانك… ماذا تقول عن الآيات القرآنية التي يقول فيها الرحمان بانّه شديد العقاب؟ اجيب: انا احترم ابن تيمية والالباني كمفسرين وكمجتهدين ولكن لا اقدسهما ولا اقتنع بعديد تفسيراتهم ولا بفتاويهم… تريدون مثالا على ذلك؟ قال ابن تيمية والذي يلقبه البعض بشيخ الاسلام في موقفه من الغناء _(من استمع للمغنّي ومزمار الشيطان فقد عبدهما والشيطان)… لا يا شيخ… من اين لك هذا ؟؟ كل ما في الكون يوحي بانّ الله خلق الجمال لنعبد ذاته الالهية… لانّ الله هو تجسيد للحب والخير والجمال والفنّ… كيف ذلك؟ ألا نحسّ بجلالة وجمال الخلق ونحن نعشق غروب الشمس وشروقها…؟ رهبة السماء وجمالها والنجوم تتلألأ والقمر يزينها؟ الا نشعر بعظمة وجمال البحار والأنهار في هديرها وخريرها؟ الا نستمتع بشدو العصافير على اختلاف مقاماتها الموسيقية وهي تغني للحياة ولخالقها…

اليست الحياة في حدّ ذاتها سمفونيات نعيشها بين السيكا والنهاوند والصبا والراست والبياتي والحجاز والعجم والكرد حسب ما يتلاءم وما نعيشه من فرح او ترح؟ والأهمّ أليس كل ماذكرت هو دعوة للتغني بجمال ما خلق الله؟ انا عندما اكتب عن اي فن من الفنون (غناء تمثيل رياضة…) استعمل كثيرا كلمة (شيخة)… واعني بها ما حباني الله به من احساس للتمتع بما اسمع وبما اشاهد .. نعمة كبيرة من الله ان يمنحك الاحساس بنعمه عليك… انا لا اتورّع حتى عن التعبير عن عشقي لجمال المرأة… اليست هي من مخلوقات الله ؟ اذ كيف اعشق الغزالة وكبش العيد والقطة البيضاء وطائر العندليب ولا اعشق العندليب؟… كيف اعشق القمر والشمس ونوارة شجرة اللوز ولا اعشق جمال المرأة؟ هل من العيب ان اشكر الله واعبّر عن عشقي وللجمال بما في ذلك جمالهنّ… وهنّ أليس من حقهنّ ان يعبّرن عن عشقهن لوسامة الرجل… الم يثب الله زليخة ويجازها بزواجها من يوسف حسب ما تقوله بعض الروايات؟ زليخة التي عشقته وعشقته معها جلّ نساء طيبة .. ؟؟ لكنّ بعض اللي روسهم مكربعة ومخهم معلق باسفل جسمهم تراهم يقرنون دائما حديثهم عن العشق بالجنس… لذلك يرون فيه خطيئة كبرى بينما العديد منهم خطاياهم في الخفاء لا تحصى ولا تعدّ… وانا ارى في العشق فضيلة كبرى لانّ العشق عندي هو تقدير للخالق وشكره على عظمة وجمال ما خلق…

آتي الان للاجابة على من يتساءل: وماذا تقول عن الآيات القرآنية التي يقول فيه خالقنا انه شديد العقاب؟ نعم توعّد الله البعض من عباده بالويل والعذاب اذ كيف لمخلوق ان ينكر وجود خالقه وعدم الالتزام بهديه ؟ تي هو المعلّم يتوعد تلاميذه اذا لم يقوموا بواجباتهم المدرسية هل معنى ذلك انه يكرههم؟… جلّ معلمينا واساتذتنا يفرحون لنجاحنا اكثر من فرحنا فما بالكم بمعنى وعيد الله لعباده؟ الوالدة رحمها الله عندما أقترف ذنبا واحاول الفرار من عقوبتها كانت تقول لي وبكل زمجرة وغضب: آقف غادي والله لو كان ما تاقفش نقتلك؟؟ هل هناك اشدّ وعيدا من القتل ؟ ولكن هل تتصورون عيادة تجرؤ يوما حتى على خدش صغير في اصبعي الصغير ؟؟ فما بالكم بالرحمان الرحيم… ولا تنسوا عبارة الرحمان الرحيم التي ساعود اليها لاحقا…

اعود للاجابة حول وعيد الله بالعذاب الشديد لاقول من قرأ القرآن بتمعن سيجد انّ عدد الآيات التي تتحدث عن الويل والثبور وغضب الله 217 آية… في حين انّ الآيات التي تتحدث عن الرحمة والغفران عددها 434 .. هل لاحظتم انه الضعف ؟ ثم ولنفس قارئ القرآن بتدبّر وتمعّن الم يلاحظ انّ كلّ سور القرآن ماعدا سورة التوبة تبدا بـ “باسم الله.. الرحمان الرحيم”؟ … اعيدها… الرحمان الرحيم… هل كان اختيار الله على اسمين من اسمائه الحسنى مجانيا…؟ انه اختار رحمان الدنيا ورحيم الاخرة… الا يكفي كل هذا لنقول ما اعظم خالقنا وما ارحمه ؟؟ الا يكفي هذا لنقول لدعاة التطرف والتقتيل والفتن انتم ابعد منّا عن الله… وانّني ولانّي لا اسمح لنفسي بالقول اكثر مما قلته فيكم، استغفر الله اولا ان كنت اذنبت في حقكم واستغفره ايضا لكم الله ليغفر خطاياكم… ليس فقط لكم بل لكلّ انسان على وجه الارض ومهما كانت معتقداته وشرائعه… نعم ايماني بالله اوصلني والحمد لله الى الايمان بكونية الانسان… لانّنا نحن واينما كنا ووقتما كنا وكيفما كنا، من اب واحد وام واحدة… ألسنا جميعا ابناء آدم وحوّاء؟… فكيف اكره اخوتي ؟ انا فقط اكره الظلم والظالمين وساعيش لاخر قطرة في عمري اندد بهم وادافع عن المظلومين في اي بقيعة في هذه الارض…

هذه قصّتي مع الايمان كما عشتها بكل صدق وشفافية… واختم بالقول انا لم ادّع يوما ولن ادّعي اني املك الحقيقة ولم ادّع يوما ولن ادّعي اني ملاك… فانا بشر والله خلق الملائكة وخلق الشيطان وخلق البشر… والمتامّل في كلمة بشر لابدّ ان يلاحظ انه خليط من صفتين متناقضتين تماما… فلو حذفنا حرف الشين نصبح بِرّا ولو حذفنا حرف الباء نصبح شرا… ولاننا لسنا من صنف الملائكة فمنطقي ان نرتكب الاخطاء والذنوب والآثام من زاوية الشرّ فينا… وان تكون لدينا جوانب واعمال ايجابية ومحاسن من زاوية البِرّ فينا .. وافضلنا من كانت نزعته تميل في الفعل الى البرّ…وللعلم لمن لا يعلم فإنّ القرآن خصص للعبادات اي العلاقة بين الخالق والمخلوق 5 بالمائة من آياته… وللمعاملات بيننا 95 بالمائة الباقين…

فطوبى لمن لم يظلم ولم يحقد ولم ينافق ولم يقتل ولم يفجّر… وطوبى لمن تاب واستغفر… اليس الله الذي قال (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ)؟… عذرا على طول هذه الورقة… اما قلبي معبّي عليهم…

ـ يتبع ـ

أكمل القراءة

صن نار