تابعنا على

جلـ ... منار

حياتك والآخرون

نشرت

في

وفاء سلطان

وفاء سلطان:

أجلس كي أحتسي فنجان قهوتي الصباحي…

أبحث عن شيء أسجله…

وتبدأ كاميرتي بالتقاط أحداث اللحظة تلو اللحظة…

وفاء سلطان

رغم روتينية تلك الأحداث ورتابتها، علمني الغوص في أعماق الفلسفلة الزينيّة Zen التي تؤكد أنه لا قديم تحت الشمس،

علمني أن أبتهج وكأنني أرى كل شيء للمرة الاولى،

كما يبتهج طفل في ربيعه الرابع

عندما يقع بصره على لعبة جديدة لم يرها من قبل!

……..

ما أجمل هذا الصباح وما أعذب طعم القهوة!

شعوري بجماله وبعذوبة قهوتي يفتح حواسي

لأرى كل شيء جميلا وعذبا…

……..

لا أريد من قارئي أن يظن أنني كفراشة تلاحق الأزهار كي ترتشف رحيقها بلا هم وغم،.. فأنا كأي انسان آخر، تحاصرني ضغوط الحياة دائما، وأشعر أحيانا بأنني أحمل عشر بطيخات في يد واحدة، لو سقطت أي منها لانهار العالم فوق رأسي! لكنني بطبعي وبتطبعي، وكلما شعرت بثقل الحمل فوق منكبيّ، أمد يدي لأمسح قطرة ندى من على برعم صغير، كي أستمد منها ومن البرعم طاقة تكفي لحمل الجبال… نعم أنا موصولة بالكون من خلال قطرة ندى، ذلك الكون الذي يضخ في عروقي طاقته، كما يضخ قلب الأم الدماء عبر الحبل السري في عروق جنينها. قطرة ندى كانت، ودائما ستكون، حبلي السري الذي يصلني بمنبع كوني لا ينضب، ولذلك أنا سعيدة… ولذلك أنا متفائلة… ولذلك أرى الوجود جميلا..

……..

يدخل المقهى شاب بعربته المجهزة كهربائيا والمبرمجة لتكون جهازه الحركي، بعد أن شاءت أقداره أن يولد بعجز جسدي. يلتقط فنجان قهوته ويجلس كي يحتسيه كأي شخص آخر… لا أحد من رواد المقهى المواظبين ـ بمن فيهم أنا، لا يعرف جيسين … لا أحد فينا لم يستمتع ولو مرّة بالحديث معه… يتعثر ويتأتئ ، لكنك في النهاية تفهمه ويفهمك… يتمنى لك ـ قبل أن تتمنى له ـ يوما سعيدا وأمنية أن يراك في الغد.

لم يولد جيسين بعجز جسدي وحسب، بل ولِد أيضا بقدرات عقلية محدودة. لكن، وفي سنوات عمره المبكرة ـ عومل كأي طفل آخر، ولاقى من العناية مالا يلاقيه أي طفل طبيعي آخر، لذلك خرج إلى الحياة مزودا بمهارات تكفيه ليعيش حياة مستقلة وكريمة!

شاءت أقداره أن يولد في بلد يقدر الحياة ويعتبرها قيمة، بل أقدس القيم… ولأنهم يقدسونها كقيمة كانوا قادرين على أن يحسنوا نوعيتها، ويضمنوا نوعية جيدة حتى لمن يولد عاجزا منها… لطالما راقبت جيسين وهو يقطع الطرقات بعربته الكهربائية،.. ثم ذرفت دمعة على ذلك الوطن البعيد…

……..

يدخل رجل آخر…رجل أسود بهيّ الطلعة حسن المظهر، لكنه صبغ مثلثا من شعره وفي مؤخرة رأسه باللون الأشقر … تتبعه فتاة بيضاء تلمع كالضوء بكامل أناقتها، ولكنها حافية القدمين!!

تعرف من مظهرها أنها موظفة، وبأنها أتت لتلقتط قهوتها في طريقها إلى العمل، ولسبب ما، تركت حذاءها في السيارة ودخلت المقهى حافية…

……..

يشدني منظر عاشقين يتسامران في زاوية أخرى من المقهى رجل أسود وحسناء بيضاء… ثم أنتقل ببصري إلى شاب آخر يجلس مقابلي بانتظار أن يحصل على طلبه كوجبة فطور، وقد زركش جسده بوشم تظنه لوحة من أحد جدران قصر الحمراء. بينما تجلس على قرب منه شابة في مقتبل العمر تتدفق من محيطها أرطال اللحم وكأنك تنظر لخصر بقرة هولندية…

……..

لا أحد يراقب الناس في هذا المقهى إلا أنا، ولا أحد يدقق في ملامحهم إلا أنا… لقد ولدت وتبرمجت في ثقافة تقيّم الناس من مظاهرهم، وقبل أن تعرف شيئا عن معادنهم… كنا نراقب الناس ونخاف من مراقبتهم… أما اليوم، فأنا امارس تلك العادة لأتعلم منها وأعلم،، وليس لنفس الغاية التي جبرتني على اكتسابها في البداية!

……..

هذا هو المجتمع الأمريكي… عش حياتك كما تريد وبكامل حريتك، بشرط أن لا تقوّض من حرية الآخرين!

مَن مِن زبائن ذلك المقهى أساء إلى حرية غيره؟؟؟ لا أحد!

كل يعيش حياته حسب ذوقه ومشيئته. ولو دخل أيّ من زبائن اليوم محلا في أي بلد من بلاد القمع والقهر لكان محط استهزاء واهانة من قبل الجميع، بما فيهم عاجز شاءت أقداره أن يولد بقدرات جسدية أو عقلية محدودة!!!

……..

يقول المؤرخ والقاص الأمريكي Wallace Stegner

Chaos is the law of the nature. Order is the dream of man

(الفوضى هي أحد قوانين الطبيعة والنظام هو حلم البشر)

ولأن الروح قد ولدت في تلك الفوضى الطبيعة تبقى تواقة لتجاوز الحدود وكسر القيود

……..

لذلك، وربما لايمانه بتلك القناعة قال أحد الرؤساء الأمريكان يوما:

(للحرية سلبياتها، لكننا لا نستطيع أن نعالج مشاكل الحرية إلا بمزيد من الحرية)

……..

الإبداع هو لحظة انفلات الروح من معقل المألوف، والعبقرية هي لحظة فرار العقل خارج حدود البرمجة، والحرية الشخصيّة هي الشرط الأساسي لأن يعيش كل انسان بكرامة، ولأن يسمح للعملاق الكامن في داخله أن ينطلق إلى رحاب العبقرية والأبداع

Motif étoiles

أكمل القراءة
انقر للتعليق

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جلـ ... منار

من عياش إلى السنوار… “دوري” الإرهاب الصهيوني

نشرت

في

صبحي حديدي:

اللجوء إلى منهجيات المقارنة يقتضي، بادئ ذي بدء ربما، اعتماد درجة الحدّ الأدنى من التكافؤ أو التناظر تارة، والتفاوت والتنافر تارة أخرى، بين مقارَن وآخر؛ الأمر الذي تتضاعف اشتراطاته، ومشاقّه استطراداً،

صبحي حديدي

إذا كانت المقارنات تخصّ البشر عموماً، وفي ميادين مثل الأخلاق والنفس والسياسة والعقيدة خاصة. فليس من اليسير، في يقين هذه السطور، وضع قياديي “حماس”، ممّن استهدفتهم آلة الإرهاب الإسرائيلية في مواقع شتى وسياقات زمنية وسياسية مختلفة، على محكّ تقييمٍ مقارَن واحد أو متماثل؛ حتى إذا كان تسويغ هذا الخيار ينطلق من مبدأ المساواة، ضمن معايير سياسية أو عسكرية أو إيديولوجية، إيجابية أو سلبية، متَّفق عليها أو محلّ اختلاف. وحتى، أيضاً وربما قبلئذ، إذا ارتكزت المقارنات على مسلّمة ابتدائية وناظمة تضعهم، أجمعين، في خانة مقاومي كيان استعماري عنصري استيطاني فاشي المكوّنات وأبارتيديّ المسارات.

ثمة، بذلك، مقادير متقاطعة عليا من التكافؤ في مصائر الاستهداف الإسرائيلي لأمثال يحيى عياش (المهندس) والشيخ أحمد ياسين وصلاح شحادة وعبد العزيز الرنتيسي وسعيد صيام وصالح العاروري وجميلة الشنطي وإسماعيل هنية ويحيى السنوار؛ وثمة أيضاً، وفي المقابل الموضوعي أو الضروري، مقادير متقاطعة دنيا من التباينات الناجمة أصلاً عن الوظائف والدلالات والمصائر. طرائق النَيْل من المهندس أو السنوار، ليست مثل اغتيال الشيخ ياسين (قعيد الشيخوخة) أو هنية (النائم في فراشه)، والفارق لا يخفى بصدد الآخرين.

غير منتفاة بالتالي، بل هي ضرورة سياسية ومبدئية، مسألة التشديد على قاسم مشترك أوّل هو إرهاب الدولة الإسرائيلي بوصفه شكل تنفيذ هذه الاغتيالات، وإرهاب الدولة الصهيوني بوصفه المضمون العقائدي الذي يحرّك الدوافع من قلب “فلسفة” عتيقة ترى في الفلسطينيّ تهديداً وجودياً في ذاته وبذاته. وأياً كانت تفاعلات الشكل مع المضمون فإنّ توحّش إرهاب الدولة يلجأ، دون إبطاء، إلى إخراج الجغرافيا من المعادلة: “المهندس” ابن سلفيت في الضفة الغربية، متساوٍ مع السنوار سليل مجدل عسقلان المحتلة سنة 1948، وكلا الفلسطينييَن في خانة واحدة مع محمد الزواري… التونسي!

وليس عجباً أنّ الليكودي أرييل شارون كان مهندس اغتيال الشيخ ياسين؛ و”حكيم” حزب العمل، شمعون بيريس، كان الآمر باغتيال عياش؛ والليكودي الثاني نتنياهو كان على رأس حكومة الاحتلال يوم استشهاد السنوار. وليس من باب العجائب أنّ الثلاثة كانوا مجرمي حرب بامتياز، كلٌّ على طريقته وأفانين إجرامه، وأنّ تكوين دولة الاحتلال ظلّ ينحطّ من هاوية عنصرية إلى أخرى فاشية.

والحال أنّ منهجيات المقارنة الكلاسيكية ذاتها قد تعيد إنتاج مواضعاتها المألوفة، بين ماضي 1996 وحاضر 2024، على أصعدة حاسمة تخصّ ما هو عميق ومحوري في معمار “حماس” السياسي والعسكري والعقائدي. ذلك لأنّ أغراض الاحتلال من وراء اغتيال “المهندس” انقلبت ضدّها حين أفقدت قيادات “حماس” بعض ذرائع الاعتدال، وانتظار استكمال الانتخابات بوصفها الاستحقاق السياسي الفلسطيني الأبرز في ذلك الطور، وأفسحت المجال أمام انعتاق الحرج الآخر الذي كان يكبّل فصائل عز الدين القسام ويشلّ عملياتها.
وليس استشهاد السنوار ببعيدٍ، اليوم، عن منطق تطوّر مماثل تُضاف إليه اعتبارات عديدة فرضتها سيرورات “طوفان الأقصى” وحرب الإبادة الإسرائيلية ضدّ قطاع غزّة؛ إذْ قد يقبل امرؤ أنّ غياب السنوار عن المشهد الميداني في قلب المعركة المفتوحة يمكن أن يوجع المقاومة، وقد يساجل امرؤ آخر بأنّ الغياب ذاته قد يكون عتبة الوثوب إلى مراحل انتقال ليست أقلّ استكمالاً لتلك التي دأب عليها القائد الغائب.

“دَوْري” إرهاب الدولة الصهيوني تتعاقب فصوله، إذن، ولكن ليس من دون تبدّلات تقلب السحر على الساحر الإسرائيلي؛ كأنْ يفوّت السنوار على الكيان فرصة “اقتناص” على شاكلة شيخ في كرسيّ متحرّك، أو قيادي نائم في فراش.

ـ عن “القدس العربي” ـ

أكمل القراءة

جلـ ... منار

حبال نتنياهو… وجرّار أدعياء مناهضته

نشرت

في

صبحي حديدي

ذات يوم شاء المعلّق الإسرائيلي دافيد روزنبرغ اقتراح مزيج يلخّص شخصية رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، فساجل بأنه خليط من شخصية فرانكنشتاين ومن مسلك الحزب الجمهوري في أمريكا؛ من خلال جانب مشترك هو خلق الوحش الذي سوف ينقلب على خالقه، كما فعل نتنياهو مع أفيغدور ليبرمان، وفعل الجمهوريون مع دونالد ترامب.

صبحي حديدي

فإذا شاء روزنبرغ الدقة وتحديث نظرته إلى نتنياهو، فالأرجح أنه سوف يطوّر الشطر الأوّل من شخصية الأخير، لصالح أيّ مزيج يستجمع صفات مهووس متعطش للدماء، طامع إلى السلطة إلى حدّ القتال بالأسنان والأظافر، كاذب ومخاتل ومراوغ؛ عدا، بالطبع، عن كونه خاضعا للقضاء في تهم الرشوة والاحتيال وخيانة الأمانة…

وإذا مضى روزنبرغ أبعد، فراقب سلوك نتنياهو خلال 48 ساعة مضت، لا غير؛ فلن يكون بحاجة إلى كبير جهد كي يرصد مسلسل أكاذيبه حتى على أقرب رعاة دولة الاحتلال: المشاركة في صياغة مشروع فرنسي – أمريكي حول هدنة 21 يوماً في العدوان على جنوب لبنان والعاصمة بيروت، ثم التلميح إلى قبول الصيغة، ثم الانقلاب عليها بعد تهديد ووعيد من إيتمار بن غفير أحد الوحوش التي خلقها ائتلاف نتنياهو الحاكم.

أمّا إذا أصغى إلى خطبة نتنياهو أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، وخرائط البركة مقابل اللعنة التي عرضها على قاعة شبه فارغة بعد انسحاب ممثلي عشرات الدول، والاستعانة بالنبي موسى في أرض الميعاد؛ فإنّ روزنبرغ لن يستصرخ العالم إنقاذ دولة الاحتلال من أسوأ زعمائها (كما فعل توماس فريدمان في “نيويورك تايمز” مؤخراً)، بل لعله سوف يشفق على فرانكنشتاين من تماثل مع نتنياهو!

التاريخ، من جانبه، لن يطمس تقلبات نتنياهو في السلطة منذ الحلقة الأولى في تاريخه السياسي، أي أواخر آذار (مارس) 1993، حين انتُخب زعيماً لحزب الليكود وبات مرشحه لانتخابات رئاسة الوزراء؛ هو، ذاته، الذي حلّت عليه نقمة الناخب في سنة 1999 ومُني بهزيمة ساحقة مهينة أمام إيهود باراك، أجبرته على الاستقالة الفورية. وإذا كان في تلك الحلقات التعاقبية الأشبه بالباب الدوّار بعض قواعد لعبة الاحتلال في تبادل السلطة، فإنّ فيها أيضاً الكثير من ذلك المزاج الخاصّ الطاغي الذي يتحكّم بالناخب الإسرائيلي وبصندوق الاقتراع تحديداً: مزاج الخوف من السلام، الذي يبلغ درجة الرهاب، والانكفاء إلى الشرنقة العُصابية التي تدفع إلى التمسّح بأمثال بن غفير، واستيلاد تنظيمات، متدينة/ متشددة و/ أو عنصرية، مثل “إسرائيل بيتنا” و”البيت اليهودي” و”العظمة اليهودية”….

الفصول الأولى بدأت في أيار (ماي) 1996، حين انتخبه الإسرائيليون فأدخلوا بذلك انعطافة نوعية على تقليدهم العتيق في الموازنة بين اليمين ووسط اليسار؛ الأمر الذي لم يكن يشكل أي فارق كبير أصلاً، لولا أنّ انتخاب نتنياهو صنع ويصنع الفارق كل الفارق. الفصول الأخرى لم تكن تبرهن على شيء قدر برهنتها على “موهبة نتنياهو الاستثنائية في الخروج بقرارات سيئة التدبير، استفزازية، وفي التوقيت الخاطئ”؛ كما قالت افتتاحية شهيرة لأسبوعية “إيكونوميست” العريقة النافذة، وعدّدت: شقّ النفق الأركيولوجي في قلب الشطر الشرقي المحتلّ من مدينة القدس، والشروع في بناء ضواحٍ استيطانية على أراض محتلة، وإبقاء انسحابات جيش الاحتلال في حدود نسبة 2% ليس أكثر. مسمار الافتتاحية جاء في الخاتمة: “إن إسرائيل، إذْ تدخل نصف قرن من عمرها، لا تستحقّ رئيس الوزراء الذي يحكمها الآن. وينبغي عليه أن يرحل”.

لكنه لم يرحل بالطبع، وحين شرع في حرب الإبادة ضدّ قطاع غزّة كانت الـ”يكونوميست” في صدارة المتضامنين معه، الصامتين عن جرائم الحرب، المشاركين في غسل يديه من دماء عشرات آلاف المدنيين الأبرياء؛ الخيار الذي لم يبرأ منه روزنبرغ نفسه، على شاكلة فريدمان أيضاً؛ والحبل على الجرّار…

أكمل القراءة

جلـ ... منار

لمرّة واحدة

نشرت

في

د. أحمد خالد توفيق

قرأت هذا الإعلان ورأيته في التلفزيون عدة مرات. هل في سيارتك خدوش؟.. وداعاً لخدوش السيارات وورشة الطلاء. هذا الـ “سبراي” يذيب الطلاء فيغطي الخدش. سمعت هذا الإعلان فراق لي المبدأ.

سيارتي مغطاة بتوقيعات الشباب الذين يحملون مسامير، دعك من الشاب العاشق الذي كتب على الباب حفراً: “أحمد يحب منى” مع صورة قلب كبير. كأن الأشجار نفدت من العالم فلم يبق سوى باب سيارتي.

هكذا ابتعت علبة الطلاء بمائة جنيه مصري ورششت به سيارتي .. لا شيء .. واظبت على الرش عدة أيام، لكن الخدش ظل خدشاً .. لم يتغير شيء.

اتصلت بالشركة المنتجة فنصحني الموظف في قرف أن أستعمل عبوة ثانية.. بعض السيارات تحتاج لعبوتين. اشتريت عبوة ثانية بمائة جنيه وجريت أن يزول الخدش الكوني .. لا جدوى … لاحظ أنني لو ذهبت بالسيارة إلى ورشة الطلاء لما أنفقت هذا المبلغ. هكذا ألقيت بالعبوتين في القمامة وأطلقت سبة.

سمعت عن مركز جديد للتخسيس يستخدم الأشعة الكونية في إذابة الدهون. نظرت لكرشي المترهل في المرآة وقررت أن الوقت قد حان لأجرب. ذهبت لذلك المركز، فقال لي الطبيب: “لا بد أن تلتزم بحمية جيدة كي يجدي العلاج” ثم ناولني الحمية المطبوعة في ورقة: جناح عصفور في الإفطار .. كسرة خبز في الغداء .. نصف تفاحة في العشاء. لو التزمت بهذه الحمية لتحولت إلى غاندي بعد ثلاثة أيام ولا داعي لإذابة الدهون بالأشعة الكونية.

على كل حال أجريت الجلسة المطلوبة ودفعت مبلغاً من المال يكفي وحده لجعلي أفقد وزناً.. إنه كفيل بأن يجيعني ويجيع أطفالي. وعدت لداري .. قال لي الطبيب إن وزني سينقص خمسة كيلو جرامات بعد ثلاثة أيام.. لم يحدث شيء .. ظل وزني كما هو وازداد قليلاً …

اتصلت بالطبيب أسأله، فقال إنني بالتأكيد غير ملتزم بالحمية، وهذا شيء مخجل لرجل محترم مثلي … وضعت السماعة وأطلقت سبة.

أحضر لي قريبي تلك الفتاة من قريته لتعمل خادمة في البيت. قال لي إنها جوهرة .. زوجتي لم تر ذلك عندما تتناول الطبق فتجد عليه بقايا الطعام .. وعندما تقلب البساط لتجد القاذورات مخبأة تحته .. قلت لها إنها جوهرة فلم تعلق. ثم بدأت أشياء تختفي في البيت .. الأموال تنقص وقطع الحلي تختفي … فتحت زوجتي حقيبة الخادمة المخفية بعناية فوجدت فيها كل شيء. واجهت الفتاة بالأمر، فقالت في تحد إنها لا ترغب في أن تعمل عندنا أكثر من هذا لأننا لا نليق بها، لكن لابد من الحصول على مستحقاتها كاملة. قمنا بحساب مستحقاتها وأطلقنا سبة.. هي كذلك أطلقت سبة..

لما أصابني ذلك الألم في أسناني ذهبت لطبيب الأسنان في آخر الشارع. قال لي الرجل إنني في أرقى عيادة أسنان في مصر ووعدني بحلول لم أسمع عنها من قبل، ثم دس رأسه في فمي ربع ساعة ثم خرج ليعلن أنني بحاجة لحشو عصب .. كان الألم يقتلني فطلبت منه أن يفعل ويريحني .. أتوسل إليك .. – «لا تقلق .. أنت في أرقى عيادة أسنان في مصر» وقضى داخل فمي ربع ساعة واستعمل أشياء غريبة مثل المثقاب ومفرمة اللحم. عندما عدت لبيتي اكتشفت أن أشياء غريبة حدثت .. طعام الغداء يخرج من عيني .. والشاي يخرج من أذني .. وألم الأسنان لم ينته بل ازداد. اتصلت بالرجل، فقال لي: هل تناولت طعام العشاء بعد ما تركتك؟ قلت له في براءة إنني بالتأكيد تناولت العشاء. هو لم يطلب مني الصيام. قال في غيظ إنني أفسدت كل شيء ووضع سماعة الهاتف في وجهي .. هكذا أطلقت سبة ..

تزوج صديقي حبيبة قلبه الفاتنة الرقيقة .. كانت لطيفة جداً وشهد معها شهراً لا يمكن وصفه أو تصديقه. ثم اكتشف أنها كسول جداً لا تمد يدها نحو أي شيء في البيت. لا تطهو أبداً .. متنمرة شرسة .. لا تفارق المرآة ولا التجميل … كأن مهمتها الوحيدة هي جعل شباب الحي يجنون .. قالت له إن من أهم شروطها ألا تنجب فهي لا تريد أن يتشوه قوامها الرائع. بعد شهر آخر تم الطلاق. وزغردت هي احتفالاً بحريتها التي استلبها ذلك الوغد بينما اطلق هو سبة.

عندما سمعت القصة دار شريط الذكريات في رأسي .. الطلاء .. طبيب الأسنان .. الخادمة .. التخسيس … كلهم يعملون بطريقة واحدة: إنهم يخدعونك فتسقط في الشرك .. وبعدها لا تكرر الخطأ ثانية، لكنهم استفادوا بأول مرة .. لو وقع مليون شخص في الخطأ لأول مرة لصاروا هم أغنى من قارون، حتى لو لم يكرر أي من ضحاياهم الخطأ ثانية. يعرفون أنك لن تعود لكن من يهتم بك؟. من يريد عودتك؟.

النصب لمرة واحدة هو طريق النجاح والثراء، لكن لا توجد مدارس تعلمك هذا الكلام للأسف.

أكمل القراءة

صن نار