تابعنا على

جلـ ... منار

واشنطن والدولة الفلسطينية… حقّ النقض وعربدة التناقض

نشرت

في

استخدام واشنطن حقّ النقض (الفيتو)، لتعطيل مشروع قرار يطالب بمنح فلسطين العضوية الكاملة في الأمم المتحدة، ليس آخر حلقات المسلسل الأمريكي في هذا الصدد، فالحلقات المقبلات لن تُعدّ ولن تُحصى أغلب الظنّ. لعله، في المقابل، أحدث مظاهر التناقض الفاضح في السلوك الدبلوماسي للقوّة الكونية الأعظم، كلما اتصل الأمر بمصالح دولة الاحتلال الإسرائيلي.

صبحي حديدي
<strong>صبحي حديدي<strong>

والأصل في الأمر لا ينطوي على انحطاط صارخ في طرائق التلفيق وحدها، بل يشمل أيضاً ذلك البؤس الهابط في تدبّر اللغة والمفردات، والتحايل على معانيها الأبسط ودلالاتها الدنيا. فما من إدارة أمريكية تخلّت، صراحة ونهائياً، عن خرافة حلّ الدولتين كمخرج لـ”نزاع” فلسطيني ـ إسرائيلي لا يخمد يوماً حتى يندلع أشدّ اشتعالاً؛ ومع ذلك، ما من إدارة أمريكية إلا واستخدمت حقّ النقض لتعطيل أيّ قرار ينقل التمثيل الفلسطيني في الأمم المتحدة من مستوى المراقب إلى العضوية الكاملة. لا أحد، في أيّة إدارة، سوف يضع السلوك الأمريكي تحت توصيف التناقض، حتى حين يجنح هذا أو ذاك من كبار ممثلي الإدارة إلى منطق كسيح ركيك في تبرير استخدام الفيتو.

الطريف قد يتمثل في أنّ حلقات المسلسل لا تتكرر، على النحو الأعلى إثارة للملل، فحسب؛ بل يحدث أيضاً أن يتكئ التبرير الأمريكي الأحدث لاستخدام الفيتو على تناقض من قلب التناقض، أو في محيطه وأمامه وخلفه. وهكذا يقول وزير الخارجية الأمريكي إنّ “الوصول إلى دولة فلسطينية يتطلب تحقيق التهدئة في غزة أوّلا”، ولكنه يتناسى أنّ واشنطن أفشلت مشاريع قرارات وقف إطلاق النار أو هدنة في حرب إبادة تتواصل منذ ستة أشهر ونيف.

ولا سبيل، أيضاً، إلى مساءلة هذا المنطق الأمريكي، المُعاق ذاتياً وإرادياً في الواقع، بصدد تناقض تكويني آخر، يسير هكذا: إذا كان البيت الأبيض يريد دولة فلسطينية عبر الوسائل الدبلوماسية فقط (وكأنّ الأمم المتحدة ساحة حرب وليست هيئة دبلوماسية)؛ فكيف ستتحقق معجزة مثل هذه إذا كان الطرف الآخر، الإسرائيلي، لا يرفض فكرة الدولة الفلسطينية من الأساس فقط، بل يأبى الدخول في أيّة مفاوضات مع أيّ فريق فلسطيني، حتى إذا اختُزل إلى مقاطعة/ شبه بلدية في رام الله؟

طرافة أخرى ذات صلة بحكاية (لعلها أقرب إلى الكوميديا، منها إلى التراجيديا) العلاقة الأمريكية مع الهيئة الأممية ذاتها؛ فقبل المندوبة الدائمة الحالية، ليندا غرينفيلد، كانت سوزان رايس قد رفعت بطاقة الـ “فيتو” مراراً وتكراراً في وجه أيّ إجماع دولي ضدّ أية من جرائم دولة الاحتلال. وقبل الاثنتين شهد العالم إصرار البيت الأبيض على تعيين جون ر. بولتون في المنصب ذاته، رغم أنّ جوهر موقف الرجل من المنظمة التي سيعمل فيها كان، ببساطة: الاحتقار التامّ!

كوندوليزا رايس، وزيرة الخارجية آنذاك، دافعت عن بولتون بطريقة مبتكرة حقاً: إنه ليس أوّل كارهي هيئة الأمم في لائحة مندوبي أمريكا الدائمين. وبالفعل، قبله كان هناك باتريك موينيهان، وجين كيركباتريك، و… كانت مادلين ألبرايت.

ففي مطلع عام 1993، أثناء تقديم شهادة تثبيتها في المنصب هذا، قالت ألبرايت إنها “لن تسمح بالتنازل عن السيادة الأمريكية للأمم المتحدة، في منطقة ذات مصالح حيوية للولايات المتحدة في أيّ مكان من العالم”. ولعلّ ذلك “العالم” يتذكّر، ليس دون مزيج خاصّ من الاستطراف والاستياء، صراع الديكة الذي نشب بين ألبرايت والأمين العام الأسبق بطرس بطرس غالي، حول صلاحيات مجلس الأمن الدولي بالذات؛ حين كانت تتهكم: “أليس من المضحك أن يعتقد أنه قادر على استخدام الفيتو ضدّ سياسات الولايات المتحدة”؟

كان مضحكاً بالفعل، ودفع الرجل ثمنه سريعاً؛ والحال مضحك اليوم أيضاً، وهكذا سيبقى كلما توجّب أن ترتفع يد أمريكية لإعلان النقض و… وعربدة التناقض!

أكمل القراءة
انقر للتعليق

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جلـ ... منار

دمشق وما بعدها… “سايكس ـ بيكو” الجديدة؟

نشرت

في

عبد الله السنّاوي

إثر سقوط دمشق في قبضة “هيئة تحرير الشام”، التى تدمغ دوليا بالإرهاب، تبدت مخاوف وتساؤلات عما إذا كانت المنطقة العربية كلها، لا سوريا وحدها، على وشك إعادة رسم خرائطها من جديد.

عبد الله السنّاوي

أشباح التفكيك تخيم على الشرق العربي كله، العراق ولبنان والأردن في عين الإعصار، والقضية الفلسطينية على المحك، أن تكون أو لا تكون، ومصر غير مستبعدة إذا ما جرى تهجير قسري من غزة إلى سيناء.

عادت مجددا إلى واجهة الأحداث اتفاقية “سايكس- بيكو” (1916)، التي استهدفت عند ذروة الحرب العالمية الأولى تقاسم النفوذ في المشرق العربي بين الإمبراطوريتين الفرنسية والإنجليزية عندما بدا أن الإمبراطورية العثمانية توشك أن تنزوي للأبد.

فى عام (1920) سلخ ما سمى بـ”لبنان الكبير” من الأراضى السورية بذريعة حماية الأقلية المارونية، ثم نزع “لواء الإسكندرون” في مقايضة فرنسية تركية قبيل الحرب العالمية الثانية مباشرة.

بإرث التاريخ: استهداف سوريا وجودا ودورا لا يتوقف.

بحقائق اللحظة: سلخ حلب غير مستبعد إذا ما توافرت الظروف المشجعة.

دخلت إسرائيل على خط توزيع المغانم.

بتصريح واضح وصريح أعلن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أنه بصدد بناء “شرق أوسط جديد”، خرق اتفاقية (1974) لفض الاشتباك مع سوريا، التى وقعت إثر حرب أكتوبر (1973). استولى على المنطقة العازلة، وجبل الشيخ بالغ الأهمية الاستراتيجية. جرد سوريا من قوتها العسكرية، طائراتها وأسطولها البحري ومخازن سلاحها ومراكز أبحاثها بمئات الغارات دون أدنى إدانة من حكامها الجدد. توغلت قواته إلى (25) كليومترا جنوبي دمشق ليعلن أنه طرف مباشر في لعبة تقاسم النفوذ، التي بدأت باتصالات ومشاورات وضغوطات دولية وإقليمية تتصاعد وتيرتها.

لم تكن هذه المرة الأولى، التي تطرح فيها مخاوف التقسيم على نطاق واسع ومنذر بتداعياته وعواقبه على مستقبل الوطن العربي ومصيره.

عند سقوط بغداد عام (2003) طرحت نفس المخاوف، لكنها الآن أخطر وأفدح. يقال عادة: “ويل للمهزوم”. وقد تجرع العراق مرارة الهزيمة واستغرقته احتراباته الطائفية وسيناريوهات تقسيمه وتوحش جماعات العنف والإرهاب في جنباته، لكن الهزيمة شملت بالوقت نفسه الوطن العربي كله.

كان احتلال بغداد نقطة تحول مفصلية استدعت مشروعات الشرق الأوسط الجديد وسيناريوهات التقسيم لصالح إعادة تمركز إسرائيل في قلب تفاعلاته.

الآن: خرج الدور الإسرائيلي من ظلال الكواليس إلى مقدمة المشهد. لم يكن غامضا الهدف الحقيقي من احتلال العراق. كان تحطيمه على رأس الأولويات بالنيل من وزنه الجغرافي الاستراتيجي في مشرق الوطن العربي والاستيلاء على موارده النفطية، حتى لا تكون هناك في المنطقة قوة عسكرية واقتصادية قادرة على منازعة إسرائيل.

تتجاوز الأدوار التركية والإسرائيلية تصفية الحسابات مع النظام السوري، ومنع تهريب السلاح عبر الحدود للمقاومة اللبنانية، إلى إعادة رسم معادلات النفوذ.

لم يكن ممكنا الادعاء بأن صدام حسين هو الديكتاتور الوحيد، ولا نهايته شابهت السيناريو السوري، حيث كان السقوط مدويا بلا طلقة رصاص واحدة! عند سقوط بغداد طرح سؤال: مَن التالي؟ انطوى ذلك السؤال على اعتقاد بأن النظم العربية جميعها استهلكت أدوارها ووجوهها، وأصبح وجودها عبئا استراتيجيا مخيفا على حقوق المواطنين العرب في العدل والكرامة والديمقراطية وحقوق الإنسان، فأمن الحاكم فوق أمن المواطن، وبقاء العروش فوق حقوق المواطنين.

السؤال نفسه يطرح مجددا فى ظروف مختلفة: أين الضربة المقبلة؟ عند احتلال العراق طرحت سيناريوهات “الشرق الأوسط الجديد”، التى بشرت به وزيرة الخارجية الأمريكية “كوندوليزا رايس”، المجال العام في الدول العربية، خشية إعادة رسم خرائطها بإثارة النزعات الطائفية أو العرقية، أو الغزو المباشر إذا اقتضى الأمر.

بثمن باهظ دفعه العراق، لم يأخذ سيناريو التقسيم مداه، فشل إعلان دولة كردية بالانفصال، ولم تنشأ دولتان على جثته، إحداهما سنية والأخرى شيعية، لكنه ما زال يعاني حتى الآن من مغبة ما حدث.

في الحالة السورية الحسابات تختلف. لم تسقط دمشق بغزو أجنبي، لكن الدور الخارجي واضح ومؤكد. بدا ملفتا ما صرح به زعيم “هيئة تحرير الشام” أبو محمد الجولانى أنها لم تحصل على تمويل، أو سلاح من أية دولة، وأن القوات التي وصلت إلى دمشق “سورية خالصة”.

كان ذلك تدليسا على الحقيقة ومحاولة يائسة لإخفاء القوى، التي أعدت المشهد وهندسته لأهداف سياسية تدخل في صميم مصالحها، تركيا وإسرائيل تحديدا.

لم يكن بشار الأسد هو موضوع الصراع، كما كتبت طويلا وكثيرا. إنها سوريا دورا ووجودا قبل أي اعتبار آخر. استحق “الأسد” السقوط حين رهن بقاءه على قوة الآخرين لا على قدرات شعبه وإرادة الحياة والمقاومة فيه.

في الأزمة السورية وصلت المفارقات الأمريكية إلى ذرى غير معتادة في السياسات الدولية.

دعا الرئيس الأمريكي الحالي “جو بايدن” إلى محاسبة أركان نظام “الأسد” على ما ارتكبوه من جرائم بشعة بحق معارضيهم.

هذا كلام له منطق متماسك يسوغه، لكنه يفتقد أدنى احترام لأية قيمة إنسانية وقانونية إذا ما وضع في سياق واحد مع رفضه القاطع لمذكرتي إيقاف “نتنياهو” ووزير دفاعه السابق “يوآف جالانت” بتهمة ارتكاب جرائم حرب في غزة والتلويح بعقاب المحكمة الجنائية الدولية التي أصدرتهما. كانت تلك مفارقة كبرى فى النظر إلى العدالة الدولية.

المفارقة الثانية، الاستعداد المبكر لرفع اسم “هيئة تحرير الشام” من قائمة الإرهاب الأمريكية دون أدنى استبيان لحقيقة مواقفها ومدى التزامها بقواعد الدول الحديثة.

إنها المصالح الاستراتيجية، التي تأخذ ما تريده إسرائيل في كل حساب، ولا تأبه بما يحقق أية مصلحة عربية.

إذا لم يستفق العرب في الوقت بدل الضائع فإن أشباح “سايكس- بيكو” الجديدة سوف تأخذ مداها تقسيما فوق الخرائط.

ـ عن “الشروق” المصرية ـ

أكمل القراءة

جلـ ... منار

شيء من الثقة

نشرت

في

وفاء سلطان:

يقول الاستراتيجي والباحث في مجال العلاقات العامة، البروفيسور الأمريكي David Horsager

Everything takes longer and costs more

when trust is low

(كل شيء يأخذ وقتا أطول ويكلّف أكثر، عندما تضعف الثقة)

وفاء سلطان

عندما تضعف الثقة؟!!

فما بالك عندما تنعدم، على صعيد العلاقات العامة والشخصية، ومنذ زمن ضارب في عمق التاريخ،

ولم يعد أحد يستطيع أن يحدّده؟!

المراقب لمجتمعاتنا من خارجها، وطبعا هو الأصدق لأن السمكة لا ترى الماء الذي تسبح فيه، يراه مستنقعا من الجثث المتناحرة، وأشرس أنواع التناحر تلك التي تقع بين الموتى،

فالأحياء لا يتناحرون، لأنهم يدركون قيمة الحياة، ولديهم ما يخشون أن يخسروه!

نعم نزعتك العدائية والهجومية تكون على أشدها عندما لا تملك شيئا تخاف عليه،

وليس إلا الموتى من يفقدون كل شيء

أيضا، وللوهلة الأولى، يرى ذلك المراقب أسبابا دينية وطائفية وعرقية وإثنية وسياسية (وسمها ما شئت) وراء ذلك التناحر، لكنه عندما يدقق أكثر بغية أن يغرز رأس الدبوس في قلب المشكلة، يراه تناحرا بين الإنسان ونفسه،

لأن كل الأسباب السابقة مجتمعة سلبته الثقة بينه وبين تلك النفس!

إنسان سوريا تحديدا، بغض النظر عن أصله وفصله، أصبح مخلوقا شبه بشري، ومجردا من أي أثر للثقة بغيره، ناهيك عن ثقته بنفسه

لا يمكن أن يستعيد ثقته بغيره أو بنفسه إلا إذا فتح قلبه للكون ولكل من فيه

ومن المستحيل أن يقدر على فتح قلبه ما لم يقفل على إلهه داخله

دع إلهك يغيّرك،

وليس من شأنك أن تحشره في حلقوم الآخرين..

الأوطان تحتاج إلى ثقة أبنائها، ولا يمكن أن تتوفر الثقة

عندما تتصارع الآلهة

أكمل القراءة

جلـ ... منار

الجنائية الدولية: بين استهبال أمريكي وسعار إسرائيلي

نشرت

في

صبحي حديدي:

الأرجح أنّ حدود المنطق، حتى في أبسط مستويات العقل والتعقل، يصعب أن تنطبق على السعار الراهن ضدّ محكمة الجنايات الدولية، على خلفية إصدار مذكّرتَيْ اعتقال بحقّ رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو ووزير الحرب الإسرائيلي السابق يوآف غالانت؛ وليس هذا داخل حدود الكيان الصهيوني أو في صفوف أنصار دولة الاحتلال هنا وهناك، فحسب، بل حيثما تنشط مجموعات الضغط الصهيونية وتُلقي قبضة ثقيلة على الأفواه والأقلام والمنابر.

صبحي حديدي

للمرء أن يذهب، من دون إبطاء إلى السناتور الجمهوري جون كوتون الذي طالب بتطبيق “قانون لاهاي” على محكمة الجنايات (لأنها مجرّد “محكمة كنغر”)، وعلى المدعي العام كريم خان (لأنه “متعصب مختلّ العقل”)؛ و”الويل لكلّ من تسوّل له نفسه محاولة إنفاذ تلك المذكرات غير القانونية” كما صرّح. وأمّا القانون ذاك، فيعود إلى سنة 2002 ويُعرف باسم “قانون حماية أعضاء الخدمة الأمريكية” وقُصد منه ردع المحاكم عن المساس بأيّ أمريكي يمكن أن تُثار ضدّه تهم ارتكاب جرائم بحقّ الإنسانية.

في نظرة أخرى إلى سعار السناتور كوتن، نتنياهو وغالانت ليسا مواطنين يحملان الجنسية الإسرائيلية فقط، بل يمكن إدراجهما في خانة حملة الجنسية الأمريكية، أو بالأحرى هم في عداد “أعضاء الخدمة” الأمريكية؛ الأمر الذي قد لا ينافي واقع الأمر الفعلي في نهاية المطاف، ولكنه يمكن أن يُغضب نتنياهو على الأقلّ، المتفاخر الدائم بامتياز الجنسية الإسرائيلية. ولكن حتى لو ذهبت مخيّلة استهبال كوتون وسواه إلى فرضية سريالية قصوى، مثل إقدام السلطات الهولندية على اعتقال نتنياهو عند قيامه بزيارة أمستردام مثلاً، فهل سيدعو السناتور إلى اجتياح هولندا عسكرياً، والبلد عضو في الحلف الأطلسي ويتوجب على واشنطن استطراداً أن تهبّ لنجدته من الغزو… الأمريكي؟

السناتور الآخر، لندسي غراهام، سابق الرياح واستبق التئام الكونغرس ليعلن أنه سوف يطرح مشروع قرار “يحذّر الأمم الأخرى” من مغبّة مساندة المحكمة الجنائية بعد إصدار مذكرتَي الاعتقال؛ وإلا فالعواقب من جانب الولايات المتحدة، سوف تكون وخيمة وفورية، وتعتمد القوّة بالمعنى العسكري وليس المعنوي وحده. السبب في يقينه يتجاوز الاستهبال: إذا سكتت الولايات المتحدة هذه المرّة، فالدور المقبل سيكون علينا.

غراهام نفسه، ولكن بصدد مذكرة المحكمة ذاتها بحقّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، قال التالي: “خطوة عملاقة في الاتجاه الصحيح بالنسبة إلى المجموعة الدولية”، وهي “أكثر من مبررة بالدليل القاطع”.
ثمة، في المقابل، رياضة أخرى طريفة تصعب مقاومة إغواء استعادتها، مثنى وثلاثاً وعشراً، هي المقارنة بين صفة “المُشينة” التي استخدمها الرئيس الأمريكي جو بايدن في إدانة مذكرات اعتقال نتنياهو وغالانت؛ وبين الواصف نفسه، سيد البيت الأبيض، وهو يتغنى بقرار الإيقاف الصادر عن المحكمة ذاتها، ولكن ضدّ بوتين: خطوة “محقّة”، و”تسجّل نقطة قوية للغاية”. وكي لا يغيب صوت إدارة دونالد ترامب عن الجوقة، أعلن مستشاره المعيّن للأمن القومي مايك والتز أنّ المحكمة ليست شرعية أصلاً، ولا مصداقية لقرارات تتخذها في ظلّ تفنيد أمريكي لها؛ وبالتالي: “انتظروا شهر كانون الثاني/ جانفي”، موعد تنصيب الرئيس الأمريكي المنتخب.

والأرجح أنّ ردود الفعل الإسرائيلية لم تخيّب ظنّ أحد في جانب واحد على الأقلّ من سعار جماعي، ضمّ الائتلاف الحاكم و”المعارضة” معاً، وهو الركون إلى فزّاعة العداء للسامية، العتيقة المستهلَكة التي باتت مطية لكلّ ما هبّ ودبّ من أنساق الاقتراب من دولة الاحتلال؛ مع تنويعات غير مفاجئة بدورها، إلا في مقادير استهبال عقول البشر ربما. كما حين يذهب نتنياهو إلى مقارنة نفسه بالضابط الفرنسي اليهودي ألفرد دريفوس أواخر القرن التاسع عشر، لعله بذلك ينتظر إميل زولا معاصر من أيّ صنف، بمقال “إني أتهم” أياً كانت ركاكة التقليد والتزييف.

ـ عن “القدس العربي” ـ

أكمل القراءة

صن نار