تابعنا على

جور نار

ورقات يتيم … الورقة رقم 20

نشرت

في

Homme Debout Lisant Un Livre Vectores, Ilustraciones y Gráficos - 123RF

استاذي محسن الحبيب اطال الله عمره لم يكن في تلك الحقبة الاستاذ الكلاسيكي في تعامله معنا ..لم يكن ذلك الاستاذ الحازم الشديد المهاب والذي لا صلة لنا به الا من خلال ما يقدّمه في الفصل حيث (الذبّانة تسمع حسّها) كابن عمه سي رشيد رحمه الله ..وكجلّ الاساتذة انذاك ..

عبد الكريم قطاطة
<strong>عبد الكريم قطاطة<strong>

سي محسن كان يميل في اسلوبه معنا الى المزج بين الجد والهزل ..وبقدر ما كان حريصا على اثرائنا معرفيا بقدر ما كنّا نجد فيه ذلك الانسان المختلف عندما يقتضي المقام … ربّما سنّه كشاب هو من الاشياء التي جعلته قريبا جدّا منّا .. اتذكّر جيّدا زميلنا مبروك البردعة والذي هو بدوره اصبح استاذا في مادّة العربية اطال الله عمره، رفع اصبعه ذات يوم للمشاركة في الدرس وكان ذلك في بداية السنة الدراسية ..واجتهادا من زميلي مبروك اراد أن يعرّف بنفسه قبل بداية مداخلته فذكر اسمه ولقبه (مبروك البردعة) …فماكان من سي محسن الا ان اجابه: “الله يبارك فيك تفضّل!” … ضجّ الفصل ضحكا وسفّ سي محسن سيجارته سفّة لا يعرف حجمها الا هو وقال: نواصل ..وانتهى الامر ..

سي محسن ايضا كان صديقنا جدّا وهو يشارك معنا في الرحلات المدرسية كمشرف عليها …سي محسن ايضا هو اوّل من فكّر في بعث مجلّة مدرسية يطلق فيها التلاميذ العنان لاقلامهم وسمّاها “الخواطر” وكانت لي اوّل محاولة رسمية للكتابة ضمنها ..سي محسن ايضا كان اذاعيا مساهما في اذاعة صفاقس بالعديد من البرامج الثقافية منذ عاد من بغداد في اواسط الستّينات ..وسي محسن كان مساهما في عديد الجمعيات من المجتمع المدني ..سي محسن هو ايضا مؤلف للعديد من الكتب ومن ضمنها (قال قلمي) وفي اجزاء ثلاثة …وفي سنة 2006 جاء سي محسن كما ذكرت سابقا ليسلّمني نسخة من الجزء الاوّل ..ويقول لي: ابحث عن الصفحة 200 واقرأ … لم يضف شيئا وافترقنا ..في الحقيقة لم نفترق ..ولن نفترق…

قلت كم مرة ان الحياة تهبك احيانا اوسمة لا تقدّر بثمن وها انا استسمحكم في هذه الورقة ان انقل لكم حرفيا واحدا من اغلى الاوسمة في حياتي … انه مقاله الذي كتبه سنة 1999 ولم يكتب لكتابه النشر الا سنة 2005 حول تلميذه عبدالكريم …سي محسن الحبيّب وما ادراك يخصّني بمقال …؟؟؟ هل انتم شاعرون بكمّ السعادة التي تغرقني ولا تميتني .. لن اطيل عليكم لان ما كتبه سي محسن غزير جدّا ومعذرة ان كانت تلك الغزارة ستأخذ من صبركم الكثير ..ولكن ثقتي بأنكم تفهمون ما معنى ان تشاركوني في تذوّق طعم سعادتي والتي اريدها سعادتكم .. قد يغفر لي نشر المقال باكمله (كلّو) … فقط للاشارة هنالك تاريخ اخطأ فيه استاذي ..هو ذكر سنة 1970 والسنة انذاك كانت سنة 1967 …

العنوان “كنت وستظل بما انت .. حاضرا في الذّاكرة”:

“ذاكرة المربّي عادة لا تحتفظ بأسماء وبصفات وبملامح تلاميذه _خاصة مَن لقاؤه بهم محدود، إلاّ الّذين كانوا متميّزين بمواقفهم .. امّا الجادّة النشطة الخصبة او الطائشة الرافضة المشاكسة المتمرّدة العابثة التي تختار التهريج للظهور والتجاوز للريادة ابني الكريم، كنت من بين تلاميذي المتميّزين البارزين ممن تحتفظ بهم وبسلوكهم وبحركاتهم وبمواقفهم الذّاكرة .. والتميّز هذا كان بعيدا عن الشقاوة وسوء السلوك .. ابني كان مرحا تثيره الطرفة الدسمة الجادّة وتستهويه النّادرة الهادفة المثرية .. كان وديعا لطيفا كيّسا بعيدا عن الغلظة والخشونة قولا وفعلا .. وكم يخصب عطاؤه واسهامه في الدرس وفي ملحقاته كلّما كان جوّ القسم خفيفا رائعا مريحا منعشا بعيدا عن التجهّم والفوقية والصدّ والزجر ..

“عندها تراه يجادل ويثابر ويجتهد متحدّيا الصّعاب ومعرقليه ومستفزّيه او هو على الاصحّ يحاول ذلك لانّه يأبى الظلم والاحتقار والتسلّط والاستخفاف … اذكر انه كان شغوفا بالمطالعة وميّالا جدّا للثقافة العامة اضافة الى ما تلزمه به مناهج وبرامج التعلّم من واجبات وفروض ..تراه يسأل عن المعرفة وعن مصادرها… تلقاه توّاقا للطّريف من الجديد تعجبك فيه قوّة الذّاكرة وسرعة الاجابة وحسن التخلّص وعذوبة الاداء ولطف المحاجّة وادب المراء… وينطلق في هذا كلّه من مخزونه الذي كان بالقياس لاترابه خصبا ثريّا متنوّعا… ويستعين في ادائه بطلاقة لسانه وبرقّة نبراته فتستسيغه وتميل اليه وتسايره حتى ولو اشتدّ في مداخلاته واخذه بعض الانفعال وشيء من التحدّي وقليل من المداعبة… ومنذ شبابه الباكر ومنذ عرفته كان يريد ان يلتزم والالتزام في عمره وفي ايّامه غير منتظر ولكنّه كان يختار مسيرة معيّنة ومواقف محدّدة وخيارات مضبوطة حتى تلقاه احيانا صلبا عنودا .. وثباته هذا واعتداده بنفسه قد احرجاه حينا وجلبا له بعض المصاعب وعددا من المواجهين ...

“كان ذلك اثناء تعلّمه وبعده ولكنه كان صبورا جَلِدا ثابتا فتجاوز بذكائه وجدّه ومثابرته وبما وفّر له اطّلاعه، كثيرا من الصعاب … قد كان يمثّل التلميذ الواعي المثقف المتميّز بدقّة ملاحظاته وبقوّة ذاكرته وبالدّفاع عن آرائه .. فيشدّ الآخرين اليه .. فهم امّا معجبون محبّون وامّا حاقدون حاسدون ويسعون للكيد له والتربّص به .. وفي الحالتين وفي كل الحالات بسرعة يجد الجواب الذّكي الطريف فيبهت المشاكس المتربص ويزداد تعلّقا به الصّديق الوفيّ… كان يميل الى الاستطراد وتوليد الافكار فتخاله قد تاه ومال للحشو، ولكنّه لا يتيه انّما يحسن العودة الى المنطلق والى الموصوف فاذا استطراده اثراء وتلوين ولا يستطيعه الا واسع المعرفة ..هذا اذا حاور وجادل واذاع ..واذا كتب وتولّى تحليل القضايا يركب الوصف والخيال وينساب وراءهما فيدعم الاستطراد التحليل واذا بك تقرأ ابداعا وفنّا او شيئا يشبه الابداع والفن …ولا تقرأ تحليلبا جافّا ولا جدلا عقيما ولا شواهد قلقة مبتورة نابية ولا استخلاصا غير سليم .. بل انّك واجد في ما يكتب تسلسلا وتماسكا بعيدين عن الجفاف ..

“عشقه للوصف وللخيال اضرّا به في تحاليله الادبية وفي انشائه عند بداية المرحلة الثانية من التعليم الثانوي (الرابعة آداب سابقا سنة 1970 ، الاصح سنة 1967 ) هذا الكبوة وهذا الفشل لم يقعداه ولم يثنيا عزمه …انّما تخلّص منهما في سنته السادسة لكنه ظلّ يحنّ للوصف للخيال فشدّني تقويم كتاباته ولكنّه صمد وايقن انه الى المبدعين اميل .. فاختار الوصف والتصوير والخيال والتوليد مستفيدا من مطالعاته ومؤهلاته… وفتحت له مجلّة المعهد صدرها فاذا هو يساهم في اعدادها واخراجها مضمونا وشكلا صحبة نخبة من زملائه الاخيار وكان لي شرف رفقتهم والاستعانة بهم…

“هذه الصفات والملامح قد اهّلتك لتضطلع احسن الاضطلاع بادوارك ومكّنتك من افحام مخاصميك بالعمل والجدّ ومن مواجهة مشاكسيك بالصبر والتغافل عنهم ودفعتك لتواصل السّعي والتحدّي وتقديم الافادة والنفع .. وقد دفعت ضريبة النجاح والانتشار والارتقاء سلواك حبّ الصادقين اليك ورضاهم عمّا يصلهم اينما كانوا ممّا يفيض به قلمك وما يصدع به صوتك ..وصمدت وخرجت ناجحا متميّزا كلّما ساهمت او شاركت بالرأي .بالخبر ..بالنادرة .. بالشاهد ..نجاحك لم يرض البعض ولكن ما ذنبك ؟ ارضاء جميع الناس شيء لا يُنال …

“ابني صديقي وزميلي ..مادمت تنثر ما تؤمن به وما تراه مثمرا وسليما فلا تثريب عليك … فالخصب الثّري مهما اخفته الغيوم فانه باد يوما، وما دمت تدرك يقينا صدى مساهماتك ورضى الناس عنها فلا تكترث بمن ناصبوك العداء… وقد حان الوقت ليأخذ قلمك نصيبا هاما مما ينحته فكرك ويبوح به وجدانك وليتك تنصرف الى تدوين بعض تجاربك ببياضها وبسوادها بحلوها وبمرّها فاحسب انّها لصدقها ستكون مفيدة ولست اوّل من علّمته الرّماية فرماك ..وارد ان تعثر وغير مقبول الا ان نقوم اذا عثرنا او عثّرونا ..

“ابني الكريم ..من منطلق حنان الابوّة وصفائه ومن صدق الصّداقة ونبلها وقداستها، اهمس في اذنك قائلا ومناشدا لجسمك عليك حقّ ولحاجة الخلاّن الاوفياء لجسمك السّليم لتظلّ بفكرك النّابض وبادائك البليغ قريبا منهم قائما بينهم واصلا اليهم ..اعتن بصحّتك واعزم هجرة ما يؤذيك مادّيا ومعنويّا واخرج دوما يدك من جيبك بيضاء لا تؤذي المستنشقين …وحتّى القاك او يصلني صداك احيّيك مكبرا ومعتزا بكل الايّام التي عرفتك فيها وبكل ما تضمّنته …وستظلّ في الذاكرة …محسن الحبيّب”

_انتهى المقال.

مرّة اخرى وانا انقل لكم هذا المقال الوسام من استاذي احسّ والله برغبة جامحة في البكاء ..فسّروا كما شئتم هذه الرغبة، فسّروا كما شئتم ماهيّة وروعة البكاء عندي ..ولكن احسّ والله برغبة لا توصف في ان اطبع بوسة لا تشبه اي بوس على جبين الرحمان حبّا وحبّا وحبّا للرحمان …هل اصف لكم بعضا منّي الان …انا كموج المحيطات في صخبه الجميل فاشتهي الابحار في يمّه والغرق في احشائه حتى انتعش وانتشي ايما نشوة… واطفو واطفو واطفو… انا كخطاف الربيع في تجمّعه وتفرّقه في عنان السماء بل كربيع الربيع .. وانا كسرب نمل وهو يوشوش لاسراب النّمل الاخرى و يدعو كلّ العشيرة الى الولوج الى بيوتها حتى لا يحطمنّها سليمان وجنوده وهم لا يشعرون …

بإيجاز انا كسابح سابح سابح في ملكوت الله …استاذي الكبير قد اكون حققت لك ولكلّ من علّمني بعض السّعادة والرّضى عمّا بذرتموه فينا ..ولكن سعادتي اكبر عندما تتأكّدون جميعا انّنا قبس صغير من نوركم وا نّنا حاولنا وما زلنا نحاول (حتى يهلّ علينا هلال اجلنا) تقديم شيء من قبسكم … حتى نسعدكم اكثر ونسعد اصدقاءنا اكثر واكثر ….. انذاك اغنّي لك ولهم: “.والقمر من فرحنا (و قبسكم) حينوّر اكثر ..والنجوم حتبان لينا اجمل واكبر والشجر قبل الربيع حنشوفو اخضر” …

ـ يتبع ـ

أكمل القراءة
انقر للتعليق

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جور نار

ورقات يتيم… الورقة 102

نشرت

في

عبد الكريم قطاطة:

في علاقات الواحد منّا مع الاخرين في محيطه وبقليل من الحدس بعد المعاشرة، يتفطّن الى نوعين من الاحاسيس ..فهو مع البعض يشعر بالتناغم بالراحة بالصدق حتّى بمجرّد تحيّة او نظرة او ابتسامة ..وفي المقابل يشعر مع البعض الاخر بنوع من التوجّس والريبة …

عبد الكريم قطاطة

منذ بداية سنة 2001 احسست ببداية تغيير في علاقة المرحوم “عبدالقادر عقير” بي… ولانّني من طبعي اعتمد دوما قناعة نصف الكأس الملآن في تعاملي مع الاحداث والاشخاص، فسّرت ذلك التغيير كما اسلفت بعوامل ظرفية قد يمرّ بها الشخص في حياته فتعكّر مزاجه مع الاخرين … لكن وفي نصف الكأس الفارغ لاحظت ومنذ سنة 2000 دخول زميلين في محيطه بشكل متواتر… ومن واجبي تجاهه، نبهته لأمرهما لاني اعرف معدنهما وخاصة محدوديّة كفاءتهما… شكرني على النصيحة ولكن لم يعمل بها بتاتا… بل كان موقفه عمليا مفاجئا جدا لي … وكنت اشتمّ رائحة الغدر بالنسبة لما سيحدث في نهاية المطاف …

وجاء التاكيد عندما اعلمني زميلي في مكتب الاستقبال بانّ احدهما كلفه وبامر من المدير ان يمدّه يوميا باسم وطبيعة كل شخص يريد مقابلتي… وجاء التاكيد الثاني من زميل في غرفة الهاتف ليقول لي إن احدهما اتصل به وطلب منه ودائما بامر من المدير ان يمدّه يوميا بقائمة كل المتصلين هاتفيا بعبدالكريم… ورجاني الزميلان ان لا اوقعهما في شراك الادارة خوفا من ايّ عقاب محتمل… ووعدتهما بالكتمان ولم يعرف ايّ كان ولحدّ هذا اليوم شيئا عنهما… عندما علمت بالامر استبقت الاحداث برسالة كتبتها للسيد عبدالقادر عقير هذا نصّها:

وحده الله يشهد انني اكتب لك لا خوفا ولا طمعا ولكن عشقا سرمديا لاذاعتنا الحبيبة اذاعة صفاقس… سيّدي الكريم عبدالقادر عقير… عديد المرات حاولنا معا ان نضع اليد في اليد من اجل خير هذه الاذاعة رغم بعض الاختلافات… لكن يبدو وحسب ما يصلني من اصداء يبثها اتباعك انّ الاختلاف قُدّر له ان يصبح خلافا وللاسف… اتباعك يشيعون انّ راس الحيّة هو عبدالكريم وانّ مخططا جاهزا لاقصائه واقصاء من لهم صلة به… ويشيعون ايضا انّ امرا رئاسيا ورد لايقاف برنامجه في الشبكة القادمة… ويشيعون ويشيعون وانا اجيبك: لماذا تجهدون انفسكم في وضع مخططات لاقصائي ؟ الم اقل لكم انني مستعد لاراحتكم من هذا العناء وذلك بالانسحاب من دفة المسؤولية ان كان ذلك في صالح اذاعتنا؟ ثم تتحدثون بواسطة اتباعكم عن امر رئاسي بايقاف برنامجي… هل ليس للرئيس مشاغل لهذا البلد سوى اقصاء برنامج اذاعي ما ؟ الم تدروا انكم بما يبثه اتباعكم تصنعون منّي بطلا رغم انفكم وانتم الذين تريدون القضاء على راس الحيّة ؟ …

وها انا اجدّد لكم طلبي… ان كنت مقلقا وخطيرا لهذه الدرجة فعلى عكس ما يخيّل لكم وبشرف عزّة نفسي وعزّة شرف زيتونة الاثير، انا دوما مستعدّ للتخلّي عن المسؤولية من اجل صالح الاذاعة وبكلّ جدية وصدق … ولكن دعني اسالك … هل بموقفي هذا سيتم القضاء على المنزلقات التي وصلت اليها اذاعتنا تسييرا وانتاجا وعلاقات ..؟ هل يضمن انسحابي هذا تفادي عديد التجاوزات لاتباعك التي اصبح يعرفها الخاص والعام ؟ هل يضمن انسحابي تطورا ايجابيا لبرامجنا التي شهدت تراجعا كبيرا على عكس ما يروجه لك البعض ..المصدح وقعت استباحته بمن هب ودبّ وبنفس الاسماء التي تلقى التشجيع على عكس اخرى التي لا تلقى الا التنكيل؟ هل يضمن انسحابي تطوير العلاقات بين ابناء المؤسسة التي اصبحت تكتلات وقبائل نتيجة لما يزرعه اتباعك من حقد وضغينة واكاذيب واراجيف في صدرك؟

سيدي الكريم اعيد عليك القول هذه المرة كتابيا .. جلّ المنتسبين للاذاعة ينتظرون رحيلك على احرّ من الجمر لانّك وللاسف اعتمدت على (شلّة) لا تحظى بالاحترام والتقدير واصمّت مسامعك عن الحقيقة … هم لاحظوا انك منذ مدة اصبحت المعاملات بين الموظفين لا تتسم بالعدالة في رخص غيابهم .. في اوقات دخولهم وخروجهم للادارة .. في اعداد منح الانتاج والاعداد المهنية ..فهل وراء هذه الحالة عبدالكريم ايضا ؟ ان كان كذلك فهذا يعني انّ عبدالكريم خطير ولكن يعني ايضا انهّ قدير ومستطيع ..

سيّدي الكريم لنكن صرحاء ..كم مازل بيننا ؟ شهر ؟ سنة ؟ 5 سنوات ؟ ليس مهمّا ما سيقوله الناس وانت بيننا .. المهم ما سيقوله الناس عندما تغادر هذه القلعة .. ولكن بحقّ فلذات كبدك لا تدع الاخرين والمحسوبين على عبدالكريم يدفعون حساب عبدالكريم … عبدالكريم في الخمسين من عمره وسيكتب عني التاريخ كما سيكتب عنك… ولكن ما يعرفه عني الاخرون وانت منهم اني احب بلدي لحدّ النخاع واحب اذاعتي لحدّ النخاع وهذا يعرفه الكبير والصغير ولا يمكن لايّ كان ان يمسح تاريخي بجرّة قلم .. رجاء لا تقرا خطابي لك على انه تهديد ووعيد ..اقرا خطابي على انه كلمات من صديق يريد ان ينبهك لعديد الاشياء والتي اهمها أني لست ماكرا شريرا كما يصوره لك البعض… ولكني لست غبيا ايضا ولست شيطانا حتى افجّر ما بحوزتي من حقائق لاني مازلت مؤمنا بانّ الاصلاح ممكن.. ساواصل بذل جهودي كي تبقى اذاعة صفاقس اعلى من الجميع… وساواصل سعيي الدؤوب للوقوف ضدّ كل الكلاب التي تريد نهشها…

اختم بما انطلقت به في رسالتي هذه اكتب لا طمعا ..فانا لا تهمني الطموحات السخيفة التي رمتها على مسامعك تلك الشلة والتي مفادها اني اعمل على ازاحتك لتولّي منصب ادارة اذاعة صفاقس… والغريب انك بدات تصدّق مثل هذه الحماقات… واكتب لا خوفا لاني لا اخاف الا الله .. اخيرا ارجو ان اجد فيك صوت العقل وانت تقرا مخطوطي بخطّ يدي حتى يبقى شاهدا عليّ وعليك… وفقنا الله جميعا فيما فيه خير اذاعتنا وهي على بعد امتار من الاحتفال بعيد ميلادها الاربعين…

صفاقس في 20 نوفمبر 2001

ولم اتلقّ ردّه لفترة طويلة بل جاء في مكتوب رسمي وبتاريخ 24 ديسمبر 2001 وياله من ردّ ..بل يا لها من ردود… كان مسلسلا باتمّ معنى الكلمة… غفر الله له ولكل من غادرنا وعاصرنا في تلك الحقبة…

ـ يتبع ـ

أكمل القراءة

جور نار

الشرخ يتوسع بين المكتب التنفيذي و”المعارضة النقابية”

نشرت

في

محمد الزمزاري:

يعتزم شق نقابي حشد العمال بساحة محمد علي يوم السبت 18 جانفي القادم وهو اليوم المصادف لذكرى تاسيس الاتحاد العام التونسي للشغل…

محمد الزمزاري Mohamed Zemzari

ويبدو أنه زيادة عن الخلافات الحادة صلب المكتب التنفيذي بين أغلبية مسيطرة و تيار يعارضها، وعن ماخذ المعارضة النقابية السابقة واللاحقة والمراحل التي تميزت بالحدة وبشبه انسداد كامل أمام التوصل إلى حلول تحفظ صورة الاتحاد النضالية وتدفعه للعمل من أجل مصلحة الطبقة الشغيلة بعيدا عن العقليات البيروقراطية او الجمود او الركود… وهي خلافات لا تستجيب لأهداف المنظمة الشغيلة ومصالح العمال، بل تفسح المجال لارباك وتقسيم الاتحاد قصد الإجهاز عليه وهي أهداف انطلقت مع حكم الاخوان حين استفحلت الاعتداءات وتجييش وسائل اعلام “الذباب الازرق” في كل مكان للتهجم على المنظمة ناعتة إياها بـ”اتحاد الخراب”…

هذه المنظمة العتيدة التي كان لها دور مفصلي في الكفاح الوطني ضد الاستعمار ثم في الدفاع المستميت عن الطبقة الشغيلة، لطالما تعرضت لمؤامرات ومحاولات اختراق وتكوين نقابات صفراء وأخرى تنادي بالتعددية النقابية ..وكلها محاولات تستهدف العمل النقابي و تؤسس لخدمة الراسمالية الفاسدة ..

وقد عاشت بلادنا خلال حكم الاخوان مضاعفة اعداد أصحاب الملايين والمليارات، في حين ازداد الفقراء فقرا وتآكلت الطبقة الوسطى وديست الحقوق وتردت قيمة العمل الشريف… ولعل مازاد الطين بلة هو التصريح (ان ثبتت صحة هذا الخير) بأن ميزانية الاتحاد راكمت ديونا تقدر بـ 40 مليون دينار…

وذلك ما ترى فيه المعارضة النقابية دليلا جديا على وجود سوء تصرف او شبهات فساد سيما أن مداخيل المنظمة النقابية سواء من الاشتراكات التي تصل إلى 800 الف او المداخيل الأخرى المتعددة، تغطي النفقات ومن المفترض أنها تحقق فوائض. وترتفع الدعوات اليوم لإجراء محاسبة دقيقة سواء داخل المؤتمر او خارجه…

إن الوضعية الحالية التي يمر بها الاتحاد من صراعات لن تخدم هذه المنظمة العتيدة التي واجهت كل ضروب الحصار و السجون و الظلم و الاعتداءات واليوم تفرز خلافات داخلية مؤسفة.

أكمل القراءة

جور نار

لماذا أبقينا على قابيل داخلنا؟

نشرت

في

محمد الأطرش:

يروى أنّ وردة جميلة نبتت في صحراء قاحلة وأخذت مكانا لها بين الرمال والأحجار. كانت هذه الوردة كثيرا ما تفاخر بنفسها وبجمالها إلى درجة الغرور، وكان وجود نبتة صبّار قبيحة بجانبها هو الأمر الوحيد الذي يزعجها… ويغضبها ويخرجها من هدوئها…

ودون أن تدرك تبعات تصرفها انهالت عليها بالشتم والسبّ، مرّة تعايرها ببشاعتها وأخرى بشكلها المخيف ومرّات برائحتها… لم تردّ نبتة الصبّار الفعل والتزمت الصمت والهدوء… وكانت وفية لطباعها فالصبّار معروف بتحمله صعوبة العيش في المناطق القاحلة وصبره الكبير على الجفاف وقلّة المياه وندرتها… تحركت بعض النباتات الأخرى المتواجدة قرب الوردة وحاولت تقديم النصح وإعادة الوردة إلى رشدها وصوابها وفضّ النزاع بينها وبين نبتة الصبّار لكنها فشلت في جميع محاولاتها… حاولت… وحاولت حتى ملّت فالصيف على الأبواب ولا يمكنها بذل مجهود كبير يجعلها عرضة للذبول وربما الموت…

اشتدّت الحرارة بحلول أولى أيام الصيف وبدأت الوردة تعاني من نقص الماء في جسدها وبدأت تظهر عليها علامات الذبول والجفاف على أوراقها… ومع اشتداد الحرارة فقدت الوردة ألوانها الزاهية التي كانت تفاخر بها امام من يجاورها من النباتات والاعشاب… التفتت يمنة ويسرة…  وشرقا وغربا… فلم تجد غير جارتها التي كثيرا ما اساءت إليها ونعتتها بأبشع النعوت وتآمرت عليها وحاولت ابعادها والتخلّص منها… فجأة رأت الوردة ما لفت انتباهها وما لم تعرفه سابقا ابدا… رأت طائرًا يدنو من نبتة الصبّار ويدسّ منقاره فيها ليشرب بعضًا من الماء الذي خزنته في جسدها وأوراقها وجذوعها المنتفخة بسبب تخزينها للماء…

 وعلى الرغم من خجلها الشديد من نفسها وخوفها من أن ترفض نبتة الصبّار طلبها ونجدتها ببعض من الماء، طلبت الوردة من نبتة الصبّار بعض الماء لتطفئ ظمأها… فوافقت نبتة الصبّار دون تردد ودون أي نقاش، وساعدت الوردة على الصمود والنجاة في طقس لن تتحمله الوردة ليوم آخر ابدا… هكذا أنقذت نبتة الصبّار الوردة التي كثيرا ما اساءت إليها، لكن ماذا عن الانسان الذي عاني من الانسان؟… ماذا عن الانسان الذي يقتل أخاه الانسان… ماذا عن الانسان الذي يظلم أخاه الانسان… ماذا عن الانسان الذي يقصي أخاه الانسان… ماذا عن الانسان الذي يؤذي أخاه الانسان… ماذا عن الانسان الذي يجوع بجانبه أخيه الانسان… ماذا عن الانسان الذي يكره… ويحقد… ويشمت… ويضمر الشرّ لأخيه الانسان؟…

كل مخلوقات الله تصالحوا وتسامحوا وأمضوا ميثاق تعايش بينهم… ألم يصبح القطّ في زماننا هذا صديقا للكلاب؟ ألم يصبح الفأر في أيامنا هذه من أقرب الأصدقاء للقطط؟ ألم يصبح الذئب صديقا للكلاب يجالسها ويصاحبها ويتزاورون لا عداوة بينهم ولا هم يتحاربون… ألم يتصالح الجميع إلا الإنسان مع الإنسان… ألم يصبح الإنسان عدوا دائما للإنسان… ألم تصبح الكلاب أكثر منّا وفاءا لبعضها البعض… أسَمِع أحدكم يوما عن ذئب خان ذئبا… أليس الذئب أكثر بِرّا بوالديه من الانسان؟ لماذا أبقينا على قابيل داخلنا؟

أكمل القراءة

صن نار