جور نار
ورقات يتيم … الورقة 61
نشرت
قبل 7 أشهرفي

عبد الكريم قطاطة:
العمل في شريط الانباء كفنّي في المونتاج لا يتطلّب دراية كبرى في ذلك الفنّ بقدر ما يتطلب عنصرين هامّين لدى المركّب… العنصر الاوّل السرعة في الانجاز والثاني الدراية الكاملة بالبروتوكول الحكومي والحزبي للشخصيات التي يقع تصويرها ذلك اليوم والتي ستمرّ ضمن شريط الانباء…

ولتوضيح عديد النقاط التي يجهلها جل المشاهدين دعوني افسّر لكم البعض منها … اوّلا لنتفق جميعا انه في تلك الفترة كانت الاحداث التي تُصوّر تهتم قبل كل شيء بنشاط رئيس الدولة اليومي سواء كان منها العادي حيث اجتماعاته بوزرائه وضيوفه وهي غالبا ما تكون على الساعة الـ11 صباحا بقصر قرطاج .. والرئيس له فريق تلفزي خاص به بالقصر ثم فرق تلفزية اخرى تابعة لقسم تصوير الاخبار مهمتها مواكبة اشغال الوزراء بدءا بالترتيب البروتوكولي لهم ..التصوير انذاك كان على شريط فيلمي وهذا يعني ان هناك عملية تحميض تتم بمخبر المؤسسة يوميا … دور المركّب وبالتنسيق الكلّي مع رئيس تحرير قسم الاخبار ان يقوم باختيار الصور المناسبة قيمة ومدّة لبثها في شريط الانباء على الثامنة مساء …
هذه العملية ليست بالهينة تماما، اذ لا يُعقل مثلا في اجتماع شعبي لرئيس الدولة ان لا تمُرّ صورته بمختلف اصناف الكادراج والتركيز خاصة على القريب منها حتى يُبرز الاختيار كاريزما الرئيس وهو المعروف والمشهود له بتأثير نظراته وحركات رأسه ويديه وقدرته الاسطورية على التغلغل بهذه الميزات في وعي ولاوعي المشاهد ..فخطاباته كانت ـ اكنت من محبّيه ام كارهيه ـ تخترق المشاهد وتشدّه موضوعيا بقدرة صاحبها (الزعيم بورقيبة) على الجذب والسحر والابهار ..هو بمثابة الممثل البارع في فن الخطابة الذي يُخضعك لصولجان براعته …
ثم على المركّب ان لا ينسى خاصة بعض الصور للماجدة وسيلة ولكن ورغم هيامه الاسطوري بها يجب الا تكون في حجم ومدّة حضور المجاهد الاكبر (نحبّك يا وسيلة ونموت عليك اوكي اما اللعب بعشانا لا) … ومع الماجدة حذار ان تمرّ منك صورة لها وهي تقدّ في روبتها او تتضيحك… لذلك الجيل هل شاهدتم مرة واحدة وسيلة تتزعبن؟؟؟ يستحيل لا خارج القصر و بالطبيعة لا داخله… حريم السلطان راهي … انها الماجدة الرصينة الجدية ..في كلمة (السلطانة) …دعوني هنا افتح قوسين … (تفوه على الدنيا التي تحصرنا في كهف الرصانة والجديّة الى حد العبوس… هذه النوعية هل عاشت حياتها؟؟… هل فهمت يوما ماهي متعة الحياة ؟؟ ما قيمة حياتنا اذا لم نعبث احيانا كالاطفال… نشطح معهم …نقهقه .. نغمس ارجلنا في الرمل على الشاطئ …نضرب ماء البحر باطراف اصابعنا… نخرج من معقّف البريستيج)… لهذه الاسباب وضعت الاشارة بين قوسين ..لأنّ حياتهم هي بين معقّفين اوّلهما (هو يصير ..؟؟)… وثانيهما (راك سي فلان او للة فلانة) …
طز والف بليون طز في كلمة سي وفي كل الالقاب التي تحرمني من قعيدة بالسروال العربي… في قهوة شعبية احتسي الكابوسان مع كل روادها من الڨاراجيست الى الاستاذ الجامعي … استمع الى الاول فاتعلّم منه بساطة ومتعة الحياة لانه من فصيلة بوزيد مكسي بوزيد عريان … واتحاور مع الثاني وكلّ همّي كان وسيبقى ان اقول له إن المثقف الحقيقي هو الذي ينزل الى الاخر فيقتسم معه حياته باسلوب مبسّط بعيدا عن مدارج الجامعة واؤكد له ان ذلك لن يُنقص من قيمته شيئا … واُعيده الى قائمة العظماء عبر التاريخ الانساني من انبياء وفلاسفة ومفكرين ليُدرك انّ عظمتهم مصدرها الاساسي الاختلاط بالعامة واستلهام عديد الدروس منهم .. الم يكن عمر بن الخطاب عظيما وهو يطهو بنفسه طعام تلك الجائعة بعد ان اشتكت له من امير المؤمين وهي لم تدرك وقتها انه امير المؤمنين ؟؟ ….ومع هذا الخليفة العادل الم يقل لداهية العرب عمرو بن العاص متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم امهاتهم احرارا ..في حادثة اعتداء ولد ابن العاص على واحد من عامة الناس ..؟؟؟ اليست العظمة الحقيقية ان نتفاعل مع الاخر دون النزول الى الابتذال ونرتفع معا الى مستوى جميل ؟؟…
في المونتاج يجب الحرص ايضا على تركيب صور اعضاء الحكومة حسب الاهمية البروتوكولية لمناصبهم … وهذا من اختصاص بعض المركبين فقط انذاك كان امهرنا “الملك”… هكذا يُلقّبونه اشتقاقا من اسمه (محمد علي الرويدي) اخذوا الروي واشتقوا منها كلمة ملك بالفرنسية… الا انه كانت تعوزه بعض تفاصيل تقنيات المونتاج الهامة كلحظة الربط بين مشهد وآخر… حيث يجب حتما حذف ثلاث صور احيانا من المشهد الاول الذي به بداية حركة راس الشخص حتى لا تقلق البصر عند المشاهدة … هذه جزئيات يُحسّها المشاهد دون ان يدرك السبب ولكن فنّي المونتاج يدرسها نظريا ثمّ يطبق حذفها متى جاءت في الصورة .. دون نسيان بعض التعليمات التي تأتي للمركّب من رئيس قسم التحرير والتي من ضمنها مثلا عدم تمرير اية صورة للوزير الفلاني في شريط الانباء لذلك اليوم ..كنت انظر الى رئيس التحرير واسأل ببراءة خبيثة (اشنوة كمّل السيّد؟) اي طيّرو ..
وتأتي الاجابات حسب نوعية رئيس التحرير اما بالصمت ..ما يعبركش ..او بالهمهمة دون تفكيك اسرارها ..او بابتسامة من نوع (اش عنا فيهم هذي تعليمات اكهو خويا عبدالكريم) …ثم يضيف اغلبهم: (نمشي نتهنّى ؟)… وهذا السؤال في ظاهره عادي وفي باطنه خوف على منصبه …لان مثل هذه التعليمات تأتي مباشرة من القصر الى رئيس مدير عام المؤسسة وهو بدوره يبلّغها الى رئيس التحرير والاكيد ايضا انه يختمها بـ (نتهنّى ؟؟؟)… اذ انّ عدم تنفيذ تعليمات القصر تعني دون ادنى شك ثلاث رؤوس تطير (الرئيس المدير العام ومدير التلفزة ورئيس تحرير شريط الانباء) … لذلك افهموا عيارة نمشي ونتهنّى هي من نوع (يعيّش خويا راهي خبزتي) .. وهي في الحقيقة “بريوشة” ولم تكن يوما خبز عياله لانّ مثل هؤلاء هم في جلّهم يتذللون من اجل الكرسي لا من اجل قوت العيال ..هم من اجل ذلك المنصب الحقير يشربون ماء الحياة بذلّة وجهنم بالكرسي اطيب منزل …
كما اسلفت سابقا وقع تعييني في قسم المونتاج بشريط الانباء استعداد للحدثين الهامين اولهما مؤتمر الحزب في سبتمبر 79 .. في مثل هذه الاحداث تشتغل ماكينة “الملأ” …الملأ كلمة وردت بشكل مطّرد في القرأن الكريم وهي تعني الحاشية …والتي عموما تكون من النوع السيء: ملأ فرعون ملأ ملكة سبأ … وحتى بعد ظهور الاسلام لم يختف هذا الملأ وبدأت ملامحه الاولى في عهد الخليفة عثمان ثمّ عاد في جل العهود بدءا من الدولة الاموية ووصولا الى يوم الناس هذا لتشتغل… فالبجبوج له ملؤه والغنوشي له ملؤه* والاخرون لهم ندماؤهم … الحاشية في سنة 79 ارتات ان تعمل هي ايضا من اجل حساباتها الضيقة ..
منذ تلك السنة بدأت حاشية القصر تعمل لحسابها قبل حسابات الزعيم …. اي بدأت الدسائس والنظرة الاستشرافية لما بعد بورقيبة ..بعض فصائلها ركّزت جوكاراتها على الاعلام ..عينت رئيسا مديرا عاما جديدا لدار التلفزة، سالم بوميزة ..عينت مديرا عاما للاخبار، عبدالحميد سلامة… واقالت بشكل غير رسمي مدير اذاعة صفاقس انذاك المرحوم محمد قاسم المسدّي وذلك بالادعاء انها في حاجة الى خدماته ضمن فريق شريط الانباء …دون تعيين مدير لاذاعة صفاقس حتى لا تفتضح نواياها …وانطلقت اشغال المؤتمر …كانت اجواؤه مشحونة جدا ولكن ما كان يمرّ للمشاهد العادي وكالعادة الهتاف للزعيم من الجميع والابتسامات البلاستيكية لكل الاخوة الاعداء ..الا ان بعض الصور التي تصل الينا كنّا نقرأ فيها التحايا المسمومة والوجوه الحقيقية لذئاب السياسة …
صدقا لا ازعم انني من البارعين في الاهتمام بما يجري …لانني كنت ومازلت اعتبر جلّهم من طينة قابيل وانّ هابيل الحقيقي هو الشعب … وظهرت نتائج المؤتمر وخسرت حاشية جوكارات الاعلام المعركة …عاد المرحوم قاسم المسدّي الى عرينه … وارتأت رئاسة المؤسسة ان تنقذ ماء الوجه بانتاج شريط وثائقي هام حول انتقال الجامعة العربية الى تونس بعد القطيعة مع مصر السادات ممضي اتفاقية السلام مع اسرائيل … وراس الهم دادة عيشة …من لهذا العمل غيرك يا عبدالكريم …؟؟؟ كان ذلك صبيحة يوم اثنين …والصبيحة تعني عندي في عملي بقسم مونتاج شريط الانباء الحادية عشرة صباحا كان لطف بيهم ربّي …طبعا وباتفاق كُلّي معهم …. ولكن في المقابل قد لا اغادر عملي قبل منتصف الليل احيانا …
صبيحة ذلك الاثنين وجدت مدير الاخبار عبدالحميد سلامة في انتظاري… اتاني بكمّ هائل من الاشرطة المصورة حول تاريخ الجامعة ومعاهدة كامب دافيد ومؤتمر اخر قمة ببغداد حيث وقعت القطيعة مع مصر (افريل 79) ومشاهد عديدة لتونس ماضيا وحاضرا… وطلب منّي انتاج شريط وثائقي للحدث حسب تصوُّري الفنّي سيقع عرضه على رئيس الدولة قبل بثّه للضيوف العرب في انطلاق قمة تونس …ثم اضاف اريده شريطا طويلا لا يقلّ عن الساعة والنصف …نظرت الى الاشرطة ومن خلال تجربتي في الميدان قلت له إن هذه الاشرطة لا يمكن ان نستخرج منها اكثر من ساعة على اقصى تقدير …ضحك مدير الاخبار وقال بنغمة فيها شيء من الاستعلاء ليذكّرني بأنه مدير قد الدنيا: (انا نعرف اش نقول سي عبدالكريم …اوكي يقولو عليك من خيرة المركبين وجاي فرشك من فرنسا .. اما حتى انا نعرف خدمتي) …
ولأنني لم اكن يوما حربوشة سهلة الابتلاع .. ولأنني لم اتمسّح يوما على قدم مسؤول … قطّبت حاجبيّ بشيء من الانفعال وقلت: احتراماتي ليك سي عبدالحميد …انا لا يمكن لي يوما ان اضع الصفارة في فمي وان اقوم بدورك كحكم في مباراة لكرة القدم (باعتباره كان قاضي ملاعب في فترة ما) … ولا يمكن لي ان البس ميدعة بيضاء لاقوم بدورك كاستاذ في مادة العربية…( وهو كذلك ايضا) … ولكن في المقابل ودون افتخار او زهو اقول لك ما جلبته لي من اشرطة لا يمكن ان نستخرج منها اكثر من ساعة على اقصى تقدير، وهذه ليست عنترية من جانبي بقدر ماهي تجربة …هل يمكن لك ان تعطي مترا من القماش الى خياط وتطلب منه جلبابا لسيّد طوله متران …؟؟ وقف مدير الاخبار واجما مصعوقا من سي عبدالكريم هذا الذي تجرّأ على منطقه وهشّمه ….احسست في نفس الوقت باعجابه بعلوّ حجّتي … طبطب على كتفي وقال: انا سمعت عنك الكثير وكلّي ثقة فيك … ساترك الاشرطة وسادعك تعمل ..لن اشك في نزاهتك ولا في كفاءتك …لكن لندعه رهانا بيننا… اذا صحّت رؤيتي ستتكفّل بخلاص عشاء فاخر في اي مطعم اختاره واذا صحّت رؤيتك اطلب ما تشاء وفي ايّ مكان ايضا هل تقبل الرهان ..؟؟ نظرت اليه مليّا وقلت له: اوّلا اعدك بانّي ساكون نزيها وصادقا في عملي ولن اسرقك في الرهان ..لم يتركني اتمّ وقال هذا واثق منه انا مرة اخرى اقول لك انا لا اعرفك ولكن المعلومات التي تصلني عنك تسير في هذا المسار … قلت له وثانيا ساكون عند وعدي وارجو ان تكون عند وعدك …مسك يدي بحرارة وصدق وقال: صاحبك راجل …
وانطلقت رحلتي مع الشريط …كل كفاءتي ومهنيّتي وضعتهما في ذلك الشغل …كنت كل ليلة عندما انتهي من عملي على الشريط وقبل ان انام اعانق وسادتي واتمتم كلمات لا يفهمها احد .. باستثناء وسادتي …انا من الذين يعشقون وسادتهم …قد نرمي رؤوسنا احيانا على صدر من نحب ..هي لحظات ممتعة الى درجة الذوبان .. التوهان … ننسى فيها الزمكان … ولكن للوسادة الشخصية لكل واحد منّا طعما خاصا .. انها الخليل او الخليلة التي لا تهجرك … هي.طوع لك وانت طوع لها …لن تملّ منك في كلّ حالاتك مبعثرا كنت… شايخ… فادد …حزين …طاير … تنسجم معك تعانقك… تواسيك … تناجيك … تناديك … تلاغيك …تفهم جد والديك … واتممت عملي …جاء مدير الاخبار وبدأنا المعاينة …طيلة 55 دقيقة و40 ثانية مدّة الشريط لم ينبس ببنت شفة ولا بنت سلفتها ولا بنت اخت راجلها …كان رصينا جدا في مشاهدته للفيلم ومتتبّعا جيّدا لكل منعرجاته … نظر اليّ بعد نهايته وقال: سي عبدالكريم برافو …انت فنّان …ونهض دون ان يسأل عن مدته ودون ان يعود للرهان …عاد بعد لحظات وقال: ماشي نهزوه للمعلّم يشوفو … توة نرجعلك …والمقصود الرئيس المدير العام للمؤسسة…
عاد بعد ساعة ونصف واعاد تهنئتي بعد أن لمس سعادة عرفه بالمنتوج ثمّ سالني: قداش هو المدة متاعو؟؟؟ اجبته بانه لم يصل حتى لساعة من الزمن …رفع يده إلى جبينه باشارة معناها (هذا حقّك، اطلب وادلّل) …قلت له: نقلتي الى صفاقس …وبنبرة كلّها اندهاش قال لي: اشنوّة ..؟؟ قلت له نقلتي الى صفاقس …ردّ: اشنية هذي نكتة ..؟؟ قلت له ربحت الرهان وانت وعدتني بالاستجابة لطلبي وهذا هو طلبي … جلس بجانبي وقال لي: تحكي بجدّك يخخي ؟؟؟ كيفاش هذي ؟؟ انت هنا الف واحد يتمنّاو بلاصتك ؟؟؟ اش ماشي تعمل في صفاقس …؟؟…
انذاك “نڨّزت”على السؤال الاخير وقلت له …لماذا لا يتم بعث نواة تلفزية هنالك تقوم بانتاج برامج شهرية تُعنى بالجنوب … كلّ ما في الأمر كاميرا وطاولة مونتاج والبقية انا من سيتكفّل بها وسيُحسب ذلك انجازا هاما للمؤسسة في هذه الفترة …كنت ادرك جيّدا انّ مسّ يد ايّ مسؤول من خلال هذه الزاوية ستعطيه شراهة القبول والمُضي في الامر ..المسؤول يهمه فقط ان يذكره الاخرون بتاريخ انجاز ما في عهده …هكذا سي عبدالحميد ستضع اقتراحي للرئيس المدير العام ولا اظنه يرفض ….صمت قليلا ثم قال: من جانبي ارى الامر معقولا …وساقترح الأمر علي رئيسي …شددت على يديه وقلت له الان … انا ربحت الرهان فليكن الاقتراح الان ….كنت كمن ينتظر سيارة اجرة جماعية ويراها على بعد امتار منه ولا يريد ان تفوته …قال لي: هكة يا سي عبدالكريم الان ..؟؟ قلت له الحديد لا يُطرق الاّ ساخنا …الآن الآن وليس غدا ….
نهض مغادرا كابينة المونتاج ثم استدار باسما وقال : اوكي الآن …انذاك كنت اهتف الى عيّادة …ايّتها الغالية … عبدالكريم لم يف بوعده بعودته اليك من فرنسا دون بنت الرومية ان تختطفه منك، بل اراد لك “بونيس” بحجم سعادة عمرك به ..سيكون الى جانبك بصفاقس سيعود الى حوشنا الجميل سيعود الى … ان شاء الله تربح ساقيتنا ..الى الكازينو وسيدي منصور… قبل ان تعبث بهما مخنقة السياب والـ”ان بي كا” …الى المائة متر في قلب صفاقس …الى بوشويشة وسوق الحوت والجزارين وسوق الربع والرمانة …الى نهج الباي وسفنج السيالة ورحبة الرماد … الى كل ذرة من تراب مدينتي تماما كما تحبون كل ذرة من تراب مدنكم اينما كنتم …كم هي عزيزة مدننا علينا هي عزيزة على روحنا على تنفسنا هي الطعم الشهي لنوستالجيا الحياة ….ماهي قيمة حياتنا دون نوستالجيا ما عشناه؟ ..انسان بلا نوستالجيا عندي اشبه بغصن ميّت متدلّ من شجرة …اشبه بجثمان غير محمول على الاكتاف بل محمول على (كرعين صاحب الجثمان) …
ربع ساعة عشت فيها القادم …كنت ارى نفسي وانا ادقّ باب الحوش ليلا لاقول لهم عدت الى قصري …كنت ارى نفسي وانا مع اولاد حومتي لاقول لهم ايّا وين السهرية الجاية …؟؟..كنت ارى نفسي وانا ادخل اذاعة صفاقس لا كزميل زائر من تونس بل كواحد منهم يحمل معه مشروعا …مولودا جديدا ..موقعا جديدا لهذه الاذاعة الفتية …كنت ارى نفسي كل احد اغطس في ارجل حمّادي العقربي وانا اشاهده في جوفنتوس العرب يكوّر بكلّ من يحاول التقرّب منه … انّه العبث الجميل وما اشهى العبث الجميل في الحياة …كنت وكنت وكنت ثم افقت ….ايّا سي عبدالكريم …بداية من الاسبوع المقبل انت في صفاقس …قالها ..نعم والله العظيم قالها …يا ربّااااااااااااااااااااااااااااااااااه …. يا امّااااااااااااااااااااااااااااااااااه …. هل تدركون ما معنى ان نعانق اشياء نحبّها …ما معنى ان نضمّها بكل شوق وتوق حتّى ولو كانت محفوفة بالشوك …هل تفهمون حليّم عندما يئنّ في اغنيته فوق الشوك مشّاني زماني …انه يحكي عن اشواك الحب وبكلّ شوق وتوق وحب ….
في تلك اللحظة التي اعلمني فيها سي عبدالحميد بالقرار الرسمي سمّوني ما شئتم ….الاّ ان اكون انا ….مهبول …فرخ …معتوه ..باصص؟ …حلال عليكم …كلّ ما ادري انّني لا ادري … ….
ـ يتبع ـ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*تنويه: النص مكتوب في سبتمبر 2017

تصفح أيضا

محمد الأطرش:
طالب منذ أيام نائب فرنسي في البرلمان الأوروبي بإعادة تمثال الحرية إلى فرنسا… واعتبر البعض هذه الدعوة والحملة التي أطلقها رافائيل غلوكسمان، استفزازية إلى ابعد الحدود… لكنها في نفس الوقت غير مبررة…

ورغم كل هذا فإن إدارة ترامب نفسها، من خلال بعض التصريحات والمواقف المبدئية والقرارات التي صرّح بها ترامب، تعطيها بعض المصداقية والشرعية… علما بأن تمثال الحرية هو هدية من فرنسا للولايات المتحدة الأمريكية بمناسبة الذكرى المائوية لإعلان استقلالها… ويحتوي الاسم الكامل لذلك التمثال على السبب الذي من أجله قدمته فرنسا إلى الولايات المتحدة بمناسبة مائوية استقلالها، وهو “الحرية التي تنير العالم”… ويعتبر صاحب الدعوة إلى إعادة التمثال والذين معه، أن ترامب أطفأ نور تلك الحرية التي أهدت من أجلها فرنسا ذلك التمثال لبلاد العمّ سام… ترامب قرر تعليق وكالة التعاون “يوسايد” التي أسسها جون كينيدي منذ 64 عامًا… وهذه الوكالة كانت لفترة طويلة من أهمّ القوى الإنسانية القليلة التي تحسب على ما يُسمى “الإمبريالية الأمريكية”، لأنها كانت تقدم مساعدات إنسانية وتدعم التنمية في مئات الدول الفقيرة حول العالم، ففي سنة 2024 فقط، قدّمت الوكالة مساهمات تقدر بحوالي 72 مليار دولار…
إلغاء هذه الوكالة يعني إيقاف المساهمة والدعم للآلاف من البرامج والعقود في جميع أنحاء العالم… برامج وعقود كانت تهدف إلى توزيع الطعام، وتقديم الرعاية الصحية والتعليم، ومكافحة تهريب البشر… إضافة إلى تسبب هذا القرار في فصل وتعليق عمل الآلاف من الموظفين بشكل دائم…
وتقول منظمة “أطباء بلا حدود” التي تأسست على يد أطباء فرنسيين إن هذا القرار قد يقتل ملايين الأشخاص المصابين بفيروس الإيدز وغيرها من الأمراض الخطيرة، وقد تقتل أيضا الآلاف من الأطفال المصابين بالملاريا، واللاجئين والنازحين… فالمشهد الإنساني اليوم سيتغيّر في العشرات من الدول الفقيرة وفي كل مكان في العالم حيث كانت هناك لافتات تعلن للفقراء والمستضعفين أن “الديمقراطية الأمريكية” قد جاءت لمساعدتهم… هذه اللافتة لن تكون موجودة مستقبلا… ترامب ألغى كل عمل انساني كان يميّز أمريكا عن الكثير من الدول التي كانت تدعي الديمقراطية وترفع شعار حقوق الانسان… وقد يكون أغضب جون كيندي في قبره… هذا إن كانت طبعا نوايا الرئيس الراحل جون كيندي إنسانية بالأساس قبل أن تكون حاملة لنوايا استعمارية…
ويعتبر قرار ترامب ترحيل مئات الأجانب وطردهم من الولايات المتحدة سببا آخر من أسباب المطالبة بإعادة تمثال الحرية من بلاد العمّ سام غفر له… وقد تمّ نشر شريط قصير يظهر 250 فنزويليًا مكبلين بالأصفاد، يتم إجبارهم على الركوع ليتم حلقهم ثم اقتيادهم إلى الزنزانات منحنيين بزاوية 90 درجة… واعتبر هذا الشريط من كل مَن شاهده نوعا من الإذلال العلني… وقد قامت الحكومة الأمريكية بطرد هؤلاء استنادًا إلى قانون قديم يعود إلى أواخر القرن الثامن عشر حول “الأعداء الأجانب” (Alien Enemies Act) وهو قانون يسمح باعتقال وترحيل أفراد مشبوهين (لكن لم يُدانوا قط) دون محاكمة، وذلك في حالة الحرب أو الغزو من قبل دولة معادية…
كما يعتبر قرار ترامب إغلاق “صوت أمريكا” و”راديو أوروبا الحرة “و”راديو آسيا الحرة” وهي محطات إذاعية بعضها تأسس سنة 1942 لمكافحة الدعاية النازية في أوروبا، سببا آخر في ما تقدّم به النائب الفرنسي… وقد كانت هذه المحطّات الإذاعية أداة إعلامية ونضالية حاسمة في الحرب الباردة من خلال وصولها إلى ملايين الأشخاص الذين كانوا يعيشون تحت الأنظمة التي تسيطر عليها الرقابة السوفياتية المستبدة… وكانت تبث بـأكثر من أربعين لغة وتهدف إلى جعل العالم أكثر حرية، من خلال تقديم الأخبار الموثوقة لأولئك الذين لم يكن لديهم مصدر لها… لكن اليوم والآن على تردداتها، يخيّم الصمت… وقد وصف مدير إذاعة أوروبا الحرة قرار ترامب بالهدية العظيمة لأعداء أمريكا…
قرارات ترامب لا رائحة للحرية فيها ولا تتقاطع ابدا مع الأبيات التي في اللوحة التي توجد أسفل تمثال الحرية… والتي تقول فيها إيما لازاروس، الشاعرة الأمريكية ذات الأصول اليهودية: “هلموا إليّ أيها المتعبون والفقراء، والجموع الحاشدة التواقة إلى استنشاق الحرية”…
فهل تعود الحريّة مكبّلة بالأصفاد إلى منزل أهلها باكية نادبة حظّها؟…

جور نار
رحم الله كلبة نجيب الريحاني…
نشرت
قبل 5 أيامفي
15 مارس 2025من قبل
محمد الأطرش Mohamed Alatrash
محمد الأطرش:
وأنت تعبر من شارع إلى آخر…وأنت تقف في طابور تنتظر دورك للفوز بعلبة حليب… وانت تسأل عن ثمن كيلوغرام من لحم خروف لا تلتقيه إلا يوم عيد الأضحى… وأنت تجوب أروقة الفضاءات التجارية الكبرى تغني “اش جاب رجلي للمداين زحمة… واش جاب قلبي لناس ما يحبوه”…

وأنت أيضا تتجول في شوارع وأنهج وأزقة فضاءات التواصل الاجتماعي… وأنت تركب الحافلة لتعود إلى منزلك محمّلا بما كسبته من الوقوف لساعات في طابور أطول من بعض قطاراتنا التي نسعد حين نراها لأنها تذكرنا بقطارات أفلام الوسترن والغرب الأمريكي في أواخر القرن التاسع عشر… وأنت تدخل يدك جيبك لتبحث عمّا تبقّى من مرتبك الموؤود الذي لبّي داعي ربّه قبل أن يولد… وأنت تفعل كل هذا وأكثر من هذا تستغرب وتسأل نفسك أين أنا؟؟ أين نحن؟؟؟ اين اختفى التونسي الذي كان يعيش على هذه الأرض… التونسي المتسامح والمتصالح… التونسي الذي يحب جاره ويسأل عنه؟؟؟ أين رحل التونسي الضحوك دائم الابتسامة؟؟ اين نحن؟؟؟ اين أنا…أين أنت…أين أنتم…أين هم…أين بعضنا…أين ذهبنا…واين غرقنا؟؟؟ أين ما كنّا ننعم به من طيبة واخلاق؟؟؟
وتعيدها… اين… وأين… وأين… وقد تلعن… وتلعن… من أوصلنا إلى ما نحن فيه وما وصلنا إليه من حقد وكراهية وفتنة… وما أصبحنا نضمره لبعض البعض… جميعنا دون استثناء يخرج من منزله متأبطا شرّه خوفا على فتات الخير الذي لا يزال يعيش داخله… جميعنا يبحث عن نفسه التي أضاعها… عن أخلاقه التي باعها… جميعنا نبحث عن تاريخنا الانقى والأجمل من حاضر شوهناه دون أن نعي خطورة ما أتيناه… بعضنا يحقد على التاريخ لأنه لم يكن فيه ولا من بُناته… وبعضنا يلعن الحاضر لأنه ليس منه ولأنه كشف للناس عوراته… وبعضنا يلعن الجميع وكل الأزمنة وكل الناس ويتهمهم بالفساد والخيانة والعمالة وهو الذي يسهر حتى ساعة متأخرة مع أصحاب السوء يضمرون شرّا للحاضر ويسيئون ويشيطنون الماضي ويعبثون ويتلاعبون بالمستقبل…
كلُنا نبحث عن كُلِنا… بعضنا لا يزال ينام في الماضي ولا يريد ان يغادره… وبعضنا يصفّق ويصرخ بأعلى صوته داعيا لـــ”مولاه” ومفاخرا بحاضره فقط لأنه انتقم له من ماض وتاريخ لم يكن فيه… والسؤال الذي وجب أن نلقيه على بعضنا البعض هل هذه أخلاقنا وما كنّا عليه وما ولدنا عليه ما عرفنا أهلنا عليه؟؟ سؤال لا يمكن أن تجد له إجابة وأنت تقرأ قصصا واقعية عن الكلاب تجعلك في حيرة من أمرك… لتسأل دون خجل: أين نحن من أخلاق الكلاب، كل الكلاب؟
لعل بعضكم قرأ عن الكلب “هاشيكو” الذي توفي سنة 1935… هذا الكلب وهو من سلالة “أكيتا اينو” اليابانية كتب اسمه في التاريخ لأجيال قادمة من الحيوان والبشر… فهاشيكو هذا كان وفيّا لصاحبه ومشهورا بولائه غير العادي لسيده الأستاذ “هيديسابورو أينو”… وكان يرافق صاحبه يوميا إلى محطّة شيبويا في طوكيو ويبقى في انتظاره هناك حتى يعود… حتى بعد وفاة “أينو” المفاجئة سنة 1925 بقي هاشيكو لمدة تقارب العشر سنوات ينتظر في نفس المكان الذي كان ينتظره فيه… كان المسكين يظنّ ان سيّده سيعود، ولم يكن يعلم أن من يموت لا يعود… هاشيكو استمر على تلك الحال، يعود إلى نفس المكان حتى ساءت صحته ومات… فهل نحن بأخلاق ووفاء هذا الكلب ؟؟ لا… نحن كنّا بأخلاقه لكن اليوم لا… ونحن كنّا بوفائه واليوم لا وفاء لنا…
ولعل بعضكم أيضا يعرف قصّة كلبة نجيب الريحاني أحد أبرز رواد المسرح والسينما في الوطن العربي… كان الريحاني يقيم في شقة بإحدى عمارات القاهرة… وكانت كلبته تصاب بنوبة جنون كلما رأت كلب إحدى جاراته، فتهجم عليه محاولة الفتك به وكان الريحاني يعاني كثيرا مع جارته من اجل فضّ الاشتباك وإنقاذ كلب جارته المسكين… وفي احدى الليالي دخل الريحاني رحمه الله المصعد ومعه كلبته، فوجد جارته هناك ومعها كلبها المسكين… وقف الريحاني وجارته في حالة تأهب قصوى للتدخل في صورة انقضاض الكلبة على الكلب فلم يحصل شيء مما كان الريحاني وجارته يخافانه… فالكلبة لم تحرّك ساكنا كما كانت تفعل دائما ولم تنبح ولم تحاول الانقضاض على كلب جارة الريحاني بل تقدمت نحوه في هدوء وأخذت تلحس شعره في حنوّ شديد ورقّة غير طبيعية…
استغرب الريحاني الامر وسأل جارته ما الحكاية؟ فأجابته وهي لا تقلّ عنه استغرابا ودهشة وقالت: إن الكلاب أنبل من البشر أحيانا… لقد أصيب كلبي بالعمى منذ أيام… وشعرت كلبتك بما حدث له فلم تشمت… ولم تنتهز الفرصة للهجوم على عدوها… بل تقدمت إليه حزينة لأجله ومتضامنة مع وجعه وما هو فيه كما ترى وها هى تحاول مواساته بلحس شعره… تجمّد الريحاني مكانه وأخذ يتأمل، ودخل شقّته… وأخذ يبكى… علما بأن كلبة الريحاني ماتت قبل وفاته بثلاثة أيام… أتدرون ماذا يمكن أن يقول احد ممن تحدثت عنهم لو أصاب أحد خصومه ضعف البصر فقط … سيقول متشفيا: “يعطيه عمى”!
ألاحظتم الفرق بين أخلاقنا وأخلاق كلبة الريحاني؟؟ فهل أخلاقنا اليوم كأخلاق هذه الكلاب التي ذكرت في ما رويت؟؟ نحن لم نعد نحن… نحن شعب يُذنب بين كل صلاتين ليطلب المغفرة آخر كل صلاة… نحن شعب يسعد لموت خصمه… ويشرب على نخب اعتقال جاره… ويظهر الشماتة في كل من يختلف معهم إن اصابتهم مصيبة… هكذا نحن اليوم… فأين نحن من أخلاق الكلب ابن الكلب… أم هل سلكنا الطريق التي قال عنها سيّد حجاب: (ليه يا زمان ماسبتناش أبرياء… وواخدنا ليه في طريق مامنوش رجوع ؟؟)
في الأخير… رحم الله كلبة نجيب الريحاني….


عبد الكريم قطاطة:
عندما عدت الى مصدح اذاعة صفاقس يوم 6 ماي 2011 بعد غياب دام عشر سنوات علّق على عودتي صديق عزيز على قلبي، الدكتور نوري الرباعي والذي تابعني منذ كان تلميذا في الدراسة الثانوية… علّق وبكلّ قلق واستغراب بالقول: لم اجد فيك عبدالكريم الذي اعرفه… لم اجد عبدالكريم الثائر وصاحب الصوت الذي كلّه هدير وثورة…

وكان على حقّ في ملاحظاته… وفسرت له الامر كما يلي: نعم يا نوري انت على حق اسلوبي تغيّر لسببين… بعد جانفي 2011 اصبح الصوت الثائر موضة ولأنّي ارفض السير في قطيع الفوضى والثويريين عدّلت من المقام الذي اعزف عليه ولكن دون المسّ بالجوهر… وللامانة تعديل المقام الموسيقي الذي اصبحت اعزف عليه جاء نتيجة تجربتي الايمانية… لانّي اكتشفت في ما اكتشفت بعد ان استمعت للعديد من الذين جعجعوا الدنيا باصواتهم، انّ علوّ الصوت لا معنى له امام علوّ الحجّة… وهذه نعمة اخرى من نعم الله (وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ لا تُحصُوهَا ـ سورة النحل آية 18)… ومن نعم الله ان الهمني الله الى درب البحث ودون هوادة في امور ديني…
طفقت منذ مارس 2003 وحتى اكتوبر من نفس السنة في بحث دائم بالعقل هذه المرّة بعد ان اطمأنّ قلبي واكتشفت امورا عديدة لم اكن لاعرفها لولا حرصي وصبري على القراءة والاستماع لكلّ الانماط ولكلّ الايديولوجيات بشرقييها وغربييها بالمعتدلين فيها والمتطرّفين… وهذه الفئة الاخيرة لم تقرا ما جاء في كتاب الله (وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَٰكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ وَيَكُونَ ٱلرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ـ البقرة آية 143)… نعم قرأت عديد القصص .. لم اكن اعرف مثلا قصّة الرحّالة الشهير جاك إيف كوستو وهو عالم البحار عندما اكتشف انّ بعض البحار لا تختلط مياهها بتاتا وانّ بينها حاجزا لا مرئيا اخبره بحّار يمني انّ هذا الامر ورد منذ 14 قرن في القرآن بقوله عزّ وجلّ في سورة النمل آية 61 (وَجَعَلَ بَيْنَ ٱلْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَءِلَٰهٌ مَّعَ ٱللَّهِ ۚ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ)…
اسلم كوستو ولكنّ الغرب المتشدق بالديموقراطية وحرية التعبير اخفى اسلامه… وكذلك وقع نفس الامر مع الطبيب والباحث الالماني لوهار كاي الذي قرأ بالصدفة سورة الكهف واستوقفته آيتان الاولى المتعلقة بتقلب اصحاب الكهف ذات اليمين وذات الشمال… وهذا يعرفه لانّه وفي علاج بعض المرضى يحرص الطبيب على تقلّب جسد الانسان حتى لا يتقرّح علاوة على وجود الشمس للتهوئة دون ان تقع اشعتها على جسد المريض ودائما خوفا من التقرّج (وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ ۚ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ ـ سورة الكهف آية 18) …لكن ما لفت انتباهه في نفس الآية الحديث عن الكلب (بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ) لاحظ الطبيب الالماني انّ الصورة لا تتحدث عن تقلب الكلب حتى لا يتقرّح جسده… وامام ذلك قام بابحاثه الفيسيولوجية الطبية على الكلب فاكتشف انّ جسده يحتوي على غدد تحت جلده تمنع التقرّح… واعتنق مباشرة بعد ذلك الاسلام …
قد لا يؤمن البعض بهذه الروايات بل ويسخر منها ويعتبرها اساطير لا غير… هنا اعود الى المحطة الاولى في تجربتي الايمانية… عندما يمتلئ قلبك بالايمان امّا ان تصدّق القرآن كوحدة كاملة ودون نقصان، وبعد ذلك يميل القلب ثم العقل لا للتصديق فقط بل ولتثبيت الايمان… وامّا ان لاتؤمن، وذلك شأنك… في المقابل اكتشفت ايضا بعض الذين يتحدثون عن اشياء في الاسلام لا ترفّع من مقامه بل تشوهه احيانا… والامثلة عديدة في هذا الباب…
دعوني اذكر لكم بعضها: القبض والسدل اثناء الصلاة… هل هذه قضية يتجادل فيها البعض بل ويطول جدالهم ويكذّب بعضهم بعضا؟… عندما يقف الواحد منّا للصلاة اليس وضع يديه امرا لا يستوجب اطلاقا الجدال فيه…؟ هل هؤلاء فهموا معنى الصلاة بعمق؟… انا في تقديري المتواضع اعتبر الصلاة بقيامها وقعودها بركوعها وسجودها مواعيد يومية كي تجدّد صلتك بالله فتحمده وتستغفره وتسجد له شكرا وعرفانا… بقية التفاصيل هي تفاصيل لا غير … و في الاخير اذهب مع ما يريح قلبك دون جدل لا طائل من ورائه… وفي نفس محور الصلاة يقول بعض الدعاة والشيوخ انّ على الواحد منّا في الصلوات المفروضة ان لا يبدأ الفاتحة بالبسملة ؟؟ ايّ قول هذا ؟ هل عندما ابسمل اسبّ الله؟… انا ابسمل في الصلوات المفروضة وفي السنن…. وان عاقبني الله على ذلك فمرحبا بعقابه لانه العدل….
من اخطائنا كذلك عندما يقول البعض: الله ورسوله اعلم … لا لا يا سيدي، الله وحده اعلم… ونفس الامر عندما نقول الكمال لله ولرسوله … لا لا يا سيدي، الكمال لله وحده… الم يقل عزّ وجلّ في سورة اهل الكهف آية 110: (قُلْ إِنَّمَآ أَنَا۠ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰٓ إِلَىَّ أَنَّمَآ إِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَٰحِدٌ)… هنالك اسئلة قد تراود البعض: وماذا عن تفاصيل الصلاة التي لم تات في القرآن من حيث عدد الركعات والسجدات وما يقال فيها… خاصة وانت تحترز من كلّ ماهو سنّة والتي جاءتنا عن طريق رواة السنن؟ اوّلا اذكّر بانّي عندما تحدثت عن ناقلي احاديث الرسول لم انكرها كلّها وذهبت فقط مع ما ارتاح له قلبي… ثم انا وحتى خارج العبادات لم انقطع يوما عن مجتمعي فاتبعت محاسنه واجتنبت مساوئه… ومن هذه الزاوية وجدتني اصلّي كما يصلي الناس في مجتمعي… لكن، وهنا الاختلاف مع السائد، انا في ركوعي وسجودي اناجي الله باسلوبي وبما تجود به قريحتي من عبارات الشكر والامتنان… ولا اردّد ما يردده الاخرون… اريد ان يكون لي ابتهالي الخاص بي الذي يصدر من اعماقي فاُحسّ بانّي اقترب من الله اكثر حتى لا اسقط في الببغائية…
وهنا اشير لأمر هام ارجو من الله ان يغفر لي اجتهادي فيه… بعد 14 جانفي 2011 تحوّلت خطب جلّ المساجد في صلاة الجمعة الى خطب سياسية… واتخذ الائمة من الدين قنطرة لتسريب ايديولوجياتهم… بيوت الله لم تعد كما جاء في سورة النور آية 36 (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ)… بيوت الله اصبحت ابواق دعاية لاحزاب سياسية ولاسماء اخرى سواء بالمدح او بالقدح… ولم اطق ذلك فقررت ان اقاطع هؤلاء الائمة وأقاطع صلاة الجمعة التي اصبحت اصلّيها بمنزلي… نعم وليغفر لي الله ان اخطأت في هذا الامر ولكنه وحده يعلم انّي لم اتحمّل اهانة بيوته وهي تتحوّل الى حلبات صراع سياسي… ولكن وباشارة ورجاء من بعضهم عدت ومنذ اشهر الى صلاة الجمعة بالمسجد طمعا في غفران الله ورضائه…
مازالت مواقف كثيرة من البعض تدعو للشفقة… هل تصلكم دعوات من نوع اقرأ هذا الدعاء 7 مرات وسيأتيك خير عميم ؟ او ان لم تقرأه سيصيبك اذى ؟ هل هؤلاء فهموا انّهم اذنبوا في حقّ انفسهم وهم يقرؤون لنا الغيب والغيب لا يعلمه الا الله ؟… ثم وبشيء من السخرية والتهكم لماذا 7 مرات وليست 9؟ لماذا 7 وليست 77 ؟ .. هل تقرؤون مثلي تدوينات من نوع: زوجي خذ بيدي الى الجنة؟… علاش يخخي انت معاقة؟ واشكون قال اصلا ان زوجك ماشي يدخل للجنة؟ هل تقرؤون مثلي تدوينات من اعداء المرأة عن المرأة؟ هؤلاء لم يقرؤوا شيئا في القرآن عن المراة؟ عن حواء التي جعلها الله سكنا لنا وجعلنا سكنا لها (سورة الروم آية 21 … وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً)…
هل تعلمون انّ بعض الرجال كانوا يسمّون بناتهم جحشة او نعيجة؟ اي نعم والله حصل ذلك… الم تقدّروا الله حقّ قدره وهو يخصّ النساء في قرآنه بسورتين باسمهنّ (النساء ومريم)؟ الم يقل فيهنّ رسول الله (ما اكرمهنّ الا كريم وما اهانهنّ الا لئيم) .. في الجاهلية كان الجاهل من الرجال يطلّق زوجته ان انجبت له طفلة… بل كان البعض منهم يقومون بوأدها وهي حية (وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ _ سورة التكوير آية 8)… كان ذلك في الجاهلية ولكن وحتى بعد شروق نور اسلامنا العظيم والى يومنا هذا لم تنقرض عادة الوأد… هي لم تعد وأدا ماديا بل معنويا ولعديد النساء ولعلّ الوأد المعنوي اشدّ فظاعة من الموت…
اكيد لم اتحدث عن الاسلام السياسي بعد 14 جانفي 2011… لا تقلقوا سياتي في موعده عندما اصل بورقاتي لسنة 2011 ان بقي في العمر بقية… اطال الله عمركم ومتّعكم الله بالسلام الروحي… لانّ توازن الفرد في حياته لا يتمّ الا بالسلام الروحي… التقيكم في السنة الجديدة جانفي 2025*… جعلها سنة يُمن وخير وسلام روحي للجميع… دعوني استرح قليلا… في بالي ما قصرتش معاكم … حتّى هي 4 ورقات في اربعة ايام متتالية …اكاهو عاد، هاكة حدّ الجهيّد
ـ يتبع ـ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*نُشر النص أول مرة في 26 ديسمبر 2024


مكالمة بين بوتين وترامب… قد تحسم مآل حرب أوكرانيا

القضاء الأمريكي يبطل قرار غلق وكالة التنمية الدولية

الضفة الغربية… اقتحامات بالرصاص الحيّ في نابلس

هل يعود تمثال الحريّة إلى أوروبا… مكبّلا بالأصفاد؟؟؟

وجه الإمام… وستّي أم علي
استطلاع
صن نار
- صن نارقبل 5 ساعات
مكالمة بين بوتين وترامب… قد تحسم مآل حرب أوكرانيا
- صن نارقبل 6 ساعات
القضاء الأمريكي يبطل قرار غلق وكالة التنمية الدولية
- صن نارقبل 6 ساعات
الضفة الغربية… اقتحامات بالرصاص الحيّ في نابلس
- جور نارقبل 14 ساعة
هل يعود تمثال الحريّة إلى أوروبا… مكبّلا بالأصفاد؟؟؟
- جلـ ... منارقبل يومين
وجه الإمام… وستّي أم علي
- ثقافياقبل يومين
تجليات الحلفاوين: صرخة ألم من المخيمات الفلسطينية… ونافذة نحو قيم العدالة
- صن نارقبل يومين
في حربه ضد المهاجرين… ترامب يعيد الروح لقانون عمره أكثر من 200 سنة!
- صن نارقبل يومين
سوريا اليوم… بين سندان إسرائيل في الجنوب، ومطرقة تركيا في الشمال