جور نار
ورقات يتيم… الورقة 90
نشرت
قبل شهر واحدفي
عبد الكريم قطاطة:
كنت حدّثتكم سابقا عن مخطّطي في مسيرتي المهنية والتي وللتذكير عزمت فيها على تخصيص العشر سنوات الاولى منها للعمل الاذاعي اي من 1980 حتى 1990… والعشرية الثانية للعمل التلفزي كمخرج وهو اختصاصي بعد تخرّجي من المعهد الوطني للعلوم السمعية البصرية بباريس افريل 1979… ثم أنتقل بعدها وكحلم ايّ مخرج للعمل بعد سنة 2000 في دنيا السينما…
الا انّ تجربتي الاذاعية وما نتج عنها من شغف سحري بالمصدح وباصدقائي المستمعين، جعلني اعدّل بعض الشيء… نعم لم استطع فكّ طلاسم وسحر المصدح الذي احتلّني وارتأيت ان يصبح لي موعد اسبوعي قارّ معه… نعم للعشق احكامه… وفي العشق لزاما علينا ان نكتفي بالقول “وما تشاؤون الا أن يشاء الله إنّ الله كان عليما حكيما” .. نعم كنت اخطّط لذلك وبكل حزم وإرادة وبكل حبّ ايضا، خاصة وقد اصبحت وظيفيا احمل رتبة مخرج… والفضل في ذلك يعود الى الصديق صلاح الدين معاوي رحمه الله حين كان رئيسا مديرا عاما لمؤسسة الاذاعة والتلفزة… والذي حرص وفي وقت قياسي على تسوية وضعيتي وتمكيني من حقي بعد 11 سنة ظلما …
في بداية سنة 1990 بدات في دراسة مشاريع اكون فيها المنتج والمخرج وراء الكاميرا كطبيعة عمل ايّ مخرج… ومرة اخرى ولانّه وما تشاؤون الا ان يشاء الله، وجدت نفسي اعمل تلفزيا ولكن هذه المرة كنت امام الكاميرا كمنشط… اي نعم … كان ذلك عندما اجتاحت تونس فيضانات جانفي 1990… ادارة التلفزة فكّرت في تيليتون لجمع التبرعات لفائدة الجهات المنكوبة ..وهو اوّل تيليتون في تاريخ التلفزة .. وطبعا فكّرت مؤسسة الاذاعة والتلفزة التونسية في الاسماء التي ستنشط سهرتي التيليتون ..وعادي جدا ان تختار الاسماء التي تحظى بحيّز جماهيري كبير لتامين البرنامج ..وكان على راس القائمة من تونس الزميل نجيب الخطاب رحمه الله وكنت مرشّح اذاعة صفاقس مع مرشحين اخرين من اذاعة المنستير …
كانت تجربتي الاولى والاخيرة في التنشيط التلفزي وساعطيكم لاحقا تفسير كلمة الاخيرة …في السهرة حرصت ان اكون كما اريد انا لا كما يريد الاخرون ..كنت مثلا الوحيد من بين المنشطين الذي نشّط وهو جالس… نعم وانا لحدّ الان لم افهم لماذا ينشط البعض وهم وقوفب.. التنشيط عندي في مثل هذه المواقع يحتاج الى الهدوء والرصانة اكثر من حاجته للوقوف والتروقيص… وكان مدير اذاعة صفاقس انذاك الزميل محمد عبد الكافي رحمه الله لم يهدأ له بال وهو يراني عكس الاخرين ملتزما بمقعدي ..جاءني مرات ليقنعني ان اقف مثلهم وكان موقفي دائما الرفض حيث كنت اردّ عليه بالقول (ومن قال لك اني اريد ان اكون مثلهم ؟)… ربما موقفي فيه نوع من الغرور قد يراه البعض ولكن كانت ومازالت تلك ثوابتي… انا ابحث لي ولكلّ من تدرّب على يديّ ان تكون لكل منا بصمته الخاصة …
اتذكّر هنا جيّدا احد الشباب الذين تدرّبوا عندي يوما ما وقد جاءني وهو يحكي عن طموحاته واحلامه قائلا (اتمنى ان اكون مثلك يوما ما)… اجبته مباشرة بالقول (اِعتبر نفسك من هذه اللحظة فاشلا)… كانت اجابتي بالنسبة له صدمة… قمت بالطبطبة عليه وقلت له (اريدك ان تكون انت لا نسخة منّي او من ايّ كان ..وقتها ستحقق كل احلامك ووقتها ستكون افضل منّي) … زميلي محمد عبدالكافي رحمه الله يئس منّي وفهم انّو يصب في الدواء في العين العورة …ولا حول ولا قوة الا بالله …
في ذلك التيليتون الذي نجح نجاحا باهرا وقعت اشياء بقيت عالقة في الذاكرة… لاحظت مثلا تدفق العديد من التونسيين بمختلف تركيباتهم الاجتماعية، وهو ما اكّد دوما انّ التونسي للتونسي رحمة وفي كل الازمنة والازمات ..لكن في المقابل لاحظت الغياب الكلّي لحاملي المناصب فتوجهت بالدعوة الصريحة وبكلّ استغراب وعتاب لتلك الشريحة وذكرت مناصبهم (الوزراء والمديرين العامين الخ) ..قلت لهم اينكم .؟ توحشناكم راهو ؟ والمفروض انكم تكونوا السابقين في مثل هذه الحالات حتى تعطوا المثل .. كنت موقنا انّ الدعوة فيها نوع من الجرأة التي قد وقد وقد ..اما بالنسبة لي، فـ”بوزيد مكسي بوزيد عريان” ..انذاك كنت مقتنعا بتدخّلي ذاك فـ”تڨرّعت”… وفوجئت بعدها بعديد المسؤولين الكبار يتسابقون للتبرع ..معناها جابني ربي في الصواب…
مما اتذكره ايضا انّ التيليتون خصص مجموعة من اللوحات الفنية التي تبرع بها اصحابها الرسامين لتكون للبيع بمزاد علني يُرجى من ورائه تدعيم خزينة التبرعات بثمن تلك اللوحات .. صدقا في بداية فتح المزاد العلني لم اكن اتصور ذلك التهافت على شراء اللوحات… نعم كنت جدّ منبهرا بالحصيلة ..لكن ما لفت انتباهي وجود متدخّل دائم من اذاعة المنستير عند بدء عملية المزاد العلني… نعم نفس الاسم وفي كل مرة يضيف رقما مهولا على الرقم الذي سبقه ..فهمت بعد ثلاثة او اربعة تدخلات …منه انّه شخص استُعمل خصيصا للغرض … وانا لا احبّ النفاق عموما وخاصة النفاق الاذاعي ..وهنا تدخلت وبشكل غاضب وقلت لذلك الشخص مستسمحا زميلي نجيب الخطاب في مبادرتي ووقتها وصل ثمن اللوحة الى ملايين ..قلت له (طاح عليك السوم وننتقل الى لوحة اخرى) .. وفصّ ملح وذاب ..ذلك الشخص لم يشتر اللوحة واختفى نهائيا من المشهد … اي نعم احيانا الميادين فيها بعض المنزلقات ..والسيد زلق طاح ما في عينو بلّة … خدموه شوية رقّاص ومشى على روحو…
اعود الان الى تفسير ما معنى كانت التجربة الاولى والاخيرة في العمل تلفزيا امام الكاميرا … عندما وقع اختياري لاكون ممثل اذاعة صفاقس في التيليتون لم اكن صدقا كما يفعل البعض وعادة ما يفشلون… لم اكن فرحا مسرورا وفي قمة سعادتي لترشيحي من اذاعة صفاقس لاقوم بتلك المهمة ..ولكن صدقا ايضا لم اكن رافضا لها ..موقفي كان (وين المشكل نجرّب ونشوف)… لم اكن مهتما بما سيقوله البعض عنّي خاصة في خانة الاعجاب والشكر و المديح وذلك لسببين: اوّلهما انّو اذا حبّوك ارتاح ..والله مهما كانت عيوبك يخخي موش يقولو القرد في عين بوه غزال .. ؟؟ والسبب الثاني انّ عمليّة التقييم والنقد ليست ممكنة لكلّ من هبّ ودبّ ..اي نعم اقرا الان بعض التعاليق على العديد من الزملاء في المسموع والمرئي وابكي لحال هؤلاء .. للمعلّق وللمُعلّق عليه …
سآخذ مثالا على ذلك… اقرا كثيرا في بعض التعاليق عبارات من نوع (انت مبدع او انت مبدعة) لزملاء، الله اعلم كيفاش موجودين امام الكاميرا او وراء المصدح… وأجزم ومن خلال ما تعلمته في كل ما هو سمعي بصري ومن خلال تجربتي، أن ذلك المنشط او تلك المنشطة اللذين يوسّمهما البعض بتوصيفة الابداع لا يستحقان ايّ وجود في الميدان السمعي بصري …تي اصلا من المطر ما تدخلهمش… لذلك وعندما قررت المشاركة في التيليتون، رجوت من بعض الزملاء في وحدة الانتاج التلفزي ان يقوموا بتسجيل البرنامج حتى اعود اليه في الغد لقراءة تجربتي امام الكاميرا… اي نعم… وفعلت… وشاهدت… وبعدها قررت انها ستكون الاخيرة…
عبدالكريم لم يقتنع بعبد الكريم امام الكاميرا ..انا لي قناعاتي في كيف يجب ان يكون المنشط التلفزي لعلّ اولها الحضور والكاريزما ..نعم كنت متاثرا ومقتنعا بعديد المنشطين التلفزيين وشغوفا بهم وخاصة الاوروبيين منهم… وكنت ارى فيهم القدوة شكلا ومضمونا… وعندما قارنت نفسي بهم وجدتني لا علاقة … اييييييه ما اقرب مكة لبوجربوع… مع احترامي لاصدقائي في بوجربوع… اي نعم اعترف بقساوتي في النقد لانّ ايّ نقد لا يحكمه العقل هو عبث ومُلغى بالنسبة لي… اذن يا عبدالكريم يسلّم ولدي سكّر باب التنشيط التلفزي والى الابد راك موش متاعو… واغلقته وللابد…
والشيء بالشيء يذكر… هناك من قام ببعض التجارب من الزملاء في التنشيط التلفزي وعلى قلّتها وتواضعها مازالوا يتباهون بها….اقسم بالله قلّة حياء ومسخرة… حاصيلو عاش من عرف قدره واكاهو…
ـ يتبع ـ
تصفح أيضا
عبد الكريم قطاطة:
هذه الورقة تروي ما حدث لي مع حلول سنة 1998… وهي سنة هامة جدا في حياتي المهنية وفي اذاعة صفاقس… سنة 98 تكون اذاعة صفاقس قد عاشت سنتين تحت عهدة المرحوم عبد القادر عقير كمدير لها…
وللامانة وكما اسلفت الحديث في هذا الامر كان الرجل حركيا جدا وحاول استقطاب عديد الكفاءات الثقافية في الجهة ونجح ايما نجاح في ذلك… وللامانة ايضا كان يعتبرني عضده الاوّل كمستشار له في تسيير شؤون الاذاعة، ومثل هذه الاوضاع تسعد بعض الزملاء وتشقي آخرين… مع حلول سنة 98، ارتأت مؤسسة الاذاعة والتلفزة تحديث تشريعاتها ومن بين ما قامت به سن قوانين جديدة في اسناد الخطط لموظفيها… والتي كان من ضمنها احداث خطة مدير عام للقنوات الاذاعية.. وكان اوّل من ترأسها زميل سابق عرفته عندما كان يشغل خطة رئيس تحرير شريط الانباء التلفزي باللغة العربية… السيد عبد الله عمامي…
علاقتي به كانت مهنية بحتة… كنت كسائر تقنيي قسم المونتاج اقوم مرّة واحدة في الاسبوع ودوريا، بتركيب فيلم شريط الانباء لنشاط رئيس الدولة واعضاده… وهي مهمة تتطلب انتباها جيد لكلّ ما يمدنا به زملاؤنا في قسم التصوير… وخاصة اعطاء الحجم والقيمة لنشاط رئيس الدولة والوزراء… لذلك يحرص كل مركّب منّا على التمحيص وبانتباه شديد للصور واختيار افضلها جودة… نوعية اختصاصنا تجعل كل رئيس تحرير يحرص على مدّنا بتوجيهاته التي يتلقاها بدوره من الرئيس المدير العام… اذ نحذف احيانا وبامر من رئيس التحرير بعض المشاهد او نضيف في مدة مشاهد اخرى… تلك كانت نوعية علاقتي بالسيد عبدالله عمامي وهي علاقة ولّدت بمرور الزمن ثقته فيّ وفي جودة عملي…
عندما كُلّف السيّد عمامي بخطّة مدير عام للقنوات الاذاعية، تنقّل نحو كلّ الاذاعات الجهوية ليطّلع على واقعها ومشاغلها… وجاء دور اذاعة صفاقس ليحلّ ضيفا عليها… وكان استقباله لي حارّا اذ اننا لم نلتق منذ سنة 1976 عندما غادرت المؤسسة لاتمام دراستي بفرنسا… يوم مقدمه لصفاقس اجتمع السيد عبدالله عمامي بالمسؤولين في اذاعتها ليتطارح معهم ومع السيد عبدالقادر عقير احوال اذاعة صفاقس… وكنت من ضمن المدعويين لحضور ذلك الاجتماع… واخذت الكلمة كسائر زملائي وطرحت نقطة اعتبرتها انذاك في منتهى الاهمية و الغرابة… اذ كيف يُعقل لاذاعة عمرها 37 سنة وليس فيها من الخطط الوظيفية الا ثلاثا… فيما بقية المسؤولين على المصالح والاقسام لم يدرجوا يوما ضمن خطة وظيفية …اي انهم لم يعيّنوا يوما بشكل رسمي ضمن خططهم…
وكانت دهشة السيد عبدالله عمامي كبيرة… ووعد بانّ اوّل عملية اصلاح سيقوم بها هي تدارك هذه الوضعية غير العادلة والتي استمرّت أربعة عقود… وانتهى الاجتماع وطلب منّي السيّد عبدالله عمامي ان ارافقه لاجتماع ثلاثي يجمع بيننا وبين السيد عبدالقادر عقير مدير الاذاعة… وكان لنا ذلك وهو اجتماع تاريخي بكلّ المقاييس وهاكم التفاصيل…
بدأ السيد عبدالله عمامي بالاشادة بالنقطة التي اثرتها والمتعلقة بالخطط الوظيفية وهو ما يحتم منذ اليوم على انجاز الـ”اورغانيغرام” (التنظيم الهيكلي) لاذاعة صفاقس… وهذا يعني اقتراح مجموعة من الخطط الوظيفية وفي كل درجاته اي من مدير فرعي الى رئيس قسم مرورا برؤساء المصالح… واضاف متوجها بكلامه الى السيد عبدالقادر عقير: (مهمة انجاز التنظيم الهيكلي ساكلّف بها سي عبدالكريم واريدها اسمية لانه يعرف جيّدا زملاءه الذين عاصرهم منذ نهاية السبعينات ومؤكّد اكثر من ايّ كان، وانا كلّي ثقة فيه ولا اتصورك اقلّ ثقة منّي)… وللامانة رحّب المدير وعن طواعية بالمقترح…
وانتهى الاجتماع الثلاثي وعكفت على انجاز الاورغانيغرام واخترت اسماء زملاء يشهد الله اني وضعت كفاءتهم فقط كفيصل في الاختيار… واطلعت عليها السيد عبدالقادر عقير ودون ايّ جدال وافق عليها واضاف بعض الخطط التي نسيتها… وارسل الاورغانيغرام عن طريق الفاكس للسيد عبدالله عمامي… وماهي دقائق حتى وجدت السيد عبدالله يطلبني على هاتفي… بادرني اوّلا بالشكر على الانجاز السريع واضاف: (فقط لي ملاحظتان، الاولى تتعلق بتسمية الزميل زهير بن احمد كمدير فرعي للبرامج… حيث ابدى لي احترازه من هذا الاسم… وعندما طلبت منه السبب قال لي بكل ايجاز ووضوح: زميلك زهير محسوب على اليسار هل تدري ذلك ؟ قلت له لا ..قال لي: رسالة ختم دروسه بمعهد الصحافة، كانت حول صحف المعارضة في تونس!
ولانّي عرفت زميلي زهير بن احمد بما فيه الكفاية اسرعت بالردّ: واين الاشكال ؟؟ فأسرع هو ايضا بالرد: (خويا عبدالكريم، مدير فرعي للبرامج موش شوية راهي)… ولم اتركه يتمّ حديثه اذ قلت: (انت عندك ثقة فيّ، سي عبدالله ؟) اجاب طبعا ..فقلت له: (زهير هو الاجدر بهذا المنصب وانا اتحمل مسؤولية ما اقول)… اكتفى سي عبدالله بالقول: (دبّر راسك اما اتحمّل مسؤوليتك)… ثم جاءني للملاحظة الثانية وقال: ( إي انت وينك سي عبدالكريم في الاورغانيغرام ؟)… وكنت فعلا لم اسند ايّة خطة وظيفية لشخصي… قلت له: (انت تعرف جيدا ماذا يعني المصدح بالنسبة لي… هو أهم عندي من ايّة خطة وظيفية)… قفز السيد عبدالله على العبارة وقال: (يخخي انا قلتلك ابعد عن المصدح ؟ اما في نفس الوقت ولاني اعرفك واعرف حكايتك بكل تفاصيلها مع المصدح ومع اذاعة صفاقس، لا ارى احدا غيرك يستحقّ مصلحة البرمجة في اذاعتكم… واضيف بكل رجاء اقبلها من اجلي ومن اجل الاذاعة مع مواصلة علاقتك بالمصدح)… قلت له ساناقش الموضوع مع سي عبدالقادر… ردّ عليّ: انه في انتظارك وسيكون سعيدا بقبولك لتلك الخطة…
وما ان انهيت المكالمة حتى هاتفني سي عبدالقادر للحضور بمكتبه… دخلت عليه فوجدته في قمة الانشراح وبدأ بالقول: (شنوة الكيلو يطيّح الرطل ؟؟)… وقتها عرفت انّ خطة رئيس مصلحة البرمجة وهي المصلحة الاهم في كل اذاعة تحادث فيها السيد عبدالله عمامي والسيد عبدالقادر عقير واتفقا على ان اكون انا من يشغلها… وبدأت مسيرتي المهنية تاخذ ابعادا اخرى… عبدالكريم لم يعد كما كان مستشارا للمدير بل اصبح رسميا عضوا في (حكومة) اذاعة صفاقس… وكما اسلفت القول، بقدر ما استبشر العديد بهذه التسمية بقدر ما اغاظت البعض… اي نعم هؤلاء..كانوا دوما وفي كل معركة ينتظرون هزيمتي بالضربة القاضية فاذا بهم يجدونني في وضعية ارقى…
هي ليست حالة خاصة بي بل هي حالة منتشرة في كل الادارات دون استثناء… حرب ضروس كلما خفّت حرائقها فترة، اشتعلت من جديد وربما باكثر ضراوة… انها طبيعة البشر منذ أول الخلق… فاذا كان الانبياء اولى ضحايا اقوامهم فمن نكون نحن حتى لا نعيش نفس الاوضاع؟… وحده الله يعلم من منّا قابيل ومن منّا هابيل وعند الله تجتمع الخصوم…
ـ يتبع ـ
محمد الزمزاري:
يبدو أن ” الأيام والليالي البيض” ستشرّف بداية من اليوم 25 ديسمبر هذا الذي يتميز باصطحاب عاملين اثنين هامين:
اولا نزول الأمطار بكميات معتبرة ومطلوبة لإخراج البلاد من مأزق الجفاف، خاصة ان كل التكهنات توحي وتؤكد احيانا ان الأمطار متواصلة ومن شأن هذا الهطول المخالف للسنة الماضية الجافة، ان يغذي بالأمطار عددا وافرا من السدود وسقي الأراضي الفلاحية، والتبشير بسنة ممتازة في الإنتاج الزراعي عسى أن يقع تقليص حاجتنا وارتباطنا بواردات قمح اوكرانيا او روسيا… والتأكيد مجددا على غرس عقلية الاعتماد على انتاجنا الوطني لتحقيق الأمن الغذائي وهو ليس أمرا ممكنا فقط بل ضروري…
لقد تم القضاء على الارهاب وتمت مقاومة الفساد وتحريك رافعات التنمية… وكذلك تحسين مخزون العملة الأجنبية بالبنك المركزي التي وصلت إلى حوالي 120 يوم توريد بعد سقوطها فترات حكم الاخوان إلى اقل من 60 يوما… كما يستوجب لفت النظر الى ان الدينار التونسي اخذ طريقه للتعافي وحقق زيادة اكثر من 1.6 % مقابل اليورو… والأمر يستوجب مواصلة دعم الدينار أمام العملات الأجنبية خاصة اليورو و الدولار ..وهذه أيضا مستجدات لا تقل أهمية..
عدنا لحالة هذه المدة الفصلية الأولى من شتاء يبدو باردا هذه السنة زيادة عن الأمطار المباركة… و مقابل ذلك يرتعش المواطنون و قد يصطلون من البرد القارس والرياح المرافقة… وقد يشتد وقع البرد على شريحة كبرى من التونسيين الذين يلتجئون بنسب متفاوتة إلى سخانات الغاز او الفحم او الكهرباء… وهي طرق تتطلب قواعد ثابتة لتحقيق الدفء النسبي مع التوقي من اخطارها… فالفحم له أضرار كبيرة متمثلة في ثاني أوكسيد الكربون القاتل… والغاز له اخطار لا تقل عن الفحم… وحتى جهاز الكهرباء المحمول يتطلب “تنفيس” البيت…
تبقى اخطار اضافية خلال هذه الفترة وهي ما اعلنته وزارة الصحة العمومية مشكورة من ضرورة التحلي السريع قصد مواجهة منتظرة للكورونا خاصة لدى كبار السن و المصابين بالامراض المزمنة والأطفال… وربما نضطر إلى العودة لاستعمال الكمامات خلال الازدحام الذي نراه في وسائل النقل المتعددة… لذا قد يتحتم على الدولة استشراف تغيرات واردة للمناخ ببلادنا… والاحتياط اكثر من العوامل التي نراها بالغرب القريب لتوفير الغاز الطبيعى لأكبر جزء من المواطنين في كل مكان لا لمواجهة البرد العائد مع كل شتاء بأكثر قوة، لكن أيضا لرفاه التونسيين شمالا ووسطا وجنوبا… وعدم حصر هذا الرفاه الشرعي عند شريحة واحدة، نسبة منها من الجشعين والسراق… اقول نسبة قليلة لأن متطلبات الرفاه لم تعد مفخرة او من علامات الأرستقراطية.
ملاحظة مبدئية … هذه الورقة ساخصصها لفترة هامة جدا في مسيرة اذاعة صفاقس… فترة تولّى فيها المرحوم عبدالقادر عقير ادارة اذاعة صفاقس، وامتدت من سنة 1996 حتى 2004 …
واحتراما لروحه سامرّ على بعض الاحداث دون ذكر تفاصيلها السيئة… نعم احتراما لروحه دعوني في البداية اقسّم فترة ادارته لاذاعة صفاقس على ثلاث مراحل… الاولى من 96 الى 98 والثانية من 98 الى 2002 والثالثة من 2002 الى 2004… هذا التقسيم مأتاه ما عايشته في المراحل الثلاث من احداث مختلفة جدا… كما اسلفت سابقا ومنذ قدوم الرجل سنة 96 وبطلب منه نشأت بيننا علاقة متينة للغاية… كنت بالنسبة له مستشاره الاول في كلّ ما ينوي القيام به وكان كثير النشاط متعدّد الرؤى لتطوير العمل الاذاعي… وحتّى في علاقاته مع زملائي في الاذاعة كان يستشيرني كلما حدث حادث وكان شديد الثقة بي…
ودعوني هنا اقسم لكم بالله الواحد الاحد اني لم اغتنم طيلة وجودي معه تصفية ايّ حساب مع ايّ كان لكن في المقابل كنت لا اخفي تماما قناعاتي تجاه ايّ زميل ايجابيا او سلبيا… وكانت مواقفي تنبع دائما من حبّي لاذاعتي وحرصي ومن خلال تجربتي ان اقول له الحقيقة عارية… هنا ساذكر بعض الامثلة…
في احدى المرات دعاني على عجل وعبّر لي عن غضبه الشديد لعدم كفاءة احد منظوريه مهنيا… كان في قمة الغضب واخبرني انه يريد ان يضع حدّا لوجود ذلك الشخص في الاذاعة… وكان موقفي ان تريّث يا سي عبدالقادر وسنجد الحلّ ونزلت من مكتبه بحثا عن ذلك الزميل لاعرف لبّ الاشكال ..وجدته في حالة مزرية ..كان يبكي كطفل صغير بعد ان توعّده سي عبدالقادر بالطرد ..هدّأت من روعه ووعدته بالتدخل ايجابيا لفائدته لانّ قناعتي لم تقبل بطرده والقضاء على مورد رزقه ..وللتوّ عدت الى مكتب المدير عارضا عليه الحلّ الامثل ..قلت له مساعد ذلك الذي تريد طرده على غاية من الكفاءة… اذن دع ذلك السيد وشأنه وليكن من الان مخاطبك هو مساعده …وللامانة قال لي اللي تحكم انت مبروك وفعلا كان الامر كذلك …
المثال الثاني حدث مع ثنائي من الزملاء لاحظت انهما اصبحا كثيري التردّد على مكتبه ثم اكتشفت انّ احدهما اصبح ملازما اسبوعيا لهداياه لمنزله (اشي لحوم ..اشي سمك ..اشي غلال ..) فما كان منّي الا ان فاتحته في الامر وحذرته منهما لاني اعرف جيّدا معدنهما… وقلت له بالحرف الواحد ان حدثت لك يوما مشاكل في اذاعة صفاقس، وقتها ستدرك انهما وراء ذلك… وفعلا كانا وراء العديد من مشاكله مع الزملاء …
المثال الثالث حدث مع منشطتين كانتا شاركتا في كاستينغ لتطعيم اذاعة صفاقس باسماء شابة لضخّ دماء جديدة واخذ المشعل عنّا يوما .. وحرصت في هذا الكاستينغ على تكوين لجان حتى لا يكون القرار فرديا… نعم كنت رئيس تلك اللجان ولكنّ القرار كان جماعيا والله .. احداهما نجحت باجماع الجميع على اهليّتها لتكون ضمن من ساتكفّل بتكوينهم وتاطيرهم ..والثانية لم تحظ بايّ صوت في الكاستينغ ..سي عبدالقادر انذاك (جا راسو) على التي نجحت وحاول بكل الوسائل اقناعي بالتخلّي عنها ولكنه فشل تماما ..ونجحت في اصراري ونجحت هي في دورتها وبامتياز ..اليس كذلك حنان التريشيلي .. ؟؟ الثانية والتي لم تنجح في الكاسنينغ وبالاجماع وساتحاشى ذكر اسمها حتى لا احرجها، حكايتها تتلخّص في الآتي:
دعاني يوما سي عبدالقادر الى مكتبه ورجاني اخذا بخاطره ان اقبل بها كمنشطة اقوم بتاطيرها لانّ والدها وهو صديق له احرجه وطلب منه ذلك … موقفي كان الرفض التام لانّه وهذا يعرفه كلّ من تتلمذ عنّي، ليس لي قلب في الامور المهنية .. ابنتي كرامة مثلا ارادت ان تشارك في احدى دورات الكاستينغ .. لم ار مانعا في تمكينها من ذلك الحق لكن كان شرطي ان اقوم انا فقط بالكاسيتينغ… لاني كنت مدركا انّ من سيحضر معي لتقييمها سيراها كابنة لعبدالكريم ولن يكون موضوعيا مائة بالمائة ..وفعلا وكغيرها اجريت لها التجربة الصوتية واكتفيت بذلك… وعندما خرجت كرامة من الاستوديو لاستطلاع رأيي فيها قلت لها في جملة واحدة ..انت لست للميكرو .. ولانها تعرفني وتعرف قناعاتي، ودّعتني وذهبت وكأنّ شيئا لم يكن…
وهذا ما اعنيه وانا اقول دائما المصدح يُفتكّ ولا يُعطى، وسي عبدالقادر يعرف قسوتي وصلابتي وعنادي وكسوحية راسي في مثل هذه الحالات… فقال لي زايد انلحّ عليك وسآخذها على عاتقي وعلى مسؤوليّتي… قلت له ذلك شأنك ..نعم وأخذها على مسؤوليته ولم امكّنها من حضور الدورة التكوينية لانها بالنسبة لي لا تصلح للعمل الاذاعي بتاتا… وهي على فكرة الان مرسمة وتشتغل … ليس ذلك فقط بل تعتبر نفسها وخاصة بعد 14 جانفي نجمة النجوم …رغم انّ نوعيّة ما تقدّمه لا يختلف كثيرا عن احاديث النسوة في حمّام او احاديث بعض الرجال في لعبة البازقة… كلّ ذلك لن يمنعني من القول انّ الفترات الذهبية التي عاصرتها كانت ثلاثا…
اذ انّي لم اعاصر فترتي المؤسس الباعث عبدالعزيز عشيش رحمه الله ولا التوفيق الحشيشة اطال الله عمره… لذلك كانت الاولى التي عاصرتها مع المرحوم قاسم المسدّي، والثانية مع المرحوم محمد عبدالكافي، والثالثة مع المرحوم عبدالقادر عقير .. القاسم المشترك بينهم، نشاط حثيث لا يكلّ ..كانوا ما شاء الله قادرين على العمل طيلة 16 ساعة دون انقطاع… ثم كانت لهم رغبة جامحة في تطوير العمل الاذاعي كل من زاوية رؤيته الخاصة به ..لذلك وهذا عايشته معهم، كانوا لا يتوانون لحظة واحدة في تجميع الكفاءات الثقافية بالجهة لدعمها وللارتفاع بمستوى المنتوج .. وكذلك للاخذ بيد الطاقات الشابة وتشجيعه. . وللامانة نجحوا في ذلك ايما نجاح … اليس كذلك احمد الشايب ؟؟ اتفهّم عرفانك له بالجميل… ولكن هنالك اشياء لا تقلّ اهميّة تطبع مسيرة ايّ مسؤول بايجابياتها نعم، ولكن بسلبياتها ايضا ..
وهذه في تفاصيلها يعرفها فقط من عاشر السيد عقير وعاضده عن قرب .. وسادوّن العديد منها في الورقتين 99 و100 ..كموثّق لما عشته معه ..اذ انّ مبدأ هذه الورقات منذ عددها الاوّل: التوثيق لكلّ ما عشته وعاشه معي جيلي والله وحده يعلم صدقي وامانتي …
ـ يتبع ـ
ورقات يتيم… الورقة 99
رحالة شابة من فرسان الدرّاجات… اعشق نبض الطبيعة والحياة من خلال “شهلة”
معرض بيع التمور من المنتج إلى المستهلك بالعاصمة
قضية وفاة جيلاني الدبوسي… تمديد إيقاف طبيبة السجن
قوات الاحتلال تشن حملة اعتقالات في قلب رام الله!
استطلاع
صن نار
- جور نارقبل 16 ساعة
ورقات يتيم… الورقة 99
- رياضياقبل يوم واحد
رحالة شابة من فرسان الدرّاجات… اعشق نبض الطبيعة والحياة من خلال “شهلة”
- اقتصادياقبل يوم واحد
معرض بيع التمور من المنتج إلى المستهلك بالعاصمة
- تونسيّاقبل يومين
قضية وفاة جيلاني الدبوسي… تمديد إيقاف طبيبة السجن
- صن نارقبل يومين
قوات الاحتلال تشن حملة اعتقالات في قلب رام الله!
- صن نارقبل يومين
تحطم طائرة أذربيجانية… ومصير مجهول لركابها الـ 120
- صن نارقبل يومين
صواريخ فرط صوتية من اليمن… وتدافع على الملاجئ في تل أبيب
- جور نارقبل يومين
إنه الشتاء يا حبيبتي