تطالعنا أسبوعيا وحدات الشرطة البلديّة بنتائج الحملات التي تقوم بها لكشف تلاعب بعض التجّار بالأسعار و بعض المحتكرين للسلع، فمثلا أسفرت هذه الحملات بتونس الكبرى بتاريخ أوّل أمس الثلاثاء 22 ديسمبر 2020 – فيما أسفرت – عن
* حجز 08 أطنان من الفارينة المدعمة بجهة برج الطويل من ولاية أريانة.
* حجز 627 لتر من الزيت النباتي المدعم بجهة حي الغزالة من ولاية أريانة.
* حجز 1.502 طن من التمور بمخازن عشوائية بجهة برج البكوش من ولاية أريانة.
* حجز 787 علبة من “مربى التمور” سعة 400 غرام بمخزن عشوائي بجهة برج بكوش.
* حجز 09 أطنان من البطاطا غير الصالحة للاستهلاك بمستودع إحدى الشركات.
* حجز 200 خبزة مرطبات بمخبزة بجهة المروج 6 من ولاية بنعروس.
و في بقية ولايات الجمهورية نلاحظ نفس الممارسات لعدد من المستكرشين الذين يقع البعض فقط منهم في قبضة الأمن فيما يراوغ العدد الكبير منهم أعين المراقبة بالهرب أو بما تيسّر من “وسخ دار الدنيا”. و لعلّنا نذكر ما حصل في الأيام التي تلت إعلان الحجر الصحي العام في مارس الماضي من مشاهد مزرية لصفوف المنتظرين لوصول شحنة “السميد و الفارينة” أمام المحلات التي تفتقر أصلا لهاتين المادّتين، فيما تزدحم بها مخازن المحتكرين،
و نفس الأمر وقع لمادة “الثوم” التي ارتفع ثمنها أضعافا، حتى أنّ ظاهرة الطوابير باتت مألوفة في تونس بسبب لهفة المواطنين من جهة و ارتفاع أعداد المحتكرين للمواد الأساسية من جهة ثانية. و هذا الواقع أكدته بلاغات الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد التي كشفت ورود مئات الإشعارات اليومية التي تتعلق بالإحتكار و إخفاء بعض المواد الأساسية المدعمة، كما دفعت هذه الظاهرة رئيس الجمهورية قيس سعيد إلى التطرق لها خلال اجتماع مجلس الأمن القومي يوم 31 مارس 2020، معتبرا ممارسات المحتكرين ترتقي إلى جرائم حرب، في تطابق مع موقف رئيس الحكومة آنذاك إلياس الفخفاخ الذي اعتبر أن المحتكرين هم “متلاعبون بقوت التونسيين” و سوف يقع تطبيق القانون عليهم بكل صرامة.
على أنّ تنامي ظاهرة الاحتكار و المضاربة على بعض السلع لا يثير احتجاج و غضب المواطنين فحسب، بل يشمل أيضا التجار و أصحاب المحلات، حيث أنّ أغلبهم يتبرّأ من مسؤولية ارتفاع الأسعار و نقص كمية السلع المعروضة، و يشيرون صراحة إلى أن المتسببين في الأزمة هم الموزعون الكبار من سماسرة السلع و المحتكرين، لأنهم يشترون البضاعة بأسعار عادية ثمّ يخزّنونها و يوزعونها فيما بعد على التجار – بكميّات صغيرة – و بأسعار عالية جدا.
و رغم تدخّل وزارة التجارة من أجل إعادة التوازن إلى مسالك التوزيع و ضبط الأسعار على وجه الخصوص فإنه يتم تسجيل حالات تجاوز كثيرة و احتكار لعديد المواد الأساسية مثل البصل و الزيت المنزلي في هذه الأيام، و لعلّ هذه التجاوزات تجد تفسيرا لها في النصوص القانونية التي يتمّ تطبيقها حاليا، حيث أن القانون و وفق كثير من الآراء، و من ضمنها رأي الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، لا يرتقي إلى فداحة الجرائم التي يقوم بها المحتكرون.
فقد نص القانون عدد 36 لسنة 2015 المؤرخ في 15 سبتمبر 2015 المتعلق بإعادة تنظيم المنافسة والأسعار في الفصل 49 على أنه “يعاقب بالسجن من شهر إلى عام وبخطية من 1000 دينار إلى 100.000 دينار أو بإحدى العقوبتين كل من رفّع أو خفّض بصفة وهمية أو حاول ذلك في سعر بيع منتوج أو خدمات باستعمال أية وسيلة كانت أو قام بمزايدات قصد التأثير على المستوى الطبيعي للأسعار، و ينطبق هذا على كل من مسك مخزونات لغرض بيعها أو المضاربة فيها دون أن تتوفر فيه شروط ممارسة التجارة المنصوص عليها بالتشريع الجاري به العمل”.
إنّ ارتفاع حالات المضاربة و الاحتكار هو انعكاس لوجود منظومة فساد كاملة وجب تفكيكها، و أول خطوة يجب على الحكومة القيام بها لإيقاف المحتكرين عند حدّهم هي تنقيح القانون المتعلق بإعادة تنظيم المنافسة و الأسعار و الذي يزجر الاحتكار و خاصة الفصلين 49 و50، فالعقوبات التي يسلطها القانون التونسي على المحتكرين هي عقوبات بسيطة و لا تتلاءم مع حجم الجريمة التي يقومون بها … إضافة طبعا لتدعيم الرقابة على الأعوان خوفا من انتشار مظاهر المعاملات المسترابة بينهم و بين المحتكرين.
و من المعروف أنّه في كل أزمة يظهر أثرياء جدد يستغلون الوضع إمّا بالتحيل على القانون أو باستغلال الثغرات القانونية و الظرفية الاجتماعية و ضعف الرقابة على بعض القطاعات للإستثمار فيها … و قد مثلت الحرب على فيروس كورونا و حالة الهلع التي تنتاب التونسيين مناخا ملائما لتجار الأزمات و خصوصا بارونات توزيع السلع، لاستغلال تنفذهم في أجهزة الدولة. فهل سيوجّه الرئيس قيس سعيّد “منصات قنابله” لمثل هؤلاء المجرمين أم أنّ “قنابله” ستكون من نوع “البَنّي بَنّي” ؟؟