جور نار
أحلام تربوية لا يكلّف ترميمها شيئا
نشرت
قبل سنتينفي
من قبل
منصف الخميري Moncef Khemiriأعتقد جازما أن كُلفة جميع الندوات والملتقيات واللقاءات والمؤتمرات والفعاليات والموائد المستديرة والورشات والمسامرات والمحاضرات والبحوث والدراسات التي كانت يافطتتها الرئيسية “إصلاح المنظومة التربوية التونسية”… والتي دفعناها من اللحمة الحيّة على امتداد عقود كانت تكفي وحدها لتشييد المخابر وبناء القاعات وانتداب المختصّين في المجالات المختلفة والارتقاء بمستوى الرفاه البيداغوجي وأداء مدرستنا عموما.
ولكن الإفراط في التنظير حول الفكرة يقتل الفكرة ويُدميها أحيانا.
هذا لا يعني بطبيعة الحال أن التأصيل النظري والتفصيل المفاهيمي والتحديد الفلسفي واستدعاء المقاربات … لا قيمة له خاصة عندما يتعلق الأمر ببناء البرامج وتحديد المرجعيات … وإنما هناك جملة من مواطن الخلل والإنهاك المُتّفق حول تشخيصها وكذلك بالنسبة إلى المعالجات الكفيلة بتجاوزها ودكّ أركانها. مع التأكيد على أن عددا كبيرا من الحلول لا يتطلب أكثر من بعض القدرة على “مغادرة مُربّعات التخطيط البيروقراطي” والقطع مع “عقلية المْساسية الدولية والبحث عن الاعتمادات اللازمة لتمويل المشاريع الغائمة، من قبيل “إرساء الجودة” و “دعم اللامركزية” و “اعتماد المنهاج” … إلى غير ذلك من عناوين البرْكة (بدون إشباع حرف الباء) وقلّة الحرْكة.
وهذه عيّنة تلقائية من الإجراءات الفورية المقدور عليها تماما والتي من شأنها أن تعطي نتائج ميدانية مؤكدة في ظرف زمني وجيز :
وحدات للطاقة الشمسيّة بكل المؤسسات التربوية (حوالي 6000 مؤسسة في الابتدائي والإعدادي والثانوي)
يؤكد غيوم فوند الطبيب النفساني الفرنسي المعروف أنه “أصبح من الثابت لدينا علميا أن الحالات المناخية القصوى حرّا وبردا تؤثّر على الحالة الذهنية العامة للفرد وتقوّي من منسوب العدوانية والاندفاعية لديه”. بما يعني أن المناخات الدراسية في ربوعنا والحالة الذهنية لدى أطفالنا تتأثر بشكل مباشر بالبرد الضّاري شتاءً والحرّ الشديد ربيعا وصيفا.
إن تدفئة قاعات دروسنا خاصة في المناطق الجبليّة وتكييفها خاصة في جهات الوسط والجنوب يُمكّن ـ علاوة على تليين الطباع وإتاحة مناخ يطيب فيه التعلم والتعليم ـ من ربح وقت ثمين أقدّره شخصيا بشهر دراسي إضافي على الأقل أو أكثر لأن تلاميذنا عادة ما يغادرون مدارسهم أو معاهدهم منذ نهاية شهر أفريل لضُعف دافعيّتهم نعم ولكن أيضا بسبب الظروف القاسية داخل قاعات مكتظة تتقلص فيها كميات الأوكسيجين بشكل يُعيق المتعلم في تحفّزه والمعلّم في قدرته على الرّكض وراء استكمال البرنامج وإعداد جمهوره لخوض غمار الاستحقاقات الدراسية اللاحقة.
هناك حسب تقديري ثلاثة اعتبارات أساسية تُشجّع على تحقيق هذه القفزة الشمسية الواعدة :
أولا : تحت تأثير الضغوط الفعالة التي يمارسها المجتمع المدني الدولي على أصحاب القرار السياسي والانهيارات المناخية الكبرى التي يشهدها العالم اليوم، تطورت خلال السنوات الأخيرة وبشكل لافت التكنولوجيا المستخدمة في إنتاج الطاقات البديلة، وجامعتنا التونسية ليست ببعيدة عن هذه الهندسة الحديثة، فلنا مراكز ومخابر بحث ومؤسسات جامعية متخصصة في تكنولوجيات البيئة التي أصبحت لها تجربة بفضل خبرة مدرّسيها وباحثيها، يمكن أن تساهم بشكل فعال في تخريج الكفاءات والتقنيين والفنيين ـ تصورا وتصنيعا وتركيبا وتعهدا ـ بالشكل الذي يعفينا من اللجوء إلى استقدام كفاءات أجنبية… بل ويمكن أن يجعل من تونس مصدّرا كبيرا في المجال أمام حاجة الغرب الكبيرة إلى الطاقة والاستفادة من 300 يوم مشمس في السنة بالنظر إلى الموقع الجغرافي للبلاد التونسية.
ثانيا : وجود عديد الأطراف الأوروبية التي يمكن أن نبني معها شراكات حقيقيّة عادلة يتمّ بموجبها تكفّل الطرف الأجنبي بتوفير الألواح والمعدّات المختلفة وتتكفّل بلادنا بتوفير الخبرات واليد العاملة وتزويد البلد الشريك بالطاقة مجانا لمدّة تُضبط في ضوء تقدير حجم المساهمة لكل طرف.
ثالثا : إمكانية توظيف هذه الفضاءات المكيّفة مجانا خلال فصل الصيف لاحتضان أطفال وشباب متروكين لحالهم لمدة طويلة تزيد عن ثلاثة، اشهر دون المشاركة في أي نشاط ذي علاقة بالمعرفة والعلم والذّهن عموما … بما يجعلهم مهدّدين جديّا بالانحدار إلى الأميّة. كأن تحتضن هذه الفضاءات أنشطة حرّة ومسلّية ومُضيفة في المسرح والفنون والتعبير والتواصل والتدريب على وسائل الإعلام والمطالعة والثقافة العامة وورشات للكتابة والرسم والسيراميك وصنع الأكسسوارات والغناء الجماعي…. وغيرها من الأنشطة الدّاعمة لتكوين الأطفال والترفيه عليهم في آن.
ويظل الحلم التربوي قائما بأن نسمع يوما خبرا رئيسيا في نشرة الثامنة مساءً مفاده أن وزارة التربية تُعلن انطلاق أشغال تجهيز جميع المؤسسات التربوية التونسية بالطاقة الشمسية وذلك على امتداد ثلاث سنوات !!! وسيتمّ الانطلاق من مدرسة أولاد بركة بفوسانة بالقصرين والمدرسة الابتدائية “المناخ” بفرنانة من ولاية جندوبة.
هذا واحد من الإجراءات غير المُكلفة التي من الممكن جدا أن تنفّذها وزارة التربية ويكون لها انعكاس مؤكّد على الاحتباس البيداغوجي في مدارسنا العمومية المتهرّمة.
لكنّه إجراء قابل لأن يتمّ استبداله بإجراءات كثيرة أخرى في نفس مستوى الكُلفة الزهيدة ونفس القيمة البيداغوجية المُضافة وضمان عدم اعتراض أيّ كان (من أصحاب العقول السويّة على الأقل) عليها باعتبار جدواها الثابتة وفاعليّتها المؤكّدة. ولِم لا وضع تصوّر لحِزمة متكاملة من الإجراءات الفورية المتزامنة التي تنهض بمدرستنا وتجعل منها فضاءات حاضنة ووِجهات فاتنة تُقبل عليها الناشئة في غِبطة وتهلّل وابتهاج… مثل :
بعث قاعات متعددة الاختصاصات في كل المؤسسات التربوية يتمّ اللجوء إليها لتنظيم كل الأنشطة الموازية وتتحوّل حينا إلى قاعة للمراجعة حتى لا يظل تلميذ واحد خارج أسوار المدرسة، وحينا آخر إلى مخابر صغيرة في الإعلامية وتطبيقاتها والملتميديا والروبوتيك والإلكترونيك (يُذكر في هذا الخصوص أن تجربة “ضع اليد في العجين” التي أسّسها جورج شارباك صاحب جائزة نوبل للفيزياء في 1992 المتمثلة في تشريك طلبة الأقسام العلمية والهندسية الجامعية في تحسيس الأطفال واليافعين بأهمية العلوم ودفعهم للانخراط فيها ومعايشة إشكاليات العلوم والتجريب والبحث العلمي… كانت تجربة ناجحة جدا إذ شارك فيها سنة 2013 ما لا يقلّ عن 18 من كبريات مدارس المهندسين و1300 طالب و30 جامعة لفائدة 1200 قسم من الابتدائي…في نوع من التدريب العلمي المبسّط).
أو
بعث دار ضيافة بمواصفات سياحية دنيا في كل ولاية تستقبل المتطوّعين من بين آلاف الكفاءات التونسية في المخابر والجامعات العالمية في المهجر، في عشرات اختصاصات العلوم التكنولوجية والعلوم الانسانية لتقديم محاضرات وتنشيط ورشات وتقاسم تجاربهم وبثّ روح المبادرة والبحث والتحصيل …. وهم لا يطلبون في العادة أكثر من تأمين نقلهم وإقامتهم وإعاشتهم في ظروف لائقة… لكونهم يعودون بشكل طبيعي ومنتظم إلى عائلاتهم عديد المرات في السنة ويكفي برمجة تدخلاتهم خلال فترة كافية قبل مجيئهم.
أو
إقرار جوائز تحفيزية حقيقية لفائدة الأساتذة والمتفقدين في المواد التي بات من المؤكد أنها هي التي تُعيق تقدّم عدد كبير من التلاميذ في السلم الدراسي وهي بصورة أساسية الرياضيات واللغات، في الجهات التي تحقّق نتائج أدنى من المعدّل الوطني للنجاح في الباكالوريا …وذلك كلّما وُضعت برامج وخطط ميدانية تؤدّي إلى تحسّن فعلي في النتائج…في سياق خطّة وطنية جديّة توضع للغرض.
…وسيظلّ الحلم قائما مهما ادلهمّ ظلامنا ولم نعد نرى أملا.
تصفح أيضا
جور نار
العراق: هل يستبق الأخطار المحدقة، أم سيكتفي بتحديد الإخلالات؟
نشرت
قبل 3 أيامفي
22 نوفمبر 2024محمد الزمزاري:
ستنطلق الحكومة العراقية في تعداد السكان خلال هذه الأيام والذي سيأخذ مدى زمنيا طويلا وربما. تعطيلات ميدانية على مستوى الخارطة. العراقية.
ويعد هذا التعداد السكاني مهمّا ومتأخرا كثيرا عن الموعد الدوري لمثل هذه الإحصائيات بالنسبة لكل بلد… فالعراق لم يقم بتحيين عدد سكانه منذ ما يزيد عن ربع قرن، إذ عرف آخر تعداد له سنة 1997… ونظرا إلى عوامل عدة، فإن قرار القيام بهذا التعداد سيتجنب اي تلميح للانتماءات العرقية أو المذهبية عدا السؤال عن الديانة ان كانت إسلامية او مسيحية… وقد أكد رئيس الحكومة العراقية أن التعداد السكاني يهدف إلى تحديد أوضاع مواطني العراق قصد رصد الاخلالات و تحسين الخدمات وايضا لدعم العدالة الاجتماعية.
لعل اول مشكلة حادة تقف في وجه هذا التعداد العام، هو رفض الجانب الكردي الذي يضمر أهدافا و يسعى إلى التعتيم على أوضاع السكان في كردستان و في المنطقة المتنازع عليها بين العرب والأكراد و التركمان… خاصة أيضا ان اكثر من ثمانية أحياء عربية في أربيل المتنازع عليها، قد تم اخلاؤها من ساكنيها العرب وإحلال الأكراد مكانهم…
هذا من ناحية… لكن الأخطر من هذا والذي تعرفه الحكومة العراقية دون شك أن الإقليم الكردي منذ نشاته و”استقلاله” الذاتي يرتبط بتعاون وثيق مع الكيان الصهيوني الذي سعى دوما إلى تركيز موطئ قدم راسخ في الإقليم في إطار خططه الاستراتيجية.. وان مسؤولي الإقليم الكردي يسمحون للصهاينة باقتناء عديد الأراضي و المزارع على شاكلة المستعمرات بفلسطين المحتلة… وان قواعد الموساد المركزة بالاقليم منذ عشرات السنين ليست لاستنشاق نسيم نهر الفرات ! ..
أمام الحكومة العراقية إذن عدد من العراقيل والاولويات الوطنية والاستشرافية لحماية العراق. و قد تسلط عملية التعداد السكاني مثلما إشار إليه رئيس الحكومة العراقية الضوء على النقائص التي تتطلب الإصلاح و التعديل والحد من توسعها قبل أن يندم العراق ويلعنوا زمن الارتخاء وترك الحبل على الغارب ليرتع الصهاينة في جزء هام من بلاد الرافدين.
عبد الكريم قطاطة:
فترة التسعينات كانت حبلى بالاحداث والتغييرات في مسيرتي المهنية منها المنتظر والمبرمج له ومنها غير المنتظر بتاتا …
وانا قلت ومازلت مؤمنا بما قلته… انا راض بأقداري… بحلوها وبمرّها… ولو عادت عجلة الزمن لفعلت كلّ ما فعلته بما في ذلك حماقاتي واخطائي… لانني تعلمت في القليل الذي تعلمته، انّ الانسان من جهة هو ابن بيئته والبيئة ومهما بلغت درجة وعينا تؤثّر على سلوكياتنا… ومن جهة اخرى وحده الذي لا يعمل لا يخطئ… للتذكير… اعيد القول انّه وبعد ما فعله سحر المصدح فيّ واخذني من دنيا العمل التلفزي وهو مجال تكويني الاكاديمي، لم انس يوما انّني لابدّ ان اعود يوما ما الى اختصاصي الاصلي وهو العمل في التلفزيون سواء كمخرج او كمنتج او كلاهما معا… وحددت لذلك انقضاء عشر سنوات اولى مع المصدح ثمّ الانكباب على دنيا التلفزيون بعدها ولمدّة عشر سنوات، ثمّ اختتام ما تبقّى من عمري في ارقى احلامي وهو الاخراج السينمائي…
وعند بلوغ السنة العاشرة من حياتي كمنشط اذاعي حلّت سنة 1990 لتدفعني للولوج عمليا في عشريّة العمل التلفزي… ولانني احد ضحايا سحر المصدح لم استطع القطع مع هذا الكائن الغريب والجميل الذي سكنني بكلّ هوس… الم اقل آلاف المرات انّ للعشق جنونه الجميل ؟؟ ارتايت وقتها ان اترك حبل الوصل مع المصدح قائما ولكن بشكل مختلف تماما عما كنت عليه ..ارتايت ان يكون وجودي امام المصدح بمعدّل مرّة في الاسبوع ..بل وذهبت بنرجسيتي المعهودة الى اختيار توقيت لم اعتد عليه بتاتا ..نعم اخترت الفضاء في سهرة اسبوعية تحمل عنوان (اصدقاء الليل) من التاسعة ليلا الى منتصف الليل …هل فهمتم لماذا وصفت ذلك الاختيار بالنرجسي ؟؟ ها انا افسّر ..
قبل سنة تسعين عملت في فترتين: البداية كانت فترة الظهيرة من العاشرة صباحا حتى منتصف النهار (والتي كانت وفي الاذاعات الثلاث قبل مجيئي فترة خاصة ببرامج الاهداءات الغنائية)… عندما اقتحمت تلك الفترة كنت مدركا انيّ مقدم على حقل ترابه خصب ولكنّ محصوله بائس ومتخلّف ..لذلك اقدمت على الزرع فيه … وكان الحصاد غير متوقع تماما ..وتبعتني الاذاعة الوطنية واذاعة المنستير وقامت بتغييرات جذرية هي ايضا في برامجها في فترة الضحى .. بل واصبح التنافس عليها شديدا بين المنشطين ..كيف لا وقد اصبحت فترة الضحى فترة ذروة في الاستماع … بعد تلك الفترة عملت ايضا لمدة في فترة المساء ضمن برنامج مساء السبت … ولم يفقد انتاجي توهجه ..وعادت نفس اغنية البعض والتي قالوا فيها (طبيعي برنامجو ينجح تي حتى هو واخذ اعزّ فترة متاع بثّ) …
لذلك وعندما فكّرت في توجيه اهتمامي لدنيا التلفزيون فكرت في اختيار فترة السهرة لضرب عصفورين بحجر واحد… الاول الاهتمام بما ساحاول انتاجه تلفزيا كامل ايام الاسبوع وان اخصص يوما واحدا لسحر المصدح ..ومن جهة اخرى وبشيء مرة اخرى من النرجسية والتحدّي، اردت ان اثبت للمناوئين انّ المنشّط هو من يقدر على خلق الفترة وليست الفترة هي القادرة على خلق المنشط ..وانطلقت في تجربتي مع هذا البرنامج الاسبوعي الليلي وجاءت استفتاءات (البيان) في خاتمة 1990 لتبوئه و منشطه المكانة الاولى في برامج اذاعة صفاقس .. انا اؤكّد اني هنا اوثّق وليس افتخارا …
وفي نفس السياق تقريبا وعندما احدثت مؤسسة الاذاعة برنامج (فجر حتى مطلع الفجر) وهو الذي ينطلق يوميا من منتصف الليل حتى الخامسة صباحا، و يتداول عليه منشطون من الاذاعات الثلاث… طبعا بقسمة غير عادلة بينها يوم لاذاعة صفاقس ويوم لاذاعة المنستير وبقية الايام لمنشطي الاذاعة الوطنية (اي نعم العدل يمشي على كرعيه) لا علينا … سررت باختياري كمنشط ليوم صفاقس ..اولا لانّي ساقارع العديد من الزملاء دون خوف بل بكلّ ثقة ونرجسية وغرور… وثانيا للتاكيد مرة اخرى انّ المنشط هو من يصنع الفترة ..والحمد لله ربحت الرهان وبشهادة اقلام بعض الزملاء في الصحافة المكتوبة (لطفي العماري في جريدة الاعلان كان واحدا منهم لكنّ الشهادة الاهمّ هي التي جاءتني من الزميل الكبير سي الحبيب اللمسي رحمه الله الزميل الذي يعمل في غرفة الهاتف بمؤسسة الاذاعة والتلفزة) …
سي الحبيب كان يكلمني هاتفيا بعد كل حصة انشطها ليقول لي ما معناه (انا نعرفك مركّب افلام باهي وقت كنت تخدم في التلفزة اما ما عرفتك منشط باهي كان في فجر حتى مطلع الفجر .. اما راك اتعبتني بالتليفونات متاع المستمعين متاعك، اما مايسالش تعرفني نحبك توة زدت حبيتك ربي يعينك يا ولد) … في بداية التسعينات ايضا وبعد انهاء اشرافي على “اذاعة الشباب” باذاعة صفاقس وكما كان متفقا عليه، فكرت ايضا في اختيار بعض العناصر الشابة من اذاعة الشباب لاوليها مزيدا من العناية والتاطير حتى تاخذ المشعل يوما ما… اطلقت عليها اسم مجموعة شمس، واوليت عناصرها عناية خاصة والحمد لله انّ جلّهم نجحوا فيما بعد في هذا الاختصاص واصبحوا منشطين متميّزين… بل تالّق البعض منهم وطنيا ليتقلّد عديد المناصب الاعلامية الهامة… احد هؤلاء زميلي واخي الاصغر عماد قطاطة (رغم انه لا قرابة عائلية بيننا)…
عماد يوم بعث لي رسالة كمستمع لبرامجي تنسمت فيه من خلال صياغة الرسالة انه يمكن ان يكون منشطا …دعوته الى مكتبي فوجدته شعلة من النشاط والحيوية والروح المرحة ..كان انذاك في سنة الباكالوريا فعرضت عليه ان يقوم بتجربة بعض الريبورتاجات في برامجي .. قبل بفرح طفولي كبير لكن اشترطت عليه انو يولي الاولوية القصوى لدراسته … وعدني بذلك وسالته سؤالا يومها قائلا ماذا تريد ان تدرس بعد الباكالوريا، قال دون تفكير اريد ان ادرس بكلية الاداب مادة العربية وحلمي ان اصبح يوما استاذ عربية ..ضحكت ضحكة خبيثة وقلت له (تي هات انجح وبعد يعمل الله)… وواصلت تاطيره وتكوينه في العمل الاذاعي ونجح في الباكالوريا ويوم ان اختار دراسته العليا جاءني ليقول وبكلّ سعادة …لقد اخترت معهد الصحافة وعلوم الاخبار… اعدت نفس الضحكة الخبيثة وقلت له (حتّى تقللي يخخي؟) واجاب بحضور بديهته: (تقول انت شميتني جايها جايها ؟؟)… هنأته وقلت له انا على ذمتك متى دعتك الحاجة لي ..
وانطلق عماد في دراسته واعنته مع زملائي في الاذاعة الوطنية ليصبح منشطا فيها (طبعا ايمانا منّي بجدراته وكفاءته)… ثم استنجد هو بكلّ ما يملك من طاقات مهنية ليصبح واحدا من ابرز مقدمي شريط الانباء… ثم ليصل على مرتبة رئيس تحرير شريط الانباء بتونس 7 ..ويوما ما عندما فكّر البعض في اذاعة خاصة عُرضت على عماد رئاسة تحريرها وهو من اختار اسمها ..ولانّه لم ينس ماعاشه في مجموعة شمس التي اطرتها واشرفت عليها، لم ينس ان يسمّي هذه الاذاعة شمس اف ام … اي نعم .عماد قطاطة هو من كان وراء اسم شمس اف ام …
ثمة ناس وثمة ناس ..ثمة ناس ذهب وثمة ناس ماجاوش حتى نحاس ..ولانّي عبدالكريم ابن الكريم ..انا عاهدت نفسي ان اغفر للذهب والنحاس وحتى القصدير ..وارجو ايضا ان يغفر لي كل من اسأت اليه ..ولكن وربّ الوجود لم اقصد يوما الاساءة ..انه سوء تقدير فقط …
ـ يتبع ـ
عبد الكريم قطاطة:
المهمة الصحفية الثانية التي كلفتني بها جريدة الاعلان في نهاية الثمانينات تمثّلت في تغطية مشاركة النادي الصفاقسي في البطولة الافريقية للكرة الطائرة بالقاهرة …
وهنا لابدّ من الاشارة انها كانت المرّة الوحيدة التي حضرت فيها تظاهرة رياضية كان فيها السي اس اس طرفا خارج تونس .. نعم وُجّهت اليّ دعوات من الهيئات المديرة للسفر مع النادي وعلى حساب النادي ..لكن موقفي كان دائما الشكر والاعتذار ..واعتذاري لمثل تلك الدعوات سببه مبدئي جدا ..هاجسي انذاك تمثّل في خوفي من (اطعم الفم تستحي العين)… خفت على قلمي ومواقفي ان تدخل تحت خانة الصنصرة الذاتية… اذ عندما تكون ضيفا على احد قد تخجل من الكتابة حول اخطائه وعثراته… لهذا السبب وطيلة حياتي الاعلامية لم اكن ضيفا على ايّة هيئة في تنقلات النادي خارج تونس ..
في رحلتي للقاهرة لتغطية فعاليات مشاركة السي اس اس في تلك المسابقة الافريقية، لم يكن النادي في افضل حالاته… لكن ارتأت ادارة الاعلان ان تكلّفني بمهمّة التغطية حتى اكتب بعدها عن ملاحظاتي وانطباعاتي حول القاهرة في شكل مقالات صحفية… وكان ذلك… وهذه عينات مما شاهدته وسمعته وعشته في القاهرة. وهو ما ساوجزه في هذه الورقة…
اوّل ما استرعى انتباهي في القاهرة انّها مدينة لا تنام… وهي مدينة الضجيج الدائم… وما شدّ انتباهي ودهشتي منذ الساعة الاولى التي نزلت فيها لشوارعها ضجيج منبهات السيارات… نعم هواية سائقي السيارات وحتى الدراجات النارية والهوائية كانت بامتياز استخدام المنبهات… ثاني الملاحظات كانت نسبة التلوّث الكثيف… كنت والزملاء نخرج صباحا بملابس انيقة وتنتهي صلوحية اناقتها ونظافتها في اخر النهار…
اهتماماتي في القاهرة في تلك السفرة لم تكن موجّهة بالاساس لمشاركة السي اس اس في البطولة الافريقية للكرة الطائرة… كنا جميعا ندرك انّ مشاركته في تلك الدورة ستكون عادية… لذلك وجهت اشرعة اهتمامي للجانب الاجتماعي والجانب الفنّي دون نسيان زيارة معالم مصر الكبيرة… اذ كيف لي ان ازور القاهرة دون زيارة خان الخليلي والسيدة زينب وسيدنا الحسين والاهرام… اثناء وجودي بالقاهرة اغتنمت الفرصة لاحاور بعض الفنانين بقديمهم وجديدهم… وكان اوّل اتصال لي بالكبير موسيقار الاجيال محمد عبد الوهاب رحمه الله… هاتفته ورجوت منه امكانية تسجيل حوار معه فاجابني بصوته الخشن والناعم في ذات الوقت معتذرا بسبب حالته الصحية التي ليست على ما يرام…
لكن في مقابل ذلك التقيت بالكبير محمد الموجي بمنزله وقمت بتسجيل حوار معه ..كان الموجي رحمه الله غاية في التواضع والبساطة… لكن ما طُبع في ذهني نظرته العميقة وهو يستمع اليك مدخّنا سيجارته بنهم كبير… نظرة اكاد اصفها بالرهيبة… رهبة الرجل مسكونا بالفنّ كما جاء في اغنية رسالة من تحت الماء التي لحنها للعندليب… نظرة المفتون بالفن من راسه حتى قدميه…
في تلك الفترة من اواخر الثمانينات كانت هنالك مجموعة من الاصوات الشابة التي بدات تشق طريقها في عالم الغناء ..ولم اترك الفرصة تمرّ دون ان انزل ضيفا عليهم واسجّل لهم حوارات… هنا اذكر بانّ كلّ التسجيلات وقع بثها في برامجي باذاعة صفاقس… من ضمن تلك الاصوات الشابة كان لي لقاءات مع محمد فؤاد، حميد الشاعري وعلاء عبدالخالق… المفاجأة السارة كانت مع لطيفة العرفاوي… في البداية وقبل سفرة القاهرة لابدّ من التذكير بانّ لطيفة كانت احدى مستمعاتي… وعند ظهورها قمت بواجبي لتشجيعها وهي تؤدّي انذاك وباناقة اغنية صليحة (يا لايمي عالزين)…
عندما سمعت لطيفة بوجودي في القاهرة تنقلت لحيّ العجوزة حيث اقطن ودعتني مع بعض الزملاء للغداء ببيتها… وكان ذلك… ولم تكتف بذلك بل سالت عن احوالنا المادية ورجتنا ان نتصل بها متى احتجنا لدعم مادي… شكرا يا بنت بلادي على هذه الحركة…
اختم بالقول قل ما شئت عن القاهرة.. لكنها تبقى من اعظم واجمل عواصم الدنيا… القاهرة تختزل عبق تاريخ كلّ الشعوب التي مرّت على اديمها… نعم انها قاهرة المعزّ…
ـ يتبع ـ
القدس… بلدية الاحتلال توزع قرارات هدم في سلوان
حسب صحيف أمريكية… شتائم واعتداءات جسدية بين أعضاء فريق ترامب
في سهرة البارحة… الصين تفتتح أيام قرطاج المسرحية
السيد معتمد سليمان… ما هكذا تساق الجرارات!!
حدث في رزق البيليك… المرجان الأحمر ينزف دما
استطلاع
صن نار
- صن نارقبل 10 ساعات
القدس… بلدية الاحتلال توزع قرارات هدم في سلوان
- صن نارقبل 10 ساعات
حسب صحيف أمريكية… شتائم واعتداءات جسدية بين أعضاء فريق ترامب
- ثقافياقبل 11 ساعة
في سهرة البارحة… الصين تفتتح أيام قرطاج المسرحية
- فُرن نارقبل 19 ساعة
السيد معتمد سليمان… ما هكذا تساق الجرارات!!
- منبـ ... نارقبل يومين
حدث في رزق البيليك… المرجان الأحمر ينزف دما
- ثقافياقبل يومين
سليانة: غدا… أدب الطفل في ملتقى عبد القادر الهاني
- اقتصادياقبل يومين
اختتام الدورة الثامنة لمنتدى المؤسسات Enicarthage
- اقتصادياقبل يومين
تونس: مؤتمر وطني حول ريادة الأعمال النسائية