طول عمري و أنا أبحث عن أصل بعض الكلمات في لهجتنا و منها مثلا كلمة “ساسي” أي متسوّل، و ما اشتققناه منها سواء في شكل فعل (ساسَى، يساسي) أو مصدر (مساسْيَة أو تساسية) أو اسم علَم يدل على الأفراد (ساسي و ساسيّة) أو يدلّ على الجماعات و أماكن إقامتها (أولاد ساسي، أو السواسي) … مع العلم بأن أسماء العلم هنا قد تعود إما إلى التسمّي على الأولياء الصالحين و فيهم من عاش فقيرا، أو إلى عادة العرب في تسمية مواليدهم بألفاظ غير محبّبة، لاعتقادهم بأنها تطرد الشرور عنهم كما في صخر و حجر و مُرّة و العيفة (في ريفنا التونسي) و معيوفة إلخ …
و ها أن شيخنا بديع همذان يجيب فضولنا في هذه الناحية، إذ ينسب حرفة التسول و التخصص فيها و التفنن في ذلك ـ كما سنرى في النص ـ إلى أهل فارس أصحاب الآمبراطورية الساسانية، الغنية القوية في زمن ما ! … و لعل مما يثير الانتباه أن الهمذاني الفارسي المولد كما نعلم، يمارس إما الشعوبية العربية ضد الجيران الفرس، كما للفرس شعوبيتهم ضد العرب … و إما كان يستعمل ما نسميه الآن بالسخرية من الذات كواحدة من أعلى درجات السخرية النقدية في الأدب و الفن … و في كل الأحوال، يظلّ منشئ المقامات في نظري واحدا من ثلاثة أمراء مؤسسين للنثر العربي و كبار أساتذته على مرّ العصور … بعد الجاحظ طبعا و ابن المقفّع.