جور نار

أعطني “قرطلّتي” … أطلق يديّا (2)

نشرت

في

إذن درج ساسة المدينة على التقرّب من سكان أريافنا عبر وعود بمنجزاتٍ أغلبها لا يوجد حتى في المدن … و هذا يذكّرنا ببعض خرّيجي كلياتنا ممن يرفضون العمل داخل الجمهورية، بتعلة أنه لا توجد هناك مسارح و لا صالات سينما … و الحال أن كافة مدننا الكبرى اختفى منها تقريبا هذان المرفقان، وحتى إن وُجدا فهل في موظفينا من هو مغرم بالثقافة أصلا؟؟

<strong>عبد القادر المقري<strong>

هناك سوء تفاهم ضخم بين النخب و الواقع حول معنى التنمية في مناطق البلاد المتعددة … فالتشغيل مثلا مشكلة مدن لا مشكلة أرياف … مبدئيا، الريف لا يعرف البطالة لأنه فضاء للفلاحين، و الفلاحة شغل دائم لا عطالة فيه و لا عطلة … أنت ريفي فأنت فلاّح و صيّاد و حطّاب توفّر زادك و معظم حاجات يومك دون مدّ يدك لأحد … و أنت ريفي يعني أنك لا تشتغل عند الغير مقابل مرتب شهري، بل أنت سيد نفسك و رئيسها و دافع أجرتها … و يعني أيضا أنك مستغن بصفة كبيرة عن الدولة و برامجها، بل لم يعان ريفنا طوال تاريخه إلا من تدخّل الدولة … من جباية ضرائبها في العهد الحسيني، إلى تجنيد الأبناء قسرا في الزمن الاستعماري، إلى فأر تجارب الدولة المستقلة التي كانت كلها وبالا على الجزء الأخضر من بلادنا و متساكنيه …

مشكلة الريف برأيي ليست في عدم تجهيز رؤوس الجبال بقاعة أوبرا أو بمقر حزب أو حتى بمرافق الماء والكهرباء و الطرقات المعبدة إلخ … و ها أني أقولها: تمدين الريف قتل له و تشريد لمن هم فيه، و قبل ذلك القضاء على أهمّ ما يميزه و هو الحرية، الاستقلالية، الانفراد بالطبيعة و التعامل المتقلّب معها صراعا وصحبة و تحدّيا و وئاما …

الريف ليس غيابا للمدنية، بل شكل آخر من أشكالها … أما مواطنوه فلا أدري لماذا يُنعتون بالمنسيين ونحوّلهم في طرفة عين إلى أهل مسكنة و مذلّة و مجلبة للرثاء … بل ليتهم كانوا منسيين فعلا، فلا أحد يفتكّ منهم أراضيهم، و لا أحد يغريهم بالقروض البنكية، و لا أحد يعوّدهم على أسمدة مصنّعة و مستوردة، و لا أحد يفرض عليهم إجراءات إدارية في طول شهر الصوم، و لا أحد يسلّط عليهم سيف الدولة عند كل حركة، ولا أحد يرسل عليهم “خبراء” رأسمالهم شهادة من فرنسا و أمريكا، و لا أحد يغرقهم في تمط استهلاكي لا علاقة له بظروف عيشهم …

ـ يتبع ـ

انقر للتعليق

صن نار

Exit mobile version