في زحمة المرور … في زحام الطوابير … في قوائم طالبي الشغل … في منتظري السيارات الشعبية … في الساعين للحصول على مسكن … في اكتظاظات السوق عند ندرة ما … في استخدام شبكة الإنترنت التي تتعطل بانتظام لشدة الضغط …
و على غرارها شبكات الماء و الكهرباء خاصة مع تعميم المكيفات … في تشابه أسماء الصغار لدى تسجيل المواليد الجدد بعد أن طفنا بكافة أبطال المسلسلات بما فيها الأعجمية … أمثلة كثيرة تجعلك تخالنا مائة و عشرين مليونا لا اثني عشر فقط … لم يعد يطيق أحدنا الآخر و انسدّت كل أبواب التنافس الشريف فمررنا دون وجل إلى غير الشريف …
لا، لسنا مائة و عشرين مليونا و لا حتى عشرين فقط … و في المقابل، عندك مساحة بلاد (رغم ما يقوله الجهلة عن صغرها) أكبر من أوطان عديدة عربيا و غربيا … أما الضيق الذي نحكي عنه و نعيش فيه، فمردّه الأساس أن معظم سكاننا انحشروا في بضعة مرابع هي العاصمة و مدن الساحل الشرقي … تاركين بقية الولايات بلقعا لا يكاد يظهر فيه كائن حيّ، أي يمكن أن تسير مسافات و سهولا و وديانا و جبالا و أنت تسأل من في الدار؟ … و بأمّ عيني شاهدت قرى بكاملها لم تبق منها سوى أطلال منازل مهجورة و دكاكين مقفلة و أعقاب سطور هندي كانت تسوّر حوشا راح من فيه … و ما فيه …
أغبياؤنا الكثر يسارعون طبعا إلى تلك العبارة العنصرية “نزوح” و يقذفون بها في وجه بني وطنهم آمنين من أية ردة فعل … و يقيني أنه لو عاد إليهم ذلك في شكل صفعة لوح أو لكمة أو لطمة راشدية ـ بلهجة العراقيين ـ تنخلع لها الأضراس، لثاب إليهم رشدهم و ارتدعوا عن إخراج تلك القمامة من أفواههم … أما العقلاء النادرون فإنهم يفسرون ظاهرة اكتظاظ المدن و خلوّ الأرياف بسياسة دولة خادمة لدى الاقتصاد الأجنبي، تقفر لأجله الريف كي يستغلّه إقطاعات سمينة، و تحوّل لأجل عينيه نصف المتساكنين إلى يد عاملة رخيصة جدّا، أو على الأقل إلى جيش احتياطي للعمل …
لذلك تتصاعد أرقام التزايد السكاني في كل بقاع الدنيا إلا في مناطقنا الداخلية حيث يتناقص العدد من سنة إلى أخرى، بشكل يهددها بالانقراض …