جور نار

إلى وزارة التعليم العالي … الوصايا العَشْر، قبل انطلاق مناظرة التوجيه بشَهْر (1/2)

نشرت

في

الآن، وقد أُسدل الستار على أحد أكبر الاستحقاقات التربوية في بلادنا من حيث عدد العائلات المعنيّة بنتائجه ومن حيث كونه بوّابة مركزية ومعبرا أساسيا تمرّ منه أجيال بكاملها نحو دروب أوسع للعلم والمعرفة والحياة بصورة عامة… يحقّ لنا أن نتمنّى أفضل النتائج لأوسع طيف ممكن من المترشّحين (باعتبار الباكالوريا امتحانا وليست مناظرة كما يُروّج بعض الناس) ويتعيّن علينا في نفس الوقت أن نستبق ما ينتظر هؤلاء من مواعيد لاحقة وما يحف بها من قواعد وضوابط واشتراطات تضعها وزارة الاستقبال في سياق ما يُعرف بمناظرة التوجيه الجامعي.

<strong>منصف الخميري<strong>

وفي ضوء الهِنات والاخلالات التي تمّ تسجيلها خلال السنوات الماضية والتي تضرّر من تبعاتها عدد غير قليل من التلاميذ الناجحين في الباكالوريا، إرتأيت أن أستبق موعد 26 – 30 جويلية 2023 (وهي فترة تعمير بطاقات الاختيارات بالنسبة إلى الناجحات والناجحين هذه السنة) لأرفع جملة من النداءات والملاحظات إلى وزارة التعليم العالي قصد تصويب بعض الأخطاء التي حصلت في السابق، واعتماد أكبر قدر ممكن من الليونة بما ييسّر تحقيق أبنائنا لانتظاراتهم وكسب طموحاتهم… لأن القوانين والمقاييس توضع دائما لحسن سير المرفق المعني وضمان العدالة بين الناس وإتاحة كل فرص الامتلاء أمامهم.

وهذه وصاياي العشر:

أولا : حجب الدليل الورقي مظلمة لا تُغتفر وإجراء تقشّفي يساوي صفرا

كتاب في 221 صفحة مؤثث بآلاف المعطيات ومئات المؤسسات الجامعية وآلاف التخصّصات والرموز وكمّ هائل من التنبيهات والمحاذير والإحالات الهامة على الخدمات الجامعية والطب المدرسي والجامعي وإجراءات سحب التسجيل ومناظرات إعادة التوجيه الخ… توضع في رابط رقمي على موقع التوجيه الجامعي ويُطلب من الناجحين الجدد تصفّحها كلها على شاشة الهواتف الخاصة (قليلون جدا من يستعملون الحواسيب لتصفح دليل التوجيه الجامعي في نسخته الرقميّة) والقيام باختيارات حاسمة تأخذ بعين الاعتبار كل هذه الترسانة الضخمة من المعطيات.

المعضلة أن اتخاذ قرار يسعى صاحبه لأن يكون متوازنا ومتبصّرا وذا معقولية عالية، يتطلب تفكيرا ومقارنات وتقديرات وحسابات لا تحصل إلا من خلال مئات عمليات الذهاب والإياب بين صفحات الدليل… الشيء الذي لا يتيسّر إلا على الورق بوضع علامات وإشارات هنا وتسطير وتلوين هناك من أجل تشكيل رؤية مساعدة على وضع أسلم الاختيارات وترتيبها … في سياق نفسي يتّسم بالحيرة والارتباك والتوجّس. إن الدليل الورقي الذي لا يوزّع إلا على الناجحين في الباكالوريا لا يكلّف الدولة مصاريف باهظة (مقارنة بنفقات أخرى يستفيد منها الأفراد أكثر بكثير من المجموعة الوطنية) وقد سبق لي شخصيا أن اقترحت أن تُباع هذه الوثيقة المرجعية الهامة لمُستحقّيها بدينار واحد حتى تسترجع وزارة التعليم العالي مصاريف طبعها بالكامل خلال يوم واحد أو يومين !!!

ثانيا : لا تُعاقبوا الناجحين في دورة المراقبة بل أثنوا عليهم وعلى مجهوداتهم

إن مبدأ تيسير النجاح أمام المجتازين لدورة المراقبة الذي تعتمده وزارة التربية من خلال احتساب أفضل العدديْن المتحصل عليهما بين الدورة الرئيسية ودورة التدارك، يجد صدّا في وزارة التعليم العالي معتبرة أن “المؤجّلين” لا يستحقون أن يكونوا “مبجّلين” في النجاح وكذلك في التوجيه… فتعتمد صيغة حسابية “ماكرة”  تُعيق تلميذ المراقبة مهما بلغت درجة اجتهاده ومهما علت أعداده المتحصل عليها، وتتمثل في احتساب معدل الرئيسية ضارب 2 ومعدل المراقبة ضارب 1 مع قسمتهما على 3 وذلك بالنسبة إلى المعدل العام ومعدلات المواد أيضا لتنزل المعدلات المترشح بها وُجوبا. فماذا لو تخلّت وزارة التعليم العالي عن هذا المنطق التمييزي السلبي واعتمدت المعدلات النهائية المُحتسبة لتلميذ الباكالوريا كما ترد عليها من وزارة التربية ؟ أيُنقص ذلك شيئا من قيمة الناجحين في الدورة الرئيسية ؟

ثالثا : التنفيل الجغرافي لم يعد ثمة ما يبرره بل هو مصدر مظالم في حق أبناء التونسيين

هذه الآلية المتمثلة في تنفيل المترشحين للتوجيه الجامعي بنسبة زائدة في مجموع نقاطهم تُقدّر بــ 7% كلّما طلبوا شعبة هي الأقرب إلى مقر سكناهم وكان لها مثيل في جهات أبعد جغرافيا… كان لها ما يبرّرها نسبيا عندما اشتد الضغط على الأقطاب الجامعية الكبرى وخاصة على مستوى خدمات الإقامة والإعاشة. أما اليوم، وقد انفجرت الخارطة الجامعية بشكل غير مسبوق وتعاظمت نزعة شريحة واسعة من الطلبة نحو اكتراء الشقق الخاصة وبرزت اختلالات كبرى على مستوى جودة التكوين بين مؤسسات “الداخل” والمؤسسات المتواجدة بالمدن الكبرى (لاعتبارات موضوعية ليس هذا سياق التداول بشأنها)… فقد بات الاستمرار في اعتماد مبدأ التنفيل الجغرافي من قبيل الظلم وانتفاء مبدأ المساواة. ويتجلى هذا الحيف في تمتيع تلاميذ المدن الكبرى”الأكثر حظا أصلا” بتنفيل يقوّي حظوظهم في الحصول على شُعب مرموقة على حساب من لا يتمتع بذلك الامتياز… وإذا كانت وزارة التعليم العالي تخلّت عن هذه الآلية بالنسبة إلى شعب الطب والأقسام التحضيرية للدراسات الهندسية والإجازة في التربية والتعليم من أجل تحقيق أكبر قدر ممكن من الإنصاف وتكافؤ الفرص بين جميع الناجحين في الباكالوريا… فما الذي يمنعها من تعميم هذا “الإصلاح” على سائر الشعب الأخرى بعد أن اتضح عدم جدواها ؟؟؟

رابعا : إعادة التوجيه (14 – 17 أوت 2023) على قاعدة مجموع آخر موجّه في الدورة الرئيسية حقّ ثابت ومقدّس لا يجوز المساس به. 

من البديهي أن التلميذ الناجح في الباكالوريا يختار توجيهه بناءً على مؤشرات تقريبية تخص السنوات السابقة لأن “المستويات الحقيقية لمجموع النقاط” بالنسبة إلى دورة 2023 لا تتحدّد إلا أثناء تنافس المترشحين في جويلية 2023… وعليه، فإنه من الطبيعي تماما أن يُقْدِم الطالب الجديد على محاولة تعديل اختياراته في ضوء المؤشرات الحقيقية الجديدة من خلال المشاركة في الدورة المخصصة لإعادة التوجيه (وهنا لا أتحدث عن مطالب النقلة أو الملفات الاجتماعية والطبية). وكلما كان مجموعه يساوي أو يفوق مجموع آخر موجّه إلى شعبة معينة، يُمتّع آليا بالحصول على تلك الشعبة المرغوب فيها كما كان يحصل على مرّ عشرات السنين. وإن التذرّع بالإخلالات التي قد تحصل في طاقة استيعاب بعض الشعب لا يستقيم لأنه جرت العادة أنه بالنسبة إلى هذه الفئة بالذات يكون عدد طالبي الخروج هو نفسه تقريبا مقارنة بعدد طالبي الالتحاق… دون الدّوس مطلقا على شرط توفّر مجموع النقاط.

 خامسا :  توزيع الطلبة الجدد بشكل جُزافي خلال الدورة النهائية مجرّد هروب من المسؤولية

هناك سنويا بعض الآلاف من التلاميذ الناجحين الجدد في الباكالوريا لا يمكنّهم مجموعهم من الحصول على شعب بعينها يرغبون فيها، فيُلقى بهم في مؤسسات جامعية (مازالت شاغرة على مستوى طاقة الاستيعاب المحددة لها) عادة ما تكون بعيدة جدا عن المدن الجامعية الكبرى (قبلي وتطاوين وتوزر وجربة…) في إطار ما تُسمّيه وزارة التعليم العالي بآلية “المقترحات” والحال أنها في الحقيقة تعيينات نهائية.

المشكل يُطرح بحدّة عندما لا يلتحق الطالب الجديد بهذه الجهات ثم يعود بعد سنة أو أكثر لتسوية وضعيته ومواصلة دراسته الجامعية، فيُفرض عليه (بالقانون) أن يلتحق بتلك المؤسسة الذي تمّ تعيينه بها دون علمه أحيانا ومحاولة تسوية وضعيته مع إدارتها… بينما يكون من الأسلم والأكثر وجاهة أن تظل هذه الفئة على ذمّة الإدارة العامة للشؤون الطالبية ويتمّ التصرف مع أفرادها حالة بحالة على قاعدة مجموع النقاط للسنة المعنيّة…

(يتبع)

انقر للتعليق

صن نار

Exit mobile version