في تراثنا الفكري نجد احيانا اشياء مذهلة … لكنّ العيب انّنا لا نستفيق لها الا بعد فوات الاوان …عالم الاجتماع الكبير ابن خلدون الذي تُوفّي سنة 1406 ميلادي عن عمر الستة والسبعين ..
عبدالرحمان ذاك الاندلسي الجذور التونسي المولد وبالتحديد في تربة الباي ..ذاك العالم بكلّ ما في كلمة العالم من كنوز لعلّ اوّلها واسماها ما اعتبره اغلب المؤرخين انّه واضع علم الاجتماع …. وتبقى مقدّمة ابن خلدون من ابرز ما جاء في علم الاجتماع ولعلّ الجزء الاهمّ فيها والذي يعنيني في تدوينتي اليوم هو الجزء الثالث حيث يأتي فيه على عنصر بحثي هام في تركيبة الشعوب اوّلا وفي تحديد مصائرها ..وهذا العنصر هو العصبية ..
يقول عنها عبد الرحمان: (كلّ الاحداث الهامة والتغييرات الجذرية التي تطرأ على العمران البدوي او الحضري هي مرتبطة بوجود او فقدان العصبية) بل يعتبرها المحور الاساسي في حياة الدول والممالك … ويتدرّج في تحليله للعصبية كافراز فطري في العائلة ثمّ القبيلة ليصل بها الى الدولة … حيث يكون الصراع العصبي في البداية بين القبائل لاختيار من يسوس البلاد وتكون في هذا الباب الغلبة للاقوى ..
ونفس المنهاج ينطبق تماما على المجتعات الحضرية ودعامتها في ذلك عصبية من نوع اخر لعلّ اشهرها في الازمنة الحديثة ..التشيّع لافكار مستوردة من مجتمعات لا تمتّ لنا ولا نمتّ لها بصلة ونتزيّن انذاك بحللها _ كالديموقراطية وحقوق الانسان رغم انّ تلك المجتمعات التي استوردنا منها مثل هذه المنظومات لا علاقة لها في تاريخها و لا في حاضرها بتلك القيم الخداعة والتي يعتمد فيها اصحابها على بلاهتنا في تصديقهم ..
في حينّ انّ تاريخنا العربي الاسلامي يعجّ في سنوات ازدهاره واشعاعه بمنظومات امتن واسمى من منظوماتهم .. دون نسيان عصبية الاحزاب والتي هي في جلّها لا تختلف عن منظومة الراعي والقطيع ..وربّما الاختلاف الجوهري يكمن في انّ راعي القطيع في جلّ تلك الاحزاب هو من فئة الذئاب ..
ومهما كانت اشكال العصبية فانّ ما يجعلها اكثر مقاومة واطول عمرا وهو ما يذهب اليه ابن خلدون نفسه قوّة الاقتصاد وصلابته … واذا ضعفت وتهاوت اوتاد الاقتصاد انهارت الدولة ..وهو ما اسماه كارل ماركس بالحتمية التاريخية …عبقرية ابن خلدون وهو ما شهد له بها العديد من مفكّري الغرب وساستهم كلينين وغارودي ولاكوست… عبقريته تتمثل في تحليله لعدد هام من التجارب التي سبقت في باب العمران البشري ولكن وخاصّة في استشرافه لمستقبل الدول …
هنا دعوني اذكّر ببعض ما جاء في المقدمة حول اسباب انهيار الدول .. يقول علاّمتنا: “عندما تكثر الجباية تشرف الدولة على النهاية” … عندها يكثر المنجمون (ميشال حايك وليلى عبداللطيف ونكتتها الكبيرة …(تونس ستصبح مثل دُبي) … يكثر المغنّون النشاز (تحيّتي لزازة والدلاجي و عدّ تغلط) ويكثر الشعراء النظّامون وخاصة الشويعرات النظامات والتي تنهال عليهن صفحات خليجية مشبوهة تمجّد ابداعاتهنّ وهنّ اقرب فيما يكتبنه الى ثغاء (برشني مبحوح) وقارعو الطبول والمتفيقهون …من المسمّى غنيم الى اخر القائمة .. والمتسيّسون والطبالون والمتشفترون قبل 25 جويلية وبعده ولكلّ حقبة متشفترونها …
عندما تنهار الدول يسود الرعب والخوف وتظهر على السطح وجوه مريبة ..وتزداد غربة العاقل وتضيع ملامح الوجوه ويتقاذف اهل البيت الواحد بالعمالة والخيانة ..وتُحاك الدسائس والمؤامرات وتكثر النصائح من القاصي والداني ويتحوّل الوضع الى مشروع مهاجرين ويتحوّل الوطن الى محطّة سفر .. توة يا ربّي موش هذا وضعنا الحالي ؟؟ علاش يا ابن خلدون ..اش عملنالك ؟ احنا ناقصين ؟؟ تزيد انت تسبق الزمن وتكتب علينا وتشدنا موش فقط من اليد اللي توجعنا بل من كامل جسدنا الموجوع … علاش يا عبد الرحمان ..علاش ؟؟.. راك ذبحتنا …
اما ولا يهمك احنا ديجا مذبوحين …. ولكن ثق يا ابن تونس الكبير ..انت لم تات في مقدمتك على طائر الفينيق ..اذن خذها من عندي _ قدر طائر الفينيق التونسي ان ينتفض يوما من تحت الرماد ليعيد تونسها لعليسة وحنبعل ولكلّ رجالاتها الوطنين الابرار ولعبدالرحمان ابن خلدون