جلـ ... منار

الأخلاق و القطيع

نشرت

في

سيدة اقتطعت من أحد فصول هذا الكتاب عدة عبارات، اقتطعتها من سياقها الفكري، ونشرتها على صفحتها تحت عنوان “هذه هي أخلاق السلطانة”!!!

متوهمة أنها تملك ريش الطاووس، وفي محاولة يائسة لنفش زغبها على حسابي،

عملا بقول الشاعر:

إن البغاث بأرضنا يستنسرُ !

……..

<strong>وفاء سلطان<strong>

في الحالات العادية لا أحد يدخل صفحتها أو يأخذها بعين الإعتبار، لكن العنوان جذب بعضا من غلمان الفيس بوك

، فكتب أحدهم تعليقا، يطبطب به على كتفها:(هذه نصيريّة ـ علوية ـ وموالية للمجرم بشار الأسد، تعيش في قصرها ولا تأبه لكارثة شعبها، هل سمعتِ في حياتك أنها تبرعت لجمعية خيرية)؟!

يبدو أنه حكم عليّ من خلال مقارنته لي بخادم الحرمين الشرفين،الذي ضحى بكل أمواله في سبيل أخوته السنة في سوريا،سرا وعلانية(!!!!!!)، أما أنا فلم أفعلها…

أو هو يريدني كوجهاء مسجده، الذين هم كالفرخة التي تمصّع بيضة صغيرة فتملأ الحي بقيقا، لا يناولون أحدا كسرة خبزإلا أمام الكاميرات والميكرفونات!

لن يصدق أن وفاء سلطان تتبرع حتى تسمع الهند والسند، وتذيعها الـ سي إن إن وفوكس نيوز!

وكم يعنيني أن يصدق أو لا يصدق!!!

بالعكس تماما، يسعدني جدا أنه لم يسمع في حياته أنني تبرعت لجمعية خيرية.لأنها حقيقة تعكس أخلاقي، وتفضح مفهومهم للخير، وسلوكياتهم عندما يتعلق الأمر بفعل الخير!

يعود بي هذا التعليق إلى مفهومي للذكاء الأخلاقي، والذي تعلمته هنافي أمريكا!

للذكاء الأخلاقي سبعة معايير، لست هنا بصدد شرحها، ولكن أود أن أشيرأن أحدها وأهمها هو: المنطق، إذ لا تستطيع أن تكون خلوقا مالم تملك الحد الأدنى من المنطق!

حسب منطقهم:ـ من كان علويا، هو بالتأكيد موال لبشار الأسد!ـ من يعيش في قصر هو شخص سيء للغاية، وخصوصا إذا كان علويا.ويُستثنى من هذه القاعدة أثرياؤهم، لأنهم يتبرعون بالسجاد العجمي والثريات الفاخرة لجوامعهم!ـ

من لم تسمع أو تقرأ عنه أنه تبرع لجمعيات خيرية، هو ـ بالتأكيد ـ إنسان بخيل وسافل!

هذا هو منطقهم، وبناء عليه نستطيع أن نقيس مستوى الذكاء الأخلاقي عندهم!

كان الحاج محمود، وكلما عاد من الحج، يتبرع بسجادة لجامع الحي الذي كنت أعيش فيه.

فور عودته كان الزعيق يبدأ من أربعة ميكروفونات منصوبة على مئذنةالجامع، تكبر وتهلل لهذا العمل النبيل!

الله يرحم جارتي الحلبية “أم أحمد” التي كنتُ أعيش في بيتها بعض الوقت أيام دراستي في حلب. كانت أم أحمد وببراءتها المعهودة وامتلاكها لروح النكتة، كانت تردد فور سماعها زعيق الجامع:

( وبااااا يؤوشو…. بيتبرع بحصير وبؤولو سجادة، ياموووو…شوي تاني رح يؤولو سجادة عجميّة)!!!(وبا يؤوشو: باللهجة الحلبية تعني: انشالله يحصده الوباء)

نعم، أمام الملأ كان الحاج محمود يضرط حصيرا من القش فتخرج من ميكر;فون الجامع سجادة من الصوف العجمي!

لم تستطع حصيره يوما أن تملأ بطنا خاوية أو أن تثري عقلا ضحلا!

ولم يستطع أحد أن يعترض على ذلك،فالحاج محمود يملك نصف الحي، ويضع جميع روّاد الجامع في جيب دشداشته!!!!

هذا هو منطقهم ومستوى ذكائهم الأخلاقي،ولا تستطيع أن تغيّر منطق شخص نحو الأفضل، طالما يقتات منه، أو يحاول من خلاله أن يبيّض سواد ضميره على حساب سمعة غيره)!!

……..

سأبيع هذا الغلام علويتي بقشرة بصلة، لو قبِل أن ينضج إنسانيا وأخلاقيا، وينظر إليّ كإنسانة أقرب إليه من بياض عينه إلى سوادها.ليس هذا وحسب، بل سأشاطره خبزي شرط أن لا تعرف يده اليسرى ما أخذت اليمنى!

لكن طالما تتغلغل التقاليد عميقا في الوعي واللاوعي عنده، من المستحيل أن يطهّر نفسه من خبثها وحقدها وغلوّها!تباً لإله وهمي قبل أن يخلقنا يحدد أدياننا وطوائفنا ويحفر خنادقا بيننا

……..

يقول الفيلسوف الفرنسي غوستاف لوبون:

(الجموع لا تشعر بالعطش لمعرفة الحقيقة، لا يريدون أن يروا البراهين التي لا تتماشى مع أذواقهم،هم يفضلون أخطاء الآلهة، مادامت هذه الأخطاء تخدرهم)!

بقدر ما هي محبطة تلك الحقيقة، قادني إحباطي إلى حقيقة أخرى، ألا وهي: ليس شرطا أن تعي تلك الجموع أبعاد وتفاصيل الحقيقة.كل مايحتاجه هذا العالم هو نخب قيادية شجاعة، تعرف كيف تلجم القطيع المغيّب عن الوعي وتضبط سلوكياته،بطريقة تمنعه من أن يتناطح ويؤذي بعضه البعض.وعليها أيضا أن تضمن له مراعيه وتشغله بكتبه الدينية المقدسة، فاللقمة هي غايته، وكتابه الديني هو حدود حريته وقمة رفاهيته!

هذه الحقيقة أعيشها بحذافيرها هنا في أمريكا،بينما في بلادنا مازال القطيع، بمختلف أديانه وطوائفه يتخبط بلا قيادة.قاذوراته تملأ اسطبله، وتقوده من وضع قذر إلى وضع أقذر!!

أذكر بهذا الخصوص، قرأت أنه في الخمسينيات من القرن المنصرم، كان رجل أمريكي نسيت اسمه ـ مرشحا للرئاسة الأمريكية.بدأ يخطب في الجموع عن برنامجه الانتخابي، فوقفت امرأة وصاحت:يالك من مرشح عظيم، يجب على كل أمريكي يملك ذرة عقل أن ينتخبك!

رد على الفور: هذا لا يفيدني، أحتاج إلى الأكثرية لأفوز!

طبعا خاصية القطيع المغيّب عن الوعي موجودة لدى كل شعوب الأرض، والأقلية في كل شعب هي التي تملك عقلا، وهي وحدها المرشحة للقيادة.إذ أن القضية هي ـ عموماـ قضية نخب وقيادات، وليست قضية جموع وقطيع!

هل مطلوب منا أن نبني جامعة سوربون كي تقنع زغلول النجار أن تأجير فرج زوجته لغيره في حال غيابه رذيلة وانتهاك لحرمة المرأة؟!!

طبعا لا…عندما يسقط رجل في مستنقع كهذا، ستكون محاولة انتشاله استنزافا بالمطلق!!

لكن المطلوب أن تضع النخب القيادية قوانين تحمي فرج المرأة، في حال قررت هي أن تحميه،وتضمن تطبيق تلك القوانين بحذافيرها، وبقوة!

كلما تبلورت طبقة النخب وزادت قدرتها على القيادة بحكمة وعقلانية، كلما كان ذلك مؤشرا على تقدم ورفاهية المجتمع الإنساني، بغض النظر عن طبيعة قطيعه!إ

ذ لا يمكن أن تحرر من يرى نفسه رهين عقيدة، أيا كانت تلك العقيدة.لكنك، كقائد، ملزم أن تضمن له حياة كريمة ضمن حدود حظيرته، وتحمي غيره من حوافره.وهذا حق القطيع على القيادة!

……..

أنا أكتب لمن يرى في نفسه قائدا، وليس لمن يريد أن يبقى ُمقيّدا ومُقادا!

وكلي أمل أنه من بين دفتي هذا الكتاب، ستتمخض الحياةلتنجب تلك النخبالقيادية التي طال انتظارنا لها في هذا الشرق المعذب!

انقر للتعليق

صن نار

Exit mobile version