جور نار
“البيت دَه طاهر وحيفْضَلْ طُولْ عُمْرُو طاهر…”
نشرت
قبل 3 سنواتفي
من قبل
محمد الأطرش Mohamed Alatrash…والآن وبعد أكثر من عشرة أيام على تعليق العمل بالدستور …عفوا على تعليق نشاط مجلس نواب الشعب، ماذا حققنا وماذا كسبنا؟ وهل خرجنا مما نحن فيه؟ أم لا نزال نراوح مكاننا، حتى غرقنا في حفرة حفرناها بأرجلنا من فرط المراوحة بنفس المكان…؟؟
ماذا حققنا فعلا خلال هذه الأيام الأولى؟ هل يكفي أن نُخرج النهضة من الحكم وهو الأمر الذي أسعدها رغم ما أبدته في أول الأمر من ممانعة، أو نجبرها على الصعود إلى ربوة المعارضة، لنقضي على الفقر… والتهميش والبطالة…ولنصلح وضع الخزينة العامة …ونخفّض من نسبة العجز ونسبة التضخم؟ أو أن كل ما جرى ويجري هو من أجل أن يهتف جميعنا باسم مولانا ساكن قرطاج “يحيا الرئيس” و”الشعب معاك يا قيس”؟
يذكرني ما يقع اليوم في تونس بما وقع في فرنسا أيام ماكسيمليان دي روبسبيير ألم يكن روبيسبيير نصيرا للإصلاح الديمقراطي، ألم يشرف خلال “عهد الرعب” على اعتقال وإعدام عددا كبيرا من الخصوم السياسيين، من الذين اعتبرهم هو وحلفاؤه معارضين للثورة…ألم يشرف على قمع الجيرونديين من اليمين، والهيبرتيين من اليسار، والدانتونيين من الوسط…لا أظنّ أننا في تونس سنصل ما وصله ماكسيميليان في فرنسا…لكن ألا ترون معي أن التشابه في الأحداث كبير بين ما يقع اليوم في تونس، وما وقع في فرنسا أيام روبسبيير مع فارق بسيط هو أننا إلى يومنا هذا لم نصل إلى مرحلة الإعدام ونصب المشانق ومن يجزم أننا لن نصل إليها يوما؟…ألا يشبه ما يقع اليوم بما وقع سنة 2011 فماذا حققنا بعد 14 جانفي…ألم يخرج علينا أناس لا نعرفهم…يشوّهون هذا ويشوّهون الآخر…يتهمون هذا ويحاكمون الآخر…يسحلون هذا ويطردون الآخر…فماذا حققنا بما أتوه وفعلوه…؟؟ طبعا لا يمكن أن نشبّه الرئيس قيس سعيد بماكسيميليان روبسبيير، لكن يمكننا أن نشبّه أتباعه ومناصريه بماكسيميليان المسكين، فداخل الكثير من عقول مناصري ساكن قرطاج، يعيش ماكسيميليان بحقده وجبروته ونهمه الكبير للانتقام، والسؤال الذي يطرح نفسه هنا …لماذا الانتقام وممن يريد أنصار سعيد الانتقام؟ ممن يكبرونهم سنا بعنوان أن هذه المرحلة هي مرحلة الشباب أم ماذا؟ وهل كان ابعاد النهضة مجرّد ذر الرماد على الأعين، وتحويل وجهة هذا الشعب المسكين عن حقيقة اهداف ما وقع يوم 25 جويلية؟
هؤلاء اليوم وبما يأتونه من خطاب استئصالي حاقد على الجميع لا يبشرون بخير …وهم بما ينشرونه لا يخدمون مصلحة البلاد ومصلحة “معبودهم” ساكن قرطاج…بل هم يغرقونه في دائرة ضيّقة قد تسيء إليه كثيرا…ألا يمكن أن يجلس ساكن قرطاج لنفسه يخاطبها…يناقشها ويسألها ما تريده منه وعنه وبه…وما تنتظره… ينقد ذاته… ويراجع بعض أقواله وأفعاله، أم أنه وكمعظم رجال السلطة والنفوذ وأصحاب الأمر والنهي، لا يقبلون بممارسة النقد الذاتي والقبول ببعض المؤاخذات والمراجعات؟ لسنا ضدّ كل ما وقع….لكننا نخاف مما يمكن أن يقع…
لنسأل كل العارفين والمتابعين للشأن التونسي، ماذا سينفعنا وينفع هذا الشعب أن نجلس يوميا لبعض إطارات الدولة وعلى مرأى ومسمع متابعي شريط أنباء الوطنية، وصفحة رئاسة الجمهورية، نجلدهم بخطاب نقدي غير مبرّر…هل نأمل من أن هؤلاء سيقبلون بما قلناه فيهم وعنهم…وهل نحن قضاة حتى نشتبه في أمر الجميع… وهل وجب أن يكون الجميع محلّ شبهة حتى نخاطبه بخطاب نصفه اتهام، ونصفه الثاني تهديد ووعيد…فمن سيقبل بالعمل في مؤسسات الدولة، حين يستمع إلى خطاب كهذا من أعلى سلطة في الدولة، رئيسها…؟ ألا يمكن أن نغيّر خطابنا ليصبح خطاب استمالة وتهدئة وطمأنة واستقطاب لكفاءات أصبحت رافضة لكل منصب أو خطّة وظيفية في مؤسسات الدولة؟
والسؤال الأخطر ماذا ينتظر الشعب من ساكن قرطاج بعد أن أبعد الأحزاب من المشهد العام للحكم…هل سيكتفي هذا الشعب بالتصفيق والصراخ والغناء ليلا نهارا احتفالا بــ”الزعيم”…؟ هل هذا فقط ما يبحث عنه الشعب؟ وهل هذا ما يريده حقّا ساكن قرطاج؟ وغدا….حين يستفيق الشعب من سكرته…ماذا سيقول له ساكن قرطاج…هل سيكتفي بأن يقول ” لقد اتفقت مع تجار الجملة والتفصيل على بيعكم بضاعتهم بأرخص الاثمان…واتفقت مع الصوناد على أن توفر لكم الماء الصالح للاستحمام عفوا للشراب دون انقطاع…وسأتفق مع شركات بقية المنتجات الغذائية واللحوم لنوفر لكم الغذاء واللحم بأرخص الأسعار …كما أن اتحاد الصناعة والتجارة وافق على مراجعة بعض الأسعار خدمة للمواطن ضعيف الحال وسيقع التخفيض في سعر “الشوكوطوم” ليكون في متناول كل الشعب”…أهذا حقّا ما يريده المواطن اليوم؟ لا أظنّ فالمواطن يبحث عن تحقيق ما وعدوه به في كل محطّة انتخابية…ويبحث ما يعيد له كرامته التي سلبت منذ عشر سنوات ويزيد…كرامته بكل تفاصيلها…
هل ستعيد هذه الإجراءات البسيطة التي يلهث وراء تحقيقها ساكن قرطاج “زعيم” حركة تصحيح المسار كما يسميها البعض الهدوء إلى الشارع التونسي، والأمن في نفوس أبناء هذا الشعب، والأمل لشبابه الذي أحبطه ساسة ما بعد 14 جانفي؟ وهل تعيد إجراءات ضمان “شكشوكة تونسية” الحياة للطبقة الوسطى بعد اندثارها تماما؟ فانخرام توازن الحياة الاجتماعية سببه الرئيسي هو اندثار الطبقة الوسطى…ولن يعود إليها توازنها دون إعادة الحياة إلى هذه الطبقة التي تمّ القضاء عليها عمدا من حكام ما بعد 14 جانفي…فالطبقة الوسطى هي من يضمن بقاء بقية طبقات المجتمع على قيد الحياة، فهي التي تضمن انتعاش وتوازن المشهد الاقتصادي عموما…
والسؤال الذي يطرح نفسه دائما، هل ثمة من يدفع بالبلاد على طريق الانهيار فالبلاد تواجه أزمات لا سابق لها في تاريخها؟ أم أن حكام هذه البلاد فقدوا الرؤية والبصيرة بسبب أنانيهم، وضعف خبرتهم في إدارة الشأن العام، فتونس تعاني ومنذ دخول الليالي السود سنة 2011 نوعا من “الكساد المتعمد” والتفقير الممنهج…وغلق متعمد لكل مواقع الإنتاج الاستراتيجية…فهل يمكن اعتبار ما يحدث للبلاد اليوم طبيعيا؟ وهل يمكن تحميل كل الطبقة السياسية التي حكمت البلاد بعد 14 جانفي مسؤولية هذا الانهيار؟ فتونس ومنذ استقلالها لم تعش مثل هذا التقاعس المتعمّد في إدارة الشأن العام…فهل دبّ الوهن في عظام ساستنا…أم ترهلت وشاخت الطبقة السياسية لتصبح ديارها فارغة خِرَبًا لا حياة فيها…؟؟
جميل أن نقاوم الفاسد والمفسدين…وجميل أن نقتلع الفساد من جذوره…وجميل أن نحمي الدولة ونعيد إليها الاعتبار، بعد أن عانت من الإذلال طويلا من جماعات “اللاّدولة”…فهذا الشعب يعيش ومنذ أكثر من عشر سنوات حالات من الإحباط والشعور بالعجز التام… فجميل أن نعيش اليوم عهدة مقاومة هذا الفساد، مع من لا يخشى في الله لومة لائم من رجالات المؤسسة الأمنية والعسكرية والقضائية…فالفساد أصبح عقلية…وثقافة عامة …منذ غاب الرادع…وضعفت الدولة…ومرغنا بهيبتها الأرض…فالفساد عند البعض أصبح منهجا…لكن هل سنكتفي بمقاومة الفساد دون أن نواصل البناء، وننقذ ما يمكن إنقاذه بعد الخراب الذي حلّ بالبلاد…فالتصفيق لوضع أحدهم تحت الإقامة الجبرية لن يفيدنا في شيء….والصراخ لخطاب تأديبي لسيادته أمام أحد المسؤولين لن يفيدنا في شيء…والوابل من التهم والصواريخ العابرة من الشتائم والتهديد والوعيد لن يعيد للبلاد شيئا مما ننتظر…واتهام الجميع بالفساد لن يذهب بنا بعيدا…وعمليات إنزال في مقهى شعبي بحي شعبي لن تخرجنا مما نحن فيه…وفتح المجال لأنصارنا لابتزاز رجال الأعمال والمسؤولين ستكون عواقبه أخطر…فهل يمكن أن نقاوم الفساد ونحمي الدولة بالأحقاد وزرع الفتن…هل يمكن أن نعدل بين الناس بخلق الأعداء يوميا من خلال ما نقول ونفعل…فماذا سنقول لأبناء من أتهم ظلما وعدوانا….وماذا سنقول لأم من نُعت ابنها بالفساد وهو بعيد عنه كل البعد….وماذا يمكن أن نقول لمن وضعناه في السجن ظلما وبسبب وشاية انتقامية…وماذا سنقول لوالد أحد المسؤولين بعد أن أقلنا ابنه حقدا وانتقاما…علينا أن نهدأ في معالجتنا لأوضاع البلاد ..وأن نُغلّب العقل والمنطق في كل خطوة في هذا الاتجاه…فالدولة تترنّح ونحن نصرخ طربا لشتيمة ولسجن مظلوم…ونطرب للانتقام…
دَعُونا نخرج البلاد من أزمتها دون أحقاد…فالظلم والحقد…وعقلية الانتقام تقتل الأوطان في قلوب بعضنا…ولن ننجح في انقاذ البلاد دون أن يكون هذا الوطن جزءا منّا…حيّا فينا…فالأوطان تقتلها الأحقاد والفتن…فحين يموت الوطن فينا …تصبح كل الأوطان الأخرى أوطاننا…وتصبح “الحرقة” وطنا…والغربة وطنا…والمنفى وطنا…والخيانة وطنا…والسجن وطنا…وحضن عاهرة وطنا….وحين يصبح الإذلال والظلم والتهميش والخيانة والتفرقة و”الحقرة” شعار المرحلة …يموت الوطن فينا…فنبحث عن وطن آخر نحميه ويحمينا…ففي تونس اليوم ومنذ عشر سنوات يُغْتَالُ الوطن فينا كل يوم…وكل ساعة …وكل دقيقة…ولا يزال البعض يصرّ ويسرد على مسامعنا كل يوم ما قالته تلك الراقصة في شريط “عسكر في المعسكر” ” البيت ده طاهر وحيفْضل طول عمرو طاهر…”….
تصفح أيضا
عبد الكريم قطاطة:
فترة التسعينات كانت حبلى بالاحداث والتغييرات في مسيرتي المهنية منها المنتظر والمبرمج له ومنها غير المنتظر بتاتا …
وانا قلت ومازلت مؤمنا بما قلته… انا راض بأقداري… بحلوها وبمرّها… ولو عادت عجلة الزمن لفعلت كلّ ما فعلته بما في ذلك حماقاتي واخطائي… لانني تعلمت في القليل الذي تعلمته، انّ الانسان من جهة هو ابن بيئته والبيئة ومهما بلغت درجة وعينا تؤثّر على سلوكياتنا… ومن جهة اخرى وحده الذي لا يعمل لا يخطئ… للتذكير… اعيد القول انّه وبعد ما فعله سحر المصدح فيّ واخذني من دنيا العمل التلفزي وهو مجال تكويني الاكاديمي، لم انس يوما انّني لابدّ ان اعود يوما ما الى اختصاصي الاصلي وهو العمل في التلفزيون سواء كمخرج او كمنتج او كلاهما معا… وحددت لذلك انقضاء عشر سنوات اولى مع المصدح ثمّ الانكباب على دنيا التلفزيون بعدها ولمدّة عشر سنوات، ثمّ اختتام ما تبقّى من عمري في ارقى احلامي وهو الاخراج السينمائي…
وعند بلوغ السنة العاشرة من حياتي كمنشط اذاعي حلّت سنة 1990 لتدفعني للولوج عمليا في عشريّة العمل التلفزي… ولانني احد ضحايا سحر المصدح لم استطع القطع مع هذا الكائن الغريب والجميل الذي سكنني بكلّ هوس… الم اقل آلاف المرات انّ للعشق جنونه الجميل ؟؟ ارتايت وقتها ان اترك حبل الوصل مع المصدح قائما ولكن بشكل مختلف تماما عما كنت عليه ..ارتايت ان يكون وجودي امام المصدح بمعدّل مرّة في الاسبوع ..بل وذهبت بنرجسيتي المعهودة الى اختيار توقيت لم اعتد عليه بتاتا ..نعم اخترت الفضاء في سهرة اسبوعية تحمل عنوان (اصدقاء الليل) من التاسعة ليلا الى منتصف الليل …هل فهمتم لماذا وصفت ذلك الاختيار بالنرجسي ؟؟ ها انا افسّر ..
قبل سنة تسعين عملت في فترتين: البداية كانت فترة الظهيرة من العاشرة صباحا حتى منتصف النهار (والتي كانت وفي الاذاعات الثلاث قبل مجيئي فترة خاصة ببرامج الاهداءات الغنائية)… عندما اقتحمت تلك الفترة كنت مدركا انيّ مقدم على حقل ترابه خصب ولكنّ محصوله بائس ومتخلّف ..لذلك اقدمت على الزرع فيه … وكان الحصاد غير متوقع تماما ..وتبعتني الاذاعة الوطنية واذاعة المنستير وقامت بتغييرات جذرية هي ايضا في برامجها في فترة الضحى .. بل واصبح التنافس عليها شديدا بين المنشطين ..كيف لا وقد اصبحت فترة الضحى فترة ذروة في الاستماع … بعد تلك الفترة عملت ايضا لمدة في فترة المساء ضمن برنامج مساء السبت … ولم يفقد انتاجي توهجه ..وعادت نفس اغنية البعض والتي قالوا فيها (طبيعي برنامجو ينجح تي حتى هو واخذ اعزّ فترة متاع بثّ) …
لذلك وعندما فكّرت في توجيه اهتمامي لدنيا التلفزيون فكرت في اختيار فترة السهرة لضرب عصفورين بحجر واحد… الاول الاهتمام بما ساحاول انتاجه تلفزيا كامل ايام الاسبوع وان اخصص يوما واحدا لسحر المصدح ..ومن جهة اخرى وبشيء مرة اخرى من النرجسية والتحدّي، اردت ان اثبت للمناوئين انّ المنشّط هو من يقدر على خلق الفترة وليست الفترة هي القادرة على خلق المنشط ..وانطلقت في تجربتي مع هذا البرنامج الاسبوعي الليلي وجاءت استفتاءات (البيان) في خاتمة 1990 لتبوئه و منشطه المكانة الاولى في برامج اذاعة صفاقس .. انا اؤكّد اني هنا اوثّق وليس افتخارا …
وفي نفس السياق تقريبا وعندما احدثت مؤسسة الاذاعة برنامج (فجر حتى مطلع الفجر) وهو الذي ينطلق يوميا من منتصف الليل حتى الخامسة صباحا، و يتداول عليه منشطون من الاذاعات الثلاث… طبعا بقسمة غير عادلة بينها يوم لاذاعة صفاقس ويوم لاذاعة المنستير وبقية الايام لمنشطي الاذاعة الوطنية (اي نعم العدل يمشي على كرعيه) لا علينا … سررت باختياري كمنشط ليوم صفاقس ..اولا لانّي ساقارع العديد من الزملاء دون خوف بل بكلّ ثقة ونرجسية وغرور… وثانيا للتاكيد مرة اخرى انّ المنشط هو من يصنع الفترة ..والحمد لله ربحت الرهان وبشهادة اقلام بعض الزملاء في الصحافة المكتوبة (لطفي العماري في جريدة الاعلان كان واحدا منهم لكنّ الشهادة الاهمّ هي التي جاءتني من الزميل الكبير سي الحبيب اللمسي رحمه الله الزميل الذي يعمل في غرفة الهاتف بمؤسسة الاذاعة والتلفزة) …
سي الحبيب كان يكلمني هاتفيا بعد كل حصة انشطها ليقول لي ما معناه (انا نعرفك مركّب افلام باهي وقت كنت تخدم في التلفزة اما ما عرفتك منشط باهي كان في فجر حتى مطلع الفجر .. اما راك اتعبتني بالتليفونات متاع المستمعين متاعك، اما مايسالش تعرفني نحبك توة زدت حبيتك ربي يعينك يا ولد) … في بداية التسعينات ايضا وبعد انهاء اشرافي على “اذاعة الشباب” باذاعة صفاقس وكما كان متفقا عليه، فكرت ايضا في اختيار بعض العناصر الشابة من اذاعة الشباب لاوليها مزيدا من العناية والتاطير حتى تاخذ المشعل يوما ما… اطلقت عليها اسم مجموعة شمس، واوليت عناصرها عناية خاصة والحمد لله انّ جلّهم نجحوا فيما بعد في هذا الاختصاص واصبحوا منشطين متميّزين… بل تالّق البعض منهم وطنيا ليتقلّد عديد المناصب الاعلامية الهامة… احد هؤلاء زميلي واخي الاصغر عماد قطاطة (رغم انه لا قرابة عائلية بيننا)…
عماد يوم بعث لي رسالة كمستمع لبرامجي تنسمت فيه من خلال صياغة الرسالة انه يمكن ان يكون منشطا …دعوته الى مكتبي فوجدته شعلة من النشاط والحيوية والروح المرحة ..كان انذاك في سنة الباكالوريا فعرضت عليه ان يقوم بتجربة بعض الريبورتاجات في برامجي .. قبل بفرح طفولي كبير لكن اشترطت عليه انو يولي الاولوية القصوى لدراسته … وعدني بذلك وسالته سؤالا يومها قائلا ماذا تريد ان تدرس بعد الباكالوريا، قال دون تفكير اريد ان ادرس بكلية الاداب مادة العربية وحلمي ان اصبح يوما استاذ عربية ..ضحكت ضحكة خبيثة وقلت له (تي هات انجح وبعد يعمل الله)… وواصلت تاطيره وتكوينه في العمل الاذاعي ونجح في الباكالوريا ويوم ان اختار دراسته العليا جاءني ليقول وبكلّ سعادة …لقد اخترت معهد الصحافة وعلوم الاخبار… اعدت نفس الضحكة الخبيثة وقلت له (حتّى تقللي يخخي؟) واجاب بحضور بديهته: (تقول انت شميتني جايها جايها ؟؟)… هنأته وقلت له انا على ذمتك متى دعتك الحاجة لي ..
وانطلق عماد في دراسته واعنته مع زملائي في الاذاعة الوطنية ليصبح منشطا فيها (طبعا ايمانا منّي بجدراته وكفاءته)… ثم استنجد هو بكلّ ما يملك من طاقات مهنية ليصبح واحدا من ابرز مقدمي شريط الانباء… ثم ليصل على مرتبة رئيس تحرير شريط الانباء بتونس 7 ..ويوما ما عندما فكّر البعض في اذاعة خاصة عُرضت على عماد رئاسة تحريرها وهو من اختار اسمها ..ولانّه لم ينس ماعاشه في مجموعة شمس التي اطرتها واشرفت عليها، لم ينس ان يسمّي هذه الاذاعة شمس اف ام … اي نعم .عماد قطاطة هو من كان وراء اسم شمس اف ام …
ثمة ناس وثمة ناس ..ثمة ناس ذهب وثمة ناس ماجاوش حتى نحاس ..ولانّي عبدالكريم ابن الكريم ..انا عاهدت نفسي ان اغفر للذهب والنحاس وحتى القصدير ..وارجو ايضا ان يغفر لي كل من اسأت اليه ..ولكن وربّ الوجود لم اقصد يوما الاساءة ..انه سوء تقدير فقط …
ـ يتبع ـ
عبد الكريم قطاطة:
المهمة الصحفية الثانية التي كلفتني بها جريدة الاعلان في نهاية الثمانينات تمثّلت في تغطية مشاركة النادي الصفاقسي في البطولة الافريقية للكرة الطائرة بالقاهرة …
وهنا لابدّ من الاشارة انها كانت المرّة الوحيدة التي حضرت فيها تظاهرة رياضية كان فيها السي اس اس طرفا خارج تونس .. نعم وُجّهت اليّ دعوات من الهيئات المديرة للسفر مع النادي وعلى حساب النادي ..لكن موقفي كان دائما الشكر والاعتذار ..واعتذاري لمثل تلك الدعوات سببه مبدئي جدا ..هاجسي انذاك تمثّل في خوفي من (اطعم الفم تستحي العين)… خفت على قلمي ومواقفي ان تدخل تحت خانة الصنصرة الذاتية… اذ عندما تكون ضيفا على احد قد تخجل من الكتابة حول اخطائه وعثراته… لهذا السبب وطيلة حياتي الاعلامية لم اكن ضيفا على ايّة هيئة في تنقلات النادي خارج تونس ..
في رحلتي للقاهرة لتغطية فعاليات مشاركة السي اس اس في تلك المسابقة الافريقية، لم يكن النادي في افضل حالاته… لكن ارتأت ادارة الاعلان ان تكلّفني بمهمّة التغطية حتى اكتب بعدها عن ملاحظاتي وانطباعاتي حول القاهرة في شكل مقالات صحفية… وكان ذلك… وهذه عينات مما شاهدته وسمعته وعشته في القاهرة. وهو ما ساوجزه في هذه الورقة…
اوّل ما استرعى انتباهي في القاهرة انّها مدينة لا تنام… وهي مدينة الضجيج الدائم… وما شدّ انتباهي ودهشتي منذ الساعة الاولى التي نزلت فيها لشوارعها ضجيج منبهات السيارات… نعم هواية سائقي السيارات وحتى الدراجات النارية والهوائية كانت بامتياز استخدام المنبهات… ثاني الملاحظات كانت نسبة التلوّث الكثيف… كنت والزملاء نخرج صباحا بملابس انيقة وتنتهي صلوحية اناقتها ونظافتها في اخر النهار…
اهتماماتي في القاهرة في تلك السفرة لم تكن موجّهة بالاساس لمشاركة السي اس اس في البطولة الافريقية للكرة الطائرة… كنا جميعا ندرك انّ مشاركته في تلك الدورة ستكون عادية… لذلك وجهت اشرعة اهتمامي للجانب الاجتماعي والجانب الفنّي دون نسيان زيارة معالم مصر الكبيرة… اذ كيف لي ان ازور القاهرة دون زيارة خان الخليلي والسيدة زينب وسيدنا الحسين والاهرام… اثناء وجودي بالقاهرة اغتنمت الفرصة لاحاور بعض الفنانين بقديمهم وجديدهم… وكان اوّل اتصال لي بالكبير موسيقار الاجيال محمد عبد الوهاب رحمه الله… هاتفته ورجوت منه امكانية تسجيل حوار معه فاجابني بصوته الخشن والناعم في ذات الوقت معتذرا بسبب حالته الصحية التي ليست على ما يرام…
لكن في مقابل ذلك التقيت بالكبير محمد الموجي بمنزله وقمت بتسجيل حوار معه ..كان الموجي رحمه الله غاية في التواضع والبساطة… لكن ما طُبع في ذهني نظرته العميقة وهو يستمع اليك مدخّنا سيجارته بنهم كبير… نظرة اكاد اصفها بالرهيبة… رهبة الرجل مسكونا بالفنّ كما جاء في اغنية رسالة من تحت الماء التي لحنها للعندليب… نظرة المفتون بالفن من راسه حتى قدميه…
في تلك الفترة من اواخر الثمانينات كانت هنالك مجموعة من الاصوات الشابة التي بدات تشق طريقها في عالم الغناء ..ولم اترك الفرصة تمرّ دون ان انزل ضيفا عليهم واسجّل لهم حوارات… هنا اذكر بانّ كلّ التسجيلات وقع بثها في برامجي باذاعة صفاقس… من ضمن تلك الاصوات الشابة كان لي لقاءات مع محمد فؤاد، حميد الشاعري وعلاء عبدالخالق… المفاجأة السارة كانت مع لطيفة العرفاوي… في البداية وقبل سفرة القاهرة لابدّ من التذكير بانّ لطيفة كانت احدى مستمعاتي… وعند ظهورها قمت بواجبي لتشجيعها وهي تؤدّي انذاك وباناقة اغنية صليحة (يا لايمي عالزين)…
عندما سمعت لطيفة بوجودي في القاهرة تنقلت لحيّ العجوزة حيث اقطن ودعتني مع بعض الزملاء للغداء ببيتها… وكان ذلك… ولم تكتف بذلك بل سالت عن احوالنا المادية ورجتنا ان نتصل بها متى احتجنا لدعم مادي… شكرا يا بنت بلادي على هذه الحركة…
اختم بالقول قل ما شئت عن القاهرة.. لكنها تبقى من اعظم واجمل عواصم الدنيا… القاهرة تختزل عبق تاريخ كلّ الشعوب التي مرّت على اديمها… نعم انها قاهرة المعزّ…
ـ يتبع ـ
محمد الزمزاري:
انطلقت الحملة الوطنية المتعلقة هذه المرة بالتقصي حول الأمراض المزمنة وكان مرض السكري وأيضا مرض ضغط الدم هما المدرجان في هذه الحملة.
يشار إلى أن نسب مرضى السكري و ضغط الدم قد عرفت ارتفاعا ملفتا لدى المواطنين و بالتحديد لدى شريحة كبار السن مما يكسي اهمية لهذه الحملات التي تنظمها وزارة الصحة العمومية بالتعاون المباشر مع هيئة الهلال الأحمر التونسي.. وقد سنحت لنا الفرصة لحضور جزء مهم من الحملة في بهو محطة القطارات الرئيسية بساحة برشلونة، لنقف على تفاعل عديد المواطنين المصطفّين قصد الخضوع لعملية التقصي بكل انضباط وكان جل الوافدين طبعا من كبار السن، كما لوحظ تواجد عدد كبير من ممثلي الهلال الأحمر ومن الأطباء بمكتبين ويساعدهم بعض الممرضين.
الغريب انه لدى تغطيتى العارضة لهذه الحملة المتميزة التي تهدف اساسا إلى توعية المواطنين وحثهم على تقصي الأمراض بكل انواعها بصور مبكرة، بالاعتماد على كافة قنوات الاتصال وأهمها الإعلام الذي لن يكون الا داعما لهذا الهدف الإنساني لكن احد اعوان الهلال الأحمر فتح معي بحثا ان كنت من التلفزة الوطنية ملاحظا ان القناة المذكورة هي الوحيدة المسموح لها بالقيام بالتغطية ولم يكتف بهذا بل أكد ان الأطباء لا يحبون التصوير.
طبيعي اني لم اتفاعل مع هذا الجهل وضحالة المعرفة باهداف الحملة بالإضافة إلى عمليات التقصي الفعلي ..ولما تجاوز في الإلحاح طلبت منه الاستظهار بصفته هل هو منسق الحملة حتى يمكنني أن امر إلى المسؤول عنها بصفتي صحفيا ..وواصلت عملى أمام انكماش هذا العون التابع للهلال الأحمر حسبما يدل عليه زيه.
وبعيدا عن هذا، لا يفوت التنويه بالجهود الكبيرة التي يتحلى بها طاقم الاطباء و الممرضين و متطوعي الهلال الاحمر، الذين يجهدون انفسهم لانجاح هذه الحملة سواء داخل بهو محطة السكك الحديدية او عبر بعض الفرق التي تعمل على التعريف بجدوى التقصي حتى خارج البهو الكبير.
صن نار
- ثقافياقبل 7 ساعات
قريبا وفي تجربة مسرحية جديدة: “الجولة الاخيرة”في دار الثقافة “بشير خريّف”
- جور نارقبل 7 ساعات
ورقات يتيم … الورقة 89
- ثقافياقبل 17 ساعة
زغوان… الأيام الثقافية الطلابية
- جلـ ... منارقبل يوم واحد
الصوت المضيء
- جور نارقبل يومين
ورقات يتيم ..الورقة 88
- ثقافياقبل 3 أيام
نحو آفاق جديدة للسينما التونسية
- صن نارقبل 3 أيام
الولايات المتحدة… إطلاق نار في “نيو أوليانز” وقتلى وإصابات
- صن نارقبل 3 أيام
في المفاوضات الأخيرة… هل يتخلى “حزب الله” عن جنوب لبنان؟