التحيل عبر وسائل التواصل الافتراضي : أية طرق و أية نماذج ؟ (الجزء 3)
العملية الكبرى التي كادت توقعني في الفخ!!
نشرت
قبل 4 سنوات
في
تطرقنا في الجزأين الاول و الثاني الى بعض النماذج و طرق التحيل البدائية او المحلية كما ذكرنا نموذجين من عمليات التحيل العالمية التي تديرها عصابات منظمة وشبكات في غاية من الحرفية واتقان اليات البرمجة المعلوماتية وتدليس الوثائق الرسمية و شبه الرسمية كادوات واسلحة لاسقاط الضحية بالفخ عبر تبني منهجية ذكية و علمية تتمثل في التدقيق في اختيار الضحية المستهدفة وكذلك اختيار توقيت ابتزاز الاموال و تحديد المبالغ المناسبة..
و يبدو ان ضحايا هذه العصابات العالمية متعددون لكن جلهم يلتزمون الكتمان او يعجزون فعليا عن دفع المبالغ المطلوبة.. و قد ذكرنا خلال الجزء الثاني نموذجا عالميا لعمليات التحيل تقوده عصابة من احدى بلدان جنوبي الصحراء، و كيف تراهن هذه العصابة على بيع كنز قبيلة افريقية مستظهرة بصور رئيس القبيلة وتربطك به و بصور “عالم اثار امريكي” وجواز سفره ونماذج متعددة من الكنز المذكور المتمثل في اثار وتماثيل افريقية.
اما النموذج الثاني فقد تمثل في اتصال سيدة تدعي انها فرنسية ومسنة وستخضع لعملية جرحية خطيرة بمستشفى بنيويورك … واثر تبادل عديد المراسلات تعلمك انها ترجو القيام بعمل خيري و لم تجد احدا تثق به غيرك لتهبه مليون يورو .. ثم ترسل لك هذه السيدة صورة بطاقة تعريفها و جواز سفرها و صورا بمنزلها و صور اخرى على فراش المستشفى كما تمد بالارقام السرية لحسابها باحد البنوك وتشير عليك بمحاميها الذي سيقوم بكل اجراءات تحويل اموالها الى حسابك مقابل ان تصرف نصفه على الايتام و الفقراء ..
حال الاتصال بالمحامي يمدك ايضا باسمه كاملا و عنوانه و مهنته و اختصاصه القانوني وجواز سفره و بطاقة تعريفه و يطلب منك بعض المعطيات ثم الانتظار يومين او ثلاثة ريثما يراجع البنك و يتثبت من مصالح منوبته الفرنسية .بعد يومين او ثلاثة تصل موافقته مرفوقة بوثيقة عدلية لتدوين الهبة تحمل امضاء السيدة الفرنسية و تاريخ ميلادها و عنوانها و عدد بطاقة تعريفها كذلك امضاء المحامي و طابعه و امضاء مدير البنك و طابعه ايضا ويطلب منك الامضاء و الارجاع عبر المايل..
و تفضي هذه العملية الى بعض المكالمات الهاتفية من طرفء” المحامي المزعوم ” ثم يمدك بوثيقة من البنك يطلب منك تحويل 650 يورو اداءات و خلاص مصالح العدل ومعاليم اتعاب المحامي … وهنا تتارجح النقاشات عندما اعلمته ان قانون بلادي يمنع تحويل الاموال الى الخارج يلح ثم يجاول الاستدراج عن طريق صمته يومين او ثلاثة ثم يعود للنقاش و اتمسك بردي فيمدني باسم شخص بتونس قصد ارساله المبلغ عن طريق حوالة سريعة ..اطالبه بهاتف السيد كي امده بالرقم السري للحوالة او اتصل به فيرفض ذلك رفضا قطعيا : هل تكون هذه العصابة ذات جذور ببلادنا ايضا؟ هل يكون هذا الشخص طالبا من اقارب هذا المتحيل ؟ انتهت قصة الهبة هنا.
العملية الكبرى التي كادت تسقطني في الفخ!
لقد ذكرت اني اخترقت هذه العصابات عنوة بهدف تنبيه القراء الاعزاء الى نماذج من عمليات التحيل العالمية و التي تكتسي خطورة جمة نظرا إلى أسباب عديدة لعل اهمها : انها تجمع هياكل كاملة لمنظومات تحيل عالمية تقودها عصابات قد تكون نافذة او ذات صبغة مافيوزية فهي تمسك كل الوثائق المطلوبة في خطتها من شهائد الوفاة الى مراسلات البنوك بشعارها الرسمي و أختامها و امضاءاتها وكذلك مراسلات ووثائق المستشارين القانونيين و المحامين وبعض مصالح الجمارك الاوروبية او غيرها ووثائق بعض وزارات العدل و ايضا بعض المؤسسات العالمية ك “صندوق النقد الدولي” وصور لجوازات السفر و بطاقات التعريف و ايصالات شركات النقل العالمية و المؤسسات المالية الامريكية وكلها وثائق كاملة الشروط و الطوابع و الامضاءات و معرف المؤسسات ( ,les entêtes)
…وهي مستندات يمكنها اقناع مؤسسات دولية لا اشخاصا تغريهم الرغبة في المال و الوصول الى علية القوم ونسيان “روج” حساباتهم البنكية و صعوبات عيشهم في هذا الزمن الرديء !! تطلب “امريكية ” صداقتي عبر الفايس بوك ثم تطلب مني الابحار في الواتساب قصد مزيد النقاش و تبادل الحديث … تمر بضعة ايام ثم تعيد الاتصال لتعلمني انها اطار تدقيق في احد اكبر بنوك نيويورك وانها تمسك بمعطيات هامة جدا لاموال تتعدى المليارات التونسية …وبادرت بسؤالي ان كنت اتقن الانجليزية فاجبتها بالنفي رغم اني اتقنها نسبيا فاشارت لي بان كل الوثائق ستكون باللغة الانجليزية لكن ستترجمها لي إلى الفرنسية.
وبدات خطتها تسير سيرا عاديا و كنت اتابع كل ترجمة للمراسلات الصادرة او الواردة والوثائق الى ان وصل”الملف” الى ضرورة ارسال اصلي وثيقتين تستوجب الاحضار من طرف مستشار وزارة العدل و ال ،بF. M. I ,,,,انطلقت اول عمليات الابتزاز حين طلب المستشار العدلي المزعوم دفع مبلغ مائة الف دولار مسبقا لاستخراج الوثيقتين … اشرت للسيدة بان تحويل الاموال ممنوع ببلادنا ..انقطع الاتصال ثلاثة ايام ثم عادت لتطلب تحويل المبلغ فطلبت منها دفعه مكاني على أن أسدده لها في ما بعد مضاعفا و ذلك حالما يتم تحويل المبلغ الاجمالي الي، زيادة عن تنفيذ اتفاقنا بتقاسم الاموال…
و بعد حوالي ثلاثة ايام ارسلت لي وصلا صادرا عن المستشار ينص على قبض المائة الف دولار من هذه السيدة كما ارسلت لي صورة عن وثيقة رهنية لمنزلها لدي مؤسسة قروض لمدة خمس سنوات و بشرتني انها انهت الموضوع تبعا للاتفاق احضر المستشار الوثيقتين بسرعة وتم ارسالها للبنك الذي اعلمني باستيفاء كل الشروط وانه سيحول الاموال ضمن طرد مضمون الوصول طبقا للقانون الامريكي و لامر صندوق النقد الدولي الذي يمنع تحويل الامول المتعلقة بهذه الحالة الى اي حساب جار وانما يلتزم البنك بايصال الطرد الى المستفيد حتى منزله ( At home)… كما ارفق مراسلته بوصل شركة نقل عالمية مكلفة بايصال الطرد والاموال للمستفيد…
عند هذه المرحلة بالذات ضعفت و اعتقدت لفترة قصيرة انني قد اكون بالغت في التوقي والخوف من عمليات احتيال عالمية وان المعجزات ممكنة في هذه الايام الرديئة التي تعج بالغرائب المتنوعة وبصعود اعداد وافرة من المليارديرات ببلادنا خلال هذه السنوات التي تلت الانتفاضة صرت احلم بطبع كل كتبي النائمة في رفوف الخزانة تحت تافف زوجتي وحلمت ايضا ببعث قناة تحتضن مشاغل الشعب الحقيقية مع “زمرة زملائي الصحفيين” و اشتري لي ضيعة كم حلمت بها منذ صغري.. والغريب ان احدى وثائق البنك وشهادة مؤسسة النقد الدولية بنيويورك تؤكد تبريرا قانونيا لملكية الاموال من طرفي ( ،justification …..فماذا بقي اذن غير انتظار وصول الطرد والاموال؟ ..
كان كل تفكيري الاستقصائي بدا يتخبط بين ضفتين او ثلاثة :
1)انتظار حبكة الاحتيال القادمة حتما بعد تاجيلها لابتلاع الضحية.
2) او ان العملية تستجيب لكل مقومات القواعد الصحيحة انتظرت ثلاثة ايام قبل ان اتصل بوثيقة مؤشرة من مصالح الجمارك الايطالية ومرفوقة بمكتوب من الشركة العالمية للنقل تفيد ان مصالح الديوانة بايطاليا تطالب بدفع 1600 يورو اداء على الطرد (وهو ما يقابل 5000دينار تونسي ..) لتسريحة و ايصاله للمستفيد….. هنا طمانت نفسي بان هذا الصراع القوي مع اعتى العصابات العالمية قد ينتهي قريبا لسببين اساسيين :
—اذا كانت موظفة البنك ليست حلقة في عملية التحيل ودفعت فعلا 100الف دولار امريكي عن طريق قرض لخمس سنوات ورهنية منزلها لتحصل على نصف الثروة زائد ما دفعته مضاعفا من اداء فانها ستفعل المستحيل و تدفع الـ 1600 يورو للديوانة الايطالية بهدف تسريح الطرد.
-الان يستوجب علي مراسلة مصالح الديوانة الايطالية حتى اتاكد من الامر و من وجود الطرد. – وحتى (فرضيا) تم اعلامي لاحقا ان الطرد موجود و يتطلب فعلا دفع رسوم 1600 يورو زائد رسوم التخزين فانه لا احد يضمن بان الطرد يحمل الاموال التي تزعم إرسالها هذه العصابة!!!