جور نار
التونسي والسيارة
نشرت
قبل سنتينفي
من قبل
منصف الخميري Moncef Khemiri“البدوى حرفته الأولى كانت الرعى ثم تطورت للتجارة أو الإغارة، مهن لا تتطلب منطقا وفكرا بقدر ما تتطلب مهارة أداء، لذلك فهو يحفظ لا يدرس، يتعلم بالتقليد والمحاكاة والتكرار، يستخدم سلاحه ويده قبل عقله ولسانه.. البدوى ثقافته سمعية يتلو أقوال وأشعار الغير ولا يعترف بمنطق أو فلسفة، ومن الصعب عليه أن يبتكر أو يسلك طريقا بعيدا عمّا درج عليه والده.”
محمد حسين يونس “التكنولوجيا والعقل البدوي” موقع الحوار المتمدّن
أنا على ما يُشبه اليقين أن التونسي لم يغادر بدويّته تماما في قيادته لسيّارته ونسج وشائج وجدانية معها والتعامل مع باقي مستعملي الطريق العام، وهو لم يقتحم عالم الميكانيك من باب السيطرة على ناصية العلوم وترويض التكنولوجيا وتوظيف المعرفة العلمية الدقيقة لصنع السيارة وما شابهها بل هو الذي اقتحم عليه عالمه البِكر المحكوم بخليط من السّكينة الأزليّة وانعدام السرعة والقدريّة والتبرّك والتعاويذ والأدعية… والعلاقة الحميمية واللحمية المباشرة مع دوابّه وخرفانه، يلمسها في مواضع مختلفة ويتحسّس مواطن اكتنازها ويطوف بها فيما يُشبه التبرّك ويتأمّلها عن بُعد في إعجاب وانبساط.
رصيد اصطلاحي أقرب إلى عالم الزراعة والحيوان لا إلى عالم التكنولوجيا
السيارة لدينا لا تُثير حديثا مطوّلا بين الناس في علاقة بخاصيات الديازال والتيربو والديناميكية الهوائية والمحركات الهجينة والمحروقات الرّديفة والزيوت والسوائل الهيدروليكية ودورة التبريد في السيارة بل ننتشي بإطلاق تسميات من بيئتنا عليها في غير اهتمام مطلقا بعُصارة مسار طويل من الجهد والتفكير والتصميم والخطأ والتجريب ومُنتج آلاف المهندسين النوابغ في مجالاتهم، فهي الشّهبة والعترة والزرقة والدّرعة والغزالة ومقرّبة الأبعاد والتركتور الجدع (المُهرّب من ليبيا) والكميون لنڨر أو الأفطس… ولمّا يهمّ صاحب السيارة بالتحوّل إلى العاصمة يقول “غدوة كان عشنا نلفّتلها خشمها لتونس وباسم الله مرساها ومجراها” إضافة إلى تعليق قرون البقر وذيول الأسماك وحدوة (حذاء) الحصان في الواجهات الأمامية للشاحنات وضرورة “إسالة الدمّ” بمعنى ذبح خروف أو اقتناء كمية محترمة من اللحوم للاحتفاء بقدوم هذا الكائن المُشتهى.
السيارة في مخيالنا العام لا تختلف كثيرا عن الدّابة ونتعامل معها كدابّة أكثر منها كوسيلة نقل تحكمها قوانين اشتغال دقيقة مبنيّة على تعريف الميكانيك منذ القِدم بكونه “فنّ صناعة الآلة“، فترانا نستعمل دوّاسة السرعة كما نستعمل المهماز لحفز الحصان على التقدم والجري ونستعمل الفرامل كما نستعمل اللّجام ونُميل الرأس يمينا أو شمالا عندما تبلغ السيارة سرعة ننبهر بها. بعض السوّاق في ربوعنا لا يقودون سياراتهم وفق “مقتضيات التعاطي مع الآلات المعقّدة غير المحكومة ذاتيا مثل السيارة والحاسوب والهاتف والطائرات التقليدية…” بل يعتبرون أنفسهم فرسانا أشاوس في حالة ركض وسباق (نقول في عاميّتنا نهار الكل الكرهبة يركض بيها ركيض ويبرطع بيها كالحصان)، وهم فرسان لا يُشقُّ لهم غُبار لسرعة عَدْوهم وخفة وطئهم. وقد وصل الأمر ببعض فلاحينا الأثرياء المستثمرين في غراسة التفّاح إلى تنظيم مسابقات في “نطاح سيارات الديماكس” المصفّحة جيدا في واجهاتها الأمامية. وفي علاقة بهذا ربّما كانت سيارات الأجرة في الجماهيرية تُدعى “سيارات الرّكوبة العامة“.
هذا الصنف من السوّاق لا يراعي مقتضيات العلم والتكنولوجيا ولكن خاصة لا يراعي مقتضيات السّير في الفضاء العام الذي يتقاسمه مع سائر المستخدمين للطريق العام. والسلوك المواطني ينبني على جملة من القيم لم يتربّ عليها مثل الكياسة وإفساح المجال والتقيّد بالقواعد الصّارمة التي تواضعت عليها المجتمعات المدنيّة واللطف والتهذيب والاحترام ورِفعة الأخلاق والإسهام قدر الإمكان في تيسير الحركة لا في مزيد تعقيدها. على العكس من ذلك تماما، السائق المتأصّل في بداوته الحرون يركن سيارته كما تُركن البعير ولا يستعمل منبّهات تغيير اتجاه السير لأنه يستبطن أنه يركض في الخلاء المهجور، ولا يعتريه أي شعور بالحرج إن هو أغلق كل منافذ العبور ليتبادل أطراف الحديث العلفي مع صديق له قادم من الاتجاه المقابل أو لينزل بكامل كلكله بحثا عن خبز طازج قُبيل الآذان. وعادة ما ينزعج كثيرا من انزعاجك عندما تجرؤ على إدانة تصرفاته البكماء. أما البيئة فهو مصطلح غريب بالنسبة إليه، يتمثّل الباءة ربما لكنه لا يتورّع البتّة عن إلقاء فضلاته وأعقاب سجائره على حافة الطريق متسببا في مزيد ازدهار التلوث وحرائق حقول الحبوب صيفا.
تعوّدنا في تونس منذ الطفرة الأفغانية التي دعّمناها تونسيا وجزائريا بكل ما أوتينا من تعطش تاريخي لإراقة دماء الآخرين على مشاهد تشبه إلى حدّ كبير ما نراه في شوارع كابول وكاراتشي ولاهور والبنجاب وكشمير حيث تتداخل العربات في بعضها البعض ويختلط المارة وتشتبك الخيالات كأنها كومة من أسلاك معدنية يعسر تخليصها، وتتحوّل واجهات سيارات الأجرة وشاحنات النقل البعيد إلى حيطان لتعليق الدازيباو . فهذا عائد بإذن الله، وذاك يتمنى لك ضعف ما تتمنّاه له، وآخرون يعلقون دعاء ركوب أو تحصين السيارة “سبحان الذي سخّر لنا هذا وما كنّا له مُقرنين، وإنا إلى ربّنا لمُنقلبون” . سُئل في هذا السياق شيخ خليجي عمّا إذا كان هناك دعاء خاص بشراء سيارة جديدة فأجابه “لم يرد نص ثابت أو واضح في شأن شراء سيارة جديدة ، وكل ما ورد فقط هو دعاء ركوب الدابة سواء كانت سيارة أو طائرة أو قطارا أو حيوانا”
السائق لدينا كذلك يُسيئُه التذكّر أن ألمانيّا أو أستراليّا غير مسلم وراء صنع “رُكوبته”، فيُسارع إلى استحضار مُسكّنات ومُهدّئات سريعة الفاعليّة ما دام تراثه يزدحم بكل المبررات الممكنة التي يجيب بها عن كل الانزياحات المُحزنة مثل “تسخير الآخرين لخدمتنا” و”أن أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس” الخ…
السائق التونسي المغوار كذلك لا يتحمل أن تقع مجاوزته بصورة عامة وتكون الطامة الكبرى عندما تكون القائمة بالمجاوزة امرأة، يستشيط غضبا وينسى أن الطريق العام ليس مجالا لاستعراض الفحولة والبطولة… وكم من حادث مروري قاتل ذهبت ضحيته نساء لم يمارسن أكثر من حقّهنّ الطبيعي في السياقة والتوقّف والمجاوزة … وإضفاء مسحة جمالية تُليّن قليلا قتامة المشهد المروري في بلادنا.
وفي مجال مدى وجاهة قيادة المرأة للسيارة، اختلف علماء الأمة وفقهاؤها وأئمّتها وتشابكوا أحيانا، ذلك أنه حين نزول الوحي لم يكن ثمة سيارة، بل كانت الدواب كالإبل والخيل والبغال والحمير.. ولا نجد نصا يقول: “لايجوز للمرأة أن تقود شيئا من هذه الدواب”.. فإذا كان كذلك فالحكم إذن في الأصل هو الإباحة..
ألم نقل إن السيارة في ثقافتنا البعيدة هي مجرد دابّة من الدواب رزقها على الله وكسبها يستدعي كتابة “ما شاء الله”؟
تصفح أيضا
جور نار
العراق: هل يستبق الأخطار المحدقة، أم سيكتفي بتحديد الإخلالات؟
نشرت
قبل 12 ساعةفي
22 نوفمبر 2024محمد الزمزاري:
ستنطلق الحكومة العراقية في تعداد السكان خلال هذه الأيام والذي سيأخذ مدى زمنيا طويلا وربما. تعطيلات ميدانية على مستوى الخارطة. العراقية.
ويعد هذا التعداد السكاني مهمّا ومتأخرا كثيرا عن الموعد الدوري لمثل هذه الإحصائيات بالنسبة لكل بلد… فالعراق لم يقم بتحيين عدد سكانه منذ ما يزيد عن الثلاثين سنة، إذ عرف آخر تعداد له سنة 1991… ونظرا إلى عوامل عدة، فإن قرار القيام بهذا التعداد سيتجنب اي تلميح للانتماءات العرقية أو المذهبية عدا السؤال عن الديانة ان كانت إسلامية او مسيحية… وقد أكد رئيس الحكومة العراقية أن التعداد السكاني يهدف إلى تحديد أوضاع مواطني العراق قصد رصد الاخلالات و تحسين الخدمات وايضا لدعم العدالة الاجتماعية.
لعل اول مشكلة حادة تقف في وجه هذا التعداد العام، هو رفض الجانب الكردي الذي يضمر أهدافا و يسعى إلى التعتيم على أوضاع السكان في كردستان و في المنطقة المتنازع عليها بين العرب والأكراد و التركمان… خاصة أيضا ان اكثر من ثمانية أحياء عربية في أربيل المتنازع عليها، قد تم اخلاؤها من ساكنيها العرب وإحلال الأكراد مكانهم…
هذا من ناحية… لكن الأخطر من هذا والذي تعرفه الحكومة العراقية دون شك أن الإقليم الكردي منذ نشاته و”استقلاله” الذاتي يرتبط بتعاون وثيق مع الكيان الصهيوني الذي سعى دوما إلى تركيز موطئ قدم راسخ في الإقليم في إطار خططه الاستراتيجية.. وان مسؤولي الإقليم الكردي يسمحون للصهاينة باقتناء عديد الأراضي و المزارع على شاكلة المستعمرات بفلسطين المحتلة… وان قواعد الموساد المركزة بالاقليم منذ عشرات السنين ليست لاستنشاق نسيم نهر الفرات ! ..
أمام الحكومة العراقية إذن عدد من العراقيل والاولويات الوطنية والاستشرافية لحماية العراق. و قد تسلط عملية التعداد السكاني مثلما إشار إليه رئيس الحكومة العراقية الضوء على النقائص التي تتطلب الإصلاح و التعديل والحد من توسعها قبل أن يندم العراق ويلعنوا زمن الارتخاء وترك الحبل على الغارب ليرتع الصهاينة في جزء هام من بلاد الرافدين.
عبد الكريم قطاطة:
فترة التسعينات كانت حبلى بالاحداث والتغييرات في مسيرتي المهنية منها المنتظر والمبرمج له ومنها غير المنتظر بتاتا …
وانا قلت ومازلت مؤمنا بما قلته… انا راض بأقداري… بحلوها وبمرّها… ولو عادت عجلة الزمن لفعلت كلّ ما فعلته بما في ذلك حماقاتي واخطائي… لانني تعلمت في القليل الذي تعلمته، انّ الانسان من جهة هو ابن بيئته والبيئة ومهما بلغت درجة وعينا تؤثّر على سلوكياتنا… ومن جهة اخرى وحده الذي لا يعمل لا يخطئ… للتذكير… اعيد القول انّه وبعد ما فعله سحر المصدح فيّ واخذني من دنيا العمل التلفزي وهو مجال تكويني الاكاديمي، لم انس يوما انّني لابدّ ان اعود يوما ما الى اختصاصي الاصلي وهو العمل في التلفزيون سواء كمخرج او كمنتج او كلاهما معا… وحددت لذلك انقضاء عشر سنوات اولى مع المصدح ثمّ الانكباب على دنيا التلفزيون بعدها ولمدّة عشر سنوات، ثمّ اختتام ما تبقّى من عمري في ارقى احلامي وهو الاخراج السينمائي…
وعند بلوغ السنة العاشرة من حياتي كمنشط اذاعي حلّت سنة 1990 لتدفعني للولوج عمليا في عشريّة العمل التلفزي… ولانني احد ضحايا سحر المصدح لم استطع القطع مع هذا الكائن الغريب والجميل الذي سكنني بكلّ هوس… الم اقل آلاف المرات انّ للعشق جنونه الجميل ؟؟ ارتايت وقتها ان اترك حبل الوصل مع المصدح قائما ولكن بشكل مختلف تماما عما كنت عليه ..ارتايت ان يكون وجودي امام المصدح بمعدّل مرّة في الاسبوع ..بل وذهبت بنرجسيتي المعهودة الى اختيار توقيت لم اعتد عليه بتاتا ..نعم اخترت الفضاء في سهرة اسبوعية تحمل عنوان (اصدقاء الليل) من التاسعة ليلا الى منتصف الليل …هل فهمتم لماذا وصفت ذلك الاختيار بالنرجسي ؟؟ ها انا افسّر ..
قبل سنة تسعين عملت في فترتين: البداية كانت فترة الظهيرة من العاشرة صباحا حتى منتصف النهار (والتي كانت وفي الاذاعات الثلاث قبل مجيئي فترة خاصة ببرامج الاهداءات الغنائية)… عندما اقتحمت تلك الفترة كنت مدركا انيّ مقدم على حقل ترابه خصب ولكنّ محصوله بائس ومتخلّف ..لذلك اقدمت على الزرع فيه … وكان الحصاد غير متوقع تماما ..وتبعتني الاذاعة الوطنية واذاعة المنستير وقامت بتغييرات جذرية هي ايضا في برامجها في فترة الضحى .. بل واصبح التنافس عليها شديدا بين المنشطين ..كيف لا وقد اصبحت فترة الضحى فترة ذروة في الاستماع … بعد تلك الفترة عملت ايضا لمدة في فترة المساء ضمن برنامج مساء السبت … ولم يفقد انتاجي توهجه ..وعادت نفس اغنية البعض والتي قالوا فيها (طبيعي برنامجو ينجح تي حتى هو واخذ اعزّ فترة متاع بثّ) …
لذلك وعندما فكّرت في توجيه اهتمامي لدنيا التلفزيون فكرت في اختيار فترة السهرة لضرب عصفورين بحجر واحد… الاول الاهتمام بما ساحاول انتاجه تلفزيا كامل ايام الاسبوع وان اخصص يوما واحدا لسحر المصدح ..ومن جهة اخرى وبشيء مرة اخرى من النرجسية والتحدّي، اردت ان اثبت للمناوئين انّ المنشّط هو من يقدر على خلق الفترة وليست الفترة هي القادرة على خلق المنشط ..وانطلقت في تجربتي مع هذا البرنامج الاسبوعي الليلي وجاءت استفتاءات (البيان) في خاتمة 1990 لتبوئه و منشطه المكانة الاولى في برامج اذاعة صفاقس .. انا اؤكّد اني هنا اوثّق وليس افتخارا …
وفي نفس السياق تقريبا وعندما احدثت مؤسسة الاذاعة برنامج (فجر حتى مطلع الفجر) وهو الذي ينطلق يوميا من منتصف الليل حتى الخامسة صباحا، و يتداول عليه منشطون من الاذاعات الثلاث… طبعا بقسمة غير عادلة بينها يوم لاذاعة صفاقس ويوم لاذاعة المنستير وبقية الايام لمنشطي الاذاعة الوطنية (اي نعم العدل يمشي على كرعيه) لا علينا … سررت باختياري كمنشط ليوم صفاقس ..اولا لانّي ساقارع العديد من الزملاء دون خوف بل بكلّ ثقة ونرجسية وغرور… وثانيا للتاكيد مرة اخرى انّ المنشط هو من يصنع الفترة ..والحمد لله ربحت الرهان وبشهادة اقلام بعض الزملاء في الصحافة المكتوبة (لطفي العماري في جريدة الاعلان كان واحدا منهم لكنّ الشهادة الاهمّ هي التي جاءتني من الزميل الكبير سي الحبيب اللمسي رحمه الله الزميل الذي يعمل في غرفة الهاتف بمؤسسة الاذاعة والتلفزة) …
سي الحبيب كان يكلمني هاتفيا بعد كل حصة انشطها ليقول لي ما معناه (انا نعرفك مركّب افلام باهي وقت كنت تخدم في التلفزة اما ما عرفتك منشط باهي كان في فجر حتى مطلع الفجر .. اما راك اتعبتني بالتليفونات متاع المستمعين متاعك، اما مايسالش تعرفني نحبك توة زدت حبيتك ربي يعينك يا ولد) … في بداية التسعينات ايضا وبعد انهاء اشرافي على “اذاعة الشباب” باذاعة صفاقس وكما كان متفقا عليه، فكرت ايضا في اختيار بعض العناصر الشابة من اذاعة الشباب لاوليها مزيدا من العناية والتاطير حتى تاخذ المشعل يوما ما… اطلقت عليها اسم مجموعة شمس، واوليت عناصرها عناية خاصة والحمد لله انّ جلّهم نجحوا فيما بعد في هذا الاختصاص واصبحوا منشطين متميّزين… بل تالّق البعض منهم وطنيا ليتقلّد عديد المناصب الاعلامية الهامة… احد هؤلاء زميلي واخي الاصغر عماد قطاطة (رغم انه لا قرابة عائلية بيننا)…
عماد يوم بعث لي رسالة كمستمع لبرامجي تنسمت فيه من خلال صياغة الرسالة انه يمكن ان يكون منشطا …دعوته الى مكتبي فوجدته شعلة من النشاط والحيوية والروح المرحة ..كان انذاك في سنة الباكالوريا فعرضت عليه ان يقوم بتجربة بعض الريبورتاجات في برامجي .. قبل بفرح طفولي كبير لكن اشترطت عليه انو يولي الاولوية القصوى لدراسته … وعدني بذلك وسالته سؤالا يومها قائلا ماذا تريد ان تدرس بعد الباكالوريا، قال دون تفكير اريد ان ادرس بكلية الاداب مادة العربية وحلمي ان اصبح يوما استاذ عربية ..ضحكت ضحكة خبيثة وقلت له (تي هات انجح وبعد يعمل الله)… وواصلت تاطيره وتكوينه في العمل الاذاعي ونجح في الباكالوريا ويوم ان اختار دراسته العليا جاءني ليقول وبكلّ سعادة …لقد اخترت معهد الصحافة وعلوم الاخبار… اعدت نفس الضحكة الخبيثة وقلت له (حتّى تقللي يخخي؟) واجاب بحضور بديهته: (تقول انت شميتني جايها جايها ؟؟)… هنأته وقلت له انا على ذمتك متى دعتك الحاجة لي ..
وانطلق عماد في دراسته واعنته مع زملائي في الاذاعة الوطنية ليصبح منشطا فيها (طبعا ايمانا منّي بجدراته وكفاءته)… ثم استنجد هو بكلّ ما يملك من طاقات مهنية ليصبح واحدا من ابرز مقدمي شريط الانباء… ثم ليصل على مرتبة رئيس تحرير شريط الانباء بتونس 7 ..ويوما ما عندما فكّر البعض في اذاعة خاصة عُرضت على عماد رئاسة تحريرها وهو من اختار اسمها ..ولانّه لم ينس ماعاشه في مجموعة شمس التي اطرتها واشرفت عليها، لم ينس ان يسمّي هذه الاذاعة شمس اف ام … اي نعم .عماد قطاطة هو من كان وراء اسم شمس اف ام …
ثمة ناس وثمة ناس ..ثمة ناس ذهب وثمة ناس ماجاوش حتى نحاس ..ولانّي عبدالكريم ابن الكريم ..انا عاهدت نفسي ان اغفر للذهب والنحاس وحتى القصدير ..وارجو ايضا ان يغفر لي كل من اسأت اليه ..ولكن وربّ الوجود لم اقصد يوما الاساءة ..انه سوء تقدير فقط …
ـ يتبع ـ
عبد الكريم قطاطة:
المهمة الصحفية الثانية التي كلفتني بها جريدة الاعلان في نهاية الثمانينات تمثّلت في تغطية مشاركة النادي الصفاقسي في البطولة الافريقية للكرة الطائرة بالقاهرة …
وهنا لابدّ من الاشارة انها كانت المرّة الوحيدة التي حضرت فيها تظاهرة رياضية كان فيها السي اس اس طرفا خارج تونس .. نعم وُجّهت اليّ دعوات من الهيئات المديرة للسفر مع النادي وعلى حساب النادي ..لكن موقفي كان دائما الشكر والاعتذار ..واعتذاري لمثل تلك الدعوات سببه مبدئي جدا ..هاجسي انذاك تمثّل في خوفي من (اطعم الفم تستحي العين)… خفت على قلمي ومواقفي ان تدخل تحت خانة الصنصرة الذاتية… اذ عندما تكون ضيفا على احد قد تخجل من الكتابة حول اخطائه وعثراته… لهذا السبب وطيلة حياتي الاعلامية لم اكن ضيفا على ايّة هيئة في تنقلات النادي خارج تونس ..
في رحلتي للقاهرة لتغطية فعاليات مشاركة السي اس اس في تلك المسابقة الافريقية، لم يكن النادي في افضل حالاته… لكن ارتأت ادارة الاعلان ان تكلّفني بمهمّة التغطية حتى اكتب بعدها عن ملاحظاتي وانطباعاتي حول القاهرة في شكل مقالات صحفية… وكان ذلك… وهذه عينات مما شاهدته وسمعته وعشته في القاهرة. وهو ما ساوجزه في هذه الورقة…
اوّل ما استرعى انتباهي في القاهرة انّها مدينة لا تنام… وهي مدينة الضجيج الدائم… وما شدّ انتباهي ودهشتي منذ الساعة الاولى التي نزلت فيها لشوارعها ضجيج منبهات السيارات… نعم هواية سائقي السيارات وحتى الدراجات النارية والهوائية كانت بامتياز استخدام المنبهات… ثاني الملاحظات كانت نسبة التلوّث الكثيف… كنت والزملاء نخرج صباحا بملابس انيقة وتنتهي صلوحية اناقتها ونظافتها في اخر النهار…
اهتماماتي في القاهرة في تلك السفرة لم تكن موجّهة بالاساس لمشاركة السي اس اس في البطولة الافريقية للكرة الطائرة… كنا جميعا ندرك انّ مشاركته في تلك الدورة ستكون عادية… لذلك وجهت اشرعة اهتمامي للجانب الاجتماعي والجانب الفنّي دون نسيان زيارة معالم مصر الكبيرة… اذ كيف لي ان ازور القاهرة دون زيارة خان الخليلي والسيدة زينب وسيدنا الحسين والاهرام… اثناء وجودي بالقاهرة اغتنمت الفرصة لاحاور بعض الفنانين بقديمهم وجديدهم… وكان اوّل اتصال لي بالكبير موسيقار الاجيال محمد عبد الوهاب رحمه الله… هاتفته ورجوت منه امكانية تسجيل حوار معه فاجابني بصوته الخشن والناعم في ذات الوقت معتذرا بسبب حالته الصحية التي ليست على ما يرام…
لكن في مقابل ذلك التقيت بالكبير محمد الموجي بمنزله وقمت بتسجيل حوار معه ..كان الموجي رحمه الله غاية في التواضع والبساطة… لكن ما طُبع في ذهني نظرته العميقة وهو يستمع اليك مدخّنا سيجارته بنهم كبير… نظرة اكاد اصفها بالرهيبة… رهبة الرجل مسكونا بالفنّ كما جاء في اغنية رسالة من تحت الماء التي لحنها للعندليب… نظرة المفتون بالفن من راسه حتى قدميه…
في تلك الفترة من اواخر الثمانينات كانت هنالك مجموعة من الاصوات الشابة التي بدات تشق طريقها في عالم الغناء ..ولم اترك الفرصة تمرّ دون ان انزل ضيفا عليهم واسجّل لهم حوارات… هنا اذكر بانّ كلّ التسجيلات وقع بثها في برامجي باذاعة صفاقس… من ضمن تلك الاصوات الشابة كان لي لقاءات مع محمد فؤاد، حميد الشاعري وعلاء عبدالخالق… المفاجأة السارة كانت مع لطيفة العرفاوي… في البداية وقبل سفرة القاهرة لابدّ من التذكير بانّ لطيفة كانت احدى مستمعاتي… وعند ظهورها قمت بواجبي لتشجيعها وهي تؤدّي انذاك وباناقة اغنية صليحة (يا لايمي عالزين)…
عندما سمعت لطيفة بوجودي في القاهرة تنقلت لحيّ العجوزة حيث اقطن ودعتني مع بعض الزملاء للغداء ببيتها… وكان ذلك… ولم تكتف بذلك بل سالت عن احوالنا المادية ورجتنا ان نتصل بها متى احتجنا لدعم مادي… شكرا يا بنت بلادي على هذه الحركة…
اختم بالقول قل ما شئت عن القاهرة.. لكنها تبقى من اعظم واجمل عواصم الدنيا… القاهرة تختزل عبق تاريخ كلّ الشعوب التي مرّت على اديمها… نعم انها قاهرة المعزّ…
ـ يتبع ـ
اختتام الدورة الثامنة لمنتدى المؤسسات Enicarthage
تونس: مؤتمر وطني حول ريادة الأعمال النسائية
بعد 61 عاما… هل يكشف ترامب عن معطيات جديدة حول مقتل “جون كينيدي”؟
النفيضة: وقفة احتجاجية لأهالي “دار بالواعر”… على خلفية سقوط تلميذ من حافلة
حرب أوكرانيا… رسالة روسية في شكل صاروخ قادر على الدمار الشامل
استطلاع
صن نار
- اقتصادياقبل 46 دقيقة
اختتام الدورة الثامنة لمنتدى المؤسسات Enicarthage
- اقتصادياقبل 5 ساعات
تونس: مؤتمر وطني حول ريادة الأعمال النسائية
- صن نارقبل 5 ساعات
بعد 61 عاما… هل يكشف ترامب عن معطيات جديدة حول مقتل “جون كينيدي”؟
- داخلياقبل 5 ساعات
النفيضة: وقفة احتجاجية لأهالي “دار بالواعر”… على خلفية سقوط تلميذ من حافلة
- صن نارقبل 5 ساعات
حرب أوكرانيا… رسالة روسية في شكل صاروخ قادر على الدمار الشامل
- صن نارقبل 5 ساعات
لندن.. “طرد مشبوه” يتم تفجيره قرب السفارة الأمريكية
- صن نارقبل 6 ساعات
بعد وقف الإجراءات الإدارية ضدهم… الاحتلال يطلق أيدي المستوطنين في الضفة الغربية
- صن نارقبل 7 ساعات
الجنائية الدولية تأمر بإيقاف نتنياهو، والكيان يتهمها بمعاداة السامية!