لمْسُ نار

“الجمهور عاوز كده”

نشرت

في

انتقادات لحرمان النائبة بوهلال من العلاج قبل التراجع عن ذلك

في كندا يوجد حزبان يتنافسان منافسة شرسة على الحكم في المستوى الفيدرالي وفي مستوى المقاطعات، هما الحزب الليبيرالي و حزب المحافظين و هما الحزبان اللذان تقاسما الحكم الفيدرالي على امتداد التاريخ الكندي الحديث.

<strong>عبير عميش<strong>

رغم العداء الكبير بينهما وحدّة التنافس، إلاّ أنّ قيادات كلّ حزب منهما لا تبخل على مدّ يد المساعدة للحزب المنافس حينما يكون في الحكم وذلك كي يساعده في المفاوضات الخارجية خاصة مع الإدارة الأمريكية، و رغم أنّ ثمار هذه المفاوضات المضنية ستُحسب سياسيّا لمصلحة الحزب الماسك بالحكومة إلاّ أنّ الحزب المعارض لا يفكّر في ذلك و يضع نصب عينيه المصلحة العليا لكندا و تحقيق إشعاعها و تطوير مكانتها في العالم … و هنا يتجسد مفهوم المواطنة الحقيقي. أما في تونس فقد نضحي بالدولة من أجل ضرب الخصوم

و ما التعاليق المتباينة  و التفاعلات و التفاعلات المضادة المتعلقة بتأجيل القمة الفرنكوفونية و تخفيض موديز للترقيم الإئتماني لتونس،  و نقاشات الكونغرس الأمريكي و تصويت البرلمان الأوروبي،  و قرارات فرض الإقامة الجبرية على بعض المسؤولين السابقين ثمّ رفعها ، و محاكمة بعض الأسماء المعروفة  … إلا دليل على أننا نولي المصالح الذاتية و تسجيل النقاط الحزبية أكبر مما نوليه لصورة تونس و مكانتها خارجيا،  و على ارتفاع منسوب العنف المعنوي و الحقد و التوتّر بين أفراد شعبنا فحتّى المحاكمات خرجت من نطاق القضاء لتصبح محاكمات شعبية في الإدارات و المقاهي و في الفضاءات الافتراضيّة  و لتصبح الوثائق الشخصية و نسخ المعاملات الإدارية منشورة على قارعة طريق  صفحات التواصل الاجتماعي .. فمن  سمح بتسريبها من الإدارات و المؤسسّات ؟ من يعمل على تركيز دوائر اتهام موازية و قضاء مواز ؟ من يعيب على النهضة تركيزها لما يسمّى بقضاء البحيري و يعمل اليوم على النسج على نفس المنوال  بتركيز قضاء خاضع للضغوط و التعليمات من جديد ؟ لماذا لا نتعظ من أخطاء الماضي و مما حدث في 2011 من حملات ثلب و تشويه لعديد المسؤولين الذين لم ينصفهم القضاء إلا بعد سنوات ؟؟  لكن لا بأس فيكفينا أن الجمهور ” عاوز كده ” و ليذهب المتّهمون إلى الجحيم ….

كيف يمكن أن نتعايش و أن نتحاور و نحن مسكونون بهاجس الانتقام و الثأر ؟؟ و كيف سيكون هذا الحوار المنشود الذي قضينا سنوات نسمع به دون أن يتجسّد فعليّا ؟ و كلّ ما نرجوه هو أن لا يكون مما يصحّ عليه القول ” أن تسمع بالمعيديّ خير من أن تراه “

هذا الحوار الذي ظل طويلا محل تجاذب بين رئيس الجمهورية و عديد الأطراف السياسية و المنظمات الاجتماعية و من أبرزها اتحاد الشغل . لكنّ الرئيس قال كلمته الأخيرة  منذ يومين أثناء إشرافه على مجلس الوزراء الأخير حيث أكد أنّ الحوار الذي يعتزم القيام به لن يشبه أي حوار سابق و سيتمّ  وفق آليات مخصوصة سيصدر فيها أمر رئاسي بعد شهر أو اثنين أو ثلاثة …و سيكون محدّدا بسقف زمني فلن يستمر إلا ثلاثة أشهر أو خمسة حسب قوله ليُعقد بعده مؤتمر وطني يقع فيه التأليف بين كلّ المطالب … و حسب القليل الذي  نعلمه عن توجهات الرئيس و تصوّراته فقد يعقب هذا المؤتمرَ استفتاء شعبي ليضفي مشروعيّة على مقترحاته حول النظامين السياسي و الانتخابي ّ و هذا يعني أن سنة أخرى ستنقضي قبل أن يعرف الحوار نهايته ..

 فلم يتعمّد الرئيس إطالة أمد هذه الفترة الاستثنائيّة التي فرضها بقوّة وسائل الدّولة و سلطها التي جمّعها بين يديه  و بفرضه لسياسة الأمر الواقع على الجميع ؟؟

هل هو في انتظار أن تجهز تنسيقياته و أن يُتمّ شباب ما يطلق عليه اسم “حزب قيس سعيّد ” اجتماعاتهم و جولاتهم التفسيرية التي شرعوا في القيام بها في الفترة الأخيرة في مختلف مناطق و ولايات الجمهورية ( و لن نتساءل اليوم عن المكلّفين بالتنظيم و لا عن تمويل اللقاءات و التنقلات و كراء قاعات النزل ) ؟؟

ثمّ كيف سيتثبّت الرئيس من هويّات المشاركين في الحوار؟ و كيف سيتأكّد أن شباب الأحزاب و الجهات التي يرفضها لن يشارك في هذا الحوار؟ كيف سيتمكّن من إقصائهم و بأية آليات ؟ كيف سيضمن نقاوة الفكرة ؟ ماذا سيفعل و كيف سيتصرّف إن لم تُفضِ نتائج الحوار إلى ما يريده هو ؟ و لم تتلاءم مع مشروعه السياسي و الانتخابي ؟؟

إنّ الرئيس على ما يبدو يريده حوارا على المقاس … حوارا يتوقّع نتائجه  حتّى قبل أن يبدأ ،حوارا بدأ أنصاره في التمهيد له في انتظار إصدار المراسيم القانونية التي تضمن لهم النتائج المرجوّة و هو ما يجعله يتعمّد تعطيل حل مجلس النواب حتى لا يضطرّ إلى إجراء انتخابات مبكرة  قبل أن يكون مشروعه جاهزا ( هذا إن قرر إجراء انتخابات فهو يرفض فكرة وجود البرلمان و الأجسام الوسيطة بينه و بين الشعب )، و هو بذلك يتسببّ في تعطيل حياة مجموعة من النّواب الذين لا ذنب لهم إلا أنّ الشعب اختارهم لتمثيله ، ففقدوا بإجراءات سعيّد الاستثنائيّة مناصبهم و منحهم كنوّاب و لم يتمكنوا من العودة إلى أعمالهم و استرداد حقوقهم كمواطنين عاديين فخسروا أجورهم و فقدوا موارد رزقهم و صارت عائلاتهم تعاني الخصاصة و خسروا تأمينهم الصحّيّ  بل إن بعضهم صار مهدّدا بالسجن لعدم تسديد قروضه البنكيّة … إنّ  ما يُسلّط على النواب ليس سوى عقوبة جماعيّة لمن أذنب و من لم يذنب… و العقوبة الجماعيّة ليست من العدل و لا من الإنسانيّة  في شيء . فليس على الدّولة سوى أن تحاسب من ثبت تورّطه و تسوّي وضعية البقية لا أن تتركهم أشبه بالرهائن “لا معرّسين ، لا مطلّقين” … و لكن لا بأس فليموتوا جوعا و مرضا مادامت جوقة المطبلين راضية تختلق له المبرّر تلو المبرّر  ، و مادام جمهور الحقد و التشفي “عاوز كده”

فهل يقع الشعب في فخّ النظام المجالسي المقترح؟

قضية النّائبة هاجر بوهلال كشفت حجم الحقد و التشفّي في قلوب فئة كبيرة من الشعب التونسي   فما معنى أن تتشفى في مريض بدعوى أنه كان جزءا من برلمان فاسد ؟ هل أثبت فساده الشخصيّ ؟ لا لا أعتقد … و حتى و إن أثبتّ ذلك فالصحّة و تلقي العلاج حق لا جدال فيه

انقر للتعليق

صن نار

Exit mobile version