هل حاول بعضنا أن يتخيّل ما يعانيه الاشخاص ذوو الإعاقة؟ هل يدور بخلدنا حجم المشاق و الصعوبات الحياتية اليومية التي تعترضهم لا سيما في البيئات غير المستجيبة لاحتياجاتهم في التنقل و الحركة و التواصل و النشاطات الحيوية الأخرى التي يقوم بها الناس طوال الوقت؟
في حين تجري الأمور بصورة سلسة و بديهية لأغلب الناس الأسوياء، يواجه ذوو الاحتياجات الخاصة صعوبات كبيرة، مقيتة و ظالمة في كثير من الأحيان خصوصا في الدول التي لا تضع على سلم أولوياتها مراعاة هذه الفئة الوازنة منأي مجتمع، فضلا عن المجتمعات التي تشتعل فيها الحروب أو الاضطرابات الاجتماعية … ففي بلادنا أقرّ القانون التوجيهي للمعاقين لسنة 2005 في فصله عدد 2 ـ أن “الشخص المعوق هو كل شخص له نقص دائم في القدرات و المؤهلات البدنية أو العقلية أو الحسية ولد به أو لحق به بعد الولادة يحد من قدرته على أداء نشاط أو أكثر من الأنشطة الأساسية اليومية الشخصية أو الاجتماعية و يقلص من فرص إدماجه في المجتمع”.
كما اعتبر في فصله عدد 3 أن المسؤولية الوطنية في هذا المجال تتمثل في:
ـ الوقاية من الإعاقة و الكشف المبكر عنها و الحد من انعكاساتها،
ـ حماية الأشخاص المعوقين من الاستغلال الاقتصادي و الجنسي و التشرد و الإهمال و التخلي،
ـ تأمين الخدمات الصحية و الاجتماعية لهم،
ـ تأهيلهم و تربيتهم و تعليمهم و تكوينهم المهني،
ـ تشغيلهم و إدماجهم في الحياة العامة،
ـ توفير ظروف العيش الكريم لهم و النهوض بهم. و تتضافر جهود الأسرة و الدولة و الجماعات المحلية و المنشآت و المؤسسات العمومية والمؤسسات الخاصة و المنظمات الوطنية و الجمعيات و الأفراد و الأشخاص المعوقون لتجسيم هذه المسؤولية الوطنية”.
و لكن… ماذا هيّأت الدولة – و خاصة بعد الثورة – لهذه الفئة؟ لاشيء .. أو النزر اليسير … فالإعاقة تجعلُ المصاب بها حَبيسَ منزله أو المؤسسة التي تحتضنه … و لا يغادر “سجنه” إلاّ لِمامًا… لأنّ “دولة الاستقلال” المجيدة لم تقُم بواجبها نحوه، فالتأهيل و التربية و التعليم و التكوين المهني و التشغيل والادماج في الحياة العامة” بقيت حبرا على ورق و شعارات جوفاء رفعها ممثلو تونس في المحافل الدولية لتلميع صورتنا كبلد يحترم المعاقين و يستجيب للمعايير الدولية… إذ أنّ المعاق في تونس لا يجد من رعاية الدولة إلاّ حدّها الأدنى في مؤسسات الرعاية الاجتماعية و كثيرا من التجاهل لمن هم في عائلاتهم و خاصة العائلات المعوزة حيث يشقى الأسوياء لتحقيق المتطلبات الضرورية لحياتهم فيما لا يقدر الأشخاص المعاقون على ماهو أقلّ من الضروري. فلا غرابة أن نراهم في شوارعنا يتسّلون “ويعرضون” إعاقاتهم على الناس طبعا في قليل من المال… وسط من يرقّ قلبه لحالهم و من ينهرهم أو يحتقرهم.
إن الإعاقة عبء ثقيل على حامِلها و أرقٌ متواصل لعائلته، و لايُمكن لسويٍّ أن يشعر بمعاناة المعاقين إلاّ إذا خاض التجربة الفريدة التي ينصح بها الخبراء: و هي أن يبقى يوما كاملا معصوب العينين أو مكتوف اليدين و الرجلين ثمّ يحاول أن يقضي حوائجه بشكل عادي دون مساعدة أحد … قطعا لن يستطيع و سيُلاقي صعوبات لم يكن ليتخيّلها و عندها فقط سيتساءلُ كيف يتحمّل الشخص المعاق الحياة في “سجن” مفتوح على المجهول و إلى مدى غير منظورٍ … و لنتذكّر أنّ كلّ التونسيين ضجروا من الحجر الشامل الذي دام ثلاثة أشهر فقط وتعالت أصواتهم رفضا لهذه الوضعية غير العادية …
فإذا كان هذا هو ردّ الفعل عن سجن مفتوح لثلاثة أشهر ، فما هو شعور من ألقت به الأقدار في سجن مفتوح طول عمره؟؟