جور نار

الخيال الديمقراطي عند العرب

نشرت

في

رغم نفوري الشديد من تسعة أعشار ما يفعله و ما يفوه به سياسيونا بمختلف أجيالهم و قاماتهم، فإني لا أرى موجبا لأن تنساق مؤسساتنا الزجرية (شرطة، قضاء، ضرائب …) وراء الداعين لمعاقبة هذا أو ذاك على رأي أو موقف … و أنكى من ذلك، فهم أنفسهم من يطالبون بحبس بعضهم البعض و حتى سحلهم في الشارع، و يتجلّى ذلك في لوحة من السهام بمختلف الاتجاهات … أو من الأصابع كل منها يشير إلى الفريق المقابل قائلا: اشنقوهم …

<strong>عبد القادر المقري<strong>

لست من كبار المنظّرين و لا من صغارهم، و لكنني أعتقد أن الديمقراطية تُختصر في بضعة أسئلة تطارحتها شعوب و قبائل من أوّل التاريخ … و قُطعت لأجلها رقاب فلاسفة و متكلّمة و حتى فقهاء من ذوي العلم الراسخ كما يقال … و نتجت عنها ثورات أطاحت بأنظمة و جاءت بأنظمة و هناك من اتعظ و هناك من لم يتّعظ … و من سوء حظنا أننا كنّا ـ عربا عاربة و مستعربة ـ دوما من الفئة الثانية الخاسرة … إذ أن دول الشمال تحتفل اليوم بفولتير و روسو و مونتسكيو و ديدرو و بايكون … في حين ما زالت مدارسنا تحذّر تلاميذها من فتنة العيارين و الزنج و القرامطة و صاحب الحمار …

هذه الأسئلة اللعينة يمكن استذكار البعض منها سريعا:

1) ما معنى عبارة “نشر قيم التسامح” التي يرددونها عندنا في كل قيام و قعود؟ تسامح من مع من؟ و لماذا أنتظر منك أن تسامحني؟ هل قتلت أباك مثلا أو غُرت لك على طَبّة أرض؟ أو لأني مختلف عنك لا غير؟

2) هل يجوز أو لا يجوز، أن تكون لنا معارضة؟ مع الملاحظ أن “المعارضة” ليست صفة دائمة بل هي تداول لا تعرف في نصيب من سيقع بعد كل اقتراع …

3) هل المعارضة تعني ـ في جميع اللغات ـ شيئا آخر عدا أنني ضدّك و أسعى لتكذيبك و إسقاطك و الحلول محلّك؟ و ماذا سيبقى منها لو وافقتك و صعدتُ إلى السدّة جنب سيادتك أو تحتها بدرجة؟ ألا نخجل من غضب القواميس السياسية و غير السياسية؟ و لو غاب عنّا الخجل كالمعتاد، ألا نخشى وابلا من حجارة ناخبينا؟

4) في تعريفاتنا الشائعة للديمقراطية، نقتصر عادة على حرية التعبير … فينبري أعداؤها يستعيذون بالله من ذلك و يذهبون بك مباشرة إلى أقاصي الحريات و أعلاها شذوذا … أو ينحرفون بك فورا إلى شيطنة التعبير من خلال تذكيرك بإمكانية السبّ و هتك الأعراض و تهديد الأمن … فهل توافقهم أوّلا على أن الحرية سائبة بشعة إلى هذا الحدّ؟ و ثانيا متى كانت الديمقراطية هي فقط هذا؟

5) هؤلاء الرافضة، أليسوا هم أنفسهم من يفعلون ما يفعلون و يقولون ما يقولون رافعين شعار الحريات … كلما جاء دورهم في استغلالها لصالحهم؟  

6) لماذا نغفل أن واضعي مبادئ الديمقراطية الحديثة، ركّزوا على مراقبة السلطات لبعضها البعض، و أن لا أحد منها فوق المحاسبة مهما علا … و أنه لا بدّ لكل سلطة من سلطة مضادة و إلاّ فهو استبداد؟

7) الدساتير في العالم المتقدّم تحمي الشعوب من حاكميها … فلماذا في بلداننا يقع العكس، و توضع الدساتير فقط لتحصين من يحكُم؟

8) حين تشتدّ أزمة و يتحتّم حوار، هل يكون بين المتناقضين المتخاصمين المتعاركين و أشدّهم خاصة … أم بين الأصحاب و الخلاّن؟ ألا يصبح الحوار وقتها “مونولوغ” أو مسامرة أو منادمة أو مخادنة بلغة شرطة الآداب؟

9) نحن أكثر الناس استعمالا لكلمتيْ الوطن و الوطنية … فهل نفسخ خريطة البلاد و نضع مكانها اسم شخص و لقبه (بل ألقابه المتكاثرة بعد الحكم) و صورته و عائلته و حاشيته و شاهيته و شهاويه؟ و هل يصبح هؤلاء هم الوطن، و من خالفهم أو راجعهم أو ناقشهم خائنا للوطن؟

و تستمرّ الأسئلة لتصل خاصة إلى ما قاله أدونيس ذات مرة: لا نريد ديمقراطية التسامح بل ديمقراطية المساواة، مساواة الجميع أمام القانون …

جميل و لكن … من يكتب القوانين عندنا؟ و لفائدة من؟

انقر للتعليق

صن نار

Exit mobile version