محمد الزمزاري:
يرتفع اللغط والمطالبة بمنع استعمال السيارات الإدارية من حين لآخر ووصل الأمر حتى إلى تقديم احصائيات تصب في اتجاه الدعوة إلى حذفها.
ورغم ان نية المعارضين لاستعمال السيارات الإدارية قد تكون الحرص على ميزانية الدولة، فإن الأمر ليس بالبساطة التي يتخيلها البعض، بل يستوجب تسليط الضوء على هذه المعضلة التي اسالت كثيرا من “الحبر الغاضب” وحشرت كل الموظفين مستعملي السيارة الإدارية في خانة المخلّين بالقانون. فلكل قطاع من قطاعات الدولة خصوصيته ومتطلباته كما أنه لضرورات العمل وتيسير سير المرفق العمومي قواعد ووسائل لا مفر منها، ويضبطها القانون بشكل دقيق.،
تنقسم السيارات الإدارية إلى قسمين متباينين:
السيارة الموضوعة تحت تصرف المؤسسة كأدوات لتسهيل خدماتها وتلبية احتياجات عملها وتتحرك طبقا لتراتيب معينة ووثيقة استعمال محدد لاداء مهمة (إذن بمهمة او Ordre de mission) ممضى عادة من رئيس المؤسسة أو من ينوبه أو المسؤول عن اسطول السيارات. وقد بعثت السلطة فترة ما قبل 2011 فرقا متحركة لمراقبة قانونية استعمال السيارات الإدارية التي تم إعطاؤها أرقاما منجمية مخصوصة بكل وزارة، وترصد فرق الرقابة الاخلالات بشأن الوزارات المعنية ويقع تتبع المخالفين.
أما النوع الثاني فهو يتنزّل في إطار ما سمي بـ”سيارة وظيفية” وهي قد تسند للمسؤولين ممن يشغلون خطة رئيس مصلحة فما فوق. والإسناد هنا ليس هدية للمسؤول بما انه يقابلها خصم منحة تسمى المنحة الكيلومترية من مرتبه في المقابل. وقد تم اللجوء لهذه الوسيلة في حالات التنقلات المستمرة لمصلحة العمل سواء بالنسبة للمتفقدين أو المراقبين أو مهندسي الأشغال أو مسؤولي المؤسسات متعددة الفروع مما يعفي الإدارة من تسخير سواق خصيصا لهذه التنقلات..
تبقى بعض الاستثناءات مثل الترخيص في استعمال السيارت الإدارية (وبصفة ثانوية) استعمالا شخصيا إلى جانب الاستعمال المهني، و هذه العملية مضبوطة بشروط أولها أن يكون الشخص ذا مسؤولية عليا تضعه كامل الوقت على ذمة إدارته أو مؤسسته، وأن تخصم منه المنحة الكيلومترية طبعا، وأن يحافظ عل العربة كمِلك من أملاك الدولة، وأن تكون تحت مسؤوليته الشخصية، وأن لا يستعملها لأغراض تنحرف بها عن هدفها الأصلي وهو تيسير ظروف العمل، وأن لا يكون استعمالها مسيئا إلى هيبة الإدارة، كما أن الوقود المستخدم محدود بكميات معينة لا يمكن تجاوزها.
وتخضع العملية لعدة إجراءات وموافقات تصدر عن رئيس الإدارة (الوزير أو المدير الجهوي) ومراقب المصاريف العمومية كما أن الإسناد قد يتم إنهاؤه في صورة الإخلال بشروط الاستعمال الوارد أعلاه.
إن حذف استعمال السيارات الإدارية سيقود حتما إلى خلق مشاكل أشد وطاة على الإدارة بدءا من مضاعفة انتداب جيوش من السواق، كما يدفع إلى تعطيل سير العمل وتحركات المسؤول العاجلة او الضرورية، هذا بالإضافة إلى كبح روح البذل لدى من يتحملون مسؤوليات جساما، ويدفع الكفاءات إلى مزيد العزوف عن القطاع العمومي الشحيح بطبعه من حيث الأجور والحوافز قياسا إلى ما يتقاضاه من يديرون المرافق ،العمومية في البلدان الأخرى وحتى المجاورة. كما لا ننسى أن تفقير هذه الكفاءات وإجبارها على العمل في ظروف أكثر سوءا، قد يدفع البعض منها إما إلى البحث عن مواقع في القطاع الخاص، أو الهجرة للخارج، أو التلاعب بالقانون خاصة أنها تتصرف في أجزاء مهمة من أموال الدولة ونفوذها. وهذا ما يقع أحيانا وللأسف في مثل هذه الحالات، وبمعظم بلاد العالم لا في تونس فحسب.
اذن ما الحل في هذه المعضلة التي أصبح كل يدلي فيها بدلوه؟
انه من غير الممكن حذف الصنف الأول (سيارة وظيفية) وإجبار أي مسؤول على شراء سيارة وتوظيفها لعمله الإداري، الا بسن قانون يعفي هذه الفئة من تلبية نداء الواجب خارج أوقات العمل، وأن يساوي بين الجهد المبذول ومستواه المعرفي أو ثقل المسؤولية ومخاطرها، وبين المقابل المادي والمعنوي الذي يرصد لهما، كما أنه من الضروري دعم الرقابة على استعمال السيارات الإدارية وتشديد العقوبات على أي عابث بالقانون أو بالملك العام.