الصبّ تفضحه عيونه… أو فرنسا من المارينز إلى “مارين”
نشرت
قبل 5 أشهر
في
تنويعة أخرى من (ها قد عدنا يا صلاح الدين) !
عبد القادر المقري:
أنصار التجمع الوطني (الاسم الجديد لحزب لوبان اليميني المتطرف) يفضحون حقيقة حزبهم، وفوز هؤلاء المحتمل في تشريعيات الغد قد يفضح انحراف الفرنسيين نحو مزيد من العنصرية والعدوانية وكره الأجانب… كل هذا رغم طبقات الماكياج التي ما فتئت مارين لوبان تضعها على واجهة حزبها اليميني المتطرف … بداية من اسم الحزب، إلى مغازلة ذوي الديانة اليهودية، إلى الانحياز الأعمى للكيان الغاصب في حربه على غزة، إلى تركيز الكراهية “فقط” على الأفارقة وخاصة خاصة على العرب…
غدا يخوض اليمين الفرنسي الفاشي انتخابات برلمانية ترشحه استطلاعات الرأي لكسبها بعد أن سحق الجميع في الانتخابات الأوروبية… مجرة من أحزاب ومجموعات دعاة الكراهية أصغرها الوقح “إيريك زمّور” و حليفته السابقة “ماريون ماريشال” (حفيدة جان ماري لوبان) وأكبرها وأظهرها التجمع الوطني وزعيمته “ابنة أبيها” مارين لوبان، رفقة الإيطالي الأصل “جوردان بارديلا” … مشروع هذا الطيف السياسي معروف منذ نصف قرن على الأقل ويمتاز بكرهه للأجانب والأقليات وتركيزه على الملف الأمني والمواطنين من أصول مغاربية… كان يضع اليهود في قائمة مستهدفيه لكنه استثناهم تكتيكيا منذ خلفت مارين والدها على رأس الحزب وغيّرت في ما غيرت اسم الحزب من الجبهة الوطنية إلى التجمع الوطني…
من النقاط الجديدة التي أضافها الحزب المتطرف إلى برنامجه، منع عدد من الوظائف “الحساسة” (أمن، استخبارات، يمكن حتى أسرار نووية أو صناعية إلخ) أمام الفرنسيين مزدوجي الجنسية… بارديلا تحدث ع 50 وظيفة حساسة … والمقصود بذوي الجنسية المزدوجة المغاربيون بالأساس رغم أن المرشح المتطرف ذكر روسيا والمنحدرين منها … للتعمية طبعا، فهذه نكتة في حد ذاتها… الفرنسيون من أصل روسي ظاهرة قديمة ونادرة جدا قِدم هجرة وندرة الروس في انتقالهم إلى باريس وضواحيها … إذ تعود تلك الموجات إلى فترة وجيزة من القرن 19 وإلى بعض الفارين من ثورة 1917 وهم أساسا من الطبقة الأرستقراطية وعائلة التزار الثرية المثقفة… لا عمّالا ولا مشردين ولا حارقين ولا باحثين بأي ثمن عن رغيف عيش …
إلى هذا، يبدو أن حزب مارين وبارديلا لم يبتعد كثيرا عن الأسس التي وضعها العراب جان ماري… في المسألة اليهودية مثلا… الاستثناء الذي ذكرناه آنفا مضاف إلى الموقف من حرب غزة، جعل رموزا عديدين من الحركة اليهودية (وحتى الصهيونية) يعيدون النظر في تقييمه بل ويتعاطفون معه صراحة… ومن هؤلاء، سيرج كلارسفيلد (المعروف بتكوينه ميليشيا لملاحقة واختطاف قدماء النازيين) الذي قال إن مارين لوبان لم تعد متطرفة، بل وسطية مقبولة وتستحق الدعم… ولكن أصواتا فرنسية متعددة (وآخرها ليونيل جوسبان) حذرت هؤلاء من تصديق ابنة لوبان وحزبها … وقال لهم انظروا جيدا إلى ما وراء الخطاب الرسمي للحزب، فهناك خطاب ثان ولغة مزدوجة…
وفعلا… فرسميا، خطاب مارين لوبان وبارديلا وبعض أفراد القيادة العليا للحزب، يحتوي على بعض التنميقات سواء في الموضوع اليهودي أو غيره… خاصة مع اتساع قاعدة الحزب انتخابيا، واتساع طموحاته التي ابتعدت عن الهامش واقتربت من الحكم أكثر من أي وقت مضى… ولكن ينكشف الفكر الحقيقي للتجمع الوطني من خلال قياداته الوسطى، أو ممثليه في الجهات، وخاصة لدى قواعده التي تربّت على رفض كل من هو مختلف عن “العنصر” الفرنسي الصافي… أبيض، أوروبي، مسيحي كاثوليكي، وفرنسي الأبوين والأجداد لبضعة أجيال وجذور قد تعود لثلاثة أو أربعة قرون على الأقل… أي “واسب” (WASP) على الطريقة الفرنسية !
ويذكّرنا هذا بما فعلته أو حاولت أن تفعله بعض التيارات المتأسلمة في بلادنا خاصة في العشرية الأخيرة… إذ نذكر كيف صار الغنوشي يتبرأ علانية من ارتباط حزبه العضوي بشبكة الإخوان المسلمين… ويكرر بكل الأشكال انتماء جماعته لتونس أولا وأخيرا … ويضع النجمة والهلال التونسيين في كل محضر وبمناسبة أو من دونها… ويضيف إلى الواجهة الوطنية واجهة ديمقراطية براقة جدا هي الأخرى… مع بعض التفويحات التي لامست المبالغة المضحكة… كأن تزور تلميذته (الراحلة محرزية العبيدي) مصنعا للخمور … وفي نفس الهبّة، يصوّت نوّابه على تخفيض لأسعار المواد المسكرة… ويدفعون بعبد الفتاح مورو كي يراقص الحسناوات… ويعلنون رفضهم وإدانتهم للسلفية الجهادية ويدينونها بالإرهاب… و يشهرون قبولهم بجميع مبادئ الجمهورية، والأحوال الشخصية، ورموز الدولة التي لم تعد كافرة ولا علمانية إلخ…
ولكن وراء الأكمة، تأتي تسريبات فاقعة تنسف كل هذا… سواء في لقاءاتهم بأنصارهم وحلفائهم، أو في أحاديثهم مع من يقابلونه من زعماء التنظيم الإخواني، أو في أدبياتهم الداخلية، أو في حواراتهم مع وسائل الإعلام الخليجية والتركية … كما يُلمس موقفهم الأكثر دواما وعنادا و”صدقا”، في ما يُتداوَل لدى جمهورهم لا الذي يدلي به قادتهم على منابرنا والمنابر الغربية بين حين وآخر… أي الصحيح هو ما يروج في قاعدة الهرم لا في قمته …
وفي الأخير وعودة إلى الشأن الفرنسي ومحاذير نتائج انتخابات يوم غد … نتساءل… ولماذا نبقي أنفسنا وأبناءنا تحت رحمة صعود هذا الحزب العنصري أو ذاك؟ وإذا كان هناك حديث عن مصلحة ما، فلماذا نتحدث عن مصلحتنا التي في قبضتهم ولا نذكر مصالحهم عندنا؟… لماذا نعدد أوجه حاجتنا إلى الفرنسيين وكلفة استغنائنا عنهم (لو حصل ذلك) ولا نتطرق إلى حاجتهم هم إلينا وماذا سيخسرون بخسارتنا وخروجنا من صفّهم؟… وإلى متى سنبقى نصدّر أزماتنا ومواطنينا إلى أراضي الغير حتى يحلّ مشكلاتهم بدلا عنّا؟ … مرة ليبيا، ومرة ايطاليا، ومرة الجزائر، ومرّات مرات مرات فرنسا التي وضعنا جميع بيضاتنا في سلّتها ونسينا خط الرجعة… فلماذا الحديث عن استقلال وشهداء وأعياد وطنية إذن؟
نقول هذا … عسى أن يخضّ ساستنا أنفسهم وإرثهم الرديء و”علاقاتنا التاريخية” المحكومة بالذلّ والتبعية لدولة لم تفدنا بشيء… وما فتئت بدورها تتقهقر في ترتيب الدول العظمى… ولولا وضع يدها المزمن على قارة إفريقيا (كما قالت ميلوني ذات معركة مع إيمانويل ماكرون) لكان وضعها أقل وأنكى…
صعود محتمل لمارين لوبان وحزبها الفاشستي إلى سدة الحكم في فرنسا، يقابله احتمال آخر مماثل عبر الأطلنطي في البلاد الأمريكية مع رجوع وارد جدّا لدونالد ترامب، مع تمكن نفس اليمين القصووي من الحكم في دول أخرى حاصلة كإيطاليا، أو منتظرة في أغلب أوروبا باستثناء إسبانيا، مؤقتا… وما زال العدّاد في دورانه… فهل بقي على الشعوب الأخرى فقط التظلّم والعويل وانتظار الفرج بعد الشدة؟؟