جور نار
العدد المدرسي هو الذي يتولّى… حَجْب الأبعاد الثمينة في شخصية التلميذ !
نشرت
قبل سنتينفي
من قبل
منصف الخميري Moncef Khemiriدُعيتُ إلى الإذاعة الوطنية في المدّة الأخيرة للحديث بخصوص اللّغط الحاصل حول مسألة حجب الأعداد من قِبل المدرّسين وتأثير ذلك على معنويّات التلاميذ وأوليائهم، فدار حوار طريف بيني وبين قيدوم الإذاعيين عزالدين بن محمود تناول وضع المدرسة التونسية في ظل الصراع الدائرة رحاه بين النقابات ووزارة التربية ومسائل التقييم وقيمة العدد في المسار التكويني للتلميذ بصفة خاصة، حوار اخترت أن أنقله إليكم مطوّرا طيّ هذه الورقة لعلّ فيه بعض ما ينفع الناس.
سبعٌ من الأفكار الكبرى أثّثت ذلك اللقاء :
أولا :
انطلقنا بدايةً من اعتبار الحديث عن فترة الامتحانات التي تُطلِق عليها وزارة التربية اسم “الأسبوع المغلق” semaine bloquée مُوحيًا بجملة من المعاني السلبيّة المُثبّتة لفكرة “التعطّل” و”الانغلاق” و”الإقفال” و”الانسداد”، الشيء الذي يزيد حتما من إرباك التلاميذ وتسليط ضغط لا يُحتمل على أولياءِ أمورهم ويغرس لديهم فكرة أن كامل مصيرهم يتحدّد بشكل نهائي وحاسم خلال هذه الفترة الأشبه بفترة الحجْر الدراسي، تُستبدل فيها الكمّامات بالغمامات (تلك التي تستعمل لتغطية عيون الخيول للتقليل من الانحرافات البصريّة يمينا وشمالا)، ويُفرض خلالها التباعد الجسدي المُطبق بين الأقران درءًا لجميع أشكال الغشّ والفلَتان. فكان من الأجدى أن نُسمّيها “أسبوعا مفتوحا للتقييم” أو “فترة التمارين المُحتسبة” أو استبدالها أصلا بصيغ مرنة من التقييم التكويني المستمر يتخلّل المسار الدراسي دون ضغط أو إكراه.
ثانيا :
ليس هنالك ما هو أكثر نسبيّة من العدد، وأدوات القيس الكمّي المستخدمة من قِبل المدرّسين غير علمية وغير دقيقة بالمرّة تغلب عليها المزاجية أحيانا لأن مردود التلميذ متغيّر من لحظة إلى أخرى ومن مادّة إلى مادة، والعدد الذي يُسنده المدرّس يظل ذاتيّا يرتبط بتقدير حينيّ ومزاج شخصيّ حتى في أكثر المواد المحسوبة على العلوم الصحيحة مثل الرياضيات والبيولوجيا بشهادة عديد التجارب البيداغوجية في العالم.
رَوَيْتُ يومها إذاعيا قصّة طريفة حصلت معي عندما كنت مُدرّسا (أو هكذا أدّعي) لمّا طلبتُ من تلاميذي أن يقيّموا أدائي معهم داخل الفصل بإسنادي عددا من صفر إلى عشرين كما يفعل المدرّسون، فهناك من أعطاني 18 ولكن هناك من أسند لي 5 من عشرين. وسألتهم بعد ذلك، ما العمل في مثل هذه الوضعية وكيف أقيّم نفسي ؟ هل أعتمِدُ العدد 18 في تقييم حقيقة أدائي، فأنتفخ وأزهو بنفسي وأتشامخ … أم أعتمد العدد 5 فأقنط وأيأس وأُصاب بالإحباط، وبالنتيجة أنكّد عليكم حياتكم وأنغّص أيامكم ولياليكم؟ وهل أن طريقة احتساب “قيمتى المهنية” تتلخص في البحث عن معدّل حسابي بين العدد الأول والعدد الثاني (أي “18 + 5” / 2 = 11 ونصف) ؟ متوصّلين في الأخير إلى أن القيمة الحقيقية والثابتة لا هي 18 ولا هي 5 ولا هي المعدل بينهما، بل هي قيمة أخرى متحوّلة يستحيل المسك بها ولا يدركها إلا صاحبها كلما اشتغل بحدّة وقساوة على نفسه وحقيقة مؤهلاته ووجد سندا متبصّرا يساعده على ذلك.
ثالثا :
اختزال التكوين المعرفي في العدد المتحصّل عليه في نهاية كل فترة حجر مدرسي هو عملية خصي ممنهج للطاقات التلمذية، والقول بأن الأعداد لا قيمة لها هو أمر مضلّل وخطير كذلك. فإسناد الملاحظات التقييمية لا مفرّ منه لأنها بنّاءة بمعنى كونها تشكل مؤشّرات هامة يمكن البناء عليها، أي الاستئناس بها من أجل إدراك الهِنات وتلافيها ورصد النقائص وتحاشيها وذلك مهما كانت طبيعة الشبكة المعتمدة في التقييم (والتي قد تتجلى في شكل أعداد أو علامات أو ملاحظات أو درجات ملوّنة…). هذا بالإضافة إلى أن العدد الوحيد الذي له قيمة في واقعنا التربوية التونسي هو عدد الباكالوريا لكونه خاضعا لمقاييس إصلاح وطنية تُشرف على تحديدها لجان علمية مختصة من ناحية، وتُسند الأعداد على أوراق امتحان غير معلومة الأسماء من ناحية ثانية… وتُعتمد كمؤشرات كمية يتناظر بموجبها الناجحون على بقاع محدودة في الجامعة بعد الباكالوريا من ناحية ثالثة. ما عدا ذلك، يظل العدد ذا دلالة نسبية لا قيمة حقيقية له خارج سياق منطق تعزيز الدافعيّة والدّعم والعلاج التربويين.
رابعا :
العدد ظرفي ولا يعتبر درجة نضج الطفل ولا يعكس حقيقة اهتماماته أو نمط تعلّمه، وهي أبعاد أهم بكثير من مستوى العدد في حدّ ذاته لأنّه دالّ فقط على حفظ أو استيعاب محتوى معرفي محدد في لحظة محدّدة، وليس وفيّا بالمرة في أحيان كثيرة لطبيعة الجهد المبذول والحماسة الداخلية القوية التي تحدو أي تلميذ، في أن يتحصل على عدد يُناسب طموحه وتوْقه إلى الخروج من مربّع الفشل والإخفاق الذي تريده المدرسة مربّعا طبيعيا، مثله مثل مربّع النجاح والنبوغ… والحال أنه باستطاعة المدرسة أن تكون مربّعا شاسعا يتّسع لكل التلاميذ كلّ في مَلَكة أو مهارة أو اقتدار أو براعة مَا.
خامسا :
لقد حان الوقت لجعل الأعداد – والتي غالبا ما تكون ذاتية وظرفية ونسبية وغير دقيقة كما أسلفنا- تستأنس بمُعطى آخر لا يقلّ أهمية لأنه يُكمّل ما يُخفيه العدد ويحجبه، وهو الملف المهاري الذي من المفروض أن يرافق التلميذ من سنواته الدراسية الأولى إلى غاية الباكالوريا لاعتماده في التوجيه الجامعي. وما تخصيص عدد من البقاع في جامعتنا التونسية في شعب الإبداع الفني بصورة عامة وبعض المسالك الأخرى بناءً على ملفات (وليس مجموع نقاط) تضمّ أمثلة ونماذج ممّا أنتجه التلميذ في مجالات غير مألوفة تربويا لفائدة ما يُصطلح عليه بأصحاب المواهب، إلا دليل على أهمية هذه الأداة التقييمية الاستثنائية التي تعطي قيمة لأبعاد أخرى في شخصية التلميذ ومسيرته واهتماماته، لكنها ذات شأن في نحت مستقبله الدراسي والمهني والحياتي بصورة عامة.
سادسا :
الخلط بين العدد المتحصّل عليه وقيمة التلميذ “السياديّة غير القابلة للمفاوضة” أمر خطير ومُشلّ للعزائم، خاصة عندما يُستعمل هذا العدد لأغراض انتقائية واصطفائية تُعلي من شأن البعض وتُحيل على هامش الدورة التربوية البعض الآخر. فالتلميذ المتحصّل على علامة سيّئة في الرياضيات قد يتحصّل على أعداد مرموقة في اللغات أو الفنون أو الأنشطة التي تتطلّب مُطاوعة بدنية أو براعة يدوية، والتلميذ الحاصل على عدد أقل من المعدّلات المطلوبة ليس بالضرورة أقل ذكاءً أو أدنى مهارة من الآخرين، كما أن العدد الجيّد لا يعني دائما أن الطفل تعلّم حقيقة شيئا مهمّا أو اكتسب مهارة ستؤهله مستقبلا لتحمّل أعباء طرقات المعارف السيّارة ومواجهة السّيول المهارية الجرّارة.
سابعا وأخيرا : مُجازاة “الفاشلين” مُثمرة أكثر من مُجازاة النجباء
من الأجدر – كما يحدث في بعض البلدان- التأكيد على جعل مجالس الأقسام في نهاية كل فترة دراسية ثلاثية كانت أو سداسيّة، محطة تقييمية حقيقية يتم خلالها التوقّف الجدّي عند نسق سير التعلّمات وجودتها مادّة بمادّة وتلميذ بتلميذ، والخوض العملي في إجراءات التدارك ومعالجة التصدّعات في تكوين الناشئة لا مجرّد تلاوة عَجْلَى للمعدلات وتوزيع الملاحظات الكسولة المتراوحة بين حسن جدا ومستوى هزيل لا يعمل…
وفي هذا السياق، يحدث في بعض البلدان أن يتمّ تحديد قائمات بكل التلاميذ المتحصلين على معدّلات متدنّية في نهاية الثلاثي، ثم تقع دعوتهم لحصص تحفيزية يشرف عليها المدرّسون ويتمّ رصد جوائز مُجزية جدا يقع إعلامهم بها سلفا لو بذلوا ما يكفي من الجهد يجعلهم يتجاوزون المعدّل المطلوب، وكثيرا ما تُعطي هذه التجربة أُكلَها مع عدد لا بأس به من التلاميذ.
تصفح أيضا
عبد الكريم قطاطة:
فترة التسعينات كانت حبلى بالاحداث والتغييرات في مسيرتي المهنية منها المنتظر والمبرمج له ومنها غير المنتظر بتاتا …
وانا قلت ومازلت مؤمنا بما قلته… انا راض بأقداري… بحلوها وبمرّها… ولو عادت عجلة الزمن لفعلت كلّ ما فعلته بما في ذلك حماقاتي واخطائي… لانني تعلمت في القليل الذي تعلمته، انّ الانسان من جهة هو ابن بيئته والبيئة ومهما بلغت درجة وعينا تؤثّر على سلوكياتنا… ومن جهة اخرى وحده الذي لا يعمل لا يخطئ… للتذكير… اعيد القول انّه وبعد ما فعله سحر المصدح فيّ واخذني من دنيا العمل التلفزي وهو مجال تكويني الاكاديمي، لم انس يوما انّني لابدّ ان اعود يوما ما الى اختصاصي الاصلي وهو العمل في التلفزيون سواء كمخرج او كمنتج او كلاهما معا… وحددت لذلك انقضاء عشر سنوات اولى مع المصدح ثمّ الانكباب على دنيا التلفزيون بعدها ولمدّة عشر سنوات، ثمّ اختتام ما تبقّى من عمري في ارقى احلامي وهو الاخراج السينمائي…
وعند بلوغ السنة العاشرة من حياتي كمنشط اذاعي حلّت سنة 1990 لتدفعني للولوج عمليا في عشريّة العمل التلفزي… ولانني احد ضحايا سحر المصدح لم استطع القطع مع هذا الكائن الغريب والجميل الذي سكنني بكلّ هوس… الم اقل آلاف المرات انّ للعشق جنونه الجميل ؟؟ ارتايت وقتها ان اترك حبل الوصل مع المصدح قائما ولكن بشكل مختلف تماما عما كنت عليه ..ارتايت ان يكون وجودي امام المصدح بمعدّل مرّة في الاسبوع ..بل وذهبت بنرجسيتي المعهودة الى اختيار توقيت لم اعتد عليه بتاتا ..نعم اخترت الفضاء في سهرة اسبوعية تحمل عنوان (اصدقاء الليل) من التاسعة ليلا الى منتصف الليل …هل فهمتم لماذا وصفت ذلك الاختيار بالنرجسي ؟؟ ها انا افسّر ..
قبل سنة تسعين عملت في فترتين: البداية كانت فترة الظهيرة من العاشرة صباحا حتى منتصف النهار (والتي كانت وفي الاذاعات الثلاث قبل مجيئي فترة خاصة ببرامج الاهداءات الغنائية)… عندما اقتحمت تلك الفترة كنت مدركا انيّ مقدم على حقل ترابه خصب ولكنّ محصوله بائس ومتخلّف ..لذلك اقدمت على الزرع فيه … وكان الحصاد غير متوقع تماما ..وتبعتني الاذاعة الوطنية واذاعة المنستير وقامت بتغييرات جذرية هي ايضا في برامجها في فترة الضحى .. بل واصبح التنافس عليها شديدا بين المنشطين ..كيف لا وقد اصبحت فترة الضحى فترة ذروة في الاستماع … بعد تلك الفترة عملت ايضا لمدة في فترة المساء ضمن برنامج مساء السبت … ولم يفقد انتاجي توهجه ..وعادت نفس اغنية البعض والتي قالوا فيها (طبيعي برنامجو ينجح تي حتى هو واخذ اعزّ فترة متاع بثّ) …
لذلك وعندما فكّرت في توجيه اهتمامي لدنيا التلفزيون فكرت في اختيار فترة السهرة لضرب عصفورين بحجر واحد… الاول الاهتمام بما ساحاول انتاجه تلفزيا كامل ايام الاسبوع وان اخصص يوما واحدا لسحر المصدح ..ومن جهة اخرى وبشيء مرة اخرى من النرجسية والتحدّي، اردت ان اثبت للمناوئين انّ المنشّط هو من يقدر على خلق الفترة وليست الفترة هي القادرة على خلق المنشط ..وانطلقت في تجربتي مع هذا البرنامج الاسبوعي الليلي وجاءت استفتاءات (البيان) في خاتمة 1990 لتبوئه و منشطه المكانة الاولى في برامج اذاعة صفاقس .. انا اؤكّد اني هنا اوثّق وليس افتخارا …
وفي نفس السياق تقريبا وعندما احدثت مؤسسة الاذاعة برنامج (فجر حتى مطلع الفجر) وهو الذي ينطلق يوميا من منتصف الليل حتى الخامسة صباحا، و يتداول عليه منشطون من الاذاعات الثلاث… طبعا بقسمة غير عادلة بينها يوم لاذاعة صفاقس ويوم لاذاعة المنستير وبقية الايام لمنشطي الاذاعة الوطنية (اي نعم العدل يمشي على كرعيه) لا علينا … سررت باختياري كمنشط ليوم صفاقس ..اولا لانّي ساقارع العديد من الزملاء دون خوف بل بكلّ ثقة ونرجسية وغرور… وثانيا للتاكيد مرة اخرى انّ المنشط هو من يصنع الفترة ..والحمد لله ربحت الرهان وبشهادة اقلام بعض الزملاء في الصحافة المكتوبة (لطفي العماري في جريدة الاعلان كان واحدا منهم لكنّ الشهادة الاهمّ هي التي جاءتني من الزميل الكبير سي الحبيب اللمسي رحمه الله الزميل الذي يعمل في غرفة الهاتف بمؤسسة الاذاعة والتلفزة) …
سي الحبيب كان يكلمني هاتفيا بعد كل حصة انشطها ليقول لي ما معناه (انا نعرفك مركّب افلام باهي وقت كنت تخدم في التلفزة اما ما عرفتك منشط باهي كان في فجر حتى مطلع الفجر .. اما راك اتعبتني بالتليفونات متاع المستمعين متاعك، اما مايسالش تعرفني نحبك توة زدت حبيتك ربي يعينك يا ولد) … في بداية التسعينات ايضا وبعد انهاء اشرافي على “اذاعة الشباب” باذاعة صفاقس وكما كان متفقا عليه، فكرت ايضا في اختيار بعض العناصر الشابة من اذاعة الشباب لاوليها مزيدا من العناية والتاطير حتى تاخذ المشعل يوما ما… اطلقت عليها اسم مجموعة شمس، واوليت عناصرها عناية خاصة والحمد لله انّ جلّهم نجحوا فيما بعد في هذا الاختصاص واصبحوا منشطين متميّزين… بل تالّق البعض منهم وطنيا ليتقلّد عديد المناصب الاعلامية الهامة… احد هؤلاء زميلي واخي الاصغر عماد قطاطة (رغم انه لا قرابة عائلية بيننا)…
عماد يوم بعث لي رسالة كمستمع لبرامجي تنسمت فيه من خلال صياغة الرسالة انه يمكن ان يكون منشطا …دعوته الى مكتبي فوجدته شعلة من النشاط والحيوية والروح المرحة ..كان انذاك في سنة الباكالوريا فعرضت عليه ان يقوم بتجربة بعض الريبورتاجات في برامجي .. قبل بفرح طفولي كبير لكن اشترطت عليه انو يولي الاولوية القصوى لدراسته … وعدني بذلك وسالته سؤالا يومها قائلا ماذا تريد ان تدرس بعد الباكالوريا، قال دون تفكير اريد ان ادرس بكلية الاداب مادة العربية وحلمي ان اصبح يوما استاذ عربية ..ضحكت ضحكة خبيثة وقلت له (تي هات انجح وبعد يعمل الله)… وواصلت تاطيره وتكوينه في العمل الاذاعي ونجح في الباكالوريا ويوم ان اختار دراسته العليا جاءني ليقول وبكلّ سعادة …لقد اخترت معهد الصحافة وعلوم الاخبار… اعدت نفس الضحكة الخبيثة وقلت له (حتّى تقللي يخخي؟) واجاب بحضور بديهته: (تقول انت شميتني جايها جايها ؟؟)… هنأته وقلت له انا على ذمتك متى دعتك الحاجة لي ..
وانطلق عماد في دراسته واعنته مع زملائي في الاذاعة الوطنية ليصبح منشطا فيها (طبعا ايمانا منّي بجدراته وكفاءته)… ثم استنجد هو بكلّ ما يملك من طاقات مهنية ليصبح واحدا من ابرز مقدمي شريط الانباء… ثم ليصل على مرتبة رئيس تحرير شريط الانباء بتونس 7 ..ويوما ما عندما فكّر البعض في اذاعة خاصة عُرضت على عماد رئاسة تحريرها وهو من اختار اسمها ..ولانّه لم ينس ماعاشه في مجموعة شمس التي اطرتها واشرفت عليها، لم ينس ان يسمّي هذه الاذاعة شمس اف ام … اي نعم .عماد قطاطة هو من كان وراء اسم شمس اف ام …
ثمة ناس وثمة ناس ..ثمة ناس ذهب وثمة ناس ماجاوش حتى نحاس ..ولانّي عبدالكريم ابن الكريم ..انا عاهدت نفسي ان اغفر للذهب والنحاس وحتى القصدير ..وارجو ايضا ان يغفر لي كل من اسأت اليه ..ولكن وربّ الوجود لم اقصد يوما الاساءة ..انه سوء تقدير فقط …
ـ يتبع ـ
عبد الكريم قطاطة:
المهمة الصحفية الثانية التي كلفتني بها جريدة الاعلان في نهاية الثمانينات تمثّلت في تغطية مشاركة النادي الصفاقسي في البطولة الافريقية للكرة الطائرة بالقاهرة …
وهنا لابدّ من الاشارة انها كانت المرّة الوحيدة التي حضرت فيها تظاهرة رياضية كان فيها السي اس اس طرفا خارج تونس .. نعم وُجّهت اليّ دعوات من الهيئات المديرة للسفر مع النادي وعلى حساب النادي ..لكن موقفي كان دائما الشكر والاعتذار ..واعتذاري لمثل تلك الدعوات سببه مبدئي جدا ..هاجسي انذاك تمثّل في خوفي من (اطعم الفم تستحي العين)… خفت على قلمي ومواقفي ان تدخل تحت خانة الصنصرة الذاتية… اذ عندما تكون ضيفا على احد قد تخجل من الكتابة حول اخطائه وعثراته… لهذا السبب وطيلة حياتي الاعلامية لم اكن ضيفا على ايّة هيئة في تنقلات النادي خارج تونس ..
في رحلتي للقاهرة لتغطية فعاليات مشاركة السي اس اس في تلك المسابقة الافريقية، لم يكن النادي في افضل حالاته… لكن ارتأت ادارة الاعلان ان تكلّفني بمهمّة التغطية حتى اكتب بعدها عن ملاحظاتي وانطباعاتي حول القاهرة في شكل مقالات صحفية… وكان ذلك… وهذه عينات مما شاهدته وسمعته وعشته في القاهرة. وهو ما ساوجزه في هذه الورقة…
اوّل ما استرعى انتباهي في القاهرة انّها مدينة لا تنام… وهي مدينة الضجيج الدائم… وما شدّ انتباهي ودهشتي منذ الساعة الاولى التي نزلت فيها لشوارعها ضجيج منبهات السيارات… نعم هواية سائقي السيارات وحتى الدراجات النارية والهوائية كانت بامتياز استخدام المنبهات… ثاني الملاحظات كانت نسبة التلوّث الكثيف… كنت والزملاء نخرج صباحا بملابس انيقة وتنتهي صلوحية اناقتها ونظافتها في اخر النهار…
اهتماماتي في القاهرة في تلك السفرة لم تكن موجّهة بالاساس لمشاركة السي اس اس في البطولة الافريقية للكرة الطائرة… كنا جميعا ندرك انّ مشاركته في تلك الدورة ستكون عادية… لذلك وجهت اشرعة اهتمامي للجانب الاجتماعي والجانب الفنّي دون نسيان زيارة معالم مصر الكبيرة… اذ كيف لي ان ازور القاهرة دون زيارة خان الخليلي والسيدة زينب وسيدنا الحسين والاهرام… اثناء وجودي بالقاهرة اغتنمت الفرصة لاحاور بعض الفنانين بقديمهم وجديدهم… وكان اوّل اتصال لي بالكبير موسيقار الاجيال محمد عبد الوهاب رحمه الله… هاتفته ورجوت منه امكانية تسجيل حوار معه فاجابني بصوته الخشن والناعم في ذات الوقت معتذرا بسبب حالته الصحية التي ليست على ما يرام…
لكن في مقابل ذلك التقيت بالكبير محمد الموجي بمنزله وقمت بتسجيل حوار معه ..كان الموجي رحمه الله غاية في التواضع والبساطة… لكن ما طُبع في ذهني نظرته العميقة وهو يستمع اليك مدخّنا سيجارته بنهم كبير… نظرة اكاد اصفها بالرهيبة… رهبة الرجل مسكونا بالفنّ كما جاء في اغنية رسالة من تحت الماء التي لحنها للعندليب… نظرة المفتون بالفن من راسه حتى قدميه…
في تلك الفترة من اواخر الثمانينات كانت هنالك مجموعة من الاصوات الشابة التي بدات تشق طريقها في عالم الغناء ..ولم اترك الفرصة تمرّ دون ان انزل ضيفا عليهم واسجّل لهم حوارات… هنا اذكر بانّ كلّ التسجيلات وقع بثها في برامجي باذاعة صفاقس… من ضمن تلك الاصوات الشابة كان لي لقاءات مع محمد فؤاد، حميد الشاعري وعلاء عبدالخالق… المفاجأة السارة كانت مع لطيفة العرفاوي… في البداية وقبل سفرة القاهرة لابدّ من التذكير بانّ لطيفة كانت احدى مستمعاتي… وعند ظهورها قمت بواجبي لتشجيعها وهي تؤدّي انذاك وباناقة اغنية صليحة (يا لايمي عالزين)…
عندما سمعت لطيفة بوجودي في القاهرة تنقلت لحيّ العجوزة حيث اقطن ودعتني مع بعض الزملاء للغداء ببيتها… وكان ذلك… ولم تكتف بذلك بل سالت عن احوالنا المادية ورجتنا ان نتصل بها متى احتجنا لدعم مادي… شكرا يا بنت بلادي على هذه الحركة…
اختم بالقول قل ما شئت عن القاهرة.. لكنها تبقى من اعظم واجمل عواصم الدنيا… القاهرة تختزل عبق تاريخ كلّ الشعوب التي مرّت على اديمها… نعم انها قاهرة المعزّ…
ـ يتبع ـ
محمد الزمزاري:
انطلقت الحملة الوطنية المتعلقة هذه المرة بالتقصي حول الأمراض المزمنة وكان مرض السكري وأيضا مرض ضغط الدم هما المدرجان في هذه الحملة.
يشار إلى أن نسب مرضى السكري و ضغط الدم قد عرفت ارتفاعا ملفتا لدى المواطنين و بالتحديد لدى شريحة كبار السن مما يكسي اهمية لهذه الحملات التي تنظمها وزارة الصحة العمومية بالتعاون المباشر مع هيئة الهلال الأحمر التونسي.. وقد سنحت لنا الفرصة لحضور جزء مهم من الحملة في بهو محطة القطارات الرئيسية بساحة برشلونة، لنقف على تفاعل عديد المواطنين المصطفّين قصد الخضوع لعملية التقصي بكل انضباط وكان جل الوافدين طبعا من كبار السن، كما لوحظ تواجد عدد كبير من ممثلي الهلال الأحمر ومن الأطباء بمكتبين ويساعدهم بعض الممرضين.
الغريب انه لدى تغطيتى العارضة لهذه الحملة المتميزة التي تهدف اساسا إلى توعية المواطنين وحثهم على تقصي الأمراض بكل انواعها بصور مبكرة، بالاعتماد على كافة قنوات الاتصال وأهمها الإعلام الذي لن يكون الا داعما لهذا الهدف الإنساني لكن احد اعوان الهلال الأحمر فتح معي بحثا ان كنت من التلفزة الوطنية ملاحظا ان القناة المذكورة هي الوحيدة المسموح لها بالقيام بالتغطية ولم يكتف بهذا بل أكد ان الأطباء لا يحبون التصوير.
طبيعي اني لم اتفاعل مع هذا الجهل وضحالة المعرفة باهداف الحملة بالإضافة إلى عمليات التقصي الفعلي ..ولما تجاوز في الإلحاح طلبت منه الاستظهار بصفته هل هو منسق الحملة حتى يمكنني أن امر إلى المسؤول عنها بصفتي صحفيا ..وواصلت عملى أمام انكماش هذا العون التابع للهلال الأحمر حسبما يدل عليه زيه.
وبعيدا عن هذا، لا يفوت التنويه بالجهود الكبيرة التي يتحلى بها طاقم الاطباء و الممرضين و متطوعي الهلال الاحمر، الذين يجهدون انفسهم لانجاح هذه الحملة سواء داخل بهو محطة السكك الحديدية او عبر بعض الفرق التي تعمل على التعريف بجدوى التقصي حتى خارج البهو الكبير.
صن نار
- ثقافياقبل 22 ساعة
قريبا وفي تجربة مسرحية جديدة: “الجولة الاخيرة”في دار الثقافة “بشير خريّف”
- جور نارقبل 22 ساعة
ورقات يتيم … الورقة 89
- ثقافياقبل يوم واحد
زغوان… الأيام الثقافية الطلابية
- جلـ ... منارقبل يومين
الصوت المضيء
- جور نارقبل 3 أيام
ورقات يتيم ..الورقة 88
- ثقافياقبل 4 أيام
نحو آفاق جديدة للسينما التونسية
- صن نارقبل 4 أيام
الولايات المتحدة… إطلاق نار في “نيو أوليانز” وقتلى وإصابات
- صن نارقبل 4 أيام
في المفاوضات الأخيرة… هل يتخلى “حزب الله” عن جنوب لبنان؟
تعليق واحد