جور نار
العربيّة أُمّنا… واللغات الأجنبيّة “كْنايِنْها”
نشرت
قبل سنتينفي
من قبل
منصف الخميري Moncef Khemiriلم أجد أفضل من الشاعر والرئيس السينيغالي سنغور من بين كلّ الذين كتبوا عن علاقة الأفارقة أو بعض العرب باللغة الفرنسية والثقافة الفرنسية وخاصة من بين السياسيين والكتّاب والمُبدعين بصورة عامة. كان يقول “نحن السياسيين والأدباء الأفارقة نشعر بنفس درجة الحرية في اللغة الفرنسية كما في لغاتنا الأم تماما… لأن الحرية تُقاس بمدى قوّة الأداة التي نستعملها وتقاس أيضا بدرجة العمق الذي يكون عليه خطابنا وإبداعاتنا”.
ومن المُفارقات في مسيرة ليوبولد سنغور السياسية والثقافية عموما أنه عندما أنتُخب عضوا في الأكاديمية الفرنسية (سنة 1983 في الكرسي السادس عشر/40) مثله مثل كبار اللغة الفرنسية وفرسانها كمونتسكيو ودوما وكليمنسو ويورسنار وآسيا جبّار ولامارتين ودورميسّون وراسين وهوغو وكورناي وسيمون فايل… قُوبل بشيء من الاستهزاء في بعض الأوساط الشبابية السينيغالية التي اعتبرته “طوبابا” أبيض مُلوّنا بالأسود وفي أحيان أخرى طوبابا أسود ملوّنا بالأبيض. لكنّه بصورة عامة عرف ـ مثله مثل المرحوم الحبيب بورقيبة الذي ساهم هو الآخر بشكل نشيط في بعث تيّار الفرنكوفونية-ـ كيف ينزع فتيل هذا الصراع الزائف بين اللغة الأم واللغات الأجنبية ويُوظّف إشعاعه ومكانته وحظوته في الدوائر العالمية لخدمة قضيّة بلاده واستقلالها وتطوّرها… إلى جانب دفاعه التاريخي غير المسبوق (هو والكاتب المارتينيكي إيمي سيزار) عن قضية إخوتنا ذوي البشرة السوداء.
أعود مُرغما مرة أخرى إلى مسألة الفرنكوفونية المنعقدة قمّتها هذه الأيام تحت سمائنا نظرا لتفاقم ظاهرة ازدراء هذا المشترك اللغوي والثقافي الذي يجمع عديد شعوب العالم والتي بلغت حدّ السّباب والشتيمة والتخوين واعتبار كل من يبحث عن بعض مواطن “التوظيف الإيجابي” للفرنكوفونية في اقتصادنا وتنميتنا وتعليمنا وثقافتنا… هو بالضرورة من أنصار التبعيّة والاستعمار والانبتات الثقافي والحضاري.
تنتابني رغبة جامحة إزاء كل هذا في تدوين بعض الملاحظات الهادئة التي أضعها على طاولة النقاش السّاخن :
أولا : العربية الأمّ مُرضعة وحاضنة وملجأ ومنبع عطاء لا ينتهي
من لا لغة أمّ له، لا يمكن أن ينفتح على لغات أخرى لأنه لا يكفي أن تُقبِلَ على لغة ما وتلجأ إليها وتطلب ودّها حتى تحتضِنَكَ، لا بدّ مقابل ذلك أن تستشعر رغبة صادقة لديك واستعدادا عفويا لتقبّل لون بشرتها والشذى المنبعث منها وتقلّب مزاجها وقساوتها أحيانا …حتى تُقبِل عليك هي أيضا، كما الجياد الأصيلة لا تلينُ لراكبها إلا إذا كان يُتقن فن الطيران دون أجنحة ويقدر على التعامل معها بما يلزم من الليونة والاحترام والتّوقير.
قد لا نكون ـ نحن أو أبناؤنا ـ من المُجيدين الكبار للغة العربية الفُصحى لأسباب موضوعية تاريخية، منها ما يتصل بسطوة العاميّة في خطابنا اليومي ومنها ما يتعلق بمناهج التدريس وبرامجه وسياسات الدولة في المجال الخ… ولكن لا أعتقد شخصيا أن حضور الفرنسية أو اللغات الأجنبية الأخرى هو السبب في جعلنا نواجه كل هذه الصعوبات في تعاطي العربية نطقا وكتابة وتوظيفا بحثيا ودراسيا في شتى المجالات. يبدو لك أحيانا أمام طريقة تدريس العربية لأبنائنا وتفاعل هؤلاء مع ما يُقدّم لهم من دروس ومضامين أنك إزاء تعلّم لغة أجنبية صارمة… نظرا للضيق المتزايد والمتعاظم في إيجاد السياقات اليومية التي نستعمل فيها قواعد اللغة العربية وأحكامها. فلا أعرف مجالا واقعيا يوميا واحدا نضطر فيه لاستعمال العدد والمعدود و”المسائل النحوية في كتاب التوضيح لشرح الجامع الصحيح” والحروف العاملة والحروف المهملة… بحيث يُفرض علينا اليوم تبسيط اللغة العربية في مناهجنا وربطها بسياقات العصر ومقتضياته والعمل على إضفاء كل الأبعاد اللعبيّة عليها وجعلها مفضّلة لدى الأطفال وتنظيم التظاهرات الكبرى (كما حدث مؤخرا في البطولة الوطنية للمطالعة بالقاعة المغطاة برادس) التي تُحفّز على القراءة وإعادة بناء الجسور مع لغة أمّ أصبحت مهدّدة في كيانها. فالعربية ليست أقلّ شأنا ولا أقل جدارة بالبقاء والتطور من اللغات الصينيّة أو اليابانية أو الهندية التي يتكلّمها أهلها بشكل طبيعي وخلاّق دون ترذيل أو ذوبان في اللغات الاجنبية وأيضا دون ازدراء أو تحقير للّغات الأخرى.
ثانيا : اللغة الأجنبية كنّة وليست ضرّة
نكتة قبل البدء : “الفرنسيون يُفاخرون بأنهم يتعاطون اللغة الفرنسية بشكل جيّد…لأنهم لا يتكلمون أية لغة أجنبية !“
لديّ تقدير بأن اللغات الأجنبية بنات جميلات تزوّجهنّ أبناؤنا (أو شبّانا على درجة من الوسامة تزوّجتهم بناتنا) فأنجبن أو أنجبوا وِلدانًا باهرين هم اليوم بمثابة انفتاح شبابنا على ثقافات العالم وقدرتهم الفائقة على اقتحام سوق العمل العالمية لا فقط بفضل مهاراتهم العلمية والتكنولوجية بل وأيضا بفضل إتقانهم للّغات الأجنبية وتكلّمها بطلاقة.
صادف مرّة أن تمّ تقديم مهندسة تونسية في إحدى الشركات السويديّة على أنها كفأة في مجالها وتحذق اللغتين الفرنسية والانكليزية… فأجاب مسؤول الانتدابات السويدي بذلك المجمع المهني بأن صاحب التقديم اقترف حشوا مضاعفا (بمعنى تكرّر معنى لا موجب له pléonasme ) لأن كلمة مهندس تونسي لوحدها تؤدّي المعنى كاملا دون إضافات زائدة !
فاللغات الأجنبية إذن هي فرصة وامتياز… وليست عائقا واغترابا. ولم يتأتّ هذا الرصيد الثمين من القدرة على تعاطي لغات العالم بأسره صدفة بل هو نتيجة مسار تعليمي طويل آمن بخطر الانغلاق وعمل على ترسيخ قيمة حضارية لم تُتَح لغيرنا من الشعوب تمثّلت في إنفاذ شعار عزيز على مدرستنا التونسية عبر كل الحقبات وهو “العمل على تأصيل الناشئة في لغتها الوطنية مع الانفتاح على لغات العالم“. قليلة جدا هي الشعوب التي تنطق لغات أخرى إلى جانب لغاتها الوطنية كما يفعل الشباب التونسي إزاء الفرنسية أو الانكليزية أو الألمانية… جرّبوا التحدث إلى ألماني في غير الألمانية أو تركيّ في غير التركية أو أمريكي في غير الانكليزية (الأمريكية) ! وبالعودة إلى صورة الأم التي تُزوّج ابنها فيصبح لديها كنّة، فأعتقد أن درجة تعلّقها بهذه الوافدة الجديدة تكون بنفس قدر السعادة التي ستترعرع بين الزوجين.
ثالثا : يٌندّدون بالفرنكوفونية ويسجّلون أبناءهم في أرقى المدارس الأجنبية
يُحزنني كثيرا أن أرى نفس الذين ينادون بمقاطعة الفرنسية بل وإدانتها باعتبارها لغة المستعمر الغاصب (أنظروا دعوة الاتحاد الإسلامي الدولي للمحامين – فرع تونس مؤخرا إلى وقفة احتجاجية للتنديد بانعقاد القمة الفرنكوفونية في جربة باعتباره “تبعية واستعمارا”) هم أنفسهم من يُسارعون إلى تسجيل أبنائهم وبناتهم بالمدارس الخاصة (حيث يتمّ التركيز على اللغات الأجنبية منذ المستويات الدراسية الأولى) والمؤسسات التربوية الأجنبية بتونس وبالجامعات الفرنسية والبريطانية بعد الباكالوريا… لأنهم يدركون جيدا (في غفلة من شعاراتهم السياسية والإيديولوجية) أن اللغات الأجنبية هي مفاتيح لمعالجة أبواب المستقبل ونوافذ مُطلّة على نفائس الثقافة والأدب والسينما والشعر في القارّات الخمس، وأدوات فاعلة تُلوّن شهائدنا الوطنية وتُقدر أبناءنا لكي يكونوا من مواطني العالم.
وأختم في علاقة بآخر جملة في هذه الورقة بمقولة للكاتب اللبناني أمين معلوف في روايته الرائعة “التائهون” (باللغة الفرنسية) : أنا وُلدتُ في كوكب الأرض ولم أولد في بلد بعينه” … وحتى لا تُخرج هذه الجملة من سياقها الأصلي الذي كُتبت فيه، سأُترجم المقولة بأكملها :
“…أنا وُلدتُ في كوكب الأرض ولم أولد في بلد بعينه. لكن بكل تأكيد، أنا وُلدتُ أيضا في بلد، في مدينة، في طائفة، في عائلة، في قسم ولادة، في سرير… لكن الشيء الوحيد الذي يكتسي أهمية بالنسبة لي كما بالنسبة إلى كل الناس هو أن نكون أتينا إلى العالم. إلى العالم ! الولادة، هي أن تأتي إلى العالم لا أن تأتي إلى هذا البلد أو ذاك، في هذا البيت أو ذاك”.
تصفح أيضا
جور نار
العراق: هل يستبق الأخطار المحدقة، أم سيكتفي بتحديد الإخلالات؟
نشرت
قبل يوم واحدفي
22 نوفمبر 2024محمد الزمزاري:
ستنطلق الحكومة العراقية في تعداد السكان خلال هذه الأيام والذي سيأخذ مدى زمنيا طويلا وربما. تعطيلات ميدانية على مستوى الخارطة. العراقية.
ويعد هذا التعداد السكاني مهمّا ومتأخرا كثيرا عن الموعد الدوري لمثل هذه الإحصائيات بالنسبة لكل بلد… فالعراق لم يقم بتحيين عدد سكانه منذ ما يزيد عن الثلاثين سنة، إذ عرف آخر تعداد له سنة 1991… ونظرا إلى عوامل عدة، فإن قرار القيام بهذا التعداد سيتجنب اي تلميح للانتماءات العرقية أو المذهبية عدا السؤال عن الديانة ان كانت إسلامية او مسيحية… وقد أكد رئيس الحكومة العراقية أن التعداد السكاني يهدف إلى تحديد أوضاع مواطني العراق قصد رصد الاخلالات و تحسين الخدمات وايضا لدعم العدالة الاجتماعية.
لعل اول مشكلة حادة تقف في وجه هذا التعداد العام، هو رفض الجانب الكردي الذي يضمر أهدافا و يسعى إلى التعتيم على أوضاع السكان في كردستان و في المنطقة المتنازع عليها بين العرب والأكراد و التركمان… خاصة أيضا ان اكثر من ثمانية أحياء عربية في أربيل المتنازع عليها، قد تم اخلاؤها من ساكنيها العرب وإحلال الأكراد مكانهم…
هذا من ناحية… لكن الأخطر من هذا والذي تعرفه الحكومة العراقية دون شك أن الإقليم الكردي منذ نشاته و”استقلاله” الذاتي يرتبط بتعاون وثيق مع الكيان الصهيوني الذي سعى دوما إلى تركيز موطئ قدم راسخ في الإقليم في إطار خططه الاستراتيجية.. وان مسؤولي الإقليم الكردي يسمحون للصهاينة باقتناء عديد الأراضي و المزارع على شاكلة المستعمرات بفلسطين المحتلة… وان قواعد الموساد المركزة بالاقليم منذ عشرات السنين ليست لاستنشاق نسيم نهر الفرات ! ..
أمام الحكومة العراقية إذن عدد من العراقيل والاولويات الوطنية والاستشرافية لحماية العراق. و قد تسلط عملية التعداد السكاني مثلما إشار إليه رئيس الحكومة العراقية الضوء على النقائص التي تتطلب الإصلاح و التعديل والحد من توسعها قبل أن يندم العراق ويلعنوا زمن الارتخاء وترك الحبل على الغارب ليرتع الصهاينة في جزء هام من بلاد الرافدين.
عبد الكريم قطاطة:
فترة التسعينات كانت حبلى بالاحداث والتغييرات في مسيرتي المهنية منها المنتظر والمبرمج له ومنها غير المنتظر بتاتا …
وانا قلت ومازلت مؤمنا بما قلته… انا راض بأقداري… بحلوها وبمرّها… ولو عادت عجلة الزمن لفعلت كلّ ما فعلته بما في ذلك حماقاتي واخطائي… لانني تعلمت في القليل الذي تعلمته، انّ الانسان من جهة هو ابن بيئته والبيئة ومهما بلغت درجة وعينا تؤثّر على سلوكياتنا… ومن جهة اخرى وحده الذي لا يعمل لا يخطئ… للتذكير… اعيد القول انّه وبعد ما فعله سحر المصدح فيّ واخذني من دنيا العمل التلفزي وهو مجال تكويني الاكاديمي، لم انس يوما انّني لابدّ ان اعود يوما ما الى اختصاصي الاصلي وهو العمل في التلفزيون سواء كمخرج او كمنتج او كلاهما معا… وحددت لذلك انقضاء عشر سنوات اولى مع المصدح ثمّ الانكباب على دنيا التلفزيون بعدها ولمدّة عشر سنوات، ثمّ اختتام ما تبقّى من عمري في ارقى احلامي وهو الاخراج السينمائي…
وعند بلوغ السنة العاشرة من حياتي كمنشط اذاعي حلّت سنة 1990 لتدفعني للولوج عمليا في عشريّة العمل التلفزي… ولانني احد ضحايا سحر المصدح لم استطع القطع مع هذا الكائن الغريب والجميل الذي سكنني بكلّ هوس… الم اقل آلاف المرات انّ للعشق جنونه الجميل ؟؟ ارتايت وقتها ان اترك حبل الوصل مع المصدح قائما ولكن بشكل مختلف تماما عما كنت عليه ..ارتايت ان يكون وجودي امام المصدح بمعدّل مرّة في الاسبوع ..بل وذهبت بنرجسيتي المعهودة الى اختيار توقيت لم اعتد عليه بتاتا ..نعم اخترت الفضاء في سهرة اسبوعية تحمل عنوان (اصدقاء الليل) من التاسعة ليلا الى منتصف الليل …هل فهمتم لماذا وصفت ذلك الاختيار بالنرجسي ؟؟ ها انا افسّر ..
قبل سنة تسعين عملت في فترتين: البداية كانت فترة الظهيرة من العاشرة صباحا حتى منتصف النهار (والتي كانت وفي الاذاعات الثلاث قبل مجيئي فترة خاصة ببرامج الاهداءات الغنائية)… عندما اقتحمت تلك الفترة كنت مدركا انيّ مقدم على حقل ترابه خصب ولكنّ محصوله بائس ومتخلّف ..لذلك اقدمت على الزرع فيه … وكان الحصاد غير متوقع تماما ..وتبعتني الاذاعة الوطنية واذاعة المنستير وقامت بتغييرات جذرية هي ايضا في برامجها في فترة الضحى .. بل واصبح التنافس عليها شديدا بين المنشطين ..كيف لا وقد اصبحت فترة الضحى فترة ذروة في الاستماع … بعد تلك الفترة عملت ايضا لمدة في فترة المساء ضمن برنامج مساء السبت … ولم يفقد انتاجي توهجه ..وعادت نفس اغنية البعض والتي قالوا فيها (طبيعي برنامجو ينجح تي حتى هو واخذ اعزّ فترة متاع بثّ) …
لذلك وعندما فكّرت في توجيه اهتمامي لدنيا التلفزيون فكرت في اختيار فترة السهرة لضرب عصفورين بحجر واحد… الاول الاهتمام بما ساحاول انتاجه تلفزيا كامل ايام الاسبوع وان اخصص يوما واحدا لسحر المصدح ..ومن جهة اخرى وبشيء مرة اخرى من النرجسية والتحدّي، اردت ان اثبت للمناوئين انّ المنشّط هو من يقدر على خلق الفترة وليست الفترة هي القادرة على خلق المنشط ..وانطلقت في تجربتي مع هذا البرنامج الاسبوعي الليلي وجاءت استفتاءات (البيان) في خاتمة 1990 لتبوئه و منشطه المكانة الاولى في برامج اذاعة صفاقس .. انا اؤكّد اني هنا اوثّق وليس افتخارا …
وفي نفس السياق تقريبا وعندما احدثت مؤسسة الاذاعة برنامج (فجر حتى مطلع الفجر) وهو الذي ينطلق يوميا من منتصف الليل حتى الخامسة صباحا، و يتداول عليه منشطون من الاذاعات الثلاث… طبعا بقسمة غير عادلة بينها يوم لاذاعة صفاقس ويوم لاذاعة المنستير وبقية الايام لمنشطي الاذاعة الوطنية (اي نعم العدل يمشي على كرعيه) لا علينا … سررت باختياري كمنشط ليوم صفاقس ..اولا لانّي ساقارع العديد من الزملاء دون خوف بل بكلّ ثقة ونرجسية وغرور… وثانيا للتاكيد مرة اخرى انّ المنشط هو من يصنع الفترة ..والحمد لله ربحت الرهان وبشهادة اقلام بعض الزملاء في الصحافة المكتوبة (لطفي العماري في جريدة الاعلان كان واحدا منهم لكنّ الشهادة الاهمّ هي التي جاءتني من الزميل الكبير سي الحبيب اللمسي رحمه الله الزميل الذي يعمل في غرفة الهاتف بمؤسسة الاذاعة والتلفزة) …
سي الحبيب كان يكلمني هاتفيا بعد كل حصة انشطها ليقول لي ما معناه (انا نعرفك مركّب افلام باهي وقت كنت تخدم في التلفزة اما ما عرفتك منشط باهي كان في فجر حتى مطلع الفجر .. اما راك اتعبتني بالتليفونات متاع المستمعين متاعك، اما مايسالش تعرفني نحبك توة زدت حبيتك ربي يعينك يا ولد) … في بداية التسعينات ايضا وبعد انهاء اشرافي على “اذاعة الشباب” باذاعة صفاقس وكما كان متفقا عليه، فكرت ايضا في اختيار بعض العناصر الشابة من اذاعة الشباب لاوليها مزيدا من العناية والتاطير حتى تاخذ المشعل يوما ما… اطلقت عليها اسم مجموعة شمس، واوليت عناصرها عناية خاصة والحمد لله انّ جلّهم نجحوا فيما بعد في هذا الاختصاص واصبحوا منشطين متميّزين… بل تالّق البعض منهم وطنيا ليتقلّد عديد المناصب الاعلامية الهامة… احد هؤلاء زميلي واخي الاصغر عماد قطاطة (رغم انه لا قرابة عائلية بيننا)…
عماد يوم بعث لي رسالة كمستمع لبرامجي تنسمت فيه من خلال صياغة الرسالة انه يمكن ان يكون منشطا …دعوته الى مكتبي فوجدته شعلة من النشاط والحيوية والروح المرحة ..كان انذاك في سنة الباكالوريا فعرضت عليه ان يقوم بتجربة بعض الريبورتاجات في برامجي .. قبل بفرح طفولي كبير لكن اشترطت عليه انو يولي الاولوية القصوى لدراسته … وعدني بذلك وسالته سؤالا يومها قائلا ماذا تريد ان تدرس بعد الباكالوريا، قال دون تفكير اريد ان ادرس بكلية الاداب مادة العربية وحلمي ان اصبح يوما استاذ عربية ..ضحكت ضحكة خبيثة وقلت له (تي هات انجح وبعد يعمل الله)… وواصلت تاطيره وتكوينه في العمل الاذاعي ونجح في الباكالوريا ويوم ان اختار دراسته العليا جاءني ليقول وبكلّ سعادة …لقد اخترت معهد الصحافة وعلوم الاخبار… اعدت نفس الضحكة الخبيثة وقلت له (حتّى تقللي يخخي؟) واجاب بحضور بديهته: (تقول انت شميتني جايها جايها ؟؟)… هنأته وقلت له انا على ذمتك متى دعتك الحاجة لي ..
وانطلق عماد في دراسته واعنته مع زملائي في الاذاعة الوطنية ليصبح منشطا فيها (طبعا ايمانا منّي بجدراته وكفاءته)… ثم استنجد هو بكلّ ما يملك من طاقات مهنية ليصبح واحدا من ابرز مقدمي شريط الانباء… ثم ليصل على مرتبة رئيس تحرير شريط الانباء بتونس 7 ..ويوما ما عندما فكّر البعض في اذاعة خاصة عُرضت على عماد رئاسة تحريرها وهو من اختار اسمها ..ولانّه لم ينس ماعاشه في مجموعة شمس التي اطرتها واشرفت عليها، لم ينس ان يسمّي هذه الاذاعة شمس اف ام … اي نعم .عماد قطاطة هو من كان وراء اسم شمس اف ام …
ثمة ناس وثمة ناس ..ثمة ناس ذهب وثمة ناس ماجاوش حتى نحاس ..ولانّي عبدالكريم ابن الكريم ..انا عاهدت نفسي ان اغفر للذهب والنحاس وحتى القصدير ..وارجو ايضا ان يغفر لي كل من اسأت اليه ..ولكن وربّ الوجود لم اقصد يوما الاساءة ..انه سوء تقدير فقط …
ـ يتبع ـ
عبد الكريم قطاطة:
المهمة الصحفية الثانية التي كلفتني بها جريدة الاعلان في نهاية الثمانينات تمثّلت في تغطية مشاركة النادي الصفاقسي في البطولة الافريقية للكرة الطائرة بالقاهرة …
وهنا لابدّ من الاشارة انها كانت المرّة الوحيدة التي حضرت فيها تظاهرة رياضية كان فيها السي اس اس طرفا خارج تونس .. نعم وُجّهت اليّ دعوات من الهيئات المديرة للسفر مع النادي وعلى حساب النادي ..لكن موقفي كان دائما الشكر والاعتذار ..واعتذاري لمثل تلك الدعوات سببه مبدئي جدا ..هاجسي انذاك تمثّل في خوفي من (اطعم الفم تستحي العين)… خفت على قلمي ومواقفي ان تدخل تحت خانة الصنصرة الذاتية… اذ عندما تكون ضيفا على احد قد تخجل من الكتابة حول اخطائه وعثراته… لهذا السبب وطيلة حياتي الاعلامية لم اكن ضيفا على ايّة هيئة في تنقلات النادي خارج تونس ..
في رحلتي للقاهرة لتغطية فعاليات مشاركة السي اس اس في تلك المسابقة الافريقية، لم يكن النادي في افضل حالاته… لكن ارتأت ادارة الاعلان ان تكلّفني بمهمّة التغطية حتى اكتب بعدها عن ملاحظاتي وانطباعاتي حول القاهرة في شكل مقالات صحفية… وكان ذلك… وهذه عينات مما شاهدته وسمعته وعشته في القاهرة. وهو ما ساوجزه في هذه الورقة…
اوّل ما استرعى انتباهي في القاهرة انّها مدينة لا تنام… وهي مدينة الضجيج الدائم… وما شدّ انتباهي ودهشتي منذ الساعة الاولى التي نزلت فيها لشوارعها ضجيج منبهات السيارات… نعم هواية سائقي السيارات وحتى الدراجات النارية والهوائية كانت بامتياز استخدام المنبهات… ثاني الملاحظات كانت نسبة التلوّث الكثيف… كنت والزملاء نخرج صباحا بملابس انيقة وتنتهي صلوحية اناقتها ونظافتها في اخر النهار…
اهتماماتي في القاهرة في تلك السفرة لم تكن موجّهة بالاساس لمشاركة السي اس اس في البطولة الافريقية للكرة الطائرة… كنا جميعا ندرك انّ مشاركته في تلك الدورة ستكون عادية… لذلك وجهت اشرعة اهتمامي للجانب الاجتماعي والجانب الفنّي دون نسيان زيارة معالم مصر الكبيرة… اذ كيف لي ان ازور القاهرة دون زيارة خان الخليلي والسيدة زينب وسيدنا الحسين والاهرام… اثناء وجودي بالقاهرة اغتنمت الفرصة لاحاور بعض الفنانين بقديمهم وجديدهم… وكان اوّل اتصال لي بالكبير موسيقار الاجيال محمد عبد الوهاب رحمه الله… هاتفته ورجوت منه امكانية تسجيل حوار معه فاجابني بصوته الخشن والناعم في ذات الوقت معتذرا بسبب حالته الصحية التي ليست على ما يرام…
لكن في مقابل ذلك التقيت بالكبير محمد الموجي بمنزله وقمت بتسجيل حوار معه ..كان الموجي رحمه الله غاية في التواضع والبساطة… لكن ما طُبع في ذهني نظرته العميقة وهو يستمع اليك مدخّنا سيجارته بنهم كبير… نظرة اكاد اصفها بالرهيبة… رهبة الرجل مسكونا بالفنّ كما جاء في اغنية رسالة من تحت الماء التي لحنها للعندليب… نظرة المفتون بالفن من راسه حتى قدميه…
في تلك الفترة من اواخر الثمانينات كانت هنالك مجموعة من الاصوات الشابة التي بدات تشق طريقها في عالم الغناء ..ولم اترك الفرصة تمرّ دون ان انزل ضيفا عليهم واسجّل لهم حوارات… هنا اذكر بانّ كلّ التسجيلات وقع بثها في برامجي باذاعة صفاقس… من ضمن تلك الاصوات الشابة كان لي لقاءات مع محمد فؤاد، حميد الشاعري وعلاء عبدالخالق… المفاجأة السارة كانت مع لطيفة العرفاوي… في البداية وقبل سفرة القاهرة لابدّ من التذكير بانّ لطيفة كانت احدى مستمعاتي… وعند ظهورها قمت بواجبي لتشجيعها وهي تؤدّي انذاك وباناقة اغنية صليحة (يا لايمي عالزين)…
عندما سمعت لطيفة بوجودي في القاهرة تنقلت لحيّ العجوزة حيث اقطن ودعتني مع بعض الزملاء للغداء ببيتها… وكان ذلك… ولم تكتف بذلك بل سالت عن احوالنا المادية ورجتنا ان نتصل بها متى احتجنا لدعم مادي… شكرا يا بنت بلادي على هذه الحركة…
اختم بالقول قل ما شئت عن القاهرة.. لكنها تبقى من اعظم واجمل عواصم الدنيا… القاهرة تختزل عبق تاريخ كلّ الشعوب التي مرّت على اديمها… نعم انها قاهرة المعزّ…
ـ يتبع ـ
حدث في رزق البيليك… المرجان الأحمر ينزف دما
سليانة: غدا… أدب الطفل في ملتقى عبد القادر الهاني
اختتام الدورة الثامنة لمنتدى المؤسسات Enicarthage
تونس: مؤتمر وطني حول ريادة الأعمال النسائية
بعد 61 عاما… هل يكشف ترامب عن معطيات جديدة حول مقتل “جون كينيدي”؟
استطلاع
صن نار
- منبـ ... نارقبل 8 ساعات
حدث في رزق البيليك… المرجان الأحمر ينزف دما
- ثقافياقبل 12 ساعة
سليانة: غدا… أدب الطفل في ملتقى عبد القادر الهاني
- اقتصادياقبل 16 ساعة
اختتام الدورة الثامنة لمنتدى المؤسسات Enicarthage
- اقتصادياقبل 20 ساعة
تونس: مؤتمر وطني حول ريادة الأعمال النسائية
- صن نارقبل 20 ساعة
بعد 61 عاما… هل يكشف ترامب عن معطيات جديدة حول مقتل “جون كينيدي”؟
- داخلياقبل 20 ساعة
النفيضة: وقفة احتجاجية لأهالي “دار بالواعر”… على خلفية سقوط تلميذ من حافلة
- صن نارقبل 20 ساعة
حرب أوكرانيا… رسالة روسية في شكل صاروخ قادر على الدمار الشامل
- صن نارقبل 20 ساعة
لندن.. “طرد مشبوه” يتم تفجيره قرب السفارة الأمريكية