جور نار
القطّة والإمام… وقطتي والاستقواء بالأجنبي!
نشرت
قبل سنتينفي
من قبل
محمد الأطرش Mohamed Alatrashشاهدت كما شاهد أكثر من مليار مشاهد فيديو تلك القطة التي شاكست الإمام الشيخ الجزائري وليد مهساس وهو يؤم المصلين وصفقت لتصرفه الانيق والإنساني مع القطة…وصفقت كثيرا للقطّة لأني من أصدقاء القطط وأحتفظ بالبعض منها في منزلي …
مساء الأمس وأنا أستعد للنوم طرقت قطتي شباكي قبل موعدها وهي المتعوّدة بطرقه كل ليلة لتنام قريبا منّي، فتحت الشباك لأجد قطتي في وضع لا يبشّر بخير وكأني بها عائدة من معركة دامية…عدت إلى مشاكسة النوم طمعا في كسب أكثر ما يمكن من الوقت قبل حلول موعد السحور…استسلمت للنوم وأنا أنظر لقطتي وكأني بها تريد أن تقول شيئا…
فجأة وأنا أغرق واسبح في نوم عميق استمعت إلى حشرجة صغيرة ثم صوت يرتفع بجانبي ليقول لي: سيدي سيدي هل تسمعني…؟ ودون أن أفكّر في الأمر أجبت: من أنت من معي وماذا تريد؟ قال الصوت الآتي من يميني: أنا قطتك أنا “عشيرتك”…قلت: ومنذ متى تتكلمين لغتنا…لعلك مخطئة فلست النبي سليمان يا أختاه؟ أجابت: تعلمتها عنك بالسماع…قلت: وماذا هناك؟ قالت: القطط وأنا منها وعائلاتها في الحي الجنوبي تعاني كثيرا من قائدها الذي انتخبته منذ بعض السنوات، وقد كلفتني بطلب المساعدة منك ومن الأحياء المجاورة…ضحكت وقلت: انتخبته…مساعدة !!! ومنذ متى تنظمون أنتم معشر القطط انتخابات لاختيار قيادتكم؟ قالت باكية: منذ أبد الآبدين ونحن نختار قائدنا بالانتخاب…لكنكم معشر البشر لا تعلمون ولا تهتمون لأمرنا كثيرا…قلت مستغربا: وما الحكاية هات ما عندك؟ قالت: انتخبنا قائدنا لأننا كنت نراه الأجدر فهو نظيف وعادل وحقوقي ولا يعتدي على أي من القطط ويحترم ضعاف الحال وديمقراطي جدااا…قلت: ديمقراطي ؟؟ وهل تعرفون الديمقراطية أيضا؟ قالت: طبعا نعرف الديمقراطية والاستبداد وكل ما تعرفونه أنتم معشر البشر…قلت: ولماذا اخترتموه إذا كان هو بالشكل الذي تحدثت عنه؟ قالت: خدعنا…تحايل علينا…لم نعرف حقيقته كان أمامنا لطيفا …هادئا…يحب الجميع ولا يظلم أحدا…لم يكن فاسدا …فاخترناه…قلت: وما الذي غيّره إذن ليصبح مستبدا؟ قالت: ربما عائلته…ربما زبانيته…ومن هم حوله… ربما الكرسي…قلت: وماذا فعل معكم بالضبط؟ كيف يحكمكم…؟
قالت: لم نكن نعرفه كما هو اليوم وكأنه قطّ آخر وكأنه ليس ذلك الذي انتخبته القطط وعائلاتها…ومن وضعوا فيه ثقتهم…أصبح عنيفا في خطابه…وفي تصرفاته مع الجميع…لا يثق في أي قط أو قطّط من الحي…وهوايته استعداء الجميع حتى بعض الأحياء الأخرى التي تجاور الحي الذي يحكمه…اختار جماعته ومن يهتفون باسمه في كل المناصب الحساسة في حكم الحي…غيّر كل أنظمة حياتنا…وأتى بنظام غريب هجين سيكون سببا في هجرة وهروب كل قطط الحي إلى الأحياء المجاورة…وقد يكون سببا في مجاعة وانهيار كامل لمنظومتنا الغذائية، خاصة بعد استعداء البشر وسكان الحي من خلال ما يأتيه في خطبه من استعداء لهم وتهجم على نظامهم ومنظماتهم…وقد يتسبّب في وضع مأسوي لجميع السكان من القطط…قلت: وماذا يريد مثلا؟ قالت: يتهمنا جميعا بالفساد…وباستغلال النفوذ للبعض منّا…وبإهدار كل ما نحصل عليه من فضلات المنازل…وبعضنا باحتكار الفضلات والاستحواذ على المزابل الغنية بالفضلات الغذائية…ويريد ان يتحكّم في كل مسالك توزيع الأكل الذي نحصل عليه من مزابل سكان الحي…
وقد تأزم الوضع كثيرا في هذا الشهر وأقصد رمضان…وأنت تعلم سيدي أننا لا نصوم لكننا نتأثر كثيرا بهذا الشهر فالفواضل من الاكل تصبح نادرة في العديد من الأحياء الفقيرة، خاصة أننا نعلم بما تعانونه أنتم معشر البشر من غلاء في الأسعار وارتفاعها الجنوني…نحن نتأثر بما تعيشونه من معاناة وارتفاع الأسعار يضرّ بنا أكثر مما يضرّ بكم…ضحكت وقلت: كيف علمتم بارتفاع الأسعار؟ قالت: نستمع معكم إلى ما تستمعون إليه في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي…مثلا نعلم أنه منذ شهر مارس 2022 الى اليوم ارتفعت بعض أسعار المواد الغذائية التي هي ما يهمّنا في الأمر إلى نسب خيالية ومرتفعة جدا لم تعرفها البلاد منذ الاستقلال …قلت: كيف ذلك هات ما عندك؟ قالت: أتعلم أن لحم العلوش ارتفع بنسبة 34% ولحم البقر ارتفع بنسبة 22% ولحم الدجاج ارتفع بنسبة 24% والبيض ارتفع بنسبة %31 والخضر ارتفعت بنسبة 11 % والغلال ارتفعت بنسبة 14 % أما الزيت فقد ارتفع بنسبة 24 % …أتعلمون كل ذلك ام لا تدرون بما تدفعونه؟
قلت مستغربا: وماذا أيضا عن تصرفات قائدكم؟ قالت وهي في حالة احباط غريبة: أتدري أنه يتهم من كانوا يقودون قطط الحي قبله بالفساد وتهريب ما نحصل عليه من مزابلكم إلى الأحياء المجاورة التي يقطنها الكثير من الإناث ويعتبر تلك الفضلات الغذائية ملكا لدولته وجب إعادتها إلى قطط الحي وعائلاتهم…كما أنه تسبّب في ابعاد أكثر القطط دفاعا عن مصالح الإخوة بعد ان منعه من الاجتماع بنا والحديث إلينا والحديث عن الأزمة في كل وسائل إعلامنا القططي في الحي والأحياء المجاورة…قلت ضاحكا: وكأنها أموال منهوبة يا سلام…وكأن لكم إعلام معارض أيضا وفايسبوك وإذاعات …أظنّ أن عندكم أيضا برهان بسيس ورياض جراد والبقية …هل مايا القصوري القطّة جميلة وجذابة كمايا القصوري الإنسانة عندنا؟؟ أتعيشون نفس ما نعيشه؟ وكيف تهرّبون تلك الفضلات هل صحيح ما يتهمكم به قائدكم “الغضنفر”…؟
قالت: لا والله لا…لا فساد ولا هم يحزنون…أقسم لك سيدي…هو فقط يريد ألا يسلم الحكم عند انتهاء عهدته لذلك يحاول من الآن، خاصة أنه لم ينجز شيئا لقطط الحي ولم يكتشف أماكن ومزابل كافية لتحسين أوضاع القطط ولم ينجز شيئا مما وعد به من عدالة غذائية وزبالة للجميع…أقول هو فقط يريد أن يتخلص من خصومه بتأليب كل القطط على من ينوون الترشح للانتخابات القادمة باتهامهم بأبشع التهم…وبتحميلهم مسؤولية تأزم كل الأوضاع الاقتصادية والصحية لقطط الحي…قلت: ألا تخافين اتهامه لك بالتآمر على أمن الحي بعد اتصالك بي اليوم؟ ألا يعتبر هذا اللقاء استقواء بالأجنبي؟ ألا تخافين الأمر؟ قالت: لا، لا عاد يهمني الأمر فأنا أصبحت شبه لاجئة هنا وأبنائي ماتوا جوعا وأنت تعلم جيدا أني لم أطلب أمرا يمسّ من سيادة الحي ولا من قيادة الحي … فنحن معشر القطط في الحي الجنوبي نحترم القيادة ولا نريد المسّ من هيبتها نريد فقط ديمقراطية تحمينا من تغوّل القطّ الحاكم ومن معه وتوفر لنا كل وسائل العيش الكريم…
أتدري أن بعض قططنا من الشباب ماتوا تحت عجلات السيارات وهم يحاولون العبور إلى الحي الشمالي بحثا عن مزابل أغنى بالمواد الغذائية الجيدة تُبعد عنهم وعن أبنائهم شبح الجوع…قلت: وكيف تريدون مني مساعدتكم؟ هل تريدون مني أن اجلب لكم بعض المواد الغذائية لمزابل الحي حتى تقتسموها وتوزعوها على جميع القطط هناك؟ لكن من يضمن لي أن قائدكم سيتغيّر وسيوزع ما سأرسله إليكم بالعدل بين جميع القطط وفئات القطط…وسيقدم على إصلاحات سياسية واقتصادية تخرجكم من الوضع المأسوي الذي تعيشونه؟ قالت: لا شيء يضمن لك ذلك ولا أحد منّا يمكنه ضمان ذلك لكم…خاصة ونحن نعاني مشكلة أخرى: هجرة القطط البريّة من الأحياء الجنوبية إلى مزابل حيّنا لتصبح معاناتنا مضاعفة…كما نعاني من تحجير الحركة والسفر عن الكثير من قططنا المعارضة لسياسات القط الحاكم…ونعاني من التضييقات على إعلامنا القططي الخاص في أنهج الحي، فهذا التصرف لا يليق بنا ولا ينطبق علينا ولا نتمناه لاحد نحن الذي كنّا الاستثناء…فقطط الحي اليوم تعاني الفقر وتشكوه ليلا نهارا، تصرخ كل يوم الجوع والعطش و”البطالة” فلا بحث عن مزابل جديدة ولا تنظّم من أجل اكتشاف موارد غذائية جديدة…
نحن القطط نعيش كابوسا اظلم وسلوكا عجيبا وتصرفات لا يمكن تصورها ممن اجتمعنا حوله واخترناه قطنا الأكبر الحاكم بأمره…فنحن الحي المجروح والموجوع…المحاصر بالجوع والخصاصة والاستبداد وآلام القطط التي لم تكف عن انينها الذي يؤرق مضاجع جميع سكان الحي من القطط وغيرها من الحيوانات الصديقة والشقيقة… قلت: وماذا تنتظرون؟ قالت: لا أحد ينكر أننا نعيش في ظروف كانت هي الأقسى على شعب القطط وخاصة الطبقتين الوسطى والفقيرة وهي الغالبية العظمى في حيّنا الجنوبي، وأن هذا النظام اغلق على القطط وأقصد أغلبية القطط سبل العمل ومنافذ الدخل الغذائي، وساهم في خنق سكان الحي الجنوبي وعزله عن بقية الاحياء مع تراكم اعداد القطط البريّة من المهاجرين من الأحياء الجنوبية نحو الأحياء الشمالية، والذين أتوا على ما تبقى من “زبالة”لا تفي بالحاجة ولا تكفي سكان الحي من القطط…وفي خضم هذه الآلام والمعاناة، والجوع والفقر والعطش، وفي أتون الضرائب التي جاء بها حكم وقانون مالية القط الأكبر الحاكم بأمره وتآكل الرواتب التي نخاف غيابها في قادم الاشهر…والتضخم الكبير الذي صنعه وساهم فيه كل من حكموا قبل القط الأكبر حاكم الحي وسيّده…علما أن للحي نقابات قططية أتت على الأخضر واليابس وتسببت في أكبر نسبة مما وصل إليه الحي وقطط الحي…
وفي ظلّ ندرة الفضلات الغنيّة بالمواد الغذائية الجديدة ومع تزامن الأزمة وشهر رمضان، ووسط احباط شباب القطط من إيجاد حاوية مليئة بالفضلات تكفيهم تعب البحث طويلا عن صيد ثمين، وشعورهم بفقدان الامل وانعدام الثقة في القط الأكبر حاكم الحي وقطط الحي ومن معهم من حيوانات اليفة أخرى كالدجاج الذي لا يحرّك ساكنا ويكتفي بالرقص مع بعض الديكة…في ظلّ كل هذا يخسر الحي كل يوم العديد من خيرة شباب قططه التي تموت تحت عجلات السيارات وهي تعبر للأحياء الشمالية الراقية والمليئة بالحاويات الغذائية الغنية بالأكلات الكاملة…ينتظر القطط من لقائي معكم اليوم تدخلا لدى الحاكم بأمره القطّ الأكبر وإيجاد حل للخروج مما آلت إليه الأوضاع بالحي بتلطيف الأجواء بين الجميع، ويرون في شخصكم النفق الذي يبزغ منه بصيص النور بغض النظر عن طول أو عمق هذا النفق…
“شبيك تخبّش؟؟” هكذا صرخت بعد أن شعرت بوخز وألم في يدي واستفقت من نومي لأجد قطتي وهي تطالبني بفتح الباب وتمكينها من الخروج للتبوّل وفي نفس الوقت لتقول لي حان موعد السحور…نظرت يمينا …ثم يسارا…وحمدت الربّ على أن كل ما عشته كان حلما …وأي حلم…لو كان واقعا لأخذني إلى حيث يقبع المتهمون بالتآمر على أمن البلاد…وقد يتهمونني بارتكاب حلم انقلابي…فخرجت مسرعا لأتناول وجبة السحور وأنا اتمتم…”ما زال كان باش تقلي القطوسة اللي عندهم 25 جويلية وعندهم 14 جانفي…وقريب تقلي اللي عندهم الغنوشي وحمه الهمامي وعندهم شهداء وإرهاب…الله يهلكك يا سخطة عمل لا ورطتيني وأنا اللي نوكل فيك في السردينة كل يوم,,,استغفر الله…استغفر الله…استغفر الله…”…
تصفح أيضا
محمد الزمزاري:
ستنطلق الحكومة العراقية في تعداد السكان خلال هذه الأيام والذي سيأخذ مدى زمنيا طويلا وربما. تعطيلات ميدانية على مستوى الخارطة. العراقية.
ويعد هذا التعداد السكاني مهمّا ومتأخرا كثيرا عن الموعد الدوري لمثل هذه الإحصائيات بالنسبة لكل بلد… فالعراق لم يقم بتحيين عدد سكانه منذ ما يزيد عن ربع قرن، إذ عرف آخر تعداد له سنة 1997… ونظرا إلى عوامل عدة، فإن قرار القيام بهذا التعداد سيتجنب اي تلميح للانتماءات العرقية أو المذهبية عدا السؤال عن الديانة ان كانت إسلامية او مسيحية… وقد أكد رئيس الحكومة العراقية أن التعداد السكاني يهدف إلى تحديد أوضاع مواطني العراق قصد رصد الاخلالات و تحسين الخدمات وايضا لدعم العدالة الاجتماعية.
لعل اول مشكلة حادة تقف في وجه هذا التعداد العام، هو رفض الجانب الكردي الذي يضمر أهدافا و يسعى إلى التعتيم على أوضاع السكان في كردستان و في المنطقة المتنازع عليها بين العرب والأكراد و التركمان… خاصة أيضا ان اكثر من ثمانية أحياء عربية في أربيل المتنازع عليها، قد تم اخلاؤها من ساكنيها العرب وإحلال الأكراد مكانهم…
هذا من ناحية… لكن الأخطر من هذا والذي تعرفه الحكومة العراقية دون شك أن الإقليم الكردي منذ نشاته و”استقلاله” الذاتي يرتبط بتعاون وثيق مع الكيان الصهيوني الذي سعى دوما إلى تركيز موطئ قدم راسخ في الإقليم في إطار خططه الاستراتيجية.. وان مسؤولي الإقليم الكردي يسمحون للصهاينة باقتناء عديد الأراضي و المزارع على شاكلة المستعمرات بفلسطين المحتلة… وان قواعد الموساد المركزة بالاقليم منذ عشرات السنين ليست لاستنشاق نسيم نهر الفرات ! ..
أمام الحكومة العراقية إذن عدد من العراقيل والاولويات الوطنية والاستشرافية لحماية العراق. و قد تسلط عملية التعداد السكاني مثلما إشار إليه رئيس الحكومة العراقية الضوء على النقائص التي تتطلب الإصلاح و التعديل والحد من توسعها قبل أن يندم العراق ويلعنوا زمن الارتخاء وترك الحبل على الغارب ليرتع الصهاينة في جزء هام من بلاد الرافدين.
عبد الكريم قطاطة:
فترة التسعينات كانت حبلى بالاحداث والتغييرات في مسيرتي المهنية منها المنتظر والمبرمج له ومنها غير المنتظر بتاتا …
وانا قلت ومازلت مؤمنا بما قلته… انا راض بأقداري… بحلوها وبمرّها… ولو عادت عجلة الزمن لفعلت كلّ ما فعلته بما في ذلك حماقاتي واخطائي… لانني تعلمت في القليل الذي تعلمته، انّ الانسان من جهة هو ابن بيئته والبيئة ومهما بلغت درجة وعينا تؤثّر على سلوكياتنا… ومن جهة اخرى وحده الذي لا يعمل لا يخطئ… للتذكير… اعيد القول انّه وبعد ما فعله سحر المصدح فيّ واخذني من دنيا العمل التلفزي وهو مجال تكويني الاكاديمي، لم انس يوما انّني لابدّ ان اعود يوما ما الى اختصاصي الاصلي وهو العمل في التلفزيون سواء كمخرج او كمنتج او كلاهما معا… وحددت لذلك انقضاء عشر سنوات اولى مع المصدح ثمّ الانكباب على دنيا التلفزيون بعدها ولمدّة عشر سنوات، ثمّ اختتام ما تبقّى من عمري في ارقى احلامي وهو الاخراج السينمائي…
وعند بلوغ السنة العاشرة من حياتي كمنشط اذاعي حلّت سنة 1990 لتدفعني للولوج عمليا في عشريّة العمل التلفزي… ولانني احد ضحايا سحر المصدح لم استطع القطع مع هذا الكائن الغريب والجميل الذي سكنني بكلّ هوس… الم اقل آلاف المرات انّ للعشق جنونه الجميل ؟؟ ارتايت وقتها ان اترك حبل الوصل مع المصدح قائما ولكن بشكل مختلف تماما عما كنت عليه ..ارتايت ان يكون وجودي امام المصدح بمعدّل مرّة في الاسبوع ..بل وذهبت بنرجسيتي المعهودة الى اختيار توقيت لم اعتد عليه بتاتا ..نعم اخترت الفضاء في سهرة اسبوعية تحمل عنوان (اصدقاء الليل) من التاسعة ليلا الى منتصف الليل …هل فهمتم لماذا وصفت ذلك الاختيار بالنرجسي ؟؟ ها انا افسّر ..
قبل سنة تسعين عملت في فترتين: البداية كانت فترة الظهيرة من العاشرة صباحا حتى منتصف النهار (والتي كانت وفي الاذاعات الثلاث قبل مجيئي فترة خاصة ببرامج الاهداءات الغنائية)… عندما اقتحمت تلك الفترة كنت مدركا انيّ مقدم على حقل ترابه خصب ولكنّ محصوله بائس ومتخلّف ..لذلك اقدمت على الزرع فيه … وكان الحصاد غير متوقع تماما ..وتبعتني الاذاعة الوطنية واذاعة المنستير وقامت بتغييرات جذرية هي ايضا في برامجها في فترة الضحى .. بل واصبح التنافس عليها شديدا بين المنشطين ..كيف لا وقد اصبحت فترة الضحى فترة ذروة في الاستماع … بعد تلك الفترة عملت ايضا لمدة في فترة المساء ضمن برنامج مساء السبت … ولم يفقد انتاجي توهجه ..وعادت نفس اغنية البعض والتي قالوا فيها (طبيعي برنامجو ينجح تي حتى هو واخذ اعزّ فترة متاع بثّ) …
لذلك وعندما فكّرت في توجيه اهتمامي لدنيا التلفزيون فكرت في اختيار فترة السهرة لضرب عصفورين بحجر واحد… الاول الاهتمام بما ساحاول انتاجه تلفزيا كامل ايام الاسبوع وان اخصص يوما واحدا لسحر المصدح ..ومن جهة اخرى وبشيء مرة اخرى من النرجسية والتحدّي، اردت ان اثبت للمناوئين انّ المنشّط هو من يقدر على خلق الفترة وليست الفترة هي القادرة على خلق المنشط ..وانطلقت في تجربتي مع هذا البرنامج الاسبوعي الليلي وجاءت استفتاءات (البيان) في خاتمة 1990 لتبوئه و منشطه المكانة الاولى في برامج اذاعة صفاقس .. انا اؤكّد اني هنا اوثّق وليس افتخارا …
وفي نفس السياق تقريبا وعندما احدثت مؤسسة الاذاعة برنامج (فجر حتى مطلع الفجر) وهو الذي ينطلق يوميا من منتصف الليل حتى الخامسة صباحا، و يتداول عليه منشطون من الاذاعات الثلاث… طبعا بقسمة غير عادلة بينها يوم لاذاعة صفاقس ويوم لاذاعة المنستير وبقية الايام لمنشطي الاذاعة الوطنية (اي نعم العدل يمشي على كرعيه) لا علينا … سررت باختياري كمنشط ليوم صفاقس ..اولا لانّي ساقارع العديد من الزملاء دون خوف بل بكلّ ثقة ونرجسية وغرور… وثانيا للتاكيد مرة اخرى انّ المنشط هو من يصنع الفترة ..والحمد لله ربحت الرهان وبشهادة اقلام بعض الزملاء في الصحافة المكتوبة (لطفي العماري في جريدة الاعلان كان واحدا منهم لكنّ الشهادة الاهمّ هي التي جاءتني من الزميل الكبير سي الحبيب اللمسي رحمه الله الزميل الذي يعمل في غرفة الهاتف بمؤسسة الاذاعة والتلفزة) …
سي الحبيب كان يكلمني هاتفيا بعد كل حصة انشطها ليقول لي ما معناه (انا نعرفك مركّب افلام باهي وقت كنت تخدم في التلفزة اما ما عرفتك منشط باهي كان في فجر حتى مطلع الفجر .. اما راك اتعبتني بالتليفونات متاع المستمعين متاعك، اما مايسالش تعرفني نحبك توة زدت حبيتك ربي يعينك يا ولد) … في بداية التسعينات ايضا وبعد انهاء اشرافي على “اذاعة الشباب” باذاعة صفاقس وكما كان متفقا عليه، فكرت ايضا في اختيار بعض العناصر الشابة من اذاعة الشباب لاوليها مزيدا من العناية والتاطير حتى تاخذ المشعل يوما ما… اطلقت عليها اسم مجموعة شمس، واوليت عناصرها عناية خاصة والحمد لله انّ جلّهم نجحوا فيما بعد في هذا الاختصاص واصبحوا منشطين متميّزين… بل تالّق البعض منهم وطنيا ليتقلّد عديد المناصب الاعلامية الهامة… احد هؤلاء زميلي واخي الاصغر عماد قطاطة (رغم انه لا قرابة عائلية بيننا)…
عماد يوم بعث لي رسالة كمستمع لبرامجي تنسمت فيه من خلال صياغة الرسالة انه يمكن ان يكون منشطا …دعوته الى مكتبي فوجدته شعلة من النشاط والحيوية والروح المرحة ..كان انذاك في سنة الباكالوريا فعرضت عليه ان يقوم بتجربة بعض الريبورتاجات في برامجي .. قبل بفرح طفولي كبير لكن اشترطت عليه انو يولي الاولوية القصوى لدراسته … وعدني بذلك وسالته سؤالا يومها قائلا ماذا تريد ان تدرس بعد الباكالوريا، قال دون تفكير اريد ان ادرس بكلية الاداب مادة العربية وحلمي ان اصبح يوما استاذ عربية ..ضحكت ضحكة خبيثة وقلت له (تي هات انجح وبعد يعمل الله)… وواصلت تاطيره وتكوينه في العمل الاذاعي ونجح في الباكالوريا ويوم ان اختار دراسته العليا جاءني ليقول وبكلّ سعادة …لقد اخترت معهد الصحافة وعلوم الاخبار… اعدت نفس الضحكة الخبيثة وقلت له (حتّى تقللي يخخي؟) واجاب بحضور بديهته: (تقول انت شميتني جايها جايها ؟؟)… هنأته وقلت له انا على ذمتك متى دعتك الحاجة لي ..
وانطلق عماد في دراسته واعنته مع زملائي في الاذاعة الوطنية ليصبح منشطا فيها (طبعا ايمانا منّي بجدراته وكفاءته)… ثم استنجد هو بكلّ ما يملك من طاقات مهنية ليصبح واحدا من ابرز مقدمي شريط الانباء… ثم ليصل على مرتبة رئيس تحرير شريط الانباء بتونس 7 ..ويوما ما عندما فكّر البعض في اذاعة خاصة عُرضت على عماد رئاسة تحريرها وهو من اختار اسمها ..ولانّه لم ينس ماعاشه في مجموعة شمس التي اطرتها واشرفت عليها، لم ينس ان يسمّي هذه الاذاعة شمس اف ام … اي نعم .عماد قطاطة هو من كان وراء اسم شمس اف ام …
ثمة ناس وثمة ناس ..ثمة ناس ذهب وثمة ناس ماجاوش حتى نحاس ..ولانّي عبدالكريم ابن الكريم ..انا عاهدت نفسي ان اغفر للذهب والنحاس وحتى القصدير ..وارجو ايضا ان يغفر لي كل من اسأت اليه ..ولكن وربّ الوجود لم اقصد يوما الاساءة ..انه سوء تقدير فقط …
ـ يتبع ـ
عبد الكريم قطاطة:
المهمة الصحفية الثانية التي كلفتني بها جريدة الاعلان في نهاية الثمانينات تمثّلت في تغطية مشاركة النادي الصفاقسي في البطولة الافريقية للكرة الطائرة بالقاهرة …
وهنا لابدّ من الاشارة انها كانت المرّة الوحيدة التي حضرت فيها تظاهرة رياضية كان فيها السي اس اس طرفا خارج تونس .. نعم وُجّهت اليّ دعوات من الهيئات المديرة للسفر مع النادي وعلى حساب النادي ..لكن موقفي كان دائما الشكر والاعتذار ..واعتذاري لمثل تلك الدعوات سببه مبدئي جدا ..هاجسي انذاك تمثّل في خوفي من (اطعم الفم تستحي العين)… خفت على قلمي ومواقفي ان تدخل تحت خانة الصنصرة الذاتية… اذ عندما تكون ضيفا على احد قد تخجل من الكتابة حول اخطائه وعثراته… لهذا السبب وطيلة حياتي الاعلامية لم اكن ضيفا على ايّة هيئة في تنقلات النادي خارج تونس ..
في رحلتي للقاهرة لتغطية فعاليات مشاركة السي اس اس في تلك المسابقة الافريقية، لم يكن النادي في افضل حالاته… لكن ارتأت ادارة الاعلان ان تكلّفني بمهمّة التغطية حتى اكتب بعدها عن ملاحظاتي وانطباعاتي حول القاهرة في شكل مقالات صحفية… وكان ذلك… وهذه عينات مما شاهدته وسمعته وعشته في القاهرة. وهو ما ساوجزه في هذه الورقة…
اوّل ما استرعى انتباهي في القاهرة انّها مدينة لا تنام… وهي مدينة الضجيج الدائم… وما شدّ انتباهي ودهشتي منذ الساعة الاولى التي نزلت فيها لشوارعها ضجيج منبهات السيارات… نعم هواية سائقي السيارات وحتى الدراجات النارية والهوائية كانت بامتياز استخدام المنبهات… ثاني الملاحظات كانت نسبة التلوّث الكثيف… كنت والزملاء نخرج صباحا بملابس انيقة وتنتهي صلوحية اناقتها ونظافتها في اخر النهار…
اهتماماتي في القاهرة في تلك السفرة لم تكن موجّهة بالاساس لمشاركة السي اس اس في البطولة الافريقية للكرة الطائرة… كنا جميعا ندرك انّ مشاركته في تلك الدورة ستكون عادية… لذلك وجهت اشرعة اهتمامي للجانب الاجتماعي والجانب الفنّي دون نسيان زيارة معالم مصر الكبيرة… اذ كيف لي ان ازور القاهرة دون زيارة خان الخليلي والسيدة زينب وسيدنا الحسين والاهرام… اثناء وجودي بالقاهرة اغتنمت الفرصة لاحاور بعض الفنانين بقديمهم وجديدهم… وكان اوّل اتصال لي بالكبير موسيقار الاجيال محمد عبد الوهاب رحمه الله… هاتفته ورجوت منه امكانية تسجيل حوار معه فاجابني بصوته الخشن والناعم في ذات الوقت معتذرا بسبب حالته الصحية التي ليست على ما يرام…
لكن في مقابل ذلك التقيت بالكبير محمد الموجي بمنزله وقمت بتسجيل حوار معه ..كان الموجي رحمه الله غاية في التواضع والبساطة… لكن ما طُبع في ذهني نظرته العميقة وهو يستمع اليك مدخّنا سيجارته بنهم كبير… نظرة اكاد اصفها بالرهيبة… رهبة الرجل مسكونا بالفنّ كما جاء في اغنية رسالة من تحت الماء التي لحنها للعندليب… نظرة المفتون بالفن من راسه حتى قدميه…
في تلك الفترة من اواخر الثمانينات كانت هنالك مجموعة من الاصوات الشابة التي بدات تشق طريقها في عالم الغناء ..ولم اترك الفرصة تمرّ دون ان انزل ضيفا عليهم واسجّل لهم حوارات… هنا اذكر بانّ كلّ التسجيلات وقع بثها في برامجي باذاعة صفاقس… من ضمن تلك الاصوات الشابة كان لي لقاءات مع محمد فؤاد، حميد الشاعري وعلاء عبدالخالق… المفاجأة السارة كانت مع لطيفة العرفاوي… في البداية وقبل سفرة القاهرة لابدّ من التذكير بانّ لطيفة كانت احدى مستمعاتي… وعند ظهورها قمت بواجبي لتشجيعها وهي تؤدّي انذاك وباناقة اغنية صليحة (يا لايمي عالزين)…
عندما سمعت لطيفة بوجودي في القاهرة تنقلت لحيّ العجوزة حيث اقطن ودعتني مع بعض الزملاء للغداء ببيتها… وكان ذلك… ولم تكتف بذلك بل سالت عن احوالنا المادية ورجتنا ان نتصل بها متى احتجنا لدعم مادي… شكرا يا بنت بلادي على هذه الحركة…
اختم بالقول قل ما شئت عن القاهرة.. لكنها تبقى من اعظم واجمل عواصم الدنيا… القاهرة تختزل عبق تاريخ كلّ الشعوب التي مرّت على اديمها… نعم انها قاهرة المعزّ…
ـ يتبع ـ
في سهرة البارحة… الصين تفتتح أيام قرطاج المسرحية
السيد معتمد سليمان… ما هكذا تساق الجرارات!!
حدث في رزق البيليك… المرجان الأحمر ينزف دما
سليانة: غدا… أدب الطفل في ملتقى عبد القادر الهاني
اختتام الدورة الثامنة لمنتدى المؤسسات Enicarthage
استطلاع
صن نار
- ثقافياقبل 58 دقيقة
في سهرة البارحة… الصين تفتتح أيام قرطاج المسرحية
- فُرن نارقبل 9 ساعات
السيد معتمد سليمان… ما هكذا تساق الجرارات!!
- منبـ ... نارقبل يوم واحد
حدث في رزق البيليك… المرجان الأحمر ينزف دما
- ثقافياقبل يومين
سليانة: غدا… أدب الطفل في ملتقى عبد القادر الهاني
- اقتصادياقبل يومين
اختتام الدورة الثامنة لمنتدى المؤسسات Enicarthage
- اقتصادياقبل يومين
تونس: مؤتمر وطني حول ريادة الأعمال النسائية
- صن نارقبل يومين
بعد 61 عاما… هل يكشف ترامب عن معطيات جديدة حول مقتل “جون كينيدي”؟
- داخلياقبل يومين
النفيضة: وقفة احتجاجية لأهالي “دار بالواعر”… على خلفية سقوط تلميذ من حافلة