عندما عصفت الأزمة الاقتصادية عام 1997 بجنوب شرقي آسيا، ساد الرعب لا هناك بل بعيدا عنهم بمسافة نصف كوكب الأرض … في أوروبا الغربية، و أمريكا الشمالية، و أستراليا … و الخوف لم يكن على آبار نفط أو مناجم نحاس، بل على مئات آلاف مواطن الشغل التي كانت توفرها منتجات كوريا التكنولوجية في العالمين القديم و الجديد … بل في كل العالم.
الشطر الجنوبي من كوريا (يعني نصف دولة) كان في ذلك الوقت ينتج كل ما يُصنع تقريبا … من شريحة الهاتف إلى الباخرة العملاقة، و من السيارة الشعبية إلى الليموزين الفاخرة إلى القمر الاصطناعي … بلا ثروات باطنية، و لا حوض منجمي، ولا زيت زيتونة موروثة عن الأجداد، و لا سياحة بائسة تلتهم نصف الموادّ المدعّمة ويذهب ريعها الصعب إلى بنوك الخارج و تشكو دائما من أزمة ما … بترولهم و ذهبهم وفوسفاتهم و زيتهم و حمّاماتهم و جربتهم و قنطاويهم، أسماؤها “سامسونغ” و” أل جي” و “هيونداي” و “كيا موتورز” … و هي موارد لا يكلّف استخراجها أكثر من رأس مفكّرة و يدين ماهرتين.
لا أعرف اللغة الكورية حتى أفهم خطابات مسؤوليها … و لكن الأكيد الأكيد أنه ما من أحد منهم صرح يوما بأن بلاده مقدّر عليها الفقر لأن إنتاجها من البترول لا يغطي أكثر من 40 بالمائة من احتياجاتها … ثم يعود بعد يومين و لأوّل خبر عن انخفاض سعر المحروقات، ليندب على نقص مداخيل البلاد تبعا لذلك … ثم يكرّ بعد أسبوع ليبكي بحرقة على ارتفاع سعر الذهب الأسود و ما يتكلّفه علينا من مائة مليار للدولار الواحد … و عندما يثور اللغط هل عندنا موارد طبيعية مثل جميع الخلق أم ما عندنا، أجيبونا؟ يخرجون لك كلّهم مرددين بشكل آلي: لا، لا نملك و لو قطرة … ثم يشفعون كلامهم بجملة صارت في الأمثال: ثروتنا الوحيدة هي الإنسان، أو “المادة الشخمة” كما قال الآخر …
طيب … إذن ما دام الإنسان و عقله هما ثروتنا الوحيدة، فكيف عاملناها و ماذا فعلنا بها طيلة هذا العمر؟ … أنا بصراحة لا جواب عندي على هذا الاستفسار، اللهمّ إلا إذا تعلّق الأمر بدولة كوريا … و قد حصل ذلك أعلاه …