جور نار
“المدرسة والمجتمع” بنابل : كاينّكم حاضرين
تغطية: “جلّنار”
نشرت
قبل سنتينفي
في سياق سلسلة نشاطاتها المتصلة بالمدرسة والثقافة، نظمت جمعية المنتدى الثقافي 14 جانفي بنابل بالشراكة مع المندوبية الجهوية للتربية ندوة فكرية بعنوان “المدرسة والمجتمع” وذلك يوم الجمعة 27 ماي 2022 تناولت أربعة محاور كبرى هي على التوالي :
العنف في الوسط المدرسي
علاقة الأولياء بالمدرسة
التوجيه الجامعي مُجتمعيّا
حول إيطيقا الإصلاح التربوي
“جُلّنار” تابعت المُداخلات العلمية التي أثّثت هذه الندوة والتي قدّمها على التوالي الدكتور شكري القبلي والدكتور مصطفى الشيخ الزوّالي والأستاذ منصف الخميري والأستاذ عادل الحدّاد، ولكنّ هذه التغطية ستحتفظ فقط بالنّتوءات والمُنحنيات التي ميّزت كل محاضرة على معنى ما ورد من أفكار غير مُتداولة وتناوُلات غير معهودة وتصوّرات حُلول فارقة تُرفع إلى من يهمّهم أمر المدرسة التونسية وما آل إليه وضعها من تأزّم وترهّل… وتُرفع أيضا إلى من لا يهمّه شأن المدرسة إلا كشعار زائف في حملته الانتخابية !
كانت بداية الندوة فرصة أكّد خلالها الأستاذ رضا التليلي، رئيس المنتدى ونائبه الأستاذ محمد نجيب الخليفي وهما المُباشران للشأن التربوي منذ عقود، على أهمية التداول المتبصّر بشأن مختلف أوجه الأزمة المركّبة التي تعيشها مدرستنا التونسية اليوم ومُتعة التشاور بين جميع الأطراف المتدخّلة في نحت مآلات الفعل التّعليمي التعلّمي مستقبلا … في ظل طلب مُجتمعي كبير على المدرسة ولكن في نفس الوقت في ضوء تذمّر واسع من سوء أداء مدرستنا وتراجع مردودها واستفحال عديد الظواهر السلبية التي لم نعهدها في فضاءاتنا التربوية من قبل، والتي تحول دون تحقيق هذه الأحلام الوطنية الكبرى المُعلّقة على مدرسة كنّا نخالها من مَواطن قوّتنا غير القابلة للتّلف.
المداخلة الأولى : قراءة في تاريخ العنف المدرسي، الأسباب والحلول
أهمّ ما ورد في قراءة الباحث الجامعي شكري القبلي أن ظاهرة العنف في الوسط المدرسي وفي محيطه استفحلت بشكل غير مسبوق خلال السنوات الأخيرة كما يُجمع على ذلك جميع المتابعين من مربّين وأولياء وأجهزة نظامية وغير نظامية، لا فقط على مستوى كثافة الاعتداءات المختلفة وحدّة تواترها بل وأيضا على مستوى الأشكال العنيفة وغير المألوفة التي يتجلّى فيها العنف المسجّل داخل أسوار مدرستنا التونسية (استعمال السيوف والسواطير ، إلقاء الملابس النسائية الداخلية في الاعتداء على المربّين…) حتى أن بلادنا أصبحت تحتل المرتبة الثالثة عالميا بعد الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا من حيث حجم العنف المدرسي (حسب المرصد الوطني للشباب وصندوق الأمم المتحدة للسكان بتونس، ديسمبر 2020 ).
وأشار المُحاضر إلى أن أكثر الفئات الشبابية المعنيّة بالعنف المدرسي هي الفئة التي تتراوح أعمارها بين 14 و 17 سنة (أي مرحلة التعليم الإعدادي وبداية التعليم الثانوي، وهي مرحلة عمرية يشهد خلالها المراهق تحوّلان عميقان يُربكانه جدا ويعصفان بتوازنه : من الابتدائي إلى الاعدادي ومن الإعدادي إلى الثانوي) دون مرافقة حقيقية لا من الوسط العائلي ولا من الأسرة التربوية. وعليه، فإن أية خطة وطنية تريد لنفسها النجاعة في تطويق هذه الظاهرة لا بدّ أن تستهدف هذه الشريحة بالذات.
كما نبّه إلى خطورة مسؤولية “الآباء الجدد لأبنائنا” (الفضائيات ومواقع التواصل) في إعادة إنتاج ثقافة العنف داخل الفضاء المدرسي وترذيل قيم الجهد والعمل والانضباط. هذا دون إغفال ظاهرة العنف البدني والرّمزي الذي يتعرّض له التلميذ داخل المدرسة وخارجها والتي مازالت للأسف من الظواهر المسكوت عنها والمُثيرة لحفيظة المسؤولين عنها والهياكل التمثيلية التّابعين لها.
المداخلة الثانية : نحو منظور جديد للعلاقة بين الأولياء والمدرسة في تونس
ينطلق الدكتور مصطفى الشيخ الزوالي من معطيات واقعية وملاحظات ميدانية حول المدرسة وعلاقتها بالأولياء ومن القرار المفاجئ لوزير التربية في جويلية 2018 القاضي بعدم النزول تحت معدل 15 من 20 في القبول بالإعداديات والمعاهد للنموذجية. ومطالبة شريحة كبيرة من الأولياء بتنظيم دورة تدارك استثنائية للنوفيام والسيزيام.
هذه الواقعة بالذات والتي خلاصتها أن جمهورا واسعا من التونسيين يجد نفسه في كثير من الأحيان في وضع المُطالب بامتيازات تبدو “مشروعة” لكنها غير مستحقّة وفي وضع المُساهم في تكريس قيمة التّواكل والمجهود الأدنى بدلا من إعلاء قيمة الجهد والمثابرة. وعليه، طرح أسئلة على غاية من الأهمية :
- لماذا تبدو الرداءة منتشرة في كل المجالات؟
- § ما الذي يجعل أغلبية الناس في تونس لا تطالب بحقوقها عبر احترام القوانين وإجلال المبادئ المُستندة إليها، وتطالب دائما بالاستثناء ولو على حساب حقوق غيرها؟
- ماذا وراء الجدل الدائر سنويا حول مناظرتي “السيزيام” و”النوفيام’’ وما لُزومهما أصلا؟
وللإجابة عن هذه الأسئلة، يُشير المُحاضر إلى أنه لا بدّ في كل التغييرات الاستراتيجية من توفّر 3 ركائز أساسية : تحديد الرؤية، توضيح الرسالة وبلورة القيم الأساسية التي سبنبني عليها مشروع التغيير.
بالنسبة إلى الشيخ الزوّالي، علاقة الأولياء مع المدرسة لا بدّ لها أن يُعاد بناؤها وفق منظور جديد يقوم على كسر المدرسة لعُقدة استعلائها وأن يتشبّع المواطن بقيم جديدة تستبعد الفردانية والنفعيّة الضيقة في نفس الوقت. كما يجب التخلي عن فكرة “الإصلاح التربوي الشامل وإلا فلا” لأن الإصلاحات الموضعيّة الدقيقة أكثر يُسرا وأكثر قدرة على الصمود في وجه “مقاومة الفاعلين التربويين” الرافضين لأي تجديد مُرشّح للتشويش على مربّعات رفاههم. أما في ما يتعلّق بإشكال التعليم النموذجي، فيكفي التذكير بحقيقة يُقرّها الجميع وهي أنه ليس هناك من نموذجي في مؤسساتنا النموذجية غير تسمياتها.
المداخلة الثالثة : المدرسة التونسية : هل تعطل تماما دورها كمصعد اجتماعي؟ قراءة في نتائج التوجيه الجامعي لسنة 2021.
بالنسبة إلى الأستاذ منصف الخميري، تلعب المدرسة دور المصعد الاجتماعي إذا سمحت شهائدها التي تمنحها والتكوين الذي تُسديه للفرد بالتحرر من ثقل الموروث العائلي والاجتماعي الذي يأتي به من خارج المدرسة، وأن المدرسة تكون متواطئة في إعادة إنتاج الفوارق الاجتماعية بين التلاميذ إن هي عجزت عن تحييد أثر الحتميّات الاجتماعية.
تمّ التأكيد كذلك في هذه المُداخلة على أن المدرسة التونسية مازالت تشتغل كمصعد اجتماعي ناجع جدا بالنسبة إلى فئة قليلة من التلاميذ (وهم بصفة عامة مَن تُفردهم الدولة بدورة خاصة في التوجيه الجامعي تُطلق عليها دون كبير قلق “توجيه دورة المتفوقين نحو الدراسة بتحضيري المرسى والجامعات الفرنسية والألمانية”). ولكن هذا المصعد يُوصِد أبوابه بعد ذلك ليُحيل مهمّة الصعود إلى السّلالم الخشبية والاسمنتية فتصعد فئة قليلة من “المُثابرين المقاومين” وتترك جمهورا عريضا من التلاميذ يراوحون مكانهم… قبل أن تلفظهم المنظومة من دون أدنى مستويات الكفاءة أو المهارة.
نتائج التوجيه الجامعي للسنة الماضية أفرزت اختلالات بالجملة لا بد من تداركها سريعا لأن السكوت عنها يُعدّ جريمة في حق تونس : 4 أو 5 ولايات فقط تفوز بنصيب الأسد في مسالك التميّز الجامعية وأكثر من نصف البلاد تظل تقتاتُ على ما تبقّى ما مسالك لا تؤدّي إلا إلى البطالة والعطالة وبئس المصير، باكالوريات بأكملها يتنكّر لها التعليم العالي، مؤسسات جامعية تشتغل بأقل من رُبع طاقة استيعابها الأصلية، حوالي ألف مليار هي كُلفة الدراسة بالخارج سنويا…
واختُتمت هذه المداخلة بالتأكيد على الحقيقة التالية : إذا كان اقتصاد المعرفة هو اليوم بصدد تغيير وجه العالم، وإذا كانت آليات هذه المعرفة الاستراتيجية الجديدة تُمنح في المدارس والجامعات، فيعني ذلك أن مستقبل الأجيال القادمة سيتحدد داخل أسوار المدرسة لا خارجها… وعليه فإن إنقاذ مدرستنا من الانهيار النهائي الكامل هو اليوم مهمّة الوطنيين الصادقين… ودون أدنى تأجيل.
الُمداخلة الرابعة : في إيطيقا إصلاح المدرسة، كيف يكون الإصلاح مُمكنا ؟
تحدث الأستاذ عادل الحدّاد عن الإصلاح التربوي في تونس، وهو الذي ترأّس لجنته العليا سنة 2015 وخبِر إكراهاته وعوائقه ووقف على متطلّباته.
يؤكّد أنه ثمة اتفاق مُجتمعيّ عام على أن يعود للمدرسة ألقها كاملا وأن الإصلاح بات ضرورة وطنية قصوى، ولكن ما الذي يمنع قيام هذا الإصلاح ؟
إن الإرادة السياسية على غاية من الأهمية في قيام أي إصلاح، والإمكانيات المادية ضرورية بصورة عامة، لكن في السياق التونسي بالذات لا معنى للنوايا السياسية الصادقة وحجم الإنفاق العمومي على مستلزمات الإصلاح لأنه لا بدّ من توفّر جملة من الشروط الأساسية الأخرى لجعل الإصلاح ممكنا، على معنى أنه لا بدّ من ضرورة توفّر جانب إيطيقي- أخلاقي مسكوت عنه في تونس والذي يعرقل كل محاولة إصلاحية جادّة.
هنالك 3 عناصر :
- صدام المصالح لأن الإصلاح يضعنا في وضعيات قصوى تتطلب تضحيات “رمزية أو اعتبارية أحيانا” ليست كل الأطراف مستعدة لتقديمها. فمن يقبل على سبيل المثال اليوم بالتخلي عن بعض الشُعب الدراسية التي أثبتت عدم نجاعتها بعد عقود من الممارسة حتى وإن توفّرت الإرادة والإمكانيات ؟! ومن يقبل بإعادة توظيف بعض الموارد البشرية التي لا لزوم لها ؟ ومن سيقبل بوضع خطة وطنية لإعادة تأهيل المُربّين قصد مواكبة التطوّرات الحاصلة في المناهج والمقاربات ؟ وأي تطوير للبرامج في ظل المحافظة على شبكة التعلّمات القائمة ؟ وأية مضامين للبرامج الدراسية دون مرجعية لهذه المضامين ؟ وأي إصلاح حقيقي مع المحافظة على نفس عدد سنوات الدراسة في مختلف المراحل ؟ المسألة إذن مُركّبة وتتجاوز شعار “توفير الإمكانيات والإرادة السياسية”.
- الطابع الصوري للقوانين (الذي يُعدّ تحيُّلا ذكيّا على الحق)، فالقانون يُرتّب المصالح وينظمها بالاعتداء على الحقوق ومنها ضرب مبدأ تكافؤ الفرص والإنصاف، هذا المبدأ الذي بدونه لن تتحقّق أية نجاعة لمنظومتنا التعليمية. هذا بالإضافة إلى أن المؤسسة التربوية التونسية تحوّلت في السنوات الأخيرة إلى مؤسسة تقييم على حساب جودة التكوين وضمان تمكين الناشئة من المكتسبات الأساسية.
- قاعدة التنكّر للمُنجز أو تصفية السّابق، فعلى سبيل المثال يبدو اصلاح 2015 والذي ساهم في نحت ملامحه آلاف المربّين والأولياء والخبراء والمهنيين … وكأنه لم يحدث. نحن لا نملك الوعي الأخلاقي بالمُراكمة وتثمين ما أنجزه السّابق، وبالتالي يظل الأمل في الاصلاح ضعيفا جدا (المُتنفّذ التونسي بصورة عامة لا يحترم أعمال الآخرين ومنجزاتهم).
ويُنهي السيد عادل الحدّاد مداخلته بالوقوف على حقيقة تونسية قاسية وهي أنه يبدو أننا نفتقر إلى إيطيقا للإصلاح…قبل افتقارنا إلى ما يكفي من الموارد وإرادة السياسيين.
تصفح أيضا
جور نار
العراق: هل يستبق الأخطار المحدقة، أم سيكتفي بتحديد الإخلالات؟
نشرت
قبل 5 ساعاتفي
22 نوفمبر 2024محمد الزمزاري:
ستنطلق الحكومة العراقية في تعداد السكان خلال هذه الأيام والذي سيأخذ مدى زمنيا طويلا وربما. تعطيلات ميدانية على مستوى الخارطة. العراقية.
ويعد هذا التعداد السكاني مهمّا ومتأخرا كثيرا عن الموعد الدوري لمثل هذه الإحصائيات بالنسبة لكل بلد… فالعراق لم يقم بتحيين عدد سكانه منذ ما يزيد عن الثلاثين سنة، إذ عرف آخر تعداد له سنة 1991… ونظرا إلى عوامل عدة، فإن قرار القيام بهذا التعداد سيتجنب اي تلميح للانتماءات العرقية أو المذهبية عدا السؤال عن الديانة ان كانت إسلامية او مسيحية… وقد أكد رئيس الحكومة العراقية أن التعداد السكاني يهدف إلى تحديد أوضاع مواطني العراق قصد رصد الاخلالات و تحسين الخدمات وايضا لدعم العدالة الاجتماعية.
لعل اول مشكلة حادة تقف في وجه هذا التعداد العام، هو رفض الجانب الكردي الذي يضمر أهدافا و يسعى إلى التعتيم على أوضاع السكان في كردستان و في المنطقة المتنازع عليها بين العرب والأكراد و التركمان… خاصة أيضا ان اكثر من ثمانية أحياء عربية في أربيل المتنازع عليها، قد تم اخلاؤها من ساكنيها العرب وإحلال الأكراد مكانهم…
هذا من ناحية… لكن الأخطر من هذا والذي تعرفه الحكومة العراقية دون شك أن الإقليم الكردي منذ نشاته و”استقلاله” الذاتي يرتبط بتعاون وثيق مع الكيان الصهيوني الذي سعى دوما إلى تركيز موطئ قدم راسخ في الإقليم في إطار خططه الاستراتيجية.. وان مسؤولي الإقليم الكردي يسمحون للصهاينة باقتناء عديد الأراضي و المزارع على شاكلة المستعمرات بفلسطين المحتلة… وان قواعد الموساد المركزة بالاقليم منذ عشرات السنين ليست لاستنشاق نسيم نهر الفرات ! ..
أمام الحكومة العراقية إذن عدد من العراقيل والاولويات الوطنية والاستشرافية لحماية العراق. و قد تسلط عملية التعداد السكاني مثلما إشار إليه رئيس الحكومة العراقية الضوء على النقائص التي تتطلب الإصلاح و التعديل والحد من توسعها قبل أن يندم العراق ويلعنوا زمن الارتخاء وترك الحبل على الغارب ليرتع الصهاينة في جزء هام من بلاد الرافدين.
عبد الكريم قطاطة:
فترة التسعينات كانت حبلى بالاحداث والتغييرات في مسيرتي المهنية منها المنتظر والمبرمج له ومنها غير المنتظر بتاتا …
وانا قلت ومازلت مؤمنا بما قلته… انا راض بأقداري… بحلوها وبمرّها… ولو عادت عجلة الزمن لفعلت كلّ ما فعلته بما في ذلك حماقاتي واخطائي… لانني تعلمت في القليل الذي تعلمته، انّ الانسان من جهة هو ابن بيئته والبيئة ومهما بلغت درجة وعينا تؤثّر على سلوكياتنا… ومن جهة اخرى وحده الذي لا يعمل لا يخطئ… للتذكير… اعيد القول انّه وبعد ما فعله سحر المصدح فيّ واخذني من دنيا العمل التلفزي وهو مجال تكويني الاكاديمي، لم انس يوما انّني لابدّ ان اعود يوما ما الى اختصاصي الاصلي وهو العمل في التلفزيون سواء كمخرج او كمنتج او كلاهما معا… وحددت لذلك انقضاء عشر سنوات اولى مع المصدح ثمّ الانكباب على دنيا التلفزيون بعدها ولمدّة عشر سنوات، ثمّ اختتام ما تبقّى من عمري في ارقى احلامي وهو الاخراج السينمائي…
وعند بلوغ السنة العاشرة من حياتي كمنشط اذاعي حلّت سنة 1990 لتدفعني للولوج عمليا في عشريّة العمل التلفزي… ولانني احد ضحايا سحر المصدح لم استطع القطع مع هذا الكائن الغريب والجميل الذي سكنني بكلّ هوس… الم اقل آلاف المرات انّ للعشق جنونه الجميل ؟؟ ارتايت وقتها ان اترك حبل الوصل مع المصدح قائما ولكن بشكل مختلف تماما عما كنت عليه ..ارتايت ان يكون وجودي امام المصدح بمعدّل مرّة في الاسبوع ..بل وذهبت بنرجسيتي المعهودة الى اختيار توقيت لم اعتد عليه بتاتا ..نعم اخترت الفضاء في سهرة اسبوعية تحمل عنوان (اصدقاء الليل) من التاسعة ليلا الى منتصف الليل …هل فهمتم لماذا وصفت ذلك الاختيار بالنرجسي ؟؟ ها انا افسّر ..
قبل سنة تسعين عملت في فترتين: البداية كانت فترة الظهيرة من العاشرة صباحا حتى منتصف النهار (والتي كانت وفي الاذاعات الثلاث قبل مجيئي فترة خاصة ببرامج الاهداءات الغنائية)… عندما اقتحمت تلك الفترة كنت مدركا انيّ مقدم على حقل ترابه خصب ولكنّ محصوله بائس ومتخلّف ..لذلك اقدمت على الزرع فيه … وكان الحصاد غير متوقع تماما ..وتبعتني الاذاعة الوطنية واذاعة المنستير وقامت بتغييرات جذرية هي ايضا في برامجها في فترة الضحى .. بل واصبح التنافس عليها شديدا بين المنشطين ..كيف لا وقد اصبحت فترة الضحى فترة ذروة في الاستماع … بعد تلك الفترة عملت ايضا لمدة في فترة المساء ضمن برنامج مساء السبت … ولم يفقد انتاجي توهجه ..وعادت نفس اغنية البعض والتي قالوا فيها (طبيعي برنامجو ينجح تي حتى هو واخذ اعزّ فترة متاع بثّ) …
لذلك وعندما فكّرت في توجيه اهتمامي لدنيا التلفزيون فكرت في اختيار فترة السهرة لضرب عصفورين بحجر واحد… الاول الاهتمام بما ساحاول انتاجه تلفزيا كامل ايام الاسبوع وان اخصص يوما واحدا لسحر المصدح ..ومن جهة اخرى وبشيء مرة اخرى من النرجسية والتحدّي، اردت ان اثبت للمناوئين انّ المنشّط هو من يقدر على خلق الفترة وليست الفترة هي القادرة على خلق المنشط ..وانطلقت في تجربتي مع هذا البرنامج الاسبوعي الليلي وجاءت استفتاءات (البيان) في خاتمة 1990 لتبوئه و منشطه المكانة الاولى في برامج اذاعة صفاقس .. انا اؤكّد اني هنا اوثّق وليس افتخارا …
وفي نفس السياق تقريبا وعندما احدثت مؤسسة الاذاعة برنامج (فجر حتى مطلع الفجر) وهو الذي ينطلق يوميا من منتصف الليل حتى الخامسة صباحا، و يتداول عليه منشطون من الاذاعات الثلاث… طبعا بقسمة غير عادلة بينها يوم لاذاعة صفاقس ويوم لاذاعة المنستير وبقية الايام لمنشطي الاذاعة الوطنية (اي نعم العدل يمشي على كرعيه) لا علينا … سررت باختياري كمنشط ليوم صفاقس ..اولا لانّي ساقارع العديد من الزملاء دون خوف بل بكلّ ثقة ونرجسية وغرور… وثانيا للتاكيد مرة اخرى انّ المنشط هو من يصنع الفترة ..والحمد لله ربحت الرهان وبشهادة اقلام بعض الزملاء في الصحافة المكتوبة (لطفي العماري في جريدة الاعلان كان واحدا منهم لكنّ الشهادة الاهمّ هي التي جاءتني من الزميل الكبير سي الحبيب اللمسي رحمه الله الزميل الذي يعمل في غرفة الهاتف بمؤسسة الاذاعة والتلفزة) …
سي الحبيب كان يكلمني هاتفيا بعد كل حصة انشطها ليقول لي ما معناه (انا نعرفك مركّب افلام باهي وقت كنت تخدم في التلفزة اما ما عرفتك منشط باهي كان في فجر حتى مطلع الفجر .. اما راك اتعبتني بالتليفونات متاع المستمعين متاعك، اما مايسالش تعرفني نحبك توة زدت حبيتك ربي يعينك يا ولد) … في بداية التسعينات ايضا وبعد انهاء اشرافي على “اذاعة الشباب” باذاعة صفاقس وكما كان متفقا عليه، فكرت ايضا في اختيار بعض العناصر الشابة من اذاعة الشباب لاوليها مزيدا من العناية والتاطير حتى تاخذ المشعل يوما ما… اطلقت عليها اسم مجموعة شمس، واوليت عناصرها عناية خاصة والحمد لله انّ جلّهم نجحوا فيما بعد في هذا الاختصاص واصبحوا منشطين متميّزين… بل تالّق البعض منهم وطنيا ليتقلّد عديد المناصب الاعلامية الهامة… احد هؤلاء زميلي واخي الاصغر عماد قطاطة (رغم انه لا قرابة عائلية بيننا)…
عماد يوم بعث لي رسالة كمستمع لبرامجي تنسمت فيه من خلال صياغة الرسالة انه يمكن ان يكون منشطا …دعوته الى مكتبي فوجدته شعلة من النشاط والحيوية والروح المرحة ..كان انذاك في سنة الباكالوريا فعرضت عليه ان يقوم بتجربة بعض الريبورتاجات في برامجي .. قبل بفرح طفولي كبير لكن اشترطت عليه انو يولي الاولوية القصوى لدراسته … وعدني بذلك وسالته سؤالا يومها قائلا ماذا تريد ان تدرس بعد الباكالوريا، قال دون تفكير اريد ان ادرس بكلية الاداب مادة العربية وحلمي ان اصبح يوما استاذ عربية ..ضحكت ضحكة خبيثة وقلت له (تي هات انجح وبعد يعمل الله)… وواصلت تاطيره وتكوينه في العمل الاذاعي ونجح في الباكالوريا ويوم ان اختار دراسته العليا جاءني ليقول وبكلّ سعادة …لقد اخترت معهد الصحافة وعلوم الاخبار… اعدت نفس الضحكة الخبيثة وقلت له (حتّى تقللي يخخي؟) واجاب بحضور بديهته: (تقول انت شميتني جايها جايها ؟؟)… هنأته وقلت له انا على ذمتك متى دعتك الحاجة لي ..
وانطلق عماد في دراسته واعنته مع زملائي في الاذاعة الوطنية ليصبح منشطا فيها (طبعا ايمانا منّي بجدراته وكفاءته)… ثم استنجد هو بكلّ ما يملك من طاقات مهنية ليصبح واحدا من ابرز مقدمي شريط الانباء… ثم ليصل على مرتبة رئيس تحرير شريط الانباء بتونس 7 ..ويوما ما عندما فكّر البعض في اذاعة خاصة عُرضت على عماد رئاسة تحريرها وهو من اختار اسمها ..ولانّه لم ينس ماعاشه في مجموعة شمس التي اطرتها واشرفت عليها، لم ينس ان يسمّي هذه الاذاعة شمس اف ام … اي نعم .عماد قطاطة هو من كان وراء اسم شمس اف ام …
ثمة ناس وثمة ناس ..ثمة ناس ذهب وثمة ناس ماجاوش حتى نحاس ..ولانّي عبدالكريم ابن الكريم ..انا عاهدت نفسي ان اغفر للذهب والنحاس وحتى القصدير ..وارجو ايضا ان يغفر لي كل من اسأت اليه ..ولكن وربّ الوجود لم اقصد يوما الاساءة ..انه سوء تقدير فقط …
ـ يتبع ـ
عبد الكريم قطاطة:
المهمة الصحفية الثانية التي كلفتني بها جريدة الاعلان في نهاية الثمانينات تمثّلت في تغطية مشاركة النادي الصفاقسي في البطولة الافريقية للكرة الطائرة بالقاهرة …
وهنا لابدّ من الاشارة انها كانت المرّة الوحيدة التي حضرت فيها تظاهرة رياضية كان فيها السي اس اس طرفا خارج تونس .. نعم وُجّهت اليّ دعوات من الهيئات المديرة للسفر مع النادي وعلى حساب النادي ..لكن موقفي كان دائما الشكر والاعتذار ..واعتذاري لمثل تلك الدعوات سببه مبدئي جدا ..هاجسي انذاك تمثّل في خوفي من (اطعم الفم تستحي العين)… خفت على قلمي ومواقفي ان تدخل تحت خانة الصنصرة الذاتية… اذ عندما تكون ضيفا على احد قد تخجل من الكتابة حول اخطائه وعثراته… لهذا السبب وطيلة حياتي الاعلامية لم اكن ضيفا على ايّة هيئة في تنقلات النادي خارج تونس ..
في رحلتي للقاهرة لتغطية فعاليات مشاركة السي اس اس في تلك المسابقة الافريقية، لم يكن النادي في افضل حالاته… لكن ارتأت ادارة الاعلان ان تكلّفني بمهمّة التغطية حتى اكتب بعدها عن ملاحظاتي وانطباعاتي حول القاهرة في شكل مقالات صحفية… وكان ذلك… وهذه عينات مما شاهدته وسمعته وعشته في القاهرة. وهو ما ساوجزه في هذه الورقة…
اوّل ما استرعى انتباهي في القاهرة انّها مدينة لا تنام… وهي مدينة الضجيج الدائم… وما شدّ انتباهي ودهشتي منذ الساعة الاولى التي نزلت فيها لشوارعها ضجيج منبهات السيارات… نعم هواية سائقي السيارات وحتى الدراجات النارية والهوائية كانت بامتياز استخدام المنبهات… ثاني الملاحظات كانت نسبة التلوّث الكثيف… كنت والزملاء نخرج صباحا بملابس انيقة وتنتهي صلوحية اناقتها ونظافتها في اخر النهار…
اهتماماتي في القاهرة في تلك السفرة لم تكن موجّهة بالاساس لمشاركة السي اس اس في البطولة الافريقية للكرة الطائرة… كنا جميعا ندرك انّ مشاركته في تلك الدورة ستكون عادية… لذلك وجهت اشرعة اهتمامي للجانب الاجتماعي والجانب الفنّي دون نسيان زيارة معالم مصر الكبيرة… اذ كيف لي ان ازور القاهرة دون زيارة خان الخليلي والسيدة زينب وسيدنا الحسين والاهرام… اثناء وجودي بالقاهرة اغتنمت الفرصة لاحاور بعض الفنانين بقديمهم وجديدهم… وكان اوّل اتصال لي بالكبير موسيقار الاجيال محمد عبد الوهاب رحمه الله… هاتفته ورجوت منه امكانية تسجيل حوار معه فاجابني بصوته الخشن والناعم في ذات الوقت معتذرا بسبب حالته الصحية التي ليست على ما يرام…
لكن في مقابل ذلك التقيت بالكبير محمد الموجي بمنزله وقمت بتسجيل حوار معه ..كان الموجي رحمه الله غاية في التواضع والبساطة… لكن ما طُبع في ذهني نظرته العميقة وهو يستمع اليك مدخّنا سيجارته بنهم كبير… نظرة اكاد اصفها بالرهيبة… رهبة الرجل مسكونا بالفنّ كما جاء في اغنية رسالة من تحت الماء التي لحنها للعندليب… نظرة المفتون بالفن من راسه حتى قدميه…
في تلك الفترة من اواخر الثمانينات كانت هنالك مجموعة من الاصوات الشابة التي بدات تشق طريقها في عالم الغناء ..ولم اترك الفرصة تمرّ دون ان انزل ضيفا عليهم واسجّل لهم حوارات… هنا اذكر بانّ كلّ التسجيلات وقع بثها في برامجي باذاعة صفاقس… من ضمن تلك الاصوات الشابة كان لي لقاءات مع محمد فؤاد، حميد الشاعري وعلاء عبدالخالق… المفاجأة السارة كانت مع لطيفة العرفاوي… في البداية وقبل سفرة القاهرة لابدّ من التذكير بانّ لطيفة كانت احدى مستمعاتي… وعند ظهورها قمت بواجبي لتشجيعها وهي تؤدّي انذاك وباناقة اغنية صليحة (يا لايمي عالزين)…
عندما سمعت لطيفة بوجودي في القاهرة تنقلت لحيّ العجوزة حيث اقطن ودعتني مع بعض الزملاء للغداء ببيتها… وكان ذلك… ولم تكتف بذلك بل سالت عن احوالنا المادية ورجتنا ان نتصل بها متى احتجنا لدعم مادي… شكرا يا بنت بلادي على هذه الحركة…
اختم بالقول قل ما شئت عن القاهرة.. لكنها تبقى من اعظم واجمل عواصم الدنيا… القاهرة تختزل عبق تاريخ كلّ الشعوب التي مرّت على اديمها… نعم انها قاهرة المعزّ…
ـ يتبع ـ
بنزرت… ملتقى إقليمي عن برامج المؤسسات الثقافية وتوقيت عملها
العراق: هل يستبق الأخطار المحدقة، أم سيكتفي بتحديد الإخلالات؟
قريبا وفي تجربة مسرحية جديدة: “الجولة الاخيرة”في دار الثقافة “بشير خريّف”
ورقات يتيم … الورقة 89
زغوان… الأيام الثقافية الطلابية
استطلاع
صن نار
- جور نارقبل 5 ساعات
العراق: هل يستبق الأخطار المحدقة، أم سيكتفي بتحديد الإخلالات؟
- ثقافياقبل يوم واحد
قريبا وفي تجربة مسرحية جديدة: “الجولة الاخيرة”في دار الثقافة “بشير خريّف”
- جور نارقبل يوم واحد
ورقات يتيم … الورقة 89
- ثقافياقبل يومين
زغوان… الأيام الثقافية الطلابية
- جلـ ... منارقبل يومين
الصوت المضيء
- جور نارقبل 3 أيام
ورقات يتيم ..الورقة 88
- ثقافياقبل 4 أيام
نحو آفاق جديدة للسينما التونسية
- صن نارقبل 4 أيام
الولايات المتحدة… إطلاق نار في “نيو أوليانز” وقتلى وإصابات