تابعنا على

جور نار

المقامة الزقفونية …

نشرت

في

عدت إلى منزلي بعد زيارة صحراوية أرهقتني…وقررت أن أنام حسب التدابير الاستثنائية ولم أكن أعلم أني سأكون على موعد مع المقامة “الزقفونية” …حلما…وليس واقعا…

محمد الأطرش Mohamed Alatrash
<strong>محمد الأطرش<strong>

هل أتاكم حديث انقلاب صاحب “الزقفونة”…الذي انتصر على صاحب “المكرونة” ومن يدعمونه ويساندونه…في جولة انتخابية مجنونة…تحالف معه فيها جميع من يعرفونه… ولا يعرفونه…ومن يُحبُّونه ولا يحبُّونه…ومن يهضمُونه ولا يهضمُونه…حتى بعض من أكلوا مع صاحب “المكرونة” ثم انقلبوا عليه ولم “يشكُرونه”…بعد أن استمتعوا باللحم المشوي والعقُدْ والمدفُونة…فأغلبهم جاؤوا فقط يبتزونه ويخدعُونه…ولقطع الطريق أمام من بالفساد وتبييض الأموال ينعتونه ويتهمونه…

جاءني وحدثني في المنام مولانا عالي المقام…عن حربه ضدّ خصومه من الأيتام والأزلام…يقول مولانا بعد التحية والسلام، والكثير من التهديد، والوعيد والايهام …والاتهام…هل اتاكم حديث شيخهم الهمام و”الفشلام”…وما وقع للبعض من نوابه وأعضاده اللئام… وكيف أغلقنا أمامهم المجلس من خلف ومن أمام…وجمّدناهم يوم عيد الجمهورية لنستحوذ على ما لتلك الذكرى من رمزية، وأعلناها ثورة “زقفونية” تنهي كل توافق وسلطة حزبية وبرلمانية… قبلها بسنة ونصف عقدنا النيّة، وقررنا أن نستولي على الجمهورية بطريقة دستورية…ثم بدأنا خلال حكم المشيشي نعدّ العدّة ونكتب الوصيّة… ونجمع السلاح والفصول الدستورية…ونشحن البنادق التشويهية ونجمع الذخيرة الحيّة…من أتباع وأنصار وقوّادة وزبانيّة…ثم وبعد أن وضعنا خطّتنا الجهنمية…حرّكنا منصاتنا الإعلامية والفايسبوكية…ومنصات دفاعاتنا وهجوماتنا الجويّة لتطلق الأعيرة النارية من الاشاعات الكيدية… والاتهامات العنقودية…ايذانا بالإبادة السياسية الجماعية… لكل من حكموا خلال العشرية من الشيوخ والذريّة…ومن تحالف معهم من الأحزاب والكتل النيابية…من ابن الناصفي والزغلامي إلى حليمة الهمّامية…

حدثني في المنام عالي المقام مولانا صاحب النظرية “الزقفونية” المقدام …حين سألوه ماذا ستفعل بالديمقراطية…قال سنستبدلها بالتدابير الاستثنائية…لنُنْسي الشعب خراب وفشل العشرية…ونبدأ في بناء دولة أو سلطنة أو مملكة أو حتى إمارة “زقفونية”… ينعم فيها الشعب بالحرية… والتعدّدية، فحتى العصافير، والأعشاب الطفيلية، ستنعم بالديمقراطية على الطريقة القاعدية…وسيتمتّع الجميع بالفضاءات الترفيهية… والرحلات السياحية… وسيلعب الجميع مساء السبت وصباح الأحد بالكرة الحديدية…وسنعلنها عبر حملات تفسيرية شفطرية لينينية دولة ذكية فتيّة ثورية قاعدية شعبية لا غربية لا شرقية تحكم بالمراسيم والتعليمات الفوقية دستورها التدابير الاستثنائية…وعصاها المراسيم التأديبية والشبهات الكيدية… وإعلامها الروايات الخيالية  التلفيقية…وتعيش ببركة سيدي بلحسن الشاذلي، والسيّدة المنوبية، وإن لزم الأمر أم الزين الجمّالية…لا أحزاب فيها ولا كتل نيابية، ولا مخلوف ولا العفّاس ولا حتى البعض من الذريّة… لا هيئات فيها ولا رئيس دون صلاحية…وسندفع كل ديون دولتنا من أموال الرعية…وإن لزم الأمر سنخفّض في حجم “الشهرية” حتى نتخلّص من ديوننا الداخلية والخارجية…وستنتشر الشركات الأهلية من راس جدير إلى الهوارية… وسنملأ سجن المرناقية…بالفاسدين و”الكناترية” ونواب الحقبة الإخوانية الدستورية، ولم لا من يناصرون بعض الحركات اليسارية…وستسعد الرعية بالحفلات والمهرجانات الصيفية…ولم لا صفيّة الشامية عبر الإذاعة الوطنية…وسيقع الترخيص في استيراد السيارات الشعبية بأسعار خيالية…وسندفع لكل عاطل منحة شهرية تكفيه سجائره، وجلساته الخمرية صحبة عشيقته فتحية أو حتى كاترين الأجنبية فنحن نؤمن بالحرية الجنّـ… سية القاعدية…حتى لا يختار طريق العصابات الاجرامية…ولا ينضمّ إلى الأحزاب الإخوانية…ولا حتى إلى الأحزاب الدستورية…فجميعهم من تلك البليّة…حسب وصفتي الطبيّة…

وماذا ستفعل بالانتخابات يا صاحب المراسيم الأميرية…قال: سنستبدلها بما هو آت…نظام قاعدي و”زقفونيات”…من نظام القذافي مستوحاة…وسنستحوذ على كل السلطات…لنعوّض ما خسرناه من أشهر دون صلاحيات…وسنستميل كل المكونات… فنحن من سيعلن مستقبلا عن تشكيلة كل الحكومات …وسنختار من الولاة من أعلن لمقامنا البيعة…والولاء…آت…وسنعيّن أتباعنا على رأس كل العمادات…والمعتمديات…والمصالح والإدارات…والدواوين والمؤسسات…والشركات والتعاضديات…حتى حافلاتنا وسيارات النقل والقطارات لن يسوقها من لا يقبلون بسياسة الأوامر والتعليمات، ومن لم يعلنوا لنا البيعة ولم يقسموا على الانصياع لأوامرنا والانضباط …

وحين سألوه عما فعله بالقضاة…قال سنفجّر كل الهيئات كما فعلنا مع من سبقهم من السلطات والهيئات والوزارات…وسنعلن نظام الولاءات…ونلزم القضاة…كل القضاة…بالانصياع لما نعلن ونقول ونأمر، والانضباط…في تطبيق الأوامر والتعليمات…ومن لا يقبل بهذه الإجراءات…سنصدر مرسوما فيه العشرات من الإعفاءات… والاقالات… والإحالات مرفوقا بأكداس من الشبهات والاتهامات بالارتشاء والوساطات…ويتكفّل بعض الاتباع ممن أعلنوا لنا البيعة والولاءات بإغراق كل الفضاءات ونشر نسخ من كل محاضر التهم الكيدية والشبهات …ليكون عبرة لبقية القضاة…وسلامات …سلامات…سلامات…

وماذا عن الاتحاد والطبوبي ومن معه من القيادات…إن رفضوا مراسيمكم والتعليمات…ولم يقبلوا بالتورّط معكم في إمضاء كل الاتفاقيات، مع صندوق النكد الدولي وبقيّة المنظمات…فهل سترضخون لما تريده النقابات…وتقبلون بسياسة “هات فلوسك هات” وتلبُون طلباتهم من الزيادات والحوافز والترضيات…أم ستتركون البلاد تغرق في وحل الإضرابات…بمجرّد ذكر اسم الطبوبي ومن معه من قيادات… ثار صاحب المقام وهاج… واضطرب له المزاج… وانتفخت له الأوداج…وصاح في وجهي كالعاتية من الأمواج…لست من النعاج…ولست كالحلاج…وسأعرف كيف أجد العلاج…وأصلح الاعوجاج…

وكيف ذلك يا من جئتني في المنام…ويا عالي المقام؟ قال إقرأ ما هو آت… سأفعل ما فعلته بالهيئات…وما قررته للقضاة …وهيهات هيهات أن يفلت الطبوبي والقيادات، مما قررت وما هو آت…سأريهم الويلات…وسيعيشون الغصرات تلو الغصرات…وسيعانون من الغثيان…وانحباس البول…وكثرة الضراط…

كيف ذلك يا صاحب المقامات…أستعلن حلّ جميع النقابات؟ أستتعامل مع بقية الاتحادات وتفرض التعددية في كل النقابات بجميع القطاعات؟ قال: لا لا…لن أرضخ لما يطلبون…ولن ادعهم يضربون…ولن أقبل بما يقترحون…وسأعرف كيف اجعلهم ينضبطون لما أريد وسيقبلون بما كانوا له يرفضون…

وماذا عن الاستفتاء يا عالي المقام…يا من جاءني دون موعد في المنام…قال…يا أتباعي…وأبناء ديني ومذهبي ويقيني…أنتم تعلمون كم جبت طولا وعرضا… البلاد…وكم التقيت من العباد…وكم عانيت من هذا الجهاد…وكم حاولت أن أهرب من أعين الأوغاد…وكم دخنت من سجائر تحرق الأكباد فأنا لست من هواة “الشيشة والجبّاد”…أتعلمون أني جئتكم فقط من أجل إعادة الأمجاد…لكم وللبلاد…فلم تخافونني وتتهمونني بالاستبداد…أنا يا أتباعي مبعوث من السماء…كأني ذلك الغيث الذي ينزل على أرض بلا ماء…ألم تكثروا قبل مجيئي الدعاء…ألم تصلوا صلاة الاستخارة فأعلنت عليكم الاستشارة…ألا يمكن أن يكون ربّي وربّكم استجاب لما طلبتم…وحقّق لكم ما رغبتم…ألا يمكن أن أكون أنا الدواء …بعد كل ما عشتموه من عناء…وشقاء…

يا أتباعي، وأنصاري…أتعلمون أن هذه البلاد لي مدينة…ولمشيئتي سجينة…وأن اصواتكم لما أريده رهينة…ألم أخلصكم من الأوغاد…دون أن ألزمكم بالجهاد…ألم أجلب لكم التلاقيح…يوم ترككم الشيخ ومن معه في عداد “التلاويح”…فكيف ترفضون تعليماتي…ولا تقبلون بقراراتي…ألم أعدكم بدستور جديد… وعهد مجيد…سعيد…وحكم لازدهاركم يعيد…فكيف تتهموني بالاستبداد…وأنا من خدم البلاد والعباد…يا اتباعي لا تستمعوا للأصوات الكاذبة…ولا تنتبهوا للمسيرات الصاخبة…ولا تأخذوا بنصائح من لا يمتلكون نظرة ثاقبة…فتندمون يوم العاقبة…يا أنصاري لا تلتفتوا إلى الأشرار ومن ينتحلون صفة الثوار…ومن يعارضونني ليلا نهار…ومن يتمنون لكم الخراب والدمار…ومن يستقوون بقوى الاستعمار…ومن ينصحونكم بالاستنفار…ومن يسيئون للأجوار…ومن يرسلون إلى أعداء البلاد مكاتيب الاستنكار…يا أتباعي أدعوكم للاستغفار…فنحن وجدنا البلاد في حالة خراب ودمار…وأنتم الشعب الذي يجب أن يختار…بين الاستقرار معي أو الاندثار مع الاشرار…

 أتباعي الاعزاء، إذا حل يوم الاستفتاء، وقد عرفتم اليوم من جاءكم بالبلاء والوباء، وعرفتم من أنجدكم بالدواء وجاءكم بالشفاء، أنا أم من كنتم معهم تعساء؟ لا تنسوني من اصواتكم…وصوّتوا لي دون حساب، فأنا من أنقذكم من جور واستبداد الأحزاب…”

هكذا كما جاءني غاب…وعن أسئلتي أجاب…قمت من نومي مذعورا…أطلب النجدة من الأجوار ونطقت طويلا لفظ الاستغفار…يا ويلتي كنت مع مولانا…والناس نيام…فهل أنا في يقظة أم في منام…وهل كل ما عشته كان فقط…مجرّد أحلام…أم كانت حقيقة والسلام…

أكمل القراءة
انقر للتعليق

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جور نار

ورقات يتيم … الورقة 89

نشرت

في

عبد الكريم قطاطة:

فترة التسعينات كانت حبلى بالاحداث والتغييرات في مسيرتي المهنية منها المنتظر والمبرمج له ومنها غير المنتظر بتاتا …

عبد الكريم قطاطة

وانا قلت ومازلت مؤمنا بما قلته… انا راض بأقداري… بحلوها وبمرّها… ولو عادت عجلة الزمن لفعلت كلّ ما فعلته بما في ذلك حماقاتي واخطائي… لانني تعلمت في القليل الذي تعلمته، انّ الانسان من جهة هو ابن بيئته والبيئة ومهما بلغت درجة وعينا تؤثّر على سلوكياتنا… ومن جهة اخرى وحده الذي لا يعمل لا يخطئ… للتذكير… اعيد القول انّه وبعد ما فعله سحر المصدح فيّ واخذني من دنيا العمل التلفزي وهو مجال تكويني الاكاديمي، لم انس يوما انّني لابدّ ان اعود يوما ما الى اختصاصي الاصلي وهو العمل في التلفزيون سواء كمخرج او كمنتج او كلاهما معا… وحددت لذلك انقضاء عشر سنوات اولى مع المصدح ثمّ الانكباب على دنيا التلفزيون بعدها ولمدّة عشر سنوات، ثمّ اختتام ما تبقّى من عمري في ارقى احلامي وهو الاخراج السينمائي…

وعند بلوغ السنة العاشرة من حياتي كمنشط اذاعي حلّت سنة 1990 لتدفعني للولوج عمليا في عشريّة العمل التلفزي… ولانني احد ضحايا سحر المصدح لم استطع القطع مع هذا الكائن الغريب والجميل الذي سكنني بكلّ هوس… الم اقل آلاف المرات انّ للعشق جنونه الجميل ؟؟ ارتايت وقتها ان اترك حبل الوصل مع المصدح قائما ولكن بشكل مختلف تماما عما كنت عليه ..ارتايت ان يكون وجودي امام المصدح بمعدّل مرّة في الاسبوع ..بل وذهبت بنرجسيتي المعهودة الى اختيار توقيت لم اعتد عليه بتاتا ..نعم اخترت الفضاء في سهرة اسبوعية تحمل عنوان (اصدقاء الليل) من التاسعة ليلا الى منتصف الليل …هل فهمتم لماذا وصفت ذلك الاختيار بالنرجسي ؟؟ ها انا افسّر ..

قبل سنة تسعين عملت في فترتين: البداية كانت فترة الظهيرة من العاشرة صباحا حتى منتصف النهار (والتي كانت وفي الاذاعات الثلاث قبل مجيئي فترة خاصة ببرامج الاهداءات الغنائية)… عندما اقتحمت تلك الفترة كنت مدركا انيّ مقدم على حقل ترابه خصب ولكنّ محصوله بائس ومتخلّف ..لذلك اقدمت على الزرع فيه … وكان الحصاد غير متوقع تماما ..وتبعتني الاذاعة الوطنية واذاعة المنستير وقامت بتغييرات جذرية هي ايضا في برامجها في فترة الضحى .. بل واصبح التنافس عليها شديدا بين المنشطين ..كيف لا وقد اصبحت فترة الضحى فترة ذروة في الاستماع … بعد تلك الفترة عملت ايضا لمدة في فترة المساء ضمن برنامج مساء السبت … ولم يفقد انتاجي توهجه ..وعادت نفس اغنية البعض والتي قالوا فيها (طبيعي برنامجو ينجح تي حتى هو واخذ اعزّ فترة متاع بثّ) …

لذلك وعندما فكّرت في توجيه اهتمامي لدنيا التلفزيون فكرت في اختيار فترة السهرة لضرب عصفورين بحجر واحد… الاول الاهتمام بما ساحاول انتاجه تلفزيا كامل ايام الاسبوع وان اخصص يوما واحدا لسحر المصدح ..ومن جهة اخرى وبشيء مرة اخرى من النرجسية والتحدّي، اردت ان اثبت للمناوئين انّ المنشّط هو من يقدر على خلق الفترة وليست الفترة هي القادرة على خلق المنشط ..وانطلقت في تجربتي مع هذا البرنامج الاسبوعي الليلي وجاءت استفتاءات (البيان) في خاتمة 1990 لتبوئه و منشطه المكانة الاولى في برامج اذاعة صفاقس .. انا اؤكّد اني هنا اوثّق وليس افتخارا …

وفي نفس السياق تقريبا وعندما احدثت مؤسسة الاذاعة برنامج (فجر حتى مطلع الفجر) وهو الذي ينطلق يوميا من منتصف الليل حتى الخامسة صباحا، و يتداول عليه منشطون من الاذاعات الثلاث… طبعا بقسمة غير عادلة بينها يوم لاذاعة صفاقس ويوم لاذاعة المنستير وبقية الايام لمنشطي الاذاعة الوطنية (اي نعم العدل يمشي على كرعيه) لا علينا … سررت باختياري كمنشط ليوم صفاقس ..اولا لانّي ساقارع العديد من الزملاء دون خوف بل بكلّ ثقة ونرجسية وغرور… وثانيا للتاكيد مرة اخرى انّ المنشط هو من يصنع الفترة ..والحمد لله ربحت الرهان وبشهادة اقلام بعض الزملاء في الصحافة المكتوبة (لطفي العماري في جريدة الاعلان كان واحدا منهم لكنّ الشهادة الاهمّ هي التي جاءتني من الزميل الكبير سي الحبيب اللمسي رحمه الله الزميل الذي يعمل في غرفة الهاتف بمؤسسة الاذاعة والتلفزة) …

سي الحبيب كان يكلمني هاتفيا بعد كل حصة انشطها ليقول لي ما معناه (انا نعرفك مركّب افلام باهي وقت كنت تخدم في التلفزة اما ما عرفتك منشط باهي كان في فجر حتى مطلع الفجر .. اما راك اتعبتني بالتليفونات متاع المستمعين متاعك، اما مايسالش تعرفني نحبك توة زدت حبيتك ربي يعينك يا ولد) … في بداية التسعينات ايضا وبعد انهاء اشرافي على “اذاعة الشباب” باذاعة صفاقس وكما كان متفقا عليه، فكرت ايضا في اختيار بعض العناصر الشابة من اذاعة الشباب لاوليها مزيدا من العناية والتاطير حتى تاخذ المشعل يوما ما… اطلقت عليها اسم مجموعة شمس، واوليت عناصرها عناية خاصة والحمد لله انّ جلّهم نجحوا فيما بعد في هذا الاختصاص واصبحوا منشطين متميّزين… بل تالّق البعض منهم وطنيا ليتقلّد عديد المناصب الاعلامية الهامة… احد هؤلاء زميلي واخي الاصغر عماد قطاطة (رغم انه لا قرابة عائلية بيننا)…

عماد يوم بعث لي رسالة كمستمع لبرامجي تنسمت فيه من خلال صياغة الرسالة انه يمكن ان يكون منشطا …دعوته الى مكتبي فوجدته شعلة من النشاط والحيوية والروح المرحة ..كان انذاك في سنة الباكالوريا فعرضت عليه ان يقوم بتجربة بعض الريبورتاجات في برامجي .. قبل بفرح طفولي كبير لكن اشترطت عليه انو يولي الاولوية القصوى لدراسته … وعدني بذلك وسالته سؤالا يومها قائلا ماذا تريد ان تدرس بعد الباكالوريا، قال دون تفكير اريد ان ادرس بكلية الاداب مادة العربية وحلمي ان اصبح يوما استاذ عربية ..ضحكت ضحكة خبيثة وقلت له (تي هات انجح وبعد يعمل الله)… وواصلت تاطيره وتكوينه في العمل الاذاعي ونجح في الباكالوريا ويوم ان اختار دراسته العليا جاءني ليقول وبكلّ سعادة …لقد اخترت معهد الصحافة وعلوم الاخبار… اعدت نفس الضحكة الخبيثة وقلت له (حتّى تقللي يخخي؟) واجاب بحضور بديهته: (تقول انت شميتني جايها جايها ؟؟)… هنأته وقلت له انا على ذمتك متى دعتك الحاجة لي ..

وانطلق عماد في دراسته واعنته مع زملائي في الاذاعة الوطنية ليصبح منشطا فيها (طبعا ايمانا منّي بجدراته وكفاءته)… ثم استنجد هو بكلّ ما يملك من طاقات مهنية ليصبح واحدا من ابرز مقدمي شريط الانباء… ثم ليصل على مرتبة رئيس تحرير شريط الانباء بتونس 7 ..ويوما ما عندما فكّر البعض في اذاعة خاصة عُرضت على عماد رئاسة تحريرها وهو من اختار اسمها ..ولانّه لم ينس ماعاشه في مجموعة شمس التي اطرتها واشرفت عليها، لم ينس ان يسمّي هذه الاذاعة شمس اف ام … اي نعم .عماد قطاطة هو من كان وراء اسم شمس اف ام …

ثمة ناس وثمة ناس ..ثمة ناس ذهب وثمة ناس ماجاوش حتى نحاس ..ولانّي عبدالكريم ابن الكريم ..انا عاهدت نفسي ان اغفر للذهب والنحاس وحتى القصدير ..وارجو ايضا ان يغفر لي كل من اسأت اليه ..ولكن وربّ الوجود لم اقصد يوما الاساءة ..انه سوء تقدير فقط …

ـ يتبع ـ

أكمل القراءة

جور نار

ورقات يتيم ..الورقة 88

نشرت

في

عبد الكريم قطاطة:

المهمة الصحفية الثانية التي كلفتني بها جريدة الاعلان في نهاية الثمانينات تمثّلت في تغطية مشاركة النادي الصفاقسي في البطولة الافريقية للكرة الطائرة بالقاهرة …

عبد الكريم قطاطة

وهنا لابدّ من الاشارة انها كانت المرّة الوحيدة التي حضرت فيها تظاهرة رياضية كان فيها السي اس اس طرفا خارج تونس .. نعم وُجّهت اليّ دعوات من الهيئات المديرة للسفر مع النادي وعلى حساب النادي ..لكن موقفي كان دائما الشكر والاعتذار ..واعتذاري لمثل تلك الدعوات سببه مبدئي جدا ..هاجسي انذاك تمثّل في خوفي من (اطعم الفم تستحي العين)… خفت على قلمي ومواقفي ان تدخل تحت خانة الصنصرة الذاتية… اذ عندما تكون ضيفا على احد قد تخجل من الكتابة حول اخطائه وعثراته… لهذا السبب وطيلة حياتي الاعلامية لم اكن ضيفا على ايّة هيئة في تنقلات النادي خارج تونس ..

في رحلتي للقاهرة لتغطية فعاليات مشاركة السي اس اس في تلك المسابقة الافريقية، لم يكن النادي في افضل حالاته… لكن ارتأت ادارة الاعلان ان تكلّفني بمهمّة التغطية حتى اكتب بعدها عن ملاحظاتي وانطباعاتي حول القاهرة في شكل مقالات صحفية… وكان ذلك… وهذه عينات مما شاهدته وسمعته وعشته في القاهرة. وهو ما ساوجزه في هذه الورقة…

اوّل ما استرعى انتباهي في القاهرة انّها مدينة لا تنام… وهي مدينة الضجيج الدائم… وما شدّ انتباهي ودهشتي منذ الساعة الاولى التي نزلت فيها لشوارعها ضجيج منبهات السيارات… نعم هواية سائقي السيارات وحتى الدراجات النارية والهوائية كانت بامتياز استخدام المنبهات… ثاني الملاحظات كانت نسبة التلوّث الكثيف… كنت والزملاء نخرج صباحا بملابس انيقة وتنتهي صلوحية اناقتها ونظافتها في اخر النهار…

اهتماماتي في القاهرة في تلك السفرة لم تكن موجّهة بالاساس لمشاركة السي اس اس في البطولة الافريقية للكرة الطائرة… كنا جميعا ندرك انّ مشاركته في تلك الدورة ستكون عادية… لذلك وجهت اشرعة اهتمامي للجانب الاجتماعي والجانب الفنّي دون نسيان زيارة معالم مصر الكبيرة… اذ كيف لي ان ازور القاهرة دون زيارة خان الخليلي والسيدة زينب وسيدنا الحسين والاهرام… اثناء وجودي بالقاهرة اغتنمت الفرصة لاحاور بعض الفنانين بقديمهم وجديدهم… وكان اوّل اتصال لي بالكبير موسيقار الاجيال محمد عبد الوهاب رحمه الله… هاتفته ورجوت منه امكانية تسجيل حوار معه فاجابني بصوته الخشن والناعم في ذات الوقت معتذرا بسبب حالته الصحية التي ليست على ما يرام…

لكن في مقابل ذلك التقيت بالكبير محمد الموجي بمنزله وقمت بتسجيل حوار معه ..كان الموجي رحمه الله غاية في التواضع والبساطة… لكن ما طُبع في ذهني نظرته العميقة وهو يستمع اليك مدخّنا سيجارته بنهم كبير… نظرة اكاد اصفها بالرهيبة… رهبة الرجل مسكونا بالفنّ كما جاء في اغنية رسالة من تحت الماء التي لحنها للعندليب… نظرة المفتون بالفن من راسه حتى قدميه…

في تلك الفترة من اواخر الثمانينات كانت هنالك مجموعة من الاصوات الشابة التي بدات تشق طريقها في عالم الغناء ..ولم اترك الفرصة تمرّ دون ان انزل ضيفا عليهم واسجّل لهم حوارات… هنا اذكر بانّ كلّ التسجيلات وقع بثها في برامجي باذاعة صفاقس… من ضمن تلك الاصوات الشابة كان لي لقاءات مع محمد فؤاد، حميد الشاعري وعلاء عبدالخالق… المفاجأة السارة كانت مع لطيفة العرفاوي… في البداية وقبل سفرة القاهرة لابدّ من التذكير بانّ لطيفة كانت احدى مستمعاتي… وعند ظهورها قمت بواجبي لتشجيعها وهي تؤدّي انذاك وباناقة اغنية صليحة (يا لايمي عالزين)…

عندما سمعت لطيفة بوجودي في القاهرة تنقلت لحيّ العجوزة حيث اقطن ودعتني مع بعض الزملاء للغداء ببيتها… وكان ذلك… ولم تكتف بذلك بل سالت عن احوالنا المادية ورجتنا ان نتصل بها متى احتجنا لدعم مادي… شكرا يا بنت بلادي على هذه الحركة…

اختم بالقول قل ما شئت عن القاهرة.. لكنها تبقى من اعظم واجمل عواصم الدنيا… القاهرة تختزل عبق تاريخ كلّ الشعوب التي مرّت على اديمها… نعم انها قاهرة المعزّ…

ـ يتبع ـ

أكمل القراءة

جور نار

التقصي عن أمراض السكري وضغط الدم… وليس عن أعوان التلفزة!

نشرت

في

محمد الزمزاري:

انطلقت الحملة الوطنية المتعلقة هذه المرة بالتقصي حول الأمراض المزمنة وكان مرض السكري وأيضا مرض ضغط الدم هما المدرجان في هذه الحملة.

محمد الزمزاري Mohamed Zemzari

يشار إلى أن نسب مرضى السكري و ضغط الدم قد عرفت ارتفاعا ملفتا لدى المواطنين و بالتحديد لدى شريحة كبار السن مما يكسي اهمية لهذه الحملات التي تنظمها وزارة الصحة العمومية بالتعاون المباشر مع هيئة الهلال الأحمر التونسي.. وقد سنحت لنا الفرصة لحضور جزء مهم من الحملة في بهو محطة القطارات الرئيسية بساحة برشلونة، لنقف على تفاعل عديد المواطنين المصطفّين قصد الخضوع لعملية التقصي بكل انضباط وكان جل الوافدين طبعا من كبار السن، كما لوحظ تواجد عدد كبير من ممثلي الهلال الأحمر ومن الأطباء بمكتبين ويساعدهم بعض الممرضين.

الغريب انه لدى تغطيتى العارضة لهذه الحملة المتميزة التي تهدف اساسا إلى توعية المواطنين وحثهم على تقصي الأمراض بكل انواعها بصور مبكرة، بالاعتماد على كافة قنوات الاتصال وأهمها الإعلام الذي لن يكون الا داعما لهذا الهدف الإنساني لكن احد اعوان الهلال الأحمر فتح معي بحثا ان كنت من التلفزة الوطنية ملاحظا ان القناة المذكورة هي الوحيدة المسموح لها بالقيام بالتغطية ولم يكتف بهذا بل أكد ان الأطباء لا يحبون التصوير.

طبيعي اني لم اتفاعل مع هذا الجهل وضحالة المعرفة باهداف الحملة بالإضافة إلى عمليات التقصي الفعلي ..ولما تجاوز في الإلحاح طلبت منه الاستظهار بصفته هل هو منسق الحملة حتى يمكنني أن امر إلى المسؤول عنها بصفتي صحفيا ..وواصلت عملى أمام انكماش هذا العون التابع للهلال الأحمر حسبما يدل عليه زيه.

وبعيدا عن هذا، لا يفوت التنويه بالجهود الكبيرة التي يتحلى بها طاقم الاطباء و الممرضين و متطوعي الهلال الاحمر، الذين يجهدون انفسهم لانجاح هذه الحملة سواء داخل بهو محطة السكك الحديدية او عبر بعض الفرق التي تعمل على التعريف بجدوى التقصي حتى خارج البهو الكبير.

أكمل القراءة

صن نار