لا تدخل قاعة الامتحان إلا وعُكّازك معك ! عُكّازٌ تتكئُ عليه وقد شكّلتَه من عزيمة وإصرار وهِمّة ليس لها حُدود.
من حُسن حظّنا أننا حافظنا في بلادنا على هذه المحطة التقييمية الهامة – بعد أن قاموا بإلغاء كل المحطات الوسيطة الأخرى- والتي مازالت تحتفظ لنفسها في الوجدان التونسي بكامل بريقها لأنها جسرٌ أساسي يمضي من خلاله عشرات الآلاف من الشباب نحو تحقيق أحلامهم وصقل آمالهم… وما أحلى وأنبل أن تتأسّس الأحلام على قِيم الجهد والمُثابرة وإدمان المعرفة وبناء الذّات السويّة والنافعة !
أعتقد أن مجرّد وصول بناتنا وأبنائنا بأعداد كبيرة جدا إلى هذا المستوى هو في حدّ ذاته كسبٌ وطني ثمين لابد من المحافظة عليه والعمل على تجويد مُخرجاته، لأنه تتويج لمسار طويل وشاقّ ومُعبّد بمُراكمة المهارات الدراسية المختلفة وتخزين المعارف بعذبها وغثّها، وبعض إغواءاته أيضا في عتبات عُمريّة معيّنة من قبيل تجريب بعض الأعمال المؤجّرة أو التفكير في زيجات مُبكّرة، أو الرغبة البسيطة في تطليق دروس لم يعد يقدر بعض التلاميذ على فكّ طلاسمها وترويض معانيها.
وبحكم أن الباكالوريا التونسية مازالت لها قيمة علمية مُتداولة (وستظل) في ساحات الشهائد العالمية من ناحية، ولأنني مسكونٌ من ناحية أخرى بالرغبة الصادقة في أن أرى أرفع نسبة ممكنة من المترشحين يُحرزون هذه الشهادة المفتاحية، يتأكّد لديّ الحرص على إسداء بعض النّصح لمُجتازي الامتحان لعلّه يساعدهم ولو قليلا على تذليل صعوبات هذه العقبة، وتبديد الرّهبة التي قد تنتابهم وانتزاع ولو نقطة واحدة إضافية في مادة من المواد، لأن “عُشر نقطة” يكون له تأثير حاسم عندما يحين موعد مناظرة التوجيه الجامعي (الذي أتمنّى أن تمرّوا كلكم على سِراطها المُبين).
الذّاكرة تحتفظ بكامل مخزونها ليوم الامتحان
لا تحاول الآن أو خلال اليومين المتبقّييْن استعادة كل ما قرأته وحفظته خلال فترات المراجعة لأنك لن تسترجع مضامين كل الدروس في تفاصيلها وجزئياتها إلا عند مواجهة ورقة الامتحان، سيتراءى لك أنك نسيت كل شيء وهذا أمر طبيعي لا تدعهُ يشكّل مصدر ضغط إضافي قبل الامتحان. ستتداعى المعلومات تلقائيا عندما تحتاجها وتنساب وكأنك حفظتها للتوّ.
العلاقة مع الأستاذ المُقيّم هي كما العلاقة مع شخص تحرصُ على استمالته ونيل اهتمامه
ثقْ وأنت تُحرّر ورقتك أن الأستاذ الذي سيتولّى تقييم ورقتك وإسنادها عددا هو تماما مثل الأستاذ الذي درّسك لمدة سنوات طويلة، تونسيّ جدا (بالمعنى الإيجابي) يغارُ عليك ويُثمّن مجهودك ويتفهّم نقائصك ويتجنّد خلال كامل الوقت الذي يستغرقه إصلاح ورقتك، للبحث عن أي إضافة أو فكرة عالية أو إجابة قريبة ممّا تحدده المقاييس المعتمدة ليُعطيك العدد كاملا. لكن يتعيّن عليك أن تُقنعه بنفسك وتُبهرهُ وتُثبت له أنك إنما تكتب لتُلبّي انتظاراته، بداية من استقامة خطك ووضوحه وصولا إلى حسن تدبيج النهايات على مهلٍ، ومرورا بضخّ جُرعات فاتنة من صميم المعارف والجواهر المُحدّدة التي يستهدفها السؤال. (كنتُ أقول دائما لتلاميذي : الخطُّ هو هندامك أمام لجنة الامتحان اِعتَنِ به، والأسلوب هو لسانك كن حريصا على نقاوته وصفائه، والأفكار هي بناتُك اِفخرْ بهنّ واجعلهنّ أجمل فتيات الدّنيا).
تخلّصْ مؤقّتا من ضغط العدد والمجموع وما تنوي دراسته بعد الباكالوريا
الامتحان ليس مجرد مقفز للمرور نحو مراحل دراسية أرقى بل هو هدفٌ في حدّ ذاته يجب الاحتفاء به كأنّ لا شيء بعده، وبذل كل الجهد في سبيل الاشتغال عليه بكل ما أُوتيت من مُتعة المشتاقين واستبسال المقاتلين ودقّة العارفين بخفايا الأسئلة وجمال الأمثلة… وسيكون العدد لاحقا في تناسُب مع روح المُكابدة التي أبديتها. أقول هذا لأن الحصول على شهادة الباكالوريا في نظري أهمّ إلى حدّ ما ممّا تُتيحُهُ هذه الأخيرة من مُمكنات دراسية في الجامعة. فإحراز الباكالوريا هو إنجازٌ مهمّ وعنوان تميّز مهما كان مستوى المعدّل لأن مسالك التكوين في التعليم العالي متنوّعة بنفس قدر تنوّع ملمح الناجحين أو أكثر، والمختصّ في فيزياء المواد ليس أكثر أو أقل شأنا من المختصّ في كيمياء الإسمنت أو سيمياء التواصل واللغات.
ثق بنفسك
لا تحاول إعادة كامل برنامجك صبيحة الامتحان لأن ذلك غالبا ما يُربك المترشحين، فلقد راجعتَ بما فيه الكفاية واطلعتَ على مئات الوثائق واشتغلتَ على عشرات السلاسل من التمارين وشحنتَ كل بطارياتك استعدادا لليوم الموعود الذي انتظرتَهُ طويلا لليّ عُنُقه وليس العكس، فكن واثقا من قدرتك على انتزاع النجاح لأن مواضيع الامتحان صُمّمت على مقياس برنامجٍ أنت تعرفه وتشرّبتَ تفاصيله على امتداد سنة كاملة. يكفي أن تعي ما هو مطلوب منك بدقّة وتحديد المنهجية التي ستعتمدها في تناوله مع ضرورة تدوين كل ما تستذكره على ورقة المسوّدة، قبل تدقيقه وتوظيبه وتنظيمه وإلباسه الحُلّة الأخيرة على ورقة الامتحان.
يُحتسبُ المجموع إلى حدّ 4 أرقام بعد الفاصل في التوجيه الجامعي
عندما تُحتسب مجاميع نقاط الناجحين في الباكالوريا، يحدث أن يتساوى مئات التلاميذ في نفس المجموع إلى حدّ رقمين بعد الفاصل، ولا يكون ثمّة من سبيل للفصل بين المتسابقين سوى الذهاب إلى أربعة أرقام جزئية بعد الفاصل… بما يعني أن كل رُبع نقطة تحصدها ستكون ثقيلة في ميزان توجيهك الجامعي لاحقا، فلا تتعفّف عن أيّة مادة تُمتحن فيها وتعامل بنفس الجدية مع كل المواد حتى تلك التي تعتبر أنها لن تفيدك كثيرا في المستقبل. لا تستعجل إرجاع ورقتك قبل الأوان واعلم أن النقاط التي يتمّ جنيُها في مواد “مُهملة” و “متروكة” هي التي تصنع الفارق الحسابي بين مترشّح وآخر.
بالإضافة إلى بعض الملاحظات السريعة :
حتى لا تُربك ما تبقّى في مسار الامتحان، لا تهتم بـ “الأجوبة النموذجية العالِمة” التي ستتهاطل بعد الامتحان من الأصدقاء والأساتذة وعلى صفحات الويب، فالآخرون قد فهموا الموضوع كل من زاوية نظره الخاصة، لكن هذا لا يعني أبدا أن طريقتك الخاصة في معالجة الموضوع أو المشكل الرياضي هي خاطئة… فالأستاذ المُصحّح هو الوحيد القادر على تقييم ورقتك، لأنه مسلّح بمقاييس دقيقة محددة ومُشبعٌ بنقاش منهجي مطوّل مع اللجنة المتخصصة في كل مجال مخصوص قبل انطلاق عملية الاصلاح.
أعِرْ أهمية قصوى لأخطاء الرّسم (باللغات الثلاث) لأنه بقدر ما ترتكب أخطاء بدائية، تحصل فكرة سلبية عنك وعن جديتك ومستواك لدى المُصحّح.
قُم بتهيئة أدواتك جميعها ليلة الامتحان وتأكد تماما أن هاتفك الجوّال بقي بالمنزل طيلة أيام الامتحان لأن مجرّد نسيانه ولو عن حسن نيّة ضمن أدواتك، يُعرّضك لمساءلات غير محمودة.
أحرص على نيل باكالوريتك بعرق جبينك لأن عار الغشّ المحتمل سيظل يلاحق مرتكبيه بعد أجيال وأجيال.
أرجو لكم(نّ) جميعا كل التوفيق والنجاح في امتحان لن يكون في كل الحالات أكثر عُسرا ممّا واجهتموه في محطات سابقة.