جور نار
حكايات صالحة للقسم … وخارجه (2)
نشرت
قبل سنتينفي
من قبل
منصف الخميري Moncef Khemiriحاولتُ في الورقة الماضية سَرْد بعض الحكايات والقصص الهادفة والقابلة للتوظيف في الدّرس والتكوين بصورة عامة، لتناول قضايا وقيم كونية عديدة كم نحتاجها وبقوّة في مجتمعاتنا التي جرفتها سيول الحداثة دون كبير حصانة تُذكر، أو كبّلتها سلاسل الماضي دون بصيرة نقديّة تُلغي الغثّ وتحتفظ بالأجدر.
ولمّا بدأت التفكير بمحتوى الورقة الثانية التي تُكمّل الأولى أو تستمر في نفس نسقها، قلتُ في نفسي لِمَ البحثُ في حكايا من التراث الإنساني أو الأساطير الإغريقية والحال أن مسيرة كل واحد فينا تعُجّ بعشرات القصص والأحداث الجديرة بتقاسمها وتداولها، لما فيها من قيم رمزية تصلح أن تكون محاور تؤثث فترات الصمت الكسول في مساحات التكوين ؟ فقررت أن أستحضر بعض الأحداث التي عشتها شخصيا مع تلاميذ ومتكوّنين في فترات ماضية، ولكن مازالت تتمتّع حسب رأيي ببعض الوجاهة لكي تُطرح مجدّدا.
الحكاية الأولى : أيّهما أجمل، المرأة الأولى أم الثانية ؟
في حصة من حصص درس الفرنسية مع السنوات الثانية أو الثالثة ثانوي خلال ثمانينات القرن الماضي، وكان المحور الذي نشتغل عليه في تلك الفترة هو الحب والصداقة، رُحت أفتّش في طيّات مجلات فلسطين الثورة وصامد واليوم السابع وبعض أعداد مجلات الهدف والحرية الفلسطينية التي كانت تصلنا تحت المعاطف من الجزائر الشقيقة. وجدتُ ضالّتي بعد جهد دام ساعات طويلة (تعوّضها اليوم مجرد نقرة أو نقرتين على محركات البحث) واخترتُ صورتين لفتاتيْن في ريعان شبابهما، قُمت بتكبيرهما لدى صديقي الشادلي المصوّر الذي حاول جاهدا معرفة الغرض من الاحتفاظ بهاتين الصورتين… فلم يفُز بأكثر من وعد بأن أفسّر له مآلهما حول قهوة مُنشّطة للذاكرة يُعدّها بكثير من المودّة سي محمود، الرجل اللطيف والمؤدّب بالمعهد الذي كنت أدرّس به وكان سي الشادلي قيّما به أيضا (بالإضافة إلى هوايته كمصوّر).
حملت صوري معي وقبل انطلاق الدرس، عرضتُ على تلاميذي أن نقوم بحصة انتخابية نختار خلالها برفع الأيدي وبكل حرية بين الصورة أ والصورة ب بناءً على مقاييس الجمال “العفويّة” المعهودة. أمسكت صورة الفتاة الأولى بيدي اليمنى (أطلقنا عليها الصورة أ) وصورة الفتاة الثانية بيدي اليسرى (وأطلقنا عليها الصورة ب) وسألتهم :
من يُصوّت لفائدة الفتاة أ ويعتبرها الأجمل يرفع يده. النتيجة : لا أحد ! هل أنتم متأكدون ؟ Oui monsieur
والآن من يُصوّت لفائدة الفتاة ب، أي من يعتبرها أجمل من الأولى ؟ 37 تلميذا إناثا وذكورا يرفعون أيديهم بحماس شديد.
صمتُّ قليلا لاستحثّ فيهم السؤال… حتى تعالت أصواتهم : هي وبعد مسيو ؟؟ من تكون هاتان الفتاتان ؟
قلت بشيء من التأثّر غير المتكلّف أن الفتاة الأولى التي لم يصوّت لفائدتها أحد هي سناء يوسف المحيدلي الملقّبة بعروس الجنوب والتي كانت تنتمي إلى المقاومة الوطنية اللبنانية، وهي التي فجّرت سيارة بيجو 504 كانت تقودها عند حاجز عسكري إسرائيلي بجنوب لبنان في عملية انتحارية أدّت إلى مقتل ضابطين صهيونيين وجرح جنديين آخرين وكان ذلك في أفريل 1985.
تململ كبير داخل قاعة الدرس وبدايات احتجاج سرعان ما أخمدتها حتى أُنهي كلامي.
أما صورة الفتاة الثانية والتي صوّتّم لفائدتها بالإجماع، فهي لفتاة إسرائيلية إسمها إيستر رائيف ليبائي، ضابطة في جيش التساهال الصهيوني وتمارس رياضة السباحة في نفس الوقت على أعلى المستويات…
تلى هذا التقديم جلَبَة حقيقية داخل الفصل قطعها صوتُ تلميذ وقف في كامل سُخطه وشجاعته وإحساس بنوع من “الغُلب” والخذلان :
مسيو… غلّطتنا مسيو، يلزم نعاودو الانتخاب !!!
أجبتُه مُطمئِنًا كونها مجرد لعبة مُفبركة ذات غاية بيداغوجية صِرفة في علاقة بموضوع درسنا اليوم وهو : “هل نعتبر الحب والإعجاب مجرد شعور بالمتعة الذاتية عند تذكّر أو مُجانبة أو مشاهدة شخص نحبّه، أم هو اختيار وحكم يلخص هذا الذي نُحبه وله قيمة ما في عقولنا وقلوبنا”.
ومن أهم الاستنتاجات التي توصّلنا إليها معا ودون أي تعسّف أن :
أولا : الجمال الذي كنا بصدد تقييمه هو جمال “بلاستيكي تشكيلي” بالمعنى الفني للكلمة، دون معانٍ أخرى مُضافة إليه، ويبقى جمالا بشريا طبيعيا مثله مثل جمال الأشجار والأودية والأزهار والأمطار.
ثانيا : “العقل يتكلم ويبرهن بينما الحب يغني وينشد” كما يقول ألفريد دي فينيي.
ثالثا : الجمال نسبي ومرتبط عضويا بالمعنى أو القيمة التي نضفيها على الشخص/ الشيء الذي نحب (لذلك على سبيل المثال كل واحد فينا يعتبر أن أمّه هي أجمل نساء الكون).
رابعا : الإيديولوجيا والانتماء هما مصفاة لتكرير مواقف البشر جميعا ومعالجتها ويصعب جدا أن تكون تقييمات البشر لما حولهم متخلصة تماما من تلك العيون والجداول الخفيّة التي تروي كياننا وتسقي دواخلنا.
والاستنتاج الطريف النهائي هو أننا لو وُلدنا في سيبيريا أو الألسكا أو الغروينلاند لكنّا نتنقّل بواسطة عربات تجرّها الكلاب ولكان الناس يُقبّلون بعضهم البعض عن طريق التلامس بالأنف خوفا من التصاق شفاههم من شدّة البرد الذي يصل إلى 50 درجة تحت الصفر… بما يُبرهن على كوننا أبناء سياق بشكل خالص، وذلك في قيمنا وأخلاقنا وعلاقاتنا وتديّننا ومقاييس الجمال لدينا.
الحكاية الثانية : موزار العبدولي، “التلميذ الفنّان” يُحال على مجلس التأديب
ذكّرتني حادثة التلميذة بمعهد الفنون بالعمران نور عمّار التي تمّ طردها مؤخرا على خلفية كلام توجّهت به إلى أحد أساتذتها على صفحات الويب، بتلميذي موزار العبدولي الذي درّسته في سنّ السابعة عشرة من عمره تقريبا، وكان تلميذا متميّزا ومتأثّرا بشكل ما باسمه الموسيقي، مزهُوّا بوسامته، فكان يرتدي ملابس فاقعة اللون شيئا ما ويعتني بتسريحة شعره في غير تفسّخ أو ابتذال لكنه كان مؤدّبا ولطيفا جدا ويحصل غالبا على علامات مقنعة في اللغة الفرنسية (بلغني السنة الماضية أنه يقيم حاليا بأحد البلدان الأوروبية).
دُعيتُ ذات يوم من قِبل الإدارة أن أحضر مداولات مجلس التأديب، وكان تلميذي موزار من التلاميذ المُحالين على المجلس بموجب تقرير في شأنه حرّره القيم العام للقسم الخارجي مؤكّدا (في لغة مخفريّة بائسة) أن التلميذ المعني سيّء السلوك ويتطاول على شخصه ويرفض الامتثال إلى تعليمات الإدارة. سألت صاحب التقرير عمّا حدث بالضبط مع موزار… فذكّرني بأنه يُدرك جيدا مكانته لديّ (في استباق خبيث لتأويل دفاعي اللاحق والمتوقع عن موزار) وأكّد أن موزار كان يشدُّ سرواله بحزام عريض تُزيّنه مسامير لامعة وتتوسّطه حلقة مُذهّبة دائرية لشدّ انتباه التلاميذ الآخرين وبثّ الفوضى داخل المعهد. (وكاد يُضيف كونه كان يُعدُّ لتنفيذ عمل إرهابي خطير !)
دافعتُ بكل ما أوتيت من حضور رمزي عن موزار وحاولت الإقناع بأنه من الطبيعي أن يعتني الشباب بمظهره وأن يحاول لفت الانتباه والتباهي وحتى التنافخ …. واعتبرتُ ساعتها أنني حققت انتصارا جزئيا لأن القيم العام لم يستطع فرض عقوبة الطرد النهائي ولا عقوبة الــ 15 عشر يوما التي اقترحها المدير … فرضنا، مجموعة الأساتذة الحاضرين، أن لا تتعدّى العقوبة 7 أيام… وهي أدنى عقوبة يمكن أن تُسلّط عليه لأن عقوبة الطرد بثلاثة أيام يمكن أن يتخذها مدير المؤسسة دون دعوة المجلس إلى الانعقاد.
حكاية نور عمّار وحكاية موزار عبدولي هما من نفس الجنس تقريبا وتعكسان عقلية متحجّرة ترفض أي انزياح في علاقة بالقيم والأخلاق السائدة، وتُكرّس فكرة أن الفضاء المدرسي هو فضاء قُدُسي يتعيّن فيه على “الجُموع” الانصياع لأوامر الشيوخ وتعليمات الكبار.
كتبتُ عديد المرّات أنني لست من دُعاة “الحْنانة الفارغة” وأن التلميذ محمول على السلوك السويّ دون تربية على الخنوع ومعانقة معاني الحرية والانعتاق دون تشجيع على التهوّر والابتذال. ولكن لديّ يقين أنه ليس ثمة من تجاوز أو سوء سلوك أو فعل تلمذي ما، يُبرّر كسْر تلميذ والدفع به نحو مسارات مجهولة التداعيات بالطرد أو الإهانة أو الإذلال أو الشتم أو التحقير. فمن الطبيعي أن يُخطئ الشاب أو الشابة (وأن يتم التوقّف حتما عند ذلك الخطأ بشكل مرن ومتبصّر) ولكن ليس من حقّنا نحن الكبار (أساتذة ومعلمين وإداريين ومتدخلين متنوعين في الفعل التربوي) أن نُسيء التقدير ونخطئ.
تلميذ يُحرم من الدرس مؤقتا أو بصفة نهائية هو جُرم تقترفه المدرسة (بكل من فيها) التي لم تقدر على احتضان أبنائها بامتيازهم ومثابرتهم وأخطائهم وانحرافاتهم أيضا قبل أن يكون مسؤولية التلميذ نفسه.
تصفح أيضا
عبد الكريم قطاطة:
فترة التسعينات كانت حبلى بالاحداث والتغييرات في مسيرتي المهنية منها المنتظر والمبرمج له ومنها غير المنتظر بتاتا …
وانا قلت ومازلت مؤمنا بما قلته… انا راض بأقداري… بحلوها وبمرّها… ولو عادت عجلة الزمن لفعلت كلّ ما فعلته بما في ذلك حماقاتي واخطائي… لانني تعلمت في القليل الذي تعلمته، انّ الانسان من جهة هو ابن بيئته والبيئة ومهما بلغت درجة وعينا تؤثّر على سلوكياتنا… ومن جهة اخرى وحده الذي لا يعمل لا يخطئ… للتذكير… اعيد القول انّه وبعد ما فعله سحر المصدح فيّ واخذني من دنيا العمل التلفزي وهو مجال تكويني الاكاديمي، لم انس يوما انّني لابدّ ان اعود يوما ما الى اختصاصي الاصلي وهو العمل في التلفزيون سواء كمخرج او كمنتج او كلاهما معا… وحددت لذلك انقضاء عشر سنوات اولى مع المصدح ثمّ الانكباب على دنيا التلفزيون بعدها ولمدّة عشر سنوات، ثمّ اختتام ما تبقّى من عمري في ارقى احلامي وهو الاخراج السينمائي…
وعند بلوغ السنة العاشرة من حياتي كمنشط اذاعي حلّت سنة 1990 لتدفعني للولوج عمليا في عشريّة العمل التلفزي… ولانني احد ضحايا سحر المصدح لم استطع القطع مع هذا الكائن الغريب والجميل الذي سكنني بكلّ هوس… الم اقل آلاف المرات انّ للعشق جنونه الجميل ؟؟ ارتايت وقتها ان اترك حبل الوصل مع المصدح قائما ولكن بشكل مختلف تماما عما كنت عليه ..ارتايت ان يكون وجودي امام المصدح بمعدّل مرّة في الاسبوع ..بل وذهبت بنرجسيتي المعهودة الى اختيار توقيت لم اعتد عليه بتاتا ..نعم اخترت الفضاء في سهرة اسبوعية تحمل عنوان (اصدقاء الليل) من التاسعة ليلا الى منتصف الليل …هل فهمتم لماذا وصفت ذلك الاختيار بالنرجسي ؟؟ ها انا افسّر ..
قبل سنة تسعين عملت في فترتين: البداية كانت فترة الظهيرة من العاشرة صباحا حتى منتصف النهار (والتي كانت وفي الاذاعات الثلاث قبل مجيئي فترة خاصة ببرامج الاهداءات الغنائية)… عندما اقتحمت تلك الفترة كنت مدركا انيّ مقدم على حقل ترابه خصب ولكنّ محصوله بائس ومتخلّف ..لذلك اقدمت على الزرع فيه … وكان الحصاد غير متوقع تماما ..وتبعتني الاذاعة الوطنية واذاعة المنستير وقامت بتغييرات جذرية هي ايضا في برامجها في فترة الضحى .. بل واصبح التنافس عليها شديدا بين المنشطين ..كيف لا وقد اصبحت فترة الضحى فترة ذروة في الاستماع … بعد تلك الفترة عملت ايضا لمدة في فترة المساء ضمن برنامج مساء السبت … ولم يفقد انتاجي توهجه ..وعادت نفس اغنية البعض والتي قالوا فيها (طبيعي برنامجو ينجح تي حتى هو واخذ اعزّ فترة متاع بثّ) …
لذلك وعندما فكّرت في توجيه اهتمامي لدنيا التلفزيون فكرت في اختيار فترة السهرة لضرب عصفورين بحجر واحد… الاول الاهتمام بما ساحاول انتاجه تلفزيا كامل ايام الاسبوع وان اخصص يوما واحدا لسحر المصدح ..ومن جهة اخرى وبشيء مرة اخرى من النرجسية والتحدّي، اردت ان اثبت للمناوئين انّ المنشّط هو من يقدر على خلق الفترة وليست الفترة هي القادرة على خلق المنشط ..وانطلقت في تجربتي مع هذا البرنامج الاسبوعي الليلي وجاءت استفتاءات (البيان) في خاتمة 1990 لتبوئه و منشطه المكانة الاولى في برامج اذاعة صفاقس .. انا اؤكّد اني هنا اوثّق وليس افتخارا …
وفي نفس السياق تقريبا وعندما احدثت مؤسسة الاذاعة برنامج (فجر حتى مطلع الفجر) وهو الذي ينطلق يوميا من منتصف الليل حتى الخامسة صباحا، و يتداول عليه منشطون من الاذاعات الثلاث… طبعا بقسمة غير عادلة بينها يوم لاذاعة صفاقس ويوم لاذاعة المنستير وبقية الايام لمنشطي الاذاعة الوطنية (اي نعم العدل يمشي على كرعيه) لا علينا … سررت باختياري كمنشط ليوم صفاقس ..اولا لانّي ساقارع العديد من الزملاء دون خوف بل بكلّ ثقة ونرجسية وغرور… وثانيا للتاكيد مرة اخرى انّ المنشط هو من يصنع الفترة ..والحمد لله ربحت الرهان وبشهادة اقلام بعض الزملاء في الصحافة المكتوبة (لطفي العماري في جريدة الاعلان كان واحدا منهم لكنّ الشهادة الاهمّ هي التي جاءتني من الزميل الكبير سي الحبيب اللمسي رحمه الله الزميل الذي يعمل في غرفة الهاتف بمؤسسة الاذاعة والتلفزة) …
سي الحبيب كان يكلمني هاتفيا بعد كل حصة انشطها ليقول لي ما معناه (انا نعرفك مركّب افلام باهي وقت كنت تخدم في التلفزة اما ما عرفتك منشط باهي كان في فجر حتى مطلع الفجر .. اما راك اتعبتني بالتليفونات متاع المستمعين متاعك، اما مايسالش تعرفني نحبك توة زدت حبيتك ربي يعينك يا ولد) … في بداية التسعينات ايضا وبعد انهاء اشرافي على “اذاعة الشباب” باذاعة صفاقس وكما كان متفقا عليه، فكرت ايضا في اختيار بعض العناصر الشابة من اذاعة الشباب لاوليها مزيدا من العناية والتاطير حتى تاخذ المشعل يوما ما… اطلقت عليها اسم مجموعة شمس، واوليت عناصرها عناية خاصة والحمد لله انّ جلّهم نجحوا فيما بعد في هذا الاختصاص واصبحوا منشطين متميّزين… بل تالّق البعض منهم وطنيا ليتقلّد عديد المناصب الاعلامية الهامة… احد هؤلاء زميلي واخي الاصغر عماد قطاطة (رغم انه لا قرابة عائلية بيننا)…
عماد يوم بعث لي رسالة كمستمع لبرامجي تنسمت فيه من خلال صياغة الرسالة انه يمكن ان يكون منشطا …دعوته الى مكتبي فوجدته شعلة من النشاط والحيوية والروح المرحة ..كان انذاك في سنة الباكالوريا فعرضت عليه ان يقوم بتجربة بعض الريبورتاجات في برامجي .. قبل بفرح طفولي كبير لكن اشترطت عليه انو يولي الاولوية القصوى لدراسته … وعدني بذلك وسالته سؤالا يومها قائلا ماذا تريد ان تدرس بعد الباكالوريا، قال دون تفكير اريد ان ادرس بكلية الاداب مادة العربية وحلمي ان اصبح يوما استاذ عربية ..ضحكت ضحكة خبيثة وقلت له (تي هات انجح وبعد يعمل الله)… وواصلت تاطيره وتكوينه في العمل الاذاعي ونجح في الباكالوريا ويوم ان اختار دراسته العليا جاءني ليقول وبكلّ سعادة …لقد اخترت معهد الصحافة وعلوم الاخبار… اعدت نفس الضحكة الخبيثة وقلت له (حتّى تقللي يخخي؟) واجاب بحضور بديهته: (تقول انت شميتني جايها جايها ؟؟)… هنأته وقلت له انا على ذمتك متى دعتك الحاجة لي ..
وانطلق عماد في دراسته واعنته مع زملائي في الاذاعة الوطنية ليصبح منشطا فيها (طبعا ايمانا منّي بجدراته وكفاءته)… ثم استنجد هو بكلّ ما يملك من طاقات مهنية ليصبح واحدا من ابرز مقدمي شريط الانباء… ثم ليصل على مرتبة رئيس تحرير شريط الانباء بتونس 7 ..ويوما ما عندما فكّر البعض في اذاعة خاصة عُرضت على عماد رئاسة تحريرها وهو من اختار اسمها ..ولانّه لم ينس ماعاشه في مجموعة شمس التي اطرتها واشرفت عليها، لم ينس ان يسمّي هذه الاذاعة شمس اف ام … اي نعم .عماد قطاطة هو من كان وراء اسم شمس اف ام …
ثمة ناس وثمة ناس ..ثمة ناس ذهب وثمة ناس ماجاوش حتى نحاس ..ولانّي عبدالكريم ابن الكريم ..انا عاهدت نفسي ان اغفر للذهب والنحاس وحتى القصدير ..وارجو ايضا ان يغفر لي كل من اسأت اليه ..ولكن وربّ الوجود لم اقصد يوما الاساءة ..انه سوء تقدير فقط …
ـ يتبع ـ
عبد الكريم قطاطة:
المهمة الصحفية الثانية التي كلفتني بها جريدة الاعلان في نهاية الثمانينات تمثّلت في تغطية مشاركة النادي الصفاقسي في البطولة الافريقية للكرة الطائرة بالقاهرة …
وهنا لابدّ من الاشارة انها كانت المرّة الوحيدة التي حضرت فيها تظاهرة رياضية كان فيها السي اس اس طرفا خارج تونس .. نعم وُجّهت اليّ دعوات من الهيئات المديرة للسفر مع النادي وعلى حساب النادي ..لكن موقفي كان دائما الشكر والاعتذار ..واعتذاري لمثل تلك الدعوات سببه مبدئي جدا ..هاجسي انذاك تمثّل في خوفي من (اطعم الفم تستحي العين)… خفت على قلمي ومواقفي ان تدخل تحت خانة الصنصرة الذاتية… اذ عندما تكون ضيفا على احد قد تخجل من الكتابة حول اخطائه وعثراته… لهذا السبب وطيلة حياتي الاعلامية لم اكن ضيفا على ايّة هيئة في تنقلات النادي خارج تونس ..
في رحلتي للقاهرة لتغطية فعاليات مشاركة السي اس اس في تلك المسابقة الافريقية، لم يكن النادي في افضل حالاته… لكن ارتأت ادارة الاعلان ان تكلّفني بمهمّة التغطية حتى اكتب بعدها عن ملاحظاتي وانطباعاتي حول القاهرة في شكل مقالات صحفية… وكان ذلك… وهذه عينات مما شاهدته وسمعته وعشته في القاهرة. وهو ما ساوجزه في هذه الورقة…
اوّل ما استرعى انتباهي في القاهرة انّها مدينة لا تنام… وهي مدينة الضجيج الدائم… وما شدّ انتباهي ودهشتي منذ الساعة الاولى التي نزلت فيها لشوارعها ضجيج منبهات السيارات… نعم هواية سائقي السيارات وحتى الدراجات النارية والهوائية كانت بامتياز استخدام المنبهات… ثاني الملاحظات كانت نسبة التلوّث الكثيف… كنت والزملاء نخرج صباحا بملابس انيقة وتنتهي صلوحية اناقتها ونظافتها في اخر النهار…
اهتماماتي في القاهرة في تلك السفرة لم تكن موجّهة بالاساس لمشاركة السي اس اس في البطولة الافريقية للكرة الطائرة… كنا جميعا ندرك انّ مشاركته في تلك الدورة ستكون عادية… لذلك وجهت اشرعة اهتمامي للجانب الاجتماعي والجانب الفنّي دون نسيان زيارة معالم مصر الكبيرة… اذ كيف لي ان ازور القاهرة دون زيارة خان الخليلي والسيدة زينب وسيدنا الحسين والاهرام… اثناء وجودي بالقاهرة اغتنمت الفرصة لاحاور بعض الفنانين بقديمهم وجديدهم… وكان اوّل اتصال لي بالكبير موسيقار الاجيال محمد عبد الوهاب رحمه الله… هاتفته ورجوت منه امكانية تسجيل حوار معه فاجابني بصوته الخشن والناعم في ذات الوقت معتذرا بسبب حالته الصحية التي ليست على ما يرام…
لكن في مقابل ذلك التقيت بالكبير محمد الموجي بمنزله وقمت بتسجيل حوار معه ..كان الموجي رحمه الله غاية في التواضع والبساطة… لكن ما طُبع في ذهني نظرته العميقة وهو يستمع اليك مدخّنا سيجارته بنهم كبير… نظرة اكاد اصفها بالرهيبة… رهبة الرجل مسكونا بالفنّ كما جاء في اغنية رسالة من تحت الماء التي لحنها للعندليب… نظرة المفتون بالفن من راسه حتى قدميه…
في تلك الفترة من اواخر الثمانينات كانت هنالك مجموعة من الاصوات الشابة التي بدات تشق طريقها في عالم الغناء ..ولم اترك الفرصة تمرّ دون ان انزل ضيفا عليهم واسجّل لهم حوارات… هنا اذكر بانّ كلّ التسجيلات وقع بثها في برامجي باذاعة صفاقس… من ضمن تلك الاصوات الشابة كان لي لقاءات مع محمد فؤاد، حميد الشاعري وعلاء عبدالخالق… المفاجأة السارة كانت مع لطيفة العرفاوي… في البداية وقبل سفرة القاهرة لابدّ من التذكير بانّ لطيفة كانت احدى مستمعاتي… وعند ظهورها قمت بواجبي لتشجيعها وهي تؤدّي انذاك وباناقة اغنية صليحة (يا لايمي عالزين)…
عندما سمعت لطيفة بوجودي في القاهرة تنقلت لحيّ العجوزة حيث اقطن ودعتني مع بعض الزملاء للغداء ببيتها… وكان ذلك… ولم تكتف بذلك بل سالت عن احوالنا المادية ورجتنا ان نتصل بها متى احتجنا لدعم مادي… شكرا يا بنت بلادي على هذه الحركة…
اختم بالقول قل ما شئت عن القاهرة.. لكنها تبقى من اعظم واجمل عواصم الدنيا… القاهرة تختزل عبق تاريخ كلّ الشعوب التي مرّت على اديمها… نعم انها قاهرة المعزّ…
ـ يتبع ـ
محمد الزمزاري:
انطلقت الحملة الوطنية المتعلقة هذه المرة بالتقصي حول الأمراض المزمنة وكان مرض السكري وأيضا مرض ضغط الدم هما المدرجان في هذه الحملة.
يشار إلى أن نسب مرضى السكري و ضغط الدم قد عرفت ارتفاعا ملفتا لدى المواطنين و بالتحديد لدى شريحة كبار السن مما يكسي اهمية لهذه الحملات التي تنظمها وزارة الصحة العمومية بالتعاون المباشر مع هيئة الهلال الأحمر التونسي.. وقد سنحت لنا الفرصة لحضور جزء مهم من الحملة في بهو محطة القطارات الرئيسية بساحة برشلونة، لنقف على تفاعل عديد المواطنين المصطفّين قصد الخضوع لعملية التقصي بكل انضباط وكان جل الوافدين طبعا من كبار السن، كما لوحظ تواجد عدد كبير من ممثلي الهلال الأحمر ومن الأطباء بمكتبين ويساعدهم بعض الممرضين.
الغريب انه لدى تغطيتى العارضة لهذه الحملة المتميزة التي تهدف اساسا إلى توعية المواطنين وحثهم على تقصي الأمراض بكل انواعها بصور مبكرة، بالاعتماد على كافة قنوات الاتصال وأهمها الإعلام الذي لن يكون الا داعما لهذا الهدف الإنساني لكن احد اعوان الهلال الأحمر فتح معي بحثا ان كنت من التلفزة الوطنية ملاحظا ان القناة المذكورة هي الوحيدة المسموح لها بالقيام بالتغطية ولم يكتف بهذا بل أكد ان الأطباء لا يحبون التصوير.
طبيعي اني لم اتفاعل مع هذا الجهل وضحالة المعرفة باهداف الحملة بالإضافة إلى عمليات التقصي الفعلي ..ولما تجاوز في الإلحاح طلبت منه الاستظهار بصفته هل هو منسق الحملة حتى يمكنني أن امر إلى المسؤول عنها بصفتي صحفيا ..وواصلت عملى أمام انكماش هذا العون التابع للهلال الأحمر حسبما يدل عليه زيه.
وبعيدا عن هذا، لا يفوت التنويه بالجهود الكبيرة التي يتحلى بها طاقم الاطباء و الممرضين و متطوعي الهلال الاحمر، الذين يجهدون انفسهم لانجاح هذه الحملة سواء داخل بهو محطة السكك الحديدية او عبر بعض الفرق التي تعمل على التعريف بجدوى التقصي حتى خارج البهو الكبير.
صن نار
- ثقافياقبل 17 ساعة
قريبا وفي تجربة مسرحية جديدة: “الجولة الاخيرة”في دار الثقافة “بشير خريّف”
- جور نارقبل 17 ساعة
ورقات يتيم … الورقة 89
- ثقافياقبل يوم واحد
زغوان… الأيام الثقافية الطلابية
- جلـ ... منارقبل يومين
الصوت المضيء
- جور نارقبل 3 أيام
ورقات يتيم ..الورقة 88
- ثقافياقبل 3 أيام
نحو آفاق جديدة للسينما التونسية
- صن نارقبل 4 أيام
الولايات المتحدة… إطلاق نار في “نيو أوليانز” وقتلى وإصابات
- صن نارقبل 4 أيام
في المفاوضات الأخيرة… هل يتخلى “حزب الله” عن جنوب لبنان؟