جور نار

حكومة بودن … حكومة واهمة، ستأكلنا يوم تجوع !

نشرت

في

لسائل أن يسأل: لماذا يخرج علينا كل حاكم جديد بأغنية “إنني ورثت الخراب…”؟ هل يريد ايهامنا أو إعدادنا نفسيا لفشل قادم؟ أم أن اصطدامه بحقيقة وواقع الحكم جعلاه يعيش رعبا أوعز له بأن يرمي بفشله قبل أن يقع، على كل من سبقه في الحكم؟ ولسائل أن يسأل أيضا لماذا يحاول كل حاكم جديد الظهور بمنزلة الملائكة فيعلن الحرب على الجميع بتبريرات واهية وأدلّة غائبة فيتهم هذا ويشيطن الآخر ويختلق الروايات عن البعض الآخر كأنه نزل للتوّ من السماء بثوب ناصع البياض؟

<strong>محمد الأطرش<strong>

منذ 14 جانفي ونحن نستمع إلى نفس الأسطوانة ونفس الأغنية على نفس المقام…جميعهم ألقوا بالمسؤولية على عاتق من سبقهم في الحكم…جميعهم جعلوا ممن سبقهم فاسدا ومستبدا وأورثهم تركة ثقيلة لا يمكن الخروج منها، دون تضحيات جسام يتحمّلها شعب الفقراء والمساكين…والغريب في أمر هؤلاء الحكام، أنهم يقارنون إنجازاتهم وأرقامهم بأرقام وإنجازات آخر سنة من حكم بن علي رحمه الله…جميعهم دون استثناء قالوا في بن علي ما لم يقله مالك في الفودكا والويسكي وبقية المحروقات…وجميعهم قارنوا أرقامهم بأرقام آخر سنوات حكمه ورغم ذلك فأرقامهم لم تصل إلى نصف أرقام سنته الأخيرة على كرسي الحكم…فماذا يريد حكامنا منّا بالضبط؟

حكامنا سادتي، يبحثون عن مبرّرات فشلهم قبل أن يجلسوا على كراسيهم، فهم يدركون أنهم لن يعمّروا طويلا على كراسيهم، ويعلمون أنهم لن يتركوا أثرا كالذي تركه الزعيم بورقيبة رحمه الله، وكالذي تركه الرئيس بن علي رحمه الله، ويدركون جيدا أنهم لا يعلمون شيئا من شؤون الحكم وتسيير مؤسساته، فيستبقون فشلهم بالخروج على الشعب بتلك المبررات التي لا موجب لها، لإسكات بعضه، والبحث عن تعاطف البعض الآخر من المغفلين والأغبياء الذين تستهويهم الخطب وحماسة الخطب والألغام التي زرعت في الخطب…والشعارات الواهية …وقافية الكلام…

هكذا هم حكامنا منذ خروج بن علي رحمه الله لأداء مناسك العمرة والحج …حكامنا سادتي ينعتون كل من حكم قبلهم بالفساد…وكل من جلس قبلهم على كراسي الحكم بالفساد…وكل من جلس مع من حكم قبلهم بالفساد…وكل من صاهر من كان يحكم بالفساد…وكل من أجلسه من حكم قبلهم على كراسي السلطة بالفساد…وكل من قاوم الفساد قبلهم بالفساد…فجميع من حكمونا قبل وبعد 2011 هم من الفاسدين عند كل حاكم يطلّ علينا من شرفة قصره حتى إشعار آخر…تسأل حكامنا هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين…يقولون لك…لنا هنا ما يؤكّد ويثبت كلامنا…تسأل ماذا عندكم “هنا” كما تزعمون؟…لن ترى شيئا…ولن تعلم شيئا ولن تمسك بخيط واحد يؤكّد فساد بعضهم…

أقول أ يدري حكامنا ما هو الفساد حقّا…؟؟ الفساد سادتي أن نخرج على الشعب بشعار مقاومة الفساد… وننسى أن الشعب يئن من الجوع، ومجرّد إحساس مواطن بالجوع فساد… وننسى أن الشعب يرزح تحت خطّ الفقر، ووصول مواطن إلى الفقر فساد… وننسى أن الشعب يبحث عن لقمة عيش ولا يجدها، وعدم إيجاد لقمة عيش من مواطن فساد…وننسى أن الشعب يبكي مَن أصبحوا طعاما لحيتان المتوسط، وموت شاب في المتوسط هربا من الموت يأسا من هذه البلاد فساد…وننسى أن الشعب يبكي الظلم و”الحقرة” والتهميش، و”الحقرة” والتهميش من الفساد…وننسى أن الشعب يموت ولا يجد دواء لمرضه، وعدم إيجاد دواء لمواطن مريض فساد…فمقاومة الفساد في زمن كهذا تعتبر فسادا وأكبر فساد فهي إلهاء حقيقي وضمني واعتراف خفي بعدم القدرة على إخراج البلاد مما هي فيه…

سيقول بعضكم بمقاومة الفساد سنوفّر المال، وأسأل كيف ستوفرون المال؟ بابتزاز رجال الأعمال، باتهامهم بالفساد؟ بإلزام رجال الأعمال بالتكفّل بمشاريع في كل جهات البلاد؟ أتعلمون أن ديون رجال الأعمال التي تحدثتم جميعا عنها، وصفقتم طويلا لمن جاءكم بخبرها هي أمر عادي وطبيعي عند كل رجال الأعمال في كل دول العالم، أتدرون أن كل رجال أعمال العالم يقترضون المال للاستثمار، من البنوك ومن دولهم ثم يعيدونه مع فائض لبنوكم حتى وإن طالت مدّة الدفع…وحتى وإن أعيدت جدولة أقساط الدفع، هكذا هي آليات وأساليب الاستثمار والتعمير والبناء في كل دول العالم…فلماذا نجعل منها نحن هنا في تونس قضية فساد كبيرة ستدرّ على خزينة البلاد آلاف الملايين من الدينارات؟ سيقول بعضكم الآخر…أموالنا المهرّبة أين هي؟ سأضحك من مجرّد قول أموالكم…والحال أنها ليست أموالكم…وأقول تعيشون وهما كبيرا خدعكم به بعض الذين وعدوكم  بالجنة …

سيقول بعضكم الآخر إن التهريب أو ما يسمونه بالــ”كونترا” هو الفساد الأخطر والأكبر على البلاد…وأقول تعالوا لنعرف كيف ذلك؟ أتدرون أن التهريب الذي تعرفه بلادنا مع كل حدود الدول المجاورة، ومنذ أكثر من نصف قرن، هو التجارة الوحيدة التي أنقذت مئات الآلاف من العائلات وأنقذت عشرات الآلاف من الشباب العاطل من اليأس والإحباط؟ سيقول أغلبكم وكيف ذلك يا جهبذ؟ وسأقول…أتدرون أن الجماهيرية حين كانت دولة موحّدة ومستقرة كانت تجارتنا الموازية معها تتكفّل باستقرار أكثر من خمس ولايات جنوبية، بشبابها…وعائلاتها… وعاطليها… أتدرون أن الدولة لم تكن قادرة على تشغيل كل ذلك العدد من الذين يمارسون ذلك النشاط التجاري الموازي…فهل أن دولتنا قادرة اليوم أو بالأمس على تشغيل فرد واحد من كل عائلة بها أكثر من أربعة عاطلين عن العمل من أصحاب الشهائد؟ لا وألف لا…لم تنجح حكوماتنا المتعاقبة ومنذ عهد بن علي رحمه الله في تشغيل كل العاطلين عن العمل من أصحاب الشهائد، ومن غيرهم، فكيف تريدون من هؤلاء الاكتفاء بالبقاء في منازلهم ينتظرون رحمه من حكومات فاشلة؟

أيدري بعضكم أن العشرات أو لنقل المئات ممن ناقشوا أطروحات الدكتوراه والماجستير يمارسون نشاطا تجاريا موازيا لتوفير لقمة عيش لعائلاتهم…أتدرون أن نصف من يمارسون هذه التجارة الموزاية هم أساتذة وبعضهم يواصل دراستهم العليا إلى يومنا هذا؟ أتدرون…أنا على بينة من أنكم تعلمون لكنكم لا تريدون الاعتراف بأنكم تعلمون… أقول لو لم تكن التجارة الموازية لخرجت ولايات الجنوب، وولايات الحدود الغربية على كل الحكومات وأطردتها من الحكم…هل تريدون اليوم إقناعنا أن الدولة كانت توفّر الغذاء وكل مستلزمات الحياة لكل الشعب التونسي؟ لا سادتي لا…أكثر من نصف سكان الجنوب ونصف سكان الولايات الحدودية كانت تعيش من التجارة الموازية وكانت تحمد الربّ على نعمة “الكونترا”…قد يقول بعضكم…ولم لا ننظّم هذا الأمر لتكون التجارة الموازية أكثر ربحية وتخضع لمراقبة في بعض السلع التونسية المدعمة …أقول لم لا؟؟ دون ذلك فمن يطالب اليوم بمقاومة التجارة الموازية في زمن قحط كالذي نعيشه منذ عشر سنوات ويزيد فهو فاقد للوعي…ولا يفقه في شؤون الحكم شيئا…

تريدون مقاومة الفساد….قاوموا الفساد الإداري….قاوموا الظلم الإداري…قاوموا التعطيل الإداري….قاوموا المحسوبية…قاوموا التوريث في الانتداب وافتحوا الملفات القديمة لتنصفوا من ظلموهم…تريدون مقاومة الفساد…اسألوا عمن ظلمهم الاتحاد بحرمانهم من الخطط الوظيفية…اسألوا من ظلمهم الاتحاد بتغيير أسماء الناجحين في المناظرات…اسألوا عمن جُمّدوا في رتبهم لأنهم فقط لم يبايعوا المدير والكاتب العام للنقابة الأساسية…اسألوا من حُرموا من ترقياتهم لأكثر من عقدين فقط لأنهم ليسوا منخرطين في الاتحاد…اسألوا من وقعت نقلتهم ظلما وعدوانا فقط لأنهم يمثلون خطرا على المدير لأنهم أكفأ منه…اسألوا عمن دلّسوا الآلاف من الشهائد بمساعدة من بعض أعوان الاتحاد…

اسألوا عمن شاركوا في مناظرات وسرقت منهم مواقع العمل لمن لا يحتاجها….اسألوا كم دفع بعضهم ليتمتع بنقلة بالقرب من والديه…اسألوا كم دفع بعضهم ليصبح معلما بمدرسة نائية…اسألوا عمن دفع الملايين ليقرأ اسمه في قائمة الناجحين في مناظرة احدى أخطر الوزارات…اسألوا عمن أصبحوا يرتعون ممرضين وممرضات في المستشفيات فقط لأنهم أبناء ممرضين وممرضات ولأنهم اقرب إلى الاتحاد والنقابات…اسألوا عن بعض المدن الصغيرة الخالية من العاطلين فقط لأن التوريث هو سياسة الانتداب في مؤسسات تلك المدينة…اسألوا واسألوا…وستعرفون ما هو الفساد…فالفساد الحقيقي هو الذي يشعرك بالظلم…يشعرك بالقهر…يقتلك دون أن تدري أنك تموت يوميا…وكفاكم ايهامنا بأنكم ستوفرون المليارات لخزينة الدولة فقط بمقاومة فساد الكبار…فساد الصغار هو أخطر فساد …

صراحة كنت أنتظر إعلان نوايا من حكومة مولانا بعيدا عن اتهام من سبقه بالفساد والاستبداد…لكن…لا أظنّ أننا بعد عامين من الخطب الناسفة والعنقودية سنسعد بإنجاز وعد واحد من وعود حكومة مولانا…ولا أظنّ أن حكومة مولانا سترأف بحال هذا الشعب…علينا ألا نطلب من حكومة مولانا إصلاح حال البلاد وهي العاجزة عن إصلاح حالها وأحوالها…ولا أظنّ أن حكومة واهمة…ستنجح في توفير ما لم توفره لنا الحكومات التي سبقتها…غير حزمة من الأوهام التي لن تُشبع ولن تغني من جوع…فلا لوم عن حكومتنا إن جاعت…فأكلت بعضنا…

انقر للتعليق

صن نار

Exit mobile version