سعدي يوسف
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)
يوم عالجتها بالترابْ
-هذه الروح – قال التراب :
بالضياء احترقتُ.
كيف يمضي إلى كوكب ليس يعرفه؟ هذه الطرقُ
المستقيمات ماثلة منذ أن كان طفلا…وهذا التراب
الذي ظلّ دهرا يبعثره ، أو يسفّ احتمالاته: البذرة
الأمّ ، والدرَنةَ القاتلةْ.
بالأظافير يحتثّه ، بالأكفّ الرقيقات يحثوهُ…
هذا التراب الجميل ، التراب المموّه بالناس ، من أين
يأتيه؟ من أين يقتادُه للمتاعب؟ دارت به السنواتُ :
التراب المبعثر بين أصابعه ، والسبيل المبعثرُ ،
والنظرة الحائلة.
(2)
حين عالجتها بالهواءْ
-هذه الروح – قال الهواء :
يومَها ، ما هببتُ.
هو ، والبحر ، كانا شقيقين… ذاك الهواءُ المشبّعُ
باليود ، والسمك المتعفّن ، والثوم… ذاك الهواءُ
الذي يتسرّب بين القواقع ، والهبَّةُ البكرُ تزهرُ
فقَّاعةً…
هو ، والبحر ، كانا شقيقين… من يملأ الرئةَ اليومَ؟
إني أحشرجُ بين الرفوف التي سكنتها الرواسبُ ،
والفيضاناتُ…
هذا الهواءُ الذي جاء من نينوى ، والهواءُ الذي ظلّ قنينةً…
والهواءُ – الهواءْ.
(3)
يوم عالجتُها بالحجرْ
-هذه الروح – قال الحجر :
هل أكون انتهيتُ؟
كم دُفعنا إلى حجرْ كي نطوّف دهرا بهً…
أمس قلَّبتُه في يدي… أيها الحجر النيزك ، الحجر
الأبيضُ ، الحجرُ المتلوّن: أيّ زمانْ قطعْنا معاً ،
أيّ أرض حللنا، وأيُّ مواطنَ لم تنفتح وطناً ،
ربما كنت لي ساعداً يوم كنا صغاراً… وصرت الهراوةَ
في الرأس حيناً. ولكننا الآن ندّانً: أنت الذي
جئتَ من أول الكون… هل جئتني؟ وأنا الناهضُ
-الدهر – هل أنثني؟
(4)
يوم عالجتُها بالشجرْ
-هذه الروح – قال الشجر :
كالتراب احترقتُ.
شجراتً الطفولةً ، يا شجرات الطفولة ، يا شجرات الطفولةْ
لنكن مرّةً واضحينْ ،
لنقلْ مرةً إن أقسى الحنينْ
نُدبة في الجبينْ.
لنقلْ مرةً إن أبهى الغصونْ
ما اختفى في العيونْ.
لنقل إننا ما عرفنا الطفولةْ :
أنت يا شجراتً الطفولةْ
كنتً ممتدّةً…
وأنا كنتُ أبكي.
(5)
يومَ أطعمتُها نارَها
قالت الروح :
إني استرحت.
طلْقة هذه الروحُ…
مجنونة ، هي لا تشتري بالفداحة غير عذاباتها.
تستجير بـ “رامبو” لتأخذ من شُحُنات بنادقًه
الحبشياتً واحدةً. تهبط الليلَ في الماء مأخوذةً
بارتعاشات بشَّارْ المحتضَرْ.
طلقة هذه الروحُ…
هل سوّرتْها سماء؟ وهل صوَّرتْها ممالكُ مثل
المماليكً ، هَلْ أودًعتْ في روائح طابوقةْ منذ بابلَ؟
نيرانُ جنْ يغنُّون ، أم نارُ مجمرةْ عند رأسً
الشهيد… أم الغائبُ المنتظَرْ؟