جور نار
رسالة إلى جنين في بطن أمه…
نشرت
قبل سنة واحدةفي
من قبل
محمد الأطرش Mohamed Alatrashكنت مارا أمام مقهى شعبي حين لفت نظري أحد الأصدقاء من الشباب العاطل جالسا في وضعية المهموم والمحبط…اقتربت من كرسيه وسألته “ما بك يا صديقي؟ ولم كل هذا الإحباط والتفكير؟ لم كل هذا اليأس الذي توحي به جلستك هذه واصفرار وجهك…وكأنك تعاني كل أوجاع الأمة والعالم وأنت في هذه السنّ؟”…
نظر إلي وقال بصوت خافت يؤكّد الوجع الذي يعانيه “امرأتي حامل في شهرها الثاني بعد أكثر من خمس سنوات انتظارا، كنت أمني النفس بطفل يعيش سعيدا معي ويهنأ بهذه الحياة وفي هذه الدنيا وفي هذا البلد، لكن وأنت أدرى منّي بحال البلاد والعباد هل سأكون أبا صالحا لهذا الطفل الذي سيأتي بعد سبعة أشهر؟ هل سأنجح في اسعاده وفي توفير كل ضروريات الحياة الكريمة…لا أظنّ أنني سأكون كذلك ولا أظنّ أنني قادر على اسعاد ابني في هذا الذي تعيشه البلاد يا صديقي” نظرت إليه وقلت: وماذا عساك أن تفعل؟ لا شيء… هل أنت قادر على تغيير قدره والتحكّم في مسار حياته؟ لا أظنّ أنك قادر على ذلك… وهل ستضطرّ إلى إجهاض واسقاط من كنت تنتظره لسنوات خوفا عليه من مستقبل مجهول وخوفا من ألاّ تكون قادرا على اسعاده؟
استغرب قولي وعقب بصوت مرتفع “ومن قال إني أريد قتل ابني قبل ولادته…؟ لا أنا لن أفعل ذلك ابدا ولن أفكّر فيه حتى”…أجبته قائلا ” إذن ما الذي ستفعله لإبعاد كل هذا اليأس والإحباط عن نفسك وضمان حياة كريمة لابنك القادم يا صديقي؟” قال مبتسما “كتبت له رسالة اعلمه فيها بكل ما ينتظره”… “نعم! ماذا قلت رسالة وكيف أرسلتها؟ هل تمزح أم ماذا؟” قال بصوت خافت “لا، لا أمزح، فعلا كتبت رسالة وأوصيت زوجتي بأن تقرأها له كل ليلة قبل نومها؟” ضحكت وقلت “ومن أدراك انه سيستمع لأمه وهي تبلغه رسالتك يا هذا أجننت؟؟” قال مستغربا “ومن أدراك أنه لا يستمع وهو في بطن أمه؟”…
لم أصدّق ما قاله صديقي المحبط اليائس فأضفت “وباية لغة كتبت رسالتك وابنك لا يعرف القراءة ولا الكتابة ولن يفهم ما ستبلغه أمه مما كتبت في رسالتك؟” قال “كتبتها بلهجتنا وبلغتنا حتى يفهمها …أعلم أنه لم يقرا ولم يكتب ولم يسمع قبل رسالتي أية رسالة أخرى لذلك كتبتها بالدارجة “.
نظرت إلى صديقي وقلت “هل لي بنسخة من الرسالة إن سمحت طبعا؟” قال وهو يبحث في جيبه الايسر”طبعا عندي نسخة في جيبي أحتفظ بها ليوم آخر” … أخرج صديقي ورقة أنهكها وجودها في جيبه فتغيّر لونها وغلب عليها الاصفرار وأصبحت كأنها مخطوط من الدولة الفاطمية…أخذت الورقة وفتحتها لأجد عشرات الأسطر مبعثرة وغير منظّمة وكأنها رؤوس أقلام خطاب أحد ساسة هذه الأيام …وبدأت أقرأ ما جاء في رسالة صديقي إلى ابنه الذي لم يولد بعد:
” ولدي الغالي…استنيناك أنا وأمك عندنا سنوات…وتعبنا باش وصلنا للي انت فيه اليوم…مشينا للعزّامات…ومشينا للطُبّة…ودُرْنا بلاد كاملة باش من بعد كتب وحَبْلت بيك أمك طبعا بعد مجهود إضافي من باباك اللي هو أنا…وليدي الغالي…باش نجيك مللخر…راني بطّال مللّي تخرجت…جت هاك مكبوبة السعد الثورة وقفت معاها وخرجت نعيّط ونصيح مع أولاد الحومة ومشينا قدّام الولاية وعيطنا… شغل …حرية …كرامة وطنية…وفي الاخر طلعت كذبة وما صورنا شيء…مات جدّك وأنا بطّال ما عمري شريتله حتى كبوس…وماتت جداك وأنا بطّال ما لقيتش حتى دينار باش نفرحها بحاجة…وليدي باش نجيك مللخر…تو يقولولك انت في وطن غالي وباش يقولولك هاك الكلمة المشهورة حب الوطن من الايمان…ونسوا أن حب الشعب زادة من الايمان …وباش يقولولك انت في وطن حرّ وعندو سيادة وفي خدمة الشعب…ومستحيل تجوع …ومستحيل تحتاج…راهم يكذبوا عليك…ما عندهمش فلوس والازمة “مستفحلة”…كلمة “مستفحلة” تو تفسرهالك أمك وليدي…ما ثمّة شيء وليدي…لا باش يخدموك…لا باش يكبروك…لا باش يوكلوك…لا باش يداووك كي تمرض…هاك تشوف في باباك قريت …قريت …قريت وبعد هاني ملوح نطلب في سيڨارو من عمّك حسن ولد خالي التومي…عارفك ما تعرفهمش وليدي لكن تو تتولد وتعرفهم …
وليدي الغالي …مانيش باش نطوّل عليك …ونعرف أمك باش تقرالك الجواب هذا قبل ما ترقد كل ليلة…لكن هاهو الصحيح…راني بطّال …وما عندي حتى فرنك فوقي…والامراض الكل راكبتني…عندي الحجر في الكلاوي…وعندي شوية سكر…وعندي الدم طالعلي…وعندي دقة زايدة في القلب…وعندي المصرانة الخشينة… وساقي تكسرت وما جبستهاش برات معوجة…والحوانتي يسالني…والفحّام يسالني…والدخاخني يسالني…والطبيب يسالني…والفرملي اللي يدق في الزريقة لامك كي حبلت بيك يسالني…والصيدلية تسالني…والتاكسيسيت يسالني…والجزار يسالني عندو عامين…والحجام يسالني…وعمك سعيد يسالني…وعمك الكوني يسالني…وفتحي بوطحش يسالني…وعلي الأعور يسالني…وحمادي باتينده يسالني…وعمر كرفة يسالني…ومولى الدار يسالني كراء ثلاث سنين…وخالتك تسالني…وحتى صندوق النكد الدولي يسالني ما دام يسال الدولة…
الوحيد اللي ما يسالنيش مات أول امس، نهار اللي انا قررت باش نمشي نتسلف منه عشرة دينارات باش نخلص بيهم التاكسيست اللي هزّ أمك للسبيطار…وما نخبيش عليك انت ولدي وما عندي علاش نحشم منك…عندي سروال دجين نحُكْ فيه عندو خمس سنين…جابلي خالك سروال من إيطاليا بعته باش داويت أمك…وجابلي عمك الكوني صباط وتريكو من السعودية كي مشى عمل عمرة صرفتهم كي جداك ماتت…وكل ستة شهور نمشي انا وامك للفريب ساعات نروحوا بسروال بزوز دينارات وسورية بالفين… انت والبالة…المهمّ وليدي نحب نعلمك بالوضع اللي عايشوا أنا وأمك وانت دليلك ملك…تحب تجينا مرحبا نقسموا اللي نلقوه…وتحب تتراجع وليدي انت حرّ…
نزيد نعلمك…صعيب باش نخدم قبل عشرة والا عشرين عام اخرين…وقتها نولي معادش قادر باش نخدم…وليدي…نسيت ما قتلكش …راهو الخبز بالصف…والزيت والله لا ريته من عام التالي نقصد زيت الحاكم باقي زيت الزيتونة عندي اربع سنوات ما ذقتوش … اخر مرّة ذقت زيت زيتونة في صحفة بسيسة كليتها عند الحاج خليفة ولد عمي عمّار…أما الفرينة تحضر وتغيب كي الشمس في شتاء الدانمارك…ما تعرفهاش الدانمارك تو تعرفها نهار آخر كان كتب… والأكيد في بالك بالحرب بين روسيا وأوكرانيا هي اللي خلت الفارينة موش متوفرة؟ …وهاهم قالوا اللي راسبوتين …لا…لا بوتين موش راس بوتين…وعد باش يعطينا برشة طرانط قمح وشعير صدقة…وان شاء الله صدقة بالغة ويلقاه في صغاره ان شاء الله…والسكر وليدي ساعات ندبّر كيلو نقسْطه على شهر وانا بطبيعتي عندي السكر نشرب القهوة مرة تولي حلوة في كرشي …
الحاصيلوا الأمور متأزمة…ما نتصورش اني نلقالك نهار آخر الحليب كان طلعت أمك ما عندهاش حليب…وليدي مللخر…كانك قابل باش تعيش معانا الازمة اللي عايشينها مرحبا بيك…وكانك وليدي تسخايلها جنة وباش تتفرهد نقلك الله غالب كذبوا عليك…ننصحك باش تقنع امك باش تحرق بيك وتولدك في فرانسا عندها زيتونتين وقطعة ارض مع اخواتها تنجم تبيعهم وتدبّر حرقة وبعد نخلط أنا…وغادي نتهنى عليك…وحقّ ربي كيف ما حكيتلك…وهوكه أمك اسألها نهار آخر اش نعاني وقداش تعبت…
نسيت وليدي راهو الانترنات ما عندناش في الدار…وما عندناش باش نشرولك بلاي ستايشن نهار آخر…وانت دليلك ملك يا غالي…ما تقولش نهار آخر بابا عداها عليّ وكذب عليّ كيف جماعة الثورة وكيف الحكومات الكل اللي جات بعد الثورة…نبوسك ولدي وسلملي على…تي لا ما تسلملي على حدّ …ايّا ربّي يوصلك بالسالم…وليدي”…
أوجعتني الرسالة …وخرجت مسرعا من المقهى …بعد أكثر من شهرين علمت أن زوجة صديقي سقطت من على ظهر حمار أحد اخوتها عند زيارتها له في أحد ارياف البلاد للحديث عن بيع قطعة الأرض والزيتونتين… ولم ينج الجنين فمات قبل أن يولد…ولا أحد يعلم هل بلغته رسالة والده أم لا…
تصفح أيضا
عبد الكريم قطاطة:
فترة التسعينات كانت حبلى بالاحداث والتغييرات في مسيرتي المهنية منها المنتظر والمبرمج له ومنها غير المنتظر بتاتا …
وانا قلت ومازلت مؤمنا بما قلته… انا راض بأقداري… بحلوها وبمرّها… ولو عادت عجلة الزمن لفعلت كلّ ما فعلته بما في ذلك حماقاتي واخطائي… لانني تعلمت في القليل الذي تعلمته، انّ الانسان من جهة هو ابن بيئته والبيئة ومهما بلغت درجة وعينا تؤثّر على سلوكياتنا… ومن جهة اخرى وحده الذي لا يعمل لا يخطئ… للتذكير… اعيد القول انّه وبعد ما فعله سحر المصدح فيّ واخذني من دنيا العمل التلفزي وهو مجال تكويني الاكاديمي، لم انس يوما انّني لابدّ ان اعود يوما ما الى اختصاصي الاصلي وهو العمل في التلفزيون سواء كمخرج او كمنتج او كلاهما معا… وحددت لذلك انقضاء عشر سنوات اولى مع المصدح ثمّ الانكباب على دنيا التلفزيون بعدها ولمدّة عشر سنوات، ثمّ اختتام ما تبقّى من عمري في ارقى احلامي وهو الاخراج السينمائي…
وعند بلوغ السنة العاشرة من حياتي كمنشط اذاعي حلّت سنة 1990 لتدفعني للولوج عمليا في عشريّة العمل التلفزي… ولانني احد ضحايا سحر المصدح لم استطع القطع مع هذا الكائن الغريب والجميل الذي سكنني بكلّ هوس… الم اقل آلاف المرات انّ للعشق جنونه الجميل ؟؟ ارتايت وقتها ان اترك حبل الوصل مع المصدح قائما ولكن بشكل مختلف تماما عما كنت عليه ..ارتايت ان يكون وجودي امام المصدح بمعدّل مرّة في الاسبوع ..بل وذهبت بنرجسيتي المعهودة الى اختيار توقيت لم اعتد عليه بتاتا ..نعم اخترت الفضاء في سهرة اسبوعية تحمل عنوان (اصدقاء الليل) من التاسعة ليلا الى منتصف الليل …هل فهمتم لماذا وصفت ذلك الاختيار بالنرجسي ؟؟ ها انا افسّر ..
قبل سنة تسعين عملت في فترتين: البداية كانت فترة الظهيرة من العاشرة صباحا حتى منتصف النهار (والتي كانت وفي الاذاعات الثلاث قبل مجيئي فترة خاصة ببرامج الاهداءات الغنائية)… عندما اقتحمت تلك الفترة كنت مدركا انيّ مقدم على حقل ترابه خصب ولكنّ محصوله بائس ومتخلّف ..لذلك اقدمت على الزرع فيه … وكان الحصاد غير متوقع تماما ..وتبعتني الاذاعة الوطنية واذاعة المنستير وقامت بتغييرات جذرية هي ايضا في برامجها في فترة الضحى .. بل واصبح التنافس عليها شديدا بين المنشطين ..كيف لا وقد اصبحت فترة الضحى فترة ذروة في الاستماع … بعد تلك الفترة عملت ايضا لمدة في فترة المساء ضمن برنامج مساء السبت … ولم يفقد انتاجي توهجه ..وعادت نفس اغنية البعض والتي قالوا فيها (طبيعي برنامجو ينجح تي حتى هو واخذ اعزّ فترة متاع بثّ) …
لذلك وعندما فكّرت في توجيه اهتمامي لدنيا التلفزيون فكرت في اختيار فترة السهرة لضرب عصفورين بحجر واحد… الاول الاهتمام بما ساحاول انتاجه تلفزيا كامل ايام الاسبوع وان اخصص يوما واحدا لسحر المصدح ..ومن جهة اخرى وبشيء مرة اخرى من النرجسية والتحدّي، اردت ان اثبت للمناوئين انّ المنشّط هو من يقدر على خلق الفترة وليست الفترة هي القادرة على خلق المنشط ..وانطلقت في تجربتي مع هذا البرنامج الاسبوعي الليلي وجاءت استفتاءات (البيان) في خاتمة 1990 لتبوئه و منشطه المكانة الاولى في برامج اذاعة صفاقس .. انا اؤكّد اني هنا اوثّق وليس افتخارا …
وفي نفس السياق تقريبا وعندما احدثت مؤسسة الاذاعة برنامج (فجر حتى مطلع الفجر) وهو الذي ينطلق يوميا من منتصف الليل حتى الخامسة صباحا، و يتداول عليه منشطون من الاذاعات الثلاث… طبعا بقسمة غير عادلة بينها يوم لاذاعة صفاقس ويوم لاذاعة المنستير وبقية الايام لمنشطي الاذاعة الوطنية (اي نعم العدل يمشي على كرعيه) لا علينا … سررت باختياري كمنشط ليوم صفاقس ..اولا لانّي ساقارع العديد من الزملاء دون خوف بل بكلّ ثقة ونرجسية وغرور… وثانيا للتاكيد مرة اخرى انّ المنشط هو من يصنع الفترة ..والحمد لله ربحت الرهان وبشهادة اقلام بعض الزملاء في الصحافة المكتوبة (لطفي العماري في جريدة الاعلان كان واحدا منهم لكنّ الشهادة الاهمّ هي التي جاءتني من الزميل الكبير سي الحبيب اللمسي رحمه الله الزميل الذي يعمل في غرفة الهاتف بمؤسسة الاذاعة والتلفزة) …
سي الحبيب كان يكلمني هاتفيا بعد كل حصة انشطها ليقول لي ما معناه (انا نعرفك مركّب افلام باهي وقت كنت تخدم في التلفزة اما ما عرفتك منشط باهي كان في فجر حتى مطلع الفجر .. اما راك اتعبتني بالتليفونات متاع المستمعين متاعك، اما مايسالش تعرفني نحبك توة زدت حبيتك ربي يعينك يا ولد) … في بداية التسعينات ايضا وبعد انهاء اشرافي على “اذاعة الشباب” باذاعة صفاقس وكما كان متفقا عليه، فكرت ايضا في اختيار بعض العناصر الشابة من اذاعة الشباب لاوليها مزيدا من العناية والتاطير حتى تاخذ المشعل يوما ما… اطلقت عليها اسم مجموعة شمس، واوليت عناصرها عناية خاصة والحمد لله انّ جلّهم نجحوا فيما بعد في هذا الاختصاص واصبحوا منشطين متميّزين… بل تالّق البعض منهم وطنيا ليتقلّد عديد المناصب الاعلامية الهامة… احد هؤلاء زميلي واخي الاصغر عماد قطاطة (رغم انه لا قرابة عائلية بيننا)…
عماد يوم بعث لي رسالة كمستمع لبرامجي تنسمت فيه من خلال صياغة الرسالة انه يمكن ان يكون منشطا …دعوته الى مكتبي فوجدته شعلة من النشاط والحيوية والروح المرحة ..كان انذاك في سنة الباكالوريا فعرضت عليه ان يقوم بتجربة بعض الريبورتاجات في برامجي .. قبل بفرح طفولي كبير لكن اشترطت عليه انو يولي الاولوية القصوى لدراسته … وعدني بذلك وسالته سؤالا يومها قائلا ماذا تريد ان تدرس بعد الباكالوريا، قال دون تفكير اريد ان ادرس بكلية الاداب مادة العربية وحلمي ان اصبح يوما استاذ عربية ..ضحكت ضحكة خبيثة وقلت له (تي هات انجح وبعد يعمل الله)… وواصلت تاطيره وتكوينه في العمل الاذاعي ونجح في الباكالوريا ويوم ان اختار دراسته العليا جاءني ليقول وبكلّ سعادة …لقد اخترت معهد الصحافة وعلوم الاخبار… اعدت نفس الضحكة الخبيثة وقلت له (حتّى تقللي يخخي؟) واجاب بحضور بديهته: (تقول انت شميتني جايها جايها ؟؟)… هنأته وقلت له انا على ذمتك متى دعتك الحاجة لي ..
وانطلق عماد في دراسته واعنته مع زملائي في الاذاعة الوطنية ليصبح منشطا فيها (طبعا ايمانا منّي بجدراته وكفاءته)… ثم استنجد هو بكلّ ما يملك من طاقات مهنية ليصبح واحدا من ابرز مقدمي شريط الانباء… ثم ليصل على مرتبة رئيس تحرير شريط الانباء بتونس 7 ..ويوما ما عندما فكّر البعض في اذاعة خاصة عُرضت على عماد رئاسة تحريرها وهو من اختار اسمها ..ولانّه لم ينس ماعاشه في مجموعة شمس التي اطرتها واشرفت عليها، لم ينس ان يسمّي هذه الاذاعة شمس اف ام … اي نعم .عماد قطاطة هو من كان وراء اسم شمس اف ام …
ثمة ناس وثمة ناس ..ثمة ناس ذهب وثمة ناس ماجاوش حتى نحاس ..ولانّي عبدالكريم ابن الكريم ..انا عاهدت نفسي ان اغفر للذهب والنحاس وحتى القصدير ..وارجو ايضا ان يغفر لي كل من اسأت اليه ..ولكن وربّ الوجود لم اقصد يوما الاساءة ..انه سوء تقدير فقط …
ـ يتبع ـ
عبد الكريم قطاطة:
المهمة الصحفية الثانية التي كلفتني بها جريدة الاعلان في نهاية الثمانينات تمثّلت في تغطية مشاركة النادي الصفاقسي في البطولة الافريقية للكرة الطائرة بالقاهرة …
وهنا لابدّ من الاشارة انها كانت المرّة الوحيدة التي حضرت فيها تظاهرة رياضية كان فيها السي اس اس طرفا خارج تونس .. نعم وُجّهت اليّ دعوات من الهيئات المديرة للسفر مع النادي وعلى حساب النادي ..لكن موقفي كان دائما الشكر والاعتذار ..واعتذاري لمثل تلك الدعوات سببه مبدئي جدا ..هاجسي انذاك تمثّل في خوفي من (اطعم الفم تستحي العين)… خفت على قلمي ومواقفي ان تدخل تحت خانة الصنصرة الذاتية… اذ عندما تكون ضيفا على احد قد تخجل من الكتابة حول اخطائه وعثراته… لهذا السبب وطيلة حياتي الاعلامية لم اكن ضيفا على ايّة هيئة في تنقلات النادي خارج تونس ..
في رحلتي للقاهرة لتغطية فعاليات مشاركة السي اس اس في تلك المسابقة الافريقية، لم يكن النادي في افضل حالاته… لكن ارتأت ادارة الاعلان ان تكلّفني بمهمّة التغطية حتى اكتب بعدها عن ملاحظاتي وانطباعاتي حول القاهرة في شكل مقالات صحفية… وكان ذلك… وهذه عينات مما شاهدته وسمعته وعشته في القاهرة. وهو ما ساوجزه في هذه الورقة…
اوّل ما استرعى انتباهي في القاهرة انّها مدينة لا تنام… وهي مدينة الضجيج الدائم… وما شدّ انتباهي ودهشتي منذ الساعة الاولى التي نزلت فيها لشوارعها ضجيج منبهات السيارات… نعم هواية سائقي السيارات وحتى الدراجات النارية والهوائية كانت بامتياز استخدام المنبهات… ثاني الملاحظات كانت نسبة التلوّث الكثيف… كنت والزملاء نخرج صباحا بملابس انيقة وتنتهي صلوحية اناقتها ونظافتها في اخر النهار…
اهتماماتي في القاهرة في تلك السفرة لم تكن موجّهة بالاساس لمشاركة السي اس اس في البطولة الافريقية للكرة الطائرة… كنا جميعا ندرك انّ مشاركته في تلك الدورة ستكون عادية… لذلك وجهت اشرعة اهتمامي للجانب الاجتماعي والجانب الفنّي دون نسيان زيارة معالم مصر الكبيرة… اذ كيف لي ان ازور القاهرة دون زيارة خان الخليلي والسيدة زينب وسيدنا الحسين والاهرام… اثناء وجودي بالقاهرة اغتنمت الفرصة لاحاور بعض الفنانين بقديمهم وجديدهم… وكان اوّل اتصال لي بالكبير موسيقار الاجيال محمد عبد الوهاب رحمه الله… هاتفته ورجوت منه امكانية تسجيل حوار معه فاجابني بصوته الخشن والناعم في ذات الوقت معتذرا بسبب حالته الصحية التي ليست على ما يرام…
لكن في مقابل ذلك التقيت بالكبير محمد الموجي بمنزله وقمت بتسجيل حوار معه ..كان الموجي رحمه الله غاية في التواضع والبساطة… لكن ما طُبع في ذهني نظرته العميقة وهو يستمع اليك مدخّنا سيجارته بنهم كبير… نظرة اكاد اصفها بالرهيبة… رهبة الرجل مسكونا بالفنّ كما جاء في اغنية رسالة من تحت الماء التي لحنها للعندليب… نظرة المفتون بالفن من راسه حتى قدميه…
في تلك الفترة من اواخر الثمانينات كانت هنالك مجموعة من الاصوات الشابة التي بدات تشق طريقها في عالم الغناء ..ولم اترك الفرصة تمرّ دون ان انزل ضيفا عليهم واسجّل لهم حوارات… هنا اذكر بانّ كلّ التسجيلات وقع بثها في برامجي باذاعة صفاقس… من ضمن تلك الاصوات الشابة كان لي لقاءات مع محمد فؤاد، حميد الشاعري وعلاء عبدالخالق… المفاجأة السارة كانت مع لطيفة العرفاوي… في البداية وقبل سفرة القاهرة لابدّ من التذكير بانّ لطيفة كانت احدى مستمعاتي… وعند ظهورها قمت بواجبي لتشجيعها وهي تؤدّي انذاك وباناقة اغنية صليحة (يا لايمي عالزين)…
عندما سمعت لطيفة بوجودي في القاهرة تنقلت لحيّ العجوزة حيث اقطن ودعتني مع بعض الزملاء للغداء ببيتها… وكان ذلك… ولم تكتف بذلك بل سالت عن احوالنا المادية ورجتنا ان نتصل بها متى احتجنا لدعم مادي… شكرا يا بنت بلادي على هذه الحركة…
اختم بالقول قل ما شئت عن القاهرة.. لكنها تبقى من اعظم واجمل عواصم الدنيا… القاهرة تختزل عبق تاريخ كلّ الشعوب التي مرّت على اديمها… نعم انها قاهرة المعزّ…
ـ يتبع ـ
محمد الزمزاري:
انطلقت الحملة الوطنية المتعلقة هذه المرة بالتقصي حول الأمراض المزمنة وكان مرض السكري وأيضا مرض ضغط الدم هما المدرجان في هذه الحملة.
يشار إلى أن نسب مرضى السكري و ضغط الدم قد عرفت ارتفاعا ملفتا لدى المواطنين و بالتحديد لدى شريحة كبار السن مما يكسي اهمية لهذه الحملات التي تنظمها وزارة الصحة العمومية بالتعاون المباشر مع هيئة الهلال الأحمر التونسي.. وقد سنحت لنا الفرصة لحضور جزء مهم من الحملة في بهو محطة القطارات الرئيسية بساحة برشلونة، لنقف على تفاعل عديد المواطنين المصطفّين قصد الخضوع لعملية التقصي بكل انضباط وكان جل الوافدين طبعا من كبار السن، كما لوحظ تواجد عدد كبير من ممثلي الهلال الأحمر ومن الأطباء بمكتبين ويساعدهم بعض الممرضين.
الغريب انه لدى تغطيتى العارضة لهذه الحملة المتميزة التي تهدف اساسا إلى توعية المواطنين وحثهم على تقصي الأمراض بكل انواعها بصور مبكرة، بالاعتماد على كافة قنوات الاتصال وأهمها الإعلام الذي لن يكون الا داعما لهذا الهدف الإنساني لكن احد اعوان الهلال الأحمر فتح معي بحثا ان كنت من التلفزة الوطنية ملاحظا ان القناة المذكورة هي الوحيدة المسموح لها بالقيام بالتغطية ولم يكتف بهذا بل أكد ان الأطباء لا يحبون التصوير.
طبيعي اني لم اتفاعل مع هذا الجهل وضحالة المعرفة باهداف الحملة بالإضافة إلى عمليات التقصي الفعلي ..ولما تجاوز في الإلحاح طلبت منه الاستظهار بصفته هل هو منسق الحملة حتى يمكنني أن امر إلى المسؤول عنها بصفتي صحفيا ..وواصلت عملى أمام انكماش هذا العون التابع للهلال الأحمر حسبما يدل عليه زيه.
وبعيدا عن هذا، لا يفوت التنويه بالجهود الكبيرة التي يتحلى بها طاقم الاطباء و الممرضين و متطوعي الهلال الاحمر، الذين يجهدون انفسهم لانجاح هذه الحملة سواء داخل بهو محطة السكك الحديدية او عبر بعض الفرق التي تعمل على التعريف بجدوى التقصي حتى خارج البهو الكبير.
صن نار
- ثقافياقبل ساعة واحدة
قريبا وفي تجربة مسرحية جديدة: “الجولة الاخيرة”في دار الثقافة “بشير خريّف”
- جور نارقبل ساعة واحدة
ورقات يتيم … الورقة 89
- ثقافياقبل 12 ساعة
زغوان… الأيام الثقافية الطلابية
- جلـ ... منارقبل 22 ساعة
الصوت المضيء
- جور نارقبل يومين
ورقات يتيم ..الورقة 88
- ثقافياقبل 3 أيام
نحو آفاق جديدة للسينما التونسية
- صن نارقبل 3 أيام
الولايات المتحدة… إطلاق نار في “نيو أوليانز” وقتلى وإصابات
- صن نارقبل 3 أيام
في المفاوضات الأخيرة… هل يتخلى “حزب الله” عن جنوب لبنان؟